01‏/11‏/2021

كولن ولسون والدجل الفكري

 

كولن ولسون والدجل الفكري

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     وُلِد الكاتب الإنجليزي كولن ولسون ( 1931_ 2013 ) في مدينة ليسِستر الإنجليزية ، لعائلة فقيرة من الطبقة العاملة .

     تأخَّرَ في دخول المدرسة ، وتركها مُبَكِّرًا في سن السادسة عشرة ليساعد والده . عمل في وظائف مختلفة، ساعدته بعضها على القراءة في وقت الفراغ .

     نشر كتابه الأول ( اللامنتمي ) عام 1956 ، وهو في سن الخامسة والعشرين . تناولَ فيه عُزلة المبدعين من شعراء وفلاسفة عن مجتمعهم وعن أقرانهم ، وتساؤلاتهم الدائمة . وعزا ذلك إلى الرغبة العميقة في إيجاد دِين موضوعي وواضح يمكن له أن ينتقل إلى الآخرين ، دون أن يقضوا حياتهم في البحث عنه .

     كان الكتاب ناجحًا جِدًّا ، وحَقَّقَ أصداء نقدية قوية، وجعل من الشاب الفقير ولسون نجمًا في دوائر لندن الثقافية ، وصارت أخباره الخاصة تتصدر أعمدة النميمة الصحفية .

     أثَّرَ ذلك على ولسون كثيرًا ، وصار يتَّخذ موقفًا من الصحفيين والنُّقاد ، الذين سُرعان ما بادلوه نفْس الموقف ، وهاجموا كتابه على أساس أنه " مُزيَّف " ومليء بالنفاق . ورغم ذلك ، لا يزال يُنظَر إلى الكتاب على أنه ساهمَ بشكل أساسي في نشر الفلسفة الوجودية على نطاق واسع في بريطانيا .

     نُظِر إلى ولسون على أنه ينتمي إلى مجموعة " الشباب الغاضبين " . وهم مجموعة من الشباب المثقف المتمرد ، قدَّموا عِدَّة أعمال مسرحية في الخمسينيات، رغم أن قليلاً جِدًّا مِنهم كان ولسون يرتبط بهم من الناحية الفعلية .

     كتابه الثاني " الدين والتمرد " ( 1957 )، قُوبِل بهجوم شديد مِن النُّقاد الذين كرَّروا وصفه بالمزيَّف والكَذاب . كذلك ظَل النقاد معَ مُعظم كُتبه التالية ، لكن الرواج التجاري ظَل مُلازِمًا لمعظم كُتبه التي نالت هجوم النقاد أو لامُبالاتهم .

     واصلَ ولسون الإنتاج دون اهتمام لهجوم النُّقاد ، وقد تنوَّعت موضوعات كُتبه بين الفلسفة، وعِلم النفس الإجرامي، والرواية .

     في الفلسفة ، أكملَ سلسلة اللامنتمي : عصر الهزيمة ( 1959)، قوة الحلم ( 1961 ) . أصول الدافع الجنسي ( 1963 ) . ما بعد اللامنتمي ( 1965) .

     في الرواية ، كتب عِدَّة مُؤلفات روائية ، مِنها : طقوس الظلام ( 1960 ) . ضياع في سوهو  ( 1961 ). رَجل بلا ظِل ( 1963 ). القفص الزجاجي ( 1966). طُفيليات العقل ( 1967).

     والجديرُ بالذِّكر أن عدد مؤلفات ولسن يزيد الآن على مئة كتاب . وقد أُلِّفَت عنه عِدَّة مؤلفات نقدية .

     يقول كولن ولسون : (( اللامنتمي هو الإنسان الذي يُدرِك ما تنهض عليه الحياة الإنسانية مِن أساس واهٍ ، وهو الذي يشعر بأن الاضطراب والفوضوية أكثر عُمْقًا وتجذرًا من النظام الذي يؤمن به قَومه . إنه ليس مجنونًا ! . هو فقط أكثر حساسية من الأشخاص المتفائلين صحيحي العقول . مُشكلته في الأساس هي مشكلة الحرية . هو يريد أن يكون حُرًّا ، ويرى أن صحيح العقل ليس حُرًّا ، ولا نقصد بالطبع الحرية السياسية ، وإنما الحرية بمعناها الروحي العميق . إن جوهر الدِّين هو الحرية، ولهذا، غالبًا ما نجد اللامنتمي يَلجأ إلى مِثل هذا الحل إذا قُيِّضَ له أن يجد حَلاًّ ! )).

     ومِن الغريب أن ولسون قد حَقَّقَ شهرة كبيرة في العالَم العربي ، لأنه يكاد لا يكون معروفًا في بلدان أوروبية عديدة ، ولَم يُعترَف به ككاتب جاد وحقيقي .

     اتَّجَهَ بعد كتاباته الأدبية إلى الكتابة عن التصوف والسِّحر وعالَم ما بعد الموت . ويُصنَّف ولسون في الغرب باعتباره كاتبًا دَجَّالاً .

     تميَّزت حياة ولسون الشخصية بتعدد العلاقات التي أقامها في كل محيط عمل أقام فيه ، ولعل أبرز ما مَيَّز أسلوبه في التفكير فكرة تبدو شاذة ، وهي أنه يجب على المبدع أن يُوفِّر جميع متطلباته وحاجاته الطبيعية كي يتمكن مِن الانطلاق في عالَم الإبداع ، لذلك لا تكاد تجد كتابًا له إلا وفيه ذِكر لموضوع الجنس ، ولو تلميحًا . وهذا يتَّضح في حياته العملية ، فقد تعدَّدت علاقاته مع عِدَّة نساء ، وتزوَّجَ أخيرًا بالفتاة جوي الذي وصف تأثره بها في سيرته الذاتي . وهذا الزواج "الناجح" جاء بعد تجربة زواج فاشلة مع مُمرِّضة أكبر منه في السِن .

     عُمُومًا ، كولن ولسون من الأدباء الأنجليز الذين تعمَّدوا وصف تأثير حياتهم اليومية على كتاباتهم . وقد أسَّسَ دون إرادة فِعلية مِنه لمذهب فلسفي جديد ، هو مذهب " الفلسفة الروائية " التي تبرز خاصةً في روايته " طقوس في الظلام " .