17‏/10‏/2021

كارل مانهايم وتأسيس علم اجتماع المعرفة

 

كارل مانهايم وتأسيس علم اجتماع المعرفة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     وُلد عالِم الاجتماع المجري كارل مانهايم ( 1893 _ 1947 ) في مدينة بودابست المجرية. وتُوُفِّيَ في لندن . كان والده يعمل في قطاع النسيج ، وكانت والدته ألمانية .

     درس في جامعة بودابست ، وحصل على شهادة الدكتوراة في الفلسفة في عام 1914 ، وحضر محاضرات الفيلسوف الألماني جورج سيميل.وفي عام 1921، تزوَّجَ أستاذة علم الاجتماع يوليسكا كارولني لانغ ، التي عُرفت لاحقًا باسم " جوليا لانغ " .

     في عام 1924 ، بدأ العمل تحت إشراف عالِم الاجتماع الألماني ألفريد فيبر ، شقيق عالِم الاجتماع الشهير ماكس فيبر. وفي عام 1926 ، قُبِل ترشيح مانهايم للتدريس في كلية العلوم الاجتماعية في هايدلبرغ . وقد نافسَ مانهايم علماء آخرين للحصول على المنصب ، أحدهم كان الفيلسوف والتر بنيامين . وخلال الفترة ( 1929 _ 1933 ) شغل مانهايم منصب أستاذ علم الاجتماع والاقتصاد السياسي في جامعة غوته في فرانكفورت .

     في عام 1933 ، طُرد مانهايم من عمله لأنه يهودي، وَفْق أحكام القانون النازي لتطهير الخدمة المدنية من اليهود . فَرَّ مانهايم من النظام النازي ، واستقر في بريطانيا ، حيث عمل محاضرًا في علم الاجتماع في كلية لندن للاقتصاد ، في إطار برنامج لمساعدة الأكاديميين المنفيين . في يناير 1946 ، تَمَّ تعيينه في منصب أستاذ علم الاجتماع الأول في معهد التربية والتعليم، وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته في لندن .

     وخلال وقته في إنجلترا، لعب مانهايم دورًا بارزًا في الحياة الثقافية ، وحصل على نفوذ واسع من خلال تحريره لسلسلة "روتلدج " واسعة النطاق في العلوم الاجتماعية .

     يمكن تقسيم حياة مانهايم الفكرية إلى ثلاث مراحل رئيسية : 1_ المجرية ( حتى 1919 ) .   2 _ الألمانية ( 1919 _ 1933 ) . 3_ البريطانية ( 1933 _ 1947 ) .

     تحوَّل مانهايم من الفلسفة إلى علم الاجتماع ، وبحث في جذور الثقافة . وركَّزت مقالاته على علم اجتماع المعرفة الكلاسيكي . ويُشير مانهايم إلى الطبقة الاجتماعية والموقع الجغرافي والجيل باعتبارها أكبر العوامل المحدِّدة للمعرفة .

     حاول مانهايم إجراء تحليل شامل لهيكل المجتمع الحديث ، عن طريق التخطيط الاجتماعي الديمقراطي والتعليم ، ودَرَسَ قضايا الديمقراطية والنظام الليبرالي للرأسمالية .

     يُعتبَر مانهايم مِن مُؤسِّسي علم الاجتماع الكلاسيكي ، ويُعَدُّ مُؤسِّس علم اجتماع المعرفة . والهدف الخاص لعلم اجتماع المعرفة هو تحليل العلاقات بين التمثيلات العامة للواقع وخلفيتها المكوَّنة من الظروف التاريخية والاجتماعية . والتعارض بعد ذلك بين الأيديولوجيا واليوتوبيا يأتي من حقيقة أن الأُولى تميل إلى إضفاء الشرعية على الوضع الراهن ، في حين أن الثانية هي أكثر ابتكارًا ونقدًا ، وتهدف إلى التغيير والتغلب على ما هو قائم .

     يُعتبَر كتاب " الأيديولوجيا واليوتوبيا " ( 1929 ) أهم كُتب مانهايم على الإطلاق ، وقد قال فيه إن الأيديولوجيات هي الطبيعة الحقيقية لأي توافق في الآراء ، وتُحقِّق اليوتوبيا ( المجتمع الفاضل المثالي ) . وهذه الأيديولوجيات تُؤثِّر على نظريات الفلسفة وحتى التاريخ .

     يُقدِّم مانهايم في الكتاب مراجعة تاريخية للأيديولوجيا واليوتوبيا. ويتناول المفاهيم وتعريفاتها ومُعضلة الوعي الزائف والانتقال من نظرية الأيديولوجيا إلى سوسيولوجيا المعرفة . كما يتطرَّق لعلاقة النظرية الاجتماعية بالممارسة السياسية ، ويُحلِّل طبيعة المعرفة السياسية ، ويُناقش مشكلة   " الأنتلجنسيا " ( النُّخبة المثقفة ) ، وهُم طبقة اجتماعية تشارك في عمل ذهني مُعقَّد يهدف إلى التوجيه والنقد ، أو لعب دور قيادي في تشكيل ثقافة المجتمع وسياسته .

     ويتناول مانهايم مشكلة الواقع والتغيُّرات التي طرأت على العقلية اليوتوبية في الأزمنة الحديثة، حيث يرى مانهايم أنها مرَّت بأربع مراحل : طقوسية ، وليبرالية إنسانية ، ومُحافظة ، وشيوعية اشتراكية. كما يتناول"سوسيولوجيا المعرفة "مِن حيث تعريفاتها وأقسامها إلى جانب النتائج العلمية لسوسيولوجيا المعرفة، والدور الإيجابي لها، ويختتمه بمختصر لتاريخ البحث التاريخي الاجتماعي.

     تُوُفِّيَ مانهايم في لندن ، وأُحرِقت جُثته . ووُضِع رمادها في قنينة، خُلِطت لاحقًا برماد جُثة زوجته . وكانت تلك القنينة موضوعة مقابل قنينة رماد جثة فرويد ، إلا أن الأخيرة نُقِلت لاحقًا.