08‏/07‏/2021

رينيه شار وصعقة الشعر

 

رينيه شار وصعقة الشعر

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..................

     وُلد الشاعر الفرنسي رينيه شار ( 1907 _ 1988 ) في ليسل سور لا سورغ ، جنوب فرنسا ، وتُوُفِّيَ في باريس . كان مُحِبُّوه وعُشَّاقه يصفونه بالشاعر الصاعق .

     كان أصغر إخوته الأربعة . ومُنذ صِباه عشق العواصف والرعود . وكان يحب النار ، ويقول إن النار هي " دليله الأعلى " . وفي الحادية عشرة من عُمره ، أحس بطاقة الشِّعر تتفجَّر في داخله. وفي نفس هذه السن فقد والده ، لكنه لَم يشعر بحزن كبير جرَّاء مَوته ، واعتبر موته أمرًا عاديًّا ، لأن الشِّعر كان مسيطرًا عليه بشكل كامل .

     لَم يكن مهتمًّا بدراسته ، وترك المدرسة مبكرًا ، وأخبر والدته أن لا شيء يَعنيه مُنذ الآن غَير الشِّعر . ثُمَّ أخذ يُطالب عائلته التي كانت تملك العديد من مقالع الجبس بنصيبه من الميراث . وقد تسبَّب هذا الأمر باندلاع معركة عنيفة بينه وبين شقيقه الأكبر . وأمام حُزن أُمِّه الأرملة ودموعها، انسحبَ شار مِمَّا سَمَّاه فيما بعد بـ " جو التراجيديا الإغريقية " .

     اشْتُهِر شار في فرنسا والعالَم الفرنكفوني بقصائده التي تُصنَّف كأعمال إبداعية بمفاهيم كبيرة أهمها التوحد والتركيز والنُّسك والتقشف والإيثار والمقاومة الحقيقية التي تنحو نحو الفعل ، مِمَّا منحها كثافة فلسفية عميقة . وتُرجِمت أعماله إلى عشرات اللغات .

     انضمَّ شار إلى الحركة السريالية التي ظهرت عَقِب الحرب العالمية الأولى ، وكانت شكلاً من أشكال التمرد والاحتجاج على فظاعات هذه الحرب وآفاتها ومآسيها التي جرَّتها على الإنسانية .

     بعد أن تعرَّفَ عليه بول إيلوار في منطقته التي كانت معزولة ، ولفتته موهبته الفَذَّة ، أقنعه بالسفر إلى باريس ، حيث أمكنه التعرف إلى فرسان هذه الحركة ، وعلى رأسهم مُؤسِّسها أندريه بريتون . غَير أن انضمام شار إلى هذه الجماعة كان عابرًا ، إذ رغم تحمُّسه في البداية لمشروعهم، ومساهمته في المقاومة ، ابتعد بمحض اختياره عن رفاق دربه السرياليين ، كي ينغمس في شِعريته .

     ومُنذ عام 1945 ، نذر شار حياته للشِّعر ، وتفرَّغَ له ، وأخلصَ له الشِّعر بأن جعله من أجمل الأصوات الشعرية عالميًّا . ومن أجل مواجهة صعوبة الحياة وقسوتها في المدينة الكبيرة ، وتوفير قُوت يَومه ، كان _ بين وقت وآخر _ يبيع لوحات أصدقائه الفنانين ورسوماتهم .

     تميَّزَ شار بأسلوبه المتفرِّد الذي لَم يُنافسه فيه أيٌّ مِن مُعاصريه . وقد كان صديقًا لأهم وأشهر المعاصرين له من الفنانين مِثل : بيكاسو ، وبراك ، وجياكوميتي ، وميرو .

     في عام 1927 ، قدَّم شار تعريفه الخاص للشِّعر : (( كُل شِعر لا بُد أن يُولَد حُرًّا ، ومجنونًا قليلاً ، مجنونًا ومتمردًا في الأيدي التي تأتي به إلى العالَم )) .

     في عام 1929 ، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في أوروبا ، وامتلأت شوارع المدن الكبيرة بالعاطلين عن العمل ، والفقراء ، والمحتاجين ، واليائسين ، والغاضبين . وبدأت تلوح علامات حرب جديدة مُدمِّرة . وفي 15 ديسمبر / كانون الأول من نفس العام ، أصدرت مجلة " الثورة السريالية " ، التي كان يَرأس تحريرها أندريه بريتون شعارًا جديدًا يتضمَّن الدعوة إلى أن تكون " السريالية في خدمة الثورة " . وقد تحمَّس شار لهذا البيان ، والتصقَ بالحركة السريالية ، واعتنق أفكارها وأطروحاتها الأدبية والسياسية والاجتماعية والفنية .

     عند اندلاع الحرب العالمية الثانية،انضمَّ شار إلى حركة المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي،  ليصبح أحد كبار قادتها في جنوب البلاد . وقد كتب إلى أحد أصدقائه قائلاً : (( على هذه البلاد أن تخرج من جمودها، ومِن أفكارها المسبقة المتَّسمة بالبلاهة والغباء ، ومِن شيخوختها المعفَّى عليها. علينا الذهاب قُدُمًا إلى الأمام ، وعلينا أن نصبح قُساة كي ننتصر )) .

     خلال الحرب ، وعلى مدى أربع سنوات ، لَم يكتب شار قصيدةً واحدة ، إلا أنه كان يُسجِّل انطباعاته  في كل فرصة تُتاح له. وفيما بعد ، جمع تلك الانطباعات ضمن كتاب " أوراق هيبنوس" ( 1946 ) . وعندما قرأه إيلوار ، كتب إلى صاحبه قائلاً : (( هذا الكتاب الصغير عمل عظيم وهائل . لقد غرستَ في الأرض سيفًا سيظل هناك أبد الدهر )) .

     بعد نهاية الحرب ، عاد شار إلى باريس . وقد أجبرته المصاعب المادية التي كان يُواجهها في ذلك الوقت على السكن في فندق صغير في الحي اللاتيني .

     وفي مطلع الخمسينيات ، صار شار واحدًا من أكبر شعراء فرنسا . وعندما احتدَّت المعارك بين سارتر وكامو ، ساندَ الأخيرَ . وعندما تُوُفِّيَ كامو في حادث سيارة رثاه بصورة مُؤثرة .

     مِن أبرز أعماله: مطرقة بدون معلم ( 1934). خزانة لدرب تلاميذ ( 1937). في الخارج، الليل محكوم ( 1938 ) . غضب وسر غامض ( 1948) . الليلة الطلسمية ( 1972 ) .