07‏/09‏/2021

فرانشيسكو بتراركا ودراسة الكلاسيكيات

 

فرانشيسكو بتراركا ودراسة الكلاسيكيات

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...................

     وُلِد الشاعر الإيطالي فرانشيسكو بتراركا أو بترارك ( 1304_ 1374 ) في أريتسو . قضى طفولته في أماكن متعددة بسبب نَفْي والده . درس في كاربينترا بتوجيه الأديب دابراتو ، وهو صديق والده .

     درس بتراركا في كلية الحقوق في بولونيا ، لكنه قطع دراسته بعد وفاة والده عام 1326 ، وترك الكلية نهائيًّا ، وقرَّر أن يُكرِّس نَفْسَه لدراسة الكلاسيكيات التي كان دائم الشغف بها .

     ولكي يُكرِّس وقته كاملاً لهذه الدراسة ، كان يجب عليه أن يجد مصدرًا للدَّخل يسمح له بالحصول على مكسب مربح ، فانضمَّ عام 1330 إلى رئيس أساقفة كنيسة لومبيز ، وقد سمح انضمامه ووجوده بين الشخصيات ذات القوة والتأثير في البلاد الرومانية بالحصول على الثقة التي كان مُحتاجًا إليها ليبدأ دراسته.وأيضًا، سمح له بتوسيع معرفته الثقافية والسياسية الأوروبية .

     وعلى الرغم مِن مكانة بتراركا الاجتماعية وشأنه الديني ، إلا أنه كان له أطفال مِن نساء غير معروفات . وهذه نقطة سوداء في تاريخه الشخصي ، وجلبت له الكثير من النقد .

     أقام بتراركا ( 1350_ 1351) بشكل دائم في بادوفا . وقد عكف على إنجاز مشروعاته الأدبية ، مِثل " رسائل حميمية "، والأعمال الروحية التي بدأ بتراركا في كتابتها قبل عام 1348 .

     مِن أبرز أعماله : " أفريقيا " . تَمَّ تأليفها في الفترة ( 1339_ 1342 ) ، ثم بعد ذلك تَمَّ تعديلها وتنقيحها . إن " أفريقيا " قصيدة ملحمية تتناول الحرب البونيقية الثانية ، التي قادها سكيبيو الأفريقي بوجه خاص . لَم يكتمل هذا العمل . حيث إنه يتكون من تسعة كتب . وكان من المفترَض أنه كان سيتكوَّن من اثني عشر كتابًا وَفْقًا لنموذج الإنياذة لفرجيل .

     وَمِن أبرز كُتبه " مشاهير الرجال "، حيث يتكون من ست وثلاثين سيرة ذاتية لمشاهير الرجال مكتوبة في نثر لاتيني ، وتَمَّ تحرير هذا العمل انطلاقًا من عام 1338 . وتَمَّ إهداء هذا العمل إلى فرانشيسكو الأول سَيِّد بادوفا في عام 1358 . وكان القصد الأولي للكاتب أن يتناول العمل حياة شخصيات روما التاريخية ، بَدْءًا من رومولوس وصولاً إلى تيتوس ، لكنه توقف عند نيرون . ثُمَّ أضاف بتراركا بعد ذلك شخصيات مِن كل العصور ، بَدْءًا مِن آدم _ عليه الصلاة والسلام_ إلى هِرَقْل . لَم يكتمل العمل ، وواصله صديق وتلميذ بتراركا مِن بادوفا، لومباردو ديلا سيتا ، ووصل إلى حياة تراجان .

     ومِن كُتبه المهمة " أشياء لا تُنسَى " . يحتوي هذا الكتاب على مجموعة من الأمثلة التاريخية والقصصية النثرية المكتوبة باللاتينية بقصد التربية الأخلاقية . بدأ في كتابة هذه الأمثلة تقريبًا في عام 1343 في بروفنس.

     يُعتبَر"سِرِّي الخاص"واحدًا من أشهر أعمال بتراركا،وتَمَّ تأليفه في الفترة ( 1347_ 1353). ورغم ذلك ، أُعِيد فيه النظر فيما بعد . نُظِّمَ الكتاب في ثلاثة كتب ، في صورة حوار خيالي بين الكاتب نفسه و ( سانت أوغسطين ) ، وذلك في حضور سيدة صامتة ، والتي تُمثِّل الحقيقة .

     يُعَدُّ هذا العمل شكلاً من أشكال الفحص للضمير البشري ، الذي تتواجه فيه موضوعات الشاعر الحميمية. وطوال الأحداث لا يَبدو أن بتراركا نادم على خطاياه . وفي نهاية الفحص لَم يتحسَّن ولَم يشعر بالذنب ، وبالتالي ظهر شكل أرق الرُّوح الذي كان يُميِّز حياة بتراركا .

     أمَّا عمله " حياة الوَحدة "، فهو عمل ذو طابع ديني وأخلاقي ، تَمَّت صياغته في عام 1346. مَجَّدَ الكاتبُ الوَحدة في هذا العمل . وكانت الوحدة هي إحدى الموضوعات المحبَّبة في العُصور الوُسطى ، لكن التأمل لَم يكن مِن وجهة نظر دينية صارمة ، لأن صرامة الحياة الرهبانية تتعارض مع عُزلة المفكر الدؤوب الذي يُكرِّس نفسه للقراءة والكتابة في أماكن منعزلة وهادئة . وَتُعَدُّ عزلة الباحث في إطار الطبيعة التي تُعزِّز تركيزه،هي الشكل الوحيد للوَحدة التي نجح بتراركا في تحقيقها.

     ومِن أعماله " سَكِينة رجال الدين " . كُتِب العمل في الفترة ( 1347_ 1356) . ويُعَدُّ العمل تمجيدًا للحياة الرهبانية، وَتَمَّ إهداؤه إلى الأخ جيرارد . ويُمجِّد هذا العمل أيضًا الوَحدةَ ، خاصةً المقرونة بقواعد الرَّهبنة ، والتي تَمَّ وصفها بأنها أفضل حالة في الحياة على الإطلاق .

     ومِن أعماله أيضًا " مزامير الاعتراف " . وقد كُتِب هذا العمل عام 1347 . وهو مجموعة لسبع صلوات ، تستند إلى النموذج الأسلوبي واللغوي لمزامير داود في التوراة . وفي هذا العمل يطلب بتراركا العفو والصفح عن خطاياه ، ويطمح إلى مغفرة مِن الرحمة الإلهية .