29‏/08‏/2021

فرانز فانون واستخدام العنف الثوري

 

فرانز فانون واستخدام العنف الثوري

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

................

     وُلد الفيلسوف والطبيب النفسي فرانز عمر فانون ( 1925_ 1961) في فور دو فرانس ، جُزر المارتنيك في الكاريبي ، التي كانت آنذاك مستعمرة فرنسية ، وهي الآن مُقاطعة فرنسية .

     كان والده واحدًا مِن سُلالة العبيد الأفارقة ، وعمل كعامل جُمركي . وكانت والدته من منطقة الألزاس. كانت عائلة فانون من الطبقة المتوسطة الاجتماعية والاقتصادية. وكانت قادرة على تحمُّل رسوم أعرق مدرسة ثانوية في جُزر المارتنيك ، حيث درس فانون .

     خدم خلال الحرب العالمية الثانية في جيش فرنسا الحرة، وحاربَ ضد النازيين. التحقَ بالمدرسة الطبية في مدينة ليون ، وتخصَّصَ في الطب النفسي ، ثم عمل طبيبًا عسكريًّا في الجزائر أثناء فترة الاستعمار الفرنسي. عمل رئيسًا لقسم الطب النفسي في مستشفى البليدة _ جوانفيل في الجزائر، حيث انخرط مُنذ ذلك الحين في صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية . وعالج ضحايا طرفَي الصراع على الرغم من كَونه مواطنًا فرنسيًّا .

     وفي عام 1955 ، انضمَّ فانون كطبيب إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية . غادرَ سرًّا إلى تونس ، وعمل طبيبًا في مستشفى منوبة ، وصار رئيس تحرير صحيفة " المجاهد" الناطقة باسم الجبهة، حين كانت تصدر من تونس. كما تولى مهمات تنظيمية مباشرة ، وأخرى دبلوماسية وعسكرية ذات حساسية فائقة . وعُرف بنضاله من أجل الحرية وضد التمييز والعنصرية .

     وفي عام 1960 ، صار سفير الحكومة الجزائرية المؤقتة في غانا .

     يُعتبَر أحد أبرز مَن كتب عن مُناهضة الآخرين في القرن العشرين. وقد ألهمت كتاباته ومواقفه كثيرًا من حركات التحرر في أرجاء العالَم ، ولعقود عديدة . آمنَ فانون بأن مقاومة الاستعمار تتم باستعمال العنف فقط من جهة المقموع، فما أُخِذَ بالقوة لا يُسترَد إلا بالقوة .

     أول كُتب فانون " بشرة سوداء ، أقنعة بيضاء " (1952 ) ، وهو دراسة نفسية للمشاكل التي يُواجهها السُّود بسبب العنصرية . وأيضًا ، تحليل للآثار النفسية السلبية للقهر الاستعماري الذي يُعاني مِنه السُّود.وكانت المخطوطة في الأصل أطروحة للدكتوراة . وكانت هذه الأطروحة ردًّا على العنصرية التي عانى منها فانون أثناء دراسته الطب النفسي في جامعة ليون .

     أمَّا كتابه " مُعذَّبو الأرض " ( 1961 ) ، فهو الذي أطلق شهرته . وفي هذا الكتاب يرى فانون أن باستطاعة الجزائريين الحصول على الاستقلال عن طريق العنف الثوري وَحْدَه .

     نُشر هذا الكتاب _ مع مقدمة لجان بول سارتر _ قبل فترة قصيرة من وفاة فانون. وفيه يُدافع الكاتب عن حق شعب مُسْتَعْمَر في استخدام العنف للحصول على الاستقلال .

     بالإضافة إلى ذلك ، حدَّد العمليات والقوى المؤدية إلى الاستقلال الوطني. وتم حجب كتابه مِن قِبَل الحكومة الفرنسية .

     كانت أعمال فانون مؤثرة للغاية في دراسات ما بعد الاستعمار،والنظرية النقدية، والماركسية. وكان معنيًّا بعلم النفس الاستعماري ، والعواقب البشرية والاجتماعية والثقافية لإنهاء الاستعمار.

     ألهمت حياة وأعمال فانون حركات التحرر الوطنية وغَيرها من المنظمات السياسية في فلسطين وسريلانكا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة .

     إن مُساهمات فانون في تاريخ الأفكار متعددة . وهو مُؤثِّر ليس فقط بسبب أصالة فكره ، ولكن أيضًا بسبب تفوُّق انتقاداته ، ودِقَّة طروحاته ، ومنهجه العِلمي المتماسك .

     وقد طوَّر تحليلاً وجوديًّا اجتماعيًّا عميقًا لقضية العنصرية ، مِمَّا أدى به إلى تحديد شروط العقلانية في الخطابات المعاصرة عن الإنسان ومشكلاته وأحلامه .

     تُوُفِّيَ فانون عن عُمر يُناهز السادسة والثلاثين بمرض سرطان الدم ( اللوكيميا ) ، وقد سافرَ للعلاج في الاتحاد السوفييتي ، ودُفن في مقبرة مُقاتلي الحرية الجزائريين .