09‏/11‏/2021

لويجي بيرانديلو وفلسفة التشاؤم

 

لويجي بيرانديلو وفلسفة التشاؤم

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     وُلد الأديب الإيطالي لويجي بيرانديلو ( 1867_ 1936 ) في قرية غريجنتي في جزيرة صِقِلِّية، وتُوُفِّيَ في روما . كان شاعرًا وقاصًّا ومسرحيًّا وباحثًا . ينتمي إلى أُسرة برجوازية ، كان رجالها من المناضلين السياسيين الوطنيين . وقد حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1934 .

     كان أبوه من رجال الصناعة ، يَملِك مَنجمًا للكِبريت، وهذا وَفَّرَ للكاتب حياةً مُريحةً في كنف الأُسرة. حصل على درجة الإجازة في الأدب من جامعة بون الألمانية برسالته التي كتبها عن اللهجة العامية في صقلية .

     وفي عام 1894 تزوَّجَ ابنةَ شريك أبيه ، إلا أن هذا الزواج كان تعيسًا بسبب غَيرة زوجته نتيجة مغامرات زوجها العاطفية . امتلأت حياته بالمشكلات ، وهذا الأمر ضاعفَ شعور الكاتب بالشقاء ، كما أن زوجته أُصيبت بمرض عقلي بعد سنوات ، وسَيْطَرَ الشَّللُ الجزئي على جسمها .

     وقعت له في عام 1904 كارثة اقتصادية ، حيث دَمَّرَ فيضان هائل مَنجمَ والده ، فأثَّرت على حياته الاجتماعية والعقلية والنفسية. لقد انهارَ الوضعُ الاقتصادي لأُسرته ، وأفلسَ والده ، فاضْطُرَّ بيرانديلو إلى العمل في التعليم مُدَرِّسًا خصوصيًّا للغة الإيطالية ، في أحد المعاهد العليا مُقابل أجرٍ متواضع جدًّا .

     اقتحمَ عالَمَ الكتابةِ، وتفرَّغَ للأدب بشكل كامل ، ووجد نَفْسَه في الكتابة المسرحية ، واشْتُهِر بمسرحياته الفلسفية . تعكس معظمُ أعماله نظرته المتشائمة للحياة ، إذ إنها تُوضِّح صعوبة معرفة حقيقة الناس . فالإنسانُ عاجزٌ عَن معرفة نَفْسِه . وبالتالي ، لا يَستطيع معرفة حقيقة الآخرين .

     حَظِيَ بيرانديلو بأول اعتراف أدبي في عام 1904 ، حين نشر قصته " الراحل ماتيا باسكال " التي تُعالج التناقض الصارخ بين المظهَر والْمَخْبَر . وقد تحوَّلت مسرحيته " ولكنْ أفضل " (1920) إلى فيلم سينمائي ، وقد سرت إشاعات حول علاقة له بالممثلة ( مارتا آبا ) ويُقال إن موسوليني سأله مَرَّة : (( لماذا لا تُضاجعها ؟ ))، فثار بيرانديلو ، وقال إنَّ هذا الرجل مبتذل .

     كتب أكثر من 44 مسرحية . ومسرحياته المسمَّاة بالمسرحيات الفلسفية " أنت على حق " ، و " ست شخصيات تبحث عن مؤلف"، و" هنري الرابع " ، التي كُتبت خلال الفترة ( 1917_ 1924 )، جلبت انتباه الناس والعالَم . وتتساءل معظم مسرحيات بيرانديلو : ما الواقع ؟ ، وما الحقيقة ؟ .

     وأشهر مسرحياته: " ست شخصيات تَبحث عن مؤلف " (1921 ) ، وهي تمثيلية وهمية عن ستة أشخاص يزعمون أنهم شخصيات في مسرحية ليس لها مؤلف يُوجِّه أفعالَهم .

     وتَهتم مسرحية " هنري الرابع " (1922 ) بمعرفة شخصية رَجل يَدَّعي الجنون. وهي تناقش أفكار الغربيين عن حقيقة الجنون وحقيقة المألوف .

     وفي مسرحية " كُلٌّ بطريقته الخاصة " (1925 ) ، يَخدع رَجل مَن حَوْلَه من الناس،كي يتحاشى الإحساس بالذَّنْب على تَصَرُّفه .

     وتحكي مسرحية " كما تهواني " (1930 ) عن راقصة تتمنَّى أن تحيا حياة امرأة جميلة تُشبهها .

     استطاعَ بيرانديلو أن يُؤسِّس تيارًا جديدًا في الأدب الإيطالي ، بما قَدَّمَه من أعمال أدبية مُؤثِّرة، وهذا سبب مَنحه جائزة نوبل للآداب ( 1934) . كما أنه يمتاز بغزارة الإنتاج ، وهذا يَعود إلى حادثتَيْن في حياته . الحادثةُ الأولى _ ميلاده فوق تراب صقلية البائسة في الجنوب الإيطالي، حيث تعارُض مستوى المعيشة بين الشمال الغنيِّ والجنوب الفقير . والحادثة الثانية_ صَحوة فلاحي صقلية خلال الفترة ( 1893 _ 1894 ) التي بَذَرَتْ في نَفْسِه بُذور الحركة الاشتراكية التي انعكست على كتاباته ، فصارَ مُنحازًا للفقراء والمهمَّشين رغم مَاضيه البرجوازي وانتمائه إلى عائلة ثرية .

     إنَّ إبداع بيرانديلو في الرواية والمسرح يُعالج فكرةً فلسفية مركزية تَتَمَحْوَرُ حول التناقض بين حركة الحياة وثبات الصورة . فَمِن أجل استمرار الحياة لا بُدَّ لها مِنَ التآكل ، وَلِكَي تَتشكَّل الحياة لا بُدَّ أن تَكون لها صورة ثابتة ، فيكون الصراع الدائم حسب تعبير بيرانديلو : " بين ضرورات الحياة الديناميكية ومُتطلباتها الستاتيكية ( الساكنة ) " .

     كما أنه اهتمَّ بمشكلة الحقيقة، فتناولها في عِدَّة مسرحيات، وعالجها من زوايا مختلفة ، وربطها بالحياة اليومية للناس ، واعتبرها مسألة فلسفية بحتة .

     مِن أبرز أعماله الأدبية : القديم والشباب ( 1913) ، قواعد اللعبة ( 1918 ) ، الملابس العارية ( 1922) ، واحد لا أحد ومئة ألف ( 1926) ،  ديانا ( 1927) .