08‏/04‏/2021

لوكليزيو والعزلة الاختيارية

 

لوكليزيو والعزلة الاختيارية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..........

     وُلِدَ الروائي الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو ( 1940_ ... ) في مدينة نيس الفرنسية ، وقد قضى سنتين من طفولته في نيجيريا، وقام بالتدريس في جامعات في بانكوك وبوسطن ومكسيكو سيتي . ألَّف ما يزيد على أربعين عملاً . وفي عام 2008، فاز بجائزة نوبل للآداب عن أعماله طوال حياته ، وبصفته " مؤلف لمغامرات جديدة وشاعرية ، ومُتعة حسية . مستكشف للإنسانية خلف وتحت الحضارة الحاكمة " .

      وكان قد اشْتُهِر عام 1980، بعد نشر رواية " الصحراء "، التي اعتبرتها الأكاديمية السويدية تُقدِّم " صُوَرًا رائعة لثقافة ضائعة في صحراء شمال أفريقيا " .

     تُعتبَر رواية " الصحراء " واحدة من أهم روايات لوكليزيو ، وقد أحدثت طفرةً هائلة في عالَم الكتابة . وفازت الرواية بجائزة بول موروند الكبرى مِن أكاديمية اللغة الفرنسية في عام 1980.

     وهذه الرواية عبارة عن قصتين مُتشابكتين: القصة الأقصر تحدث تحديدًا في الفترة( 1910_ 1912) . وتتحدث عن آخر انتفاضة لقبائل الصحراء ضد الحماية الفرنسية على المغرب . والقصة الأطول هي قصة     ( لالا ) ، وتحدث في وقت غير معلوم ، ولكن على ما يبدو بعد الحرب العالمية الثانية . وتصف حياتها في وقت مُبكِّر في مُدن الصفيح على حافة مدينة مغربية ساحلية غير مذكورة ، وخاصة صداقتها مع الحراطين      ( الأحرار أصحاب البشرة السوداء ) ، والذين يأتون من القبائل الصحراوية مِثْلها . تروي القصةُ الوقتَ الذي قضته في مرسيليا ، وعودتها في نهاية المطاف إلى مدينة الصفيح ، حيث تلد طِفلاً مِن الحراطين .

     يُعتبَر لوكليزيو مُتعدِّد الهويات ومُتشابك الجذور بين الأب البريطاني الذي عمل طبيبًا عسكريًّا في أفريقيا ، والأم الفرنسية مِن جُزر موريسيوش . وقد ظلَّ الروائي طيلة عقود يبحث في التباس الانتماء والهوية ، الذي وجد نفسه فيه . فقد اكتسب الجنسية الفرنسية مِن أُمِّه ، وأخذ الجنسية الإنجليزية مِن والده . وكان يشعر بأنه مُزْدَوَج، وهذا منحه شعورًا بالغربة . ولطالما رغب بالتخلص من هذا الشعور . لقد كان بحاجة إلى هوية مُحدَّدة بشكل حاسم .

     يرفض لوكليزيو الظهور في الإعلام ، فهو صامت ومُنعزل ومُتأمِّل ، ويَعتبر الإنسان مجموعةً من المكتسبات الثقافية ، والإرث العائلي ، والمتغيِّرات الفكرية ، وتجارب العَيش في بلدان وأوضاع مُتغيِّرة ، وخيارات شخصية ، وكشوفات وأحلام مُتحقِّقة أو متهاوية .

     وقد صرَّح في مؤتمر صحفي عَقِب فَوزه بجائزة نوبل : (( أنا معنيٌّ بكتابة الروايات فَحَسْب ، الأدب شغفي الكبير ، والكتابة أهم وسيلة لمخاطبة العالَم ، وليس علينا أن نُكثِر من الكلام أمام الإعلام ، لأن المرء قد يقول أشياء غير دقيقة )) .

     يمتاز إبداع لوكليزيو بعمق إنساني ، وفيوض شِعرية دفَّاقة ، وتجريب مُمتع ، مِمَّا جعل أعماله تُحَفًا فنية في صياغاتها وتفرُّدها الأسلوبي الذي تجاوز ما أنجزته موجة الرواية الجديدة في فرنسا ، لِيُحقِّق الرواية المفتوحة على الشعر والوثيقة واليوميات والتجديد اللغوي .

     احتفى لوكليزيو في معظم أعماله بمرحلة المراهقة التي تُشكِّل وجدان المرء عبر الأخطاء والتجارب والمآزق والأحلام ، وجعل من المراهقات وبخاصة الفتيات الغريبات المهاجرات بطلات للعديد من قصصه ورواياته .

     يَعتبر لوكليزيو أن السمة الأساسية للرواية هي أنها غير قابلة للتصنيف ، لأنها تتناول كل شيء يمكن تصوُّره.وبعبارة أخرى ، إن الرواية طراز أدبي يتشكل مِن خلطة مشتبكة من الأنواع الأدبية، وهي أقرب إلى كتلة مختمرة من الأفكار التي هي في النهاية انعكاس للعالَم الذي تتصارع فيه أقطاب متعددة ومتنافرة .

     كما أنه يَعتبر الثقافة الغربية المعاصرة كُتلةً متراصة واحدة الاتجاه والهدف ، فهي تضع أعظم قدراتها الممكنة في جانبيها الحضري والتقني ، وهي بهذا الفِعل تمنع تَشَكُّل وارتقاء أنماط أخرى من التعبير ، مِثل القناعات الدينية البدائية والأحاسيس الفِطرية .

     وقد أدى هذا الحال _ حَسَب لوكليزيو _ إلى غض الطرف عن ذلك الجانب الخفي غير المستكشَف وشديد الثراء من الكائن الإنساني تحت غطاء ثقيل مِن ستار العقلنة . وإن إدراكه لهذه الإشكالية هو ما دفعه باتجاه البحث عن ثقافات أخرى في أماكن مختلفة مِن هذا العالَم .

     مِن أبرز رواياته : الحمى ( 1965) . الطوفان ( 1968) . العمالقة ( 1975) . صحراء ( 1980). الباحث عن الذهب ( 1983) . الأفريقي ( 2004) . مُتلازمة الجوع ( 2008) .