27‏/06‏/2021

روبرت فروست وسحر الطبيعة

 

روبرت فروست وسحر الطبيعة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

................

     وُلد الشاعر الأمريكي روبرت فروست ( 1874_ 1963) في مدينة سان فرانسيسكو . تُوُفِّيَ والده الذي كان يعمل صحفيًّا من مرض السُّل ، وهو في الحادية عشرة مِن العُمر ، وبعدها انتقلت عائلته إلى لورانس في ولاية ماساتشوستس .

     بدأ فروست دراسته في معهد درت موت عام 1892 ، لكنه ترك الدراسة فيه قبل أن يُكمِل الفصل الأول، وعاد إلى ماساتشوستس، وهناك عمل في التدريس وبعض الأعمال المؤقتة الأخرى. في عام 1894 باع فروست منظومته الشعرية الأولى " فراشتي " لأسبوعية في نيويورك مقابل خمسة عشر دولارًا . وبعد هذا النجاح طلب يد صديقته ألينور مريام للزواج ، لكنها رفضت بسبب رغبتها في إكمال دراستها . بعدها سافر فروست مُحْبَطًا إلى النهر الكبير في فرجينيا، لكنه لَم يلبث أن عاد وتزوَّج صديقته التي كانت سندًا له طيلة حياتهما معًا، وأنجب منها ستة أولاد ، أربعة منهم ماتوا خلال حياته . عمل فروست وزوجته في التدريس حتى عام1897. بعد ذلك بدأ فروست دراسته في جامعة هارفارد ، إلا انه ترك الدراسة فيها بعد عامين ، وبعد أن وُلد له الولد الثاني ، لأنه رأى أن الجامعة تحدُّ مِن أُفقه . اشترى له جَدُّه مزرعة في ولاية نيوهامبشِر ، وهناك مكث فروست تسعة أعوام من حياته لَم يُحقِّق خلالها نجاحًا في العمل الزراعي، لكنه كتب خلال تلك الفترة أشعار كثيرة أصبحت مشهورة .

     تتميَّز أشعار فروست بالأسلوب البسيط والمباشر والسَّلِس ، وقد قِيل إنه حَوَّلَ لُغة البسطاء إلى شِعر ، وهو يُكثِر من وصف مناظر منطقة نيوإنجلند التي قضى فيها أغلب فترات حياته .

     معظم أشعاره موزونة على هيئة منظومات غنائية ، إذ إن فروست سَخِرَ من أسلوب الشِّعر الحر، الذي مارسه الكثير من أبناء جيله من الشعراء الأمريكيين . ويُعرَف فروست بأسلوبه البسيط والمباشر ، وبأوصافه المثيرة للمشاعر لمناظر نيوإنجلند شمال شرق الولايات المتحدة .

     يُعتبَر فروست في نظر الكثيرين كواحد من أهم شعراء اللغة الإنجليزية . وقد فازَ خلال حياته بأربع جوائز بوليتزر . كما شاركَ في مراسم تنصيب الرئيس جون كينيدي .

     كتب فروست الشِّعر بَدْءًا من عام 1890، ولكن لَم يَتيسَّر له أن ينشر إلا عددًا قليلاً من قصائده . وبإلحاح من زوجته رحلا إلى إنجلترا عام 1912، حيث كانت بوادر الشعر الحديث قد بدأت بالظهور . وكان جيرانه هناك أعلام الشِّعر الإنجليزي .

     في أثناء إقامته في إنجلترا ، نشر فروست ديوانه الأول " إرادة صبي " ( 1913) ، ثم ديوانه الثاني " شمال بوسطن " ( 1914) ، اللذين لقيا نجاحًا باهرًا . وأُعيدت طباعتهما في الولايات المتحدة، التي عاد إليها الشاعر عام1915، بعد نشوب الحرب العالمية الأولى في أوروبا ليستقر في مزرعته في نيوهامبشر، وصار الشاعرَ المقيم في كلية آمهرست . وتتالت دواوينه في الظهور ، فكانَ ديوان"استراحة على الجبل"(1916) و"قصائد مختارة"( 1923) ، و " نيوهامبشِر" ( 1923).

     ونشر فروست في الفترة ( 1942_ 1947) عددًا من المجموعات الأخرى ، حصل عن أُولاها " الشجرة الشاهدة " ( 1943) على جائزة بوليتزر للمرة الرابعة .

     وقد تضمَّنت هذه الدواوين كُلها خُلاصة خبرته وفكره وتأملاته حول كُنه الوجود ، وعبَّر فيها عن السَّكينة ، وأهمية رؤية الوجود بشكل واضح .

     ومع تمكن فروست من الأدب الكلاسيكي، الشعري منه خاصة، فقد اعتمد لغة الحديث اليومية مُهَذِّبًا إيَّاها، ومُتناوِلاً موضوعات تمسُّ حياة الإنسان العادي كما في قصيدة " دفن منزلي "، والتي تتحدَّث عن بعض ما يتعرَّض له الشاعر مِن مآسٍ في حياته ، مِن مرض أفراد عائلته ، ثم موتهم الواحد تِلْو الآخر . وقصيدة " الجدول المنساب نحو الغرب " التي عَبَّر فيها عن رؤية للوجود قد يشوبها بعض الأسى ، إلا أنها لَم تكن يَوْمًا متشائمة، وعَبَّر فيها أيضًا عن حب فائق للطبيعة بشعر وصفي مليء بالإحساس ، إلا أنه في الوقت ذاته تأمُّلي يبحث في الوضع الإنساني .

     كان فروست مِن الشعراء الانتقاليين الذين توسَّطوا بين القديم والحديث . لَم يلحق بركب الحداثة كما فعل باوند وإليوت ، ومع ذلك فقد كان من أبرز المجددين في الشعر الأمريكي . وعند وفاته في بوسطن كان الشاعر الأرفع مكانةً ، وقارئ الشِّعر الأكثر جمهورًا في هارفارد ، وفي كبريات الجامعات الأمريكية الأخرى .