06‏/06‏/2021

خاثينتو بينافينتي والشذوذ الجنسي

 

خاثينتو بينافينتي والشذوذ الجنسي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...............

وُلد الأديب الإسباني خاثينتو بينافينتي ( 1866_ 1954) في مدريد . كان أبوه طبيب أطفال مشهورًا ، وهذا دفع الكاتبَ فيما بعد إلى كتابة أعمال مسرحية خاصة بالأطفال .

بدأ دراسة الحقوق في جامعة مدريد ، ولكن مَوت والده عام 1885 كان المنعطَف الرئيسي في مسيرته ، الذي غيَّر مسار أفكاره وحياته إلى الأبد . فقد ورث عن والده ثروة طائلة ، فتركَ دراسته الجامعية ، ولَم يعد بحاجة إلى العمل لكسب قُوت يَومه . وتفرَّغ تمامًا للأدب والسَّفر . زارَ فرنسا والأرجنتين وتشيلي وروسيا ومصر ومناطق كثيرة من العالَم . وبسبب كثرة أسفاره ، صارَ خبيرًا بتقاليد المسارح الأوروبية والعالمية .

كان بينافينتي مُولَعًا بالمسرح منذ طفولته ، وامتاز مسرحه بالسُّخرية اللاذعة الممزوجة بالنقد الاجتماعي ، كما ظهرت في مسرحياته النَّزعةُ البوهيمية ، والميولُ الواضحة نحو الفوضى في العلاقات الاجتماعية . واهتمَّ بالأفكار الكوميدية في الفن، وهذا الاتِّجاه المسرحي كان سائدًا في فرنسا ، ونقله بينافينتي إلى إسبانيا ، كما نقل كثيرًا من المذاهب الفنية الأجنبية ، وأدخلها في صميم المسرح الإسباني .

تصادمت أفكارُه مع نظامِ الْحُكْم (السُّلطة السياسية)والكنيسةِ الكاثوليكية ( السُّلطة الدينية )، فقد كان ملكيًّا ليبراليًّا ناقدًا للاشتراكية . وعلى الصعيد الشخصي ، كان شاذًّا جنسيًّا ولَم يتزوج مُطْلَقًا . لذلك خضعت أعماله للرقابة خلال فترة ما بعد الحرب الأهلية ( 1936_ 1939) . كما مُنعت بعض أعماله من العرض ، خصوصًا في السنوات الأولى لِحُكم الجنرال فرانكو ، بسبب كَونه أحد المؤسِّسين لرابطة أصدقاء الاتحاد السوفييتي .

نشر في عام 1894 عملاً أدبيًّا بعنوان" عُش الغريبة "، لكنه لَم يلقَ نجاحًا . ويعود سبب فشله إلى أن الجمهور والنُّقاد لَم يستوعبوا المفاهيم التجديدية التي كانت غريبةً آنذاك .

وفي عام 1896 ، بدأ يُهاجم في أعماله الأدبية الطبقةَ العُليا من المجتمع ، ولكن حِدَّة النقد بدأت تضعف تدريجيًّا ، إلى أن انتهى إلى العِتاب اللطيف في أعماله اللاحقة مثل " غذاء للحيوانات المفترِسة " عام 1898 .

كانت علاقته بالمرأة شديدة الغرابة، فهو يُصرِّح أنَّه لَم يحب امرأةً في حياته ، ومع هذا ، يُظهِر تعاطفًا بالغًا مع المرأة في مسرحياته ، ويتعامل معها على الورق بكل رقة ونعومة .

وقد أحبَّ في شبابه المبكِّر لاعبة سيرك ، وكتب لها أشعارًا ، لكنه أنكرَ هذا الحب ، وزعم أنه كتب أشعاره لصديق كان يُحِبُّه .

يُعتبَر بينافينتي المجدِّد الحقيقي في المسرح الإسباني بسبب أسلوبه السَّلِس، ومهاراته الفنية . ومعَ أن مسرحياته لَم تشتمل على صراعات درامية عظيمة ، ولا على عذابات مأساوية ، إلا أنه حافظ على الوسطية في الطرح ، وكثيرًا ما وقع في السطحية والابتذال .

أوجدَ نوعًا من المسرح الجديد القائم على السُّخرية الذكية ، والنقد اللاذع للأرستقراطية الغارقة في العبث والمادية والنفاق ، فقد فضح عيوبَ الطبقة العليا في إسبانيا في ذلك الوقت ، وتناولَ مشكلات الطبقة الريفية في المجتمع .

وكانت مسرحياته تأريخًا لإسبانيا بعد سقوط المستعمَرَات.وامتازت مسرحياته بالرؤية الواقعية، حيث أدرك أهمية أن يكون العمل الدرامي جاذبًا للجمهور ، ومُحَقِّقًا لأحلامهم ورغباتهم ، فحاولَ جاهدًا أن يجمع في مسرحياته بين الذَّوْقِ الجماهيري وذَوق النُّقاد .

وقد حازت مسرحياته على إعجاب الجمهور الذي حرص على الإقبال عليها ومتابعتها ، وأثنى بعض النقاد على أعماله ، وأشادوا بها ، كما حصل على جوائز كثيرة لا حصر لها . لذلك كان    _ بلا مُنازِع _ زعيمًا للثورة في المسرح الإسباني . وقد لَخَّص بينافينتي فلسفته الحياتية بِقَوله :   (( إذا لَم يمر الشغف والجنون ، ولو لمرة واحدة في حياة المرء ، فما نفع هذه الحياة ؟ )) .

يُعَدُّ بينافينتي من أبرز المجدِّدين في المسرح الإسباني في القرن العشرين . وبالإضافة إلى كَونه كاتبًا مسرحيًّا ، فقد كان سيناريست ومخرجًا سينمائيًّا .

أصبحَ عُضوًا في الأكاديمية الملكية الإسبانية عام 1913، وأهَّله إبداعه للحصول على جائزة نوبل للآداب عام 1922 .

كتب في حياته أكثر من 170 مسرحية ، مِن أهَمِّها : عُش الغريبة ( 1894) ، المجتمع الراقي ( 1896 )، زوجة المحافظ ( 1901)، ليلة السبت (1903)، خريف الورود( 1905)، سيدة البيت ( 1908 ) ، حَيَوات متشابكة ( 1929) .