14‏/10‏/2021

كارل غيلوروب وعقدة النقص

 

كارل غيلوروب وعقدة النقص

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     وُلد الشاعر الدنماركي كارل غيلوروب ( 1857_ 1919) في روهولت في منطقة زيلاند الدنماركية . يُعتبَر أول دنماركي يفوز بجائزة نوبل للآداب في عام 1917.وقد تقاسم الجائزة مع مواطنه هنريك بونتوبيدان.

     كانت عائلة غيلوروب مُثقفةً وذات مكانة اجتماعية ، فوالده كاهن مُتعمِّق في عِلم اللاهوت ، وله أتباع يُؤمنون بكلامه ، ويثقون بأفعاله. وهذا المناخ الدِّيني لَم يكن معزولاً عن المجتمع ، بل كان مناخًا ممتلئًا بالقيم الوطنية والعاطفية ذات النَّزعة المثالية .

     في سن الثالثة عشرة ، حدثت الانعطافة الكبرى في حياة غيلوروب ، فقد تصادم مع عقيدته، وثار على الميراث الروحي لعائلته ، وتمرَّد على خلفيته الفكرية ، وتخاصم مع بيئته التي نشأ فيها . وصار من أتباع الكاتب برانديس الذي يكتب روايات جريئة حول الجِنس المشاع والإلحاد.

     ومعَ مرور الوقت ، بدأ غيلوروب يراجع حساباته متأثِّرًا بأصوله الاجتماعية وخلفيته الدينية . وهذه المراجعة الفكرية بدأت تدريجيًّا ، وانتهت برفض تام لخط سَير الكاتب برانديس .

     وبعد القطيعة الشاملة بينه وبين أستاذه ومُلْهِمه ، استعادَ غيلوروب المناخ الديني ، والجو العاطفي ، والبُنية الوجدانية ، ووجد نفْسه مُنْجَذِبًا إلى الثقافة الألمانية باعتبارها الثقافة المركزية العالية ، صاحبة الحضور الطاغي أوروبيًّا وعالميًّا، بعكس الثقافة الدنماركية التي تُعتبَر ثقافة محلية، لا وزن لها خارج حدود الدنمارك .

     أحسَّ غيلوروب بأنه ينتمي إلى بُنية ثقافية مُتدنِّية ، وسيطرت عليه عُقدة الشعور بالنقص ، فأراد الانتماء إلى أُمَّة ذات مكانة عالمية ، لذلك اختار ألمانيا وطنًا له على الصعيدين الروحي والمادي ، ولَم يجد أيَّة عقبة في طريقه ، فقد كانت زوجته ألمانية . وهذا سهَّل عليه الأمر .

     في عام 1892 ، استقرَّ في ألمانيا ، وصار يُصنِّف نفْسه كمواطن ألماني . وهذا الأمر جعل أبناء شعبه ينظرون إليه كخائن وعميل ، وصار مكروهًا في بلاده ، ومنبوذًا من قِبَل اليمين واليسار في الدنمارك . كان انتماؤه الجديد إلى ألمانيا حقيقيًّا لا مصلحيًّا، فقد آمنَ بأهداف الإمبراطورية الألمانية بشكل كامل، وتشرَّب العواطف الألمانية بشكل تام لا لَبْسَ فيه . وهذا الأمر تجلَّى بوضوح في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى ( 1914_ 1918) ، إذ إنَّه اقتنع تمامًا بأهداف ألمانيا في الحرب ، وتبنَّى وجهة نظرها كاملةً غير منقوصة .

     كتب غيلوروب الشِّعر والرواية والمقالة . ومن أهم أعماله المبكِّرة رواية ( المتعلِّم الألماني ) التي تشير إلى حِدَّة الصراع الفكري . إذ إنها تحكي قصة شاب ينتقل إلى الإلحاد بعدما كان عالِمًا دينيًّا ومُثقَّفًا . وقد تكون هذه الرواية المبكِّرة بمثابة السيرة الذاتية للكاتب مع تغيير أسماء الشخوص والأمكنة . ومن المعلوم أن الرواية الأولى لأي كاتب هي بمثابة سيرته الذاتية ، وتجربته الشخصية ، مع الاختلاف في مقدار الواقع والخيال .

     كما أنه تأثَّر بالبوذية بشكل واضح ، واحتلَّت الثقافة الشرقية جزءًا كبيرًا من حياته وتكوينه الفكري والأدبي. وهذا التأثر يبرز في روايته " الحاج " ( 1906 ) ، وهي تحكي رحلة ابن تاجر هندي من الازدهار الدنيوي والشهوات الجسدية إلى الرهبنة والانقطاع عن الدنيا ، مُرورًا بالتقلبات الفكرية والعقبات الاجتماعية . وبعد تجاوز التحديات ، يلتقي براهب غريب ومجهول ، كان في الحقيقة بوذا.

     مِن أبرز أعماله الأدبية : سنة واحدة من التشرد ( 1885) ، مينا ( 1889 ) ، على الحدود ( 1897) ، الغصن الذهبي ( 1917) .