29‏/11‏/2021

ماكس شيلر وفكرة السلام الأبدي

 

ماكس شيلر وفكرة السلام الأبدي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     وُلد الفيلسوف الألماني ماكس شيلر ( 1874 _ 1928 ) في ميونخ بألمانيا . كان والده لوثريًّا ، ووالدته أرثوذكسية يهودية ، وكمراهق ، انعطف إلى الكاثوليكية ، ربما بسبب مفهومها عن الحب . حوالي عام 1921 أصبح _ على نحو متزايد _ حياديًّا .

     درس شيلر الطب في ميونخ وبرلين كما درس الفلسفة وعلم الاجتماع في عام 1895 . حصل على الدكتوراة في عام 1897، وعمل كأستاذ مساعد ( تأهيل الأطروحة ) عام 1899 في جامعة يينا . كان مُشرفه رودلف أُوكن ( الحائز على جائزة نوبل للآداب 1908 ) . وطوال حياته، أبدى شيلر اهتمامًا قويًّا بالفلسفة البراغماتية الأمريكية .

     في عام 1902 ، التقى الفيلسوف الفينومينولوجي إدموند هوسِّرل . لكنه لَم يكن طالبًا أو تلميذًا لدى هوسِّرل . وعمومًا ، استمرَّت علاقتهما متوترة .

     كان شيلر حاسمًا في رسالة الماجستير تحت عنوان " التحقيقات المنطقية"( 1900_ 1901). وقال إنه أيَّد تحفظات هايدغر في " الوجود والزمان " الذي التقاه أيضًا في أوقات مختلفة. ومع ذلك بعد وفاة شيلر، لاحظَ هايدغر"أن جميع فلاسفة القرن الآخرين مَدينون لشيلر"، ورأى الكثيرون في موت شيلر المفاجئ " خسارة لا تُعوَّض للفكر الأوروبي .

     في الفترة ( 1907 _ 1910 ) درَّس في جامعة ميونخ . وانضمَّ إلى دائرة علم الظواهر، وأُلْقِيَ القبض عليه بطريقة ظالمة بسبب أمور شخصية بين الجامعة الكاثوليكية ووسائل الاعلام المحلية الاشتراكية ، مِمَّا أدى إلى فقدان منصبه في التدريس في ميونخ عام 1910 .

     في الفترة ( 1910 _ 1911 ) حاضرَ شيلر في الجمعية الفلسفية في غوتنغن، حيث أدلى بآخر أفكاره وأحدث معارفه هناك . وعن غير قصد أثَّرَ شيلر في الأوساط الكاثوليكية حتى يومنا هذا ، بما في ذلك تلميذته إديث شتاين والبابا يوحنا بولس الثاني الذي كتب أطروحته الافتتاحية ومقالات عديدة عن فلسفة شيلر .

     انتهى زواج شيلر الأول بالطلاق ، فتزوَّجَ للمرة الثانية في عام 1912 . وخلال الحرب العالمية الأولى ( 1914_ 1918 ) ، كان مُجَنَّدًا ، ولكنه أُعْفِيَ من التجنيد بسبب مرض في عينيه. وفي عام 1919 ، أصبح أستاذًا للفلسفة وعلم الاجتماع في جامعة كولونيا . ومكث هناك حتى عام 1928 . وفي مطلع ذلك العام ، قَبِلَ وظيفة جديدة في جامعة فرانكفورت .

     في عام 1927، في مؤتمر في دارمشتات قُرب فرانكفورت ، ألقى شيلر محاضرةً مُطوَّلة ، نُشرت لاحقًا في شكل مختصر بعنوان " مكانة الإنسان في الكون". وكان معروفًا بأسلوب الخطابة، وكانت رسائله تأسر جمهوره لمدة أربع ساعات ! .

     قُرب نهاية حياته ، وُجِّهت له عدة دعوات ، من الصين والهند واليابان وروسيا والولايات المتحدة . ومع ذلك ، بناءً على نصيحة من طبيبه ، اضْطُر إلى إلغائها .

     ركَّز شيلر بصورة متزايدة على التنمية السياسية . وكان الباحث الوحيد بين المثقفين الألمان الذين حَذَّروا في وقت مبكر ، وفي خُطب عامة ، من مخاطر تنامي الحركة النازية والماركسية .

     كانت مواضيع الخطابات التي ألقاها في برلين عام 1927 ، تتحدث عن السياسة والأخلاق، وفكرة السلام الأبدي ومبدأ السلام . وتحليلاته عن الرأسمالية كشفت_ وَفْقَ حساباته _ أنها توجُّه عقلي للنمو على الصعيد العالمي بدلاً مِن كَونها نظامًا اقتصاديًّا . ومع ذلك ، تظهر جذورها في العصر الحديث في اللاوَعْي ، حيث القلق واللهفة التي يُعبَّر عنها في الاحتياجات المتزايدة للمال، والحماية والضمانات الشخصية ، فضلاً عن الإدارة الرشيدة للوجود . ومع ذلك ، فإن تبعية قيمة الفرد لهذا الاتجاه العقلي كان سببًا كافيًا لشيلر ، لشجبها والتنبؤ بحقبة جديدة من الثقافة والقيم ، وهو ما يُسمَّى بـ " العصر العالمي للتَّكَيُّف " .

     دعا شيلر أيضًا إلى قيام جامعة دولية تنشأ في سويسرا . وفي ذلك الوقت كان يدعم برامج مثل "التعليم المستدام" ، وعلى ما يبدو أنه أول من دعا إلى " الولايات المتحدة الأوروبية". وأعربَ عن أسفه للفجوة الموجودة بين القوة والعقل في ألمانيا ، واعتبر أن الفجوة قد تكون مصدرًا لدكتاتورية وشيكة ، وأكبر عقبة لإرساء الديمقراطية الألمانية . وبعد خمس سنوات من وفاته، طَمست النازيةُ الدكتاتوريةُ ( 1933 _ 1945 ) عملَ شيلر .

     مِن أبرز أعماله: الحرب والبناء (1916). أسباب الكراهية الألمانية (1917). طبيعة وأشكال التعاطف  ( 1923). كتابات في علم الاجتماع وفلسفة العالَم"ثلاثة مجلدات"( 1923_ 1924 ) .