02‏/08‏/2021

سيغريد أوندست والخيانة الزوجية

 

سيغريد أوندست والخيانة الزوجية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

......................

وُلِدَت الأديبة النرويجية سيغريد أوندست ( 1882_ 1949) في الدنمارك . ولكنَّ عائلتها انتقلت إلى النرويج عام 1924 . وفي عام 1940 هربت من النرويج إلى الولايات المتحدة ، بسبب مُعارَضتها للنازية ، والغَزْوِ الألماني للنرويج . ولكنها عادت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. حَصلت على جائزة نوبل للآداب عام 1928 ، بعد النجاح الكبير لروايتها " أولاف أودنسن "  ( 1925_ 1927) .

نشأتْ في مدينة ( كريستيانيا ) التي سُمِّيت فيما بعد أوسلو، وصارت عاصمة النرويج . والدُها كان عالَم آثار ، وأمها ابنة مُحامٍ دنماركي . وقد عاشت في مناخ عائلي يَسُوده القلق والاضطراب وغياب الإيمان ، لأنَّ وَالِدَيْهَا كانا مِنَ الملحدين . كان لوالدها تأثير كبير عليها ، فقد وجَّهها نحو أساطير التاريخ الإسكندنافي. وشَكَّلَ مَوْتُه وهي في الحادية عشرة من العُمر صَدمةً كبيرةً لها، وأثَّر سلبًا على الوضع الاقتصادي للعائلة ، مِمَّا دفعها إلى التخلي عن الأمل في التعليم الجامعي . وفي سِن السادسة عشرة ، حصلت على وظيفة سكرتيرة في شركة هندسية لتساعد عائلتها ماديًّا . وعِندَما بلغت الخامسة والعشرين ، انضمَّت إلى اتحاد المؤلفين النرويجيين .

بَدأت الكتابةَ الروائية في مطلع شبابها، حيث إِنها كتبت روايةً عن العصور الوُسطى للدنمارك ، ولكنَّ دُور النشر رَفَضَتْهَا ، ولَم تقتنع بموهبتها وأسلوبها . وبعد عامين من هذه الحادثة ، كتبت روايةً أخرى ليس لها علاقة بالعصور الوُسطى ، وإنما تصف حياةَ امرأةٍ واقعيةٍ . وقد رُفِضَتْ مِن قِبَل الناشرين في بداية الأمر ، ثُمَّ تَحَمَّسَ لها أحد الناشرين بعد صعوباتٍ كثيرة، فوافق على طباعتها. وهذه الرواية هي " السيدة مارتا أولي " ( 1907) ، وكانت الجملة الافتتاحية فيها على لسان بطلة الرواية : (( كُنتُ خائنةً لِزَوْجي )) . وهذه الجملةُ الصادمة أثارتْ زَوبعةً في المجتمع النرويجي ، وأحدثتْ فَضيحةً هائلةً ، وحقَّقتْ شُهرةً واسعة للكاتبة وهي في الخامسة والعشرين ، وأصبحت قادرةً على العَيش مِن كتاباتها .

انتشرت هذه الرواية بين القُرَّاء بسرعة فائقة ، ونَجحت بشكل أسطوريٍّ ، لأنَّها كَشفت العلاقات المستورة في المجتمع ، والتي يَنبغي أن تظل طَي الكِتمان. وفَضحت الروايةُ نِفاقَ المجتمع المتغطِّي بالفضيلة والطهارة ، والذي يَحْصُر مَعنَى الشرف في جسد المرأة ، وأظهرتْ عواطفَ المرأةِ وحاجاتها المعنوية والجسدية ، وأثارتْ عاصفةً مِن الأسئلة المتعلِّقة بالصراع بين الإنسان وأشواقه الروحية، وحَذَّرَتْ مِن مَوت الأحاسيس والذكريات، وضياعِ الإنسان في الفراغ العاطفيِّ الموحِش، وأظهرتْ تناقضاتِ النَّفْس البشرية ، وحَيرةَ الإنسان بين المبادئ والغرائز .

وفي عام 1911 ، أصدرتْ رواية " جيني " ، وهي بمثابة سيرة ذاتية ، حيث تَتحدَّث فِيها عن رحلتها إلى إيطاليا بعد نجاحاتها الهائلة في عالَم الأدب ، وقصةِ الحب التي جمعتها بالرَّسام سفارستاد الذي تَزَوَّجَتْهُ وانفصلتْ عنه فِيما بَعْد كَي تَتفرَّغ لكتاباتها وتربية أطفالها .

ثُمَّ جاءت روايتها الملحمية " كريستين "( 1920_ 1922) ، التي تقع في ثلاثة مجلدات ، وتَتحدَّث عن الحياة في الدول الإسكندنافية في العصور الوسطى ، وتَدور أحداثها في محيط نرويجي كاثوليكي مندمج مع المشاعر الإنسانية الشخصية . ومِنَ الواضح أنَّ هذه الرواية أثَّرت بشكل مباشر على الحياة الشخصية للكاتبة ، إِذ إِنها قَد اعتنقت الكاثوليكية عام 1924 ، أي بعد كتابة هذه الرواية . وهذا فاقمَ غُربتها ، لأنَّ الغالبية الساحقة من سكان النرويج من البروتستانت .

اكْتَوَت الكاتبةُ بنار السياسة ، وقامت بالتبرع بقيمة جائزة نوبل لدعم المجهود الحربي لفنلندا  ( وهي دولة إسكندنافية ) في عام 1940 ، وذلك بعد غزو الاتحاد السوفييتي لفنلندا فيما عُرف بحرب الشتاء . ثُمَّ أُجبرت على الهروب بعد غَزْو ألمانيا للنرويج في نفس العام ، فهربت إلى السويد وأمريكا ، وشجَّعت من هُناك المقاومة النرويجية ضد الاحتلال النازي. وقد انتقدها هتلر بشدة منذ عام 1930 ، وقامت النازية بحظر مؤلفاتها . وقد قُتل ابنها البِكْر أندرس ( الملازم الثاني في الجيش النرويجي ) وهو في السابعة والعشرين في اشتباك مع القوات الألمانية .

عادت إلى النرويج بعد التحرير عام 1945 ، وتُوُفِّيَت بعد أربع سنوات . وحَظِيَتْ بتكريم هائل . فقد سُمِّيَت فُوَّهة على سطح كوكب الزُّهرة باسمها. وَوُضِعَتْ صورتها على العُملة النرويجية فئة 500 كرونة . وقامت السويد بوضع صورتها على الطوابع في عام 1998 ، باعتبارها رمزًا لحرية الدُّول الإسكندنافية .

إن الأفكار في كتاباتها تَدور حَوْلَ أربعة مبادئ رئيسية : 1_ العلاقات الإشكالية بين الآباء والأبناء ، وبين الرجال والنساء . 2 _ الإعجاب بثقافة القرون الوسطى المسيحية للدول الإسكندنافية . 3_ الصراع النفسي في داخل الإنسان ومشكلاته الجنسية . 4_ اعتماد الكاثوليكية كمرجعية للأفكار والمجتمع .