12‏/12‏/2021

موليير والكوميديا المسرحية

 

موليير والكوميديا المسرحية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     وُلد الكاتب المسرحي الكوميدي جون باتِيست بُوكلان الملقَّب موليير( 1622 _ 1673 ) في باريس . تُوُفِّيت والدته التي كانت مُتدينة من عائلة برجوازية ميسورة ، لَمَّا كان عُمره حوالي عشر سنين . فربَّاه والده، الذي كان يَعمل مُورِّد سَجَّاد وفَرَّاش للقصر الملكي وخادمًا للملك .

     تزوَّجَ والده امرأة ثانية ماتت بعد مدة قصيرة من الزواج، وانتقل موليير للسكن مع والده في شَقَّة . تلقى موليير تعليمًا جَيِّدًا في إعدادية كليرمون على يد عدد من نوابغ فرنسا ، وكان منهم فولتير ، وكانت الإعدادية تتبع اليسوعيين .

     كان دُكان والده قرب مكان تُقدَّم فيه عروض مسرحية بسيطة أبطالها مُمثِّلي الشوارع ، وكان موليير أحد المشاهدين الذين يُتابعون هذه المسرحيات برفقة والد أُمِّه .

     درس الحقوق في " أورليان " ، ودرس الفلسفة على يد الأستاذ جاسيندي الذي كان سببًا في حُبِّه للشاعر اللاتيني " لوكريس" . وبعد أن أنهى دراسة الحقوق ، عمل محاميًا لفترة قصيرة ، وخلال تلك المدة لَم يعمل إلا على قضية واحدة . أرادَ والده أن يسير ابنه على تقاليد عائلته ، ويخدم لصالح القصر الملكي، لكن موليير هجر الفكرة عام 1643 ، وقرَّر الاتجاه إلى المسرح. ويُقال إن والد أُمِّه هو الذي حبَّبه في المسرح بسبب أخذه معه إلى المسرحيات، فكان يندمج فيها ، وعند رجوعه إلى البيت يُفكِّر فيما شاهده من عُروض . ويُقال إن أباه الذي كان فَظًّا بخيلاً عارضَ فكرة ميول ابنه للمسرح، وكان يحاول تهديده ومنعه من تخصصه في ذلك المجال .

     لا يُعرَف السبب الذي جعله يُغيِّر اسمه إلى موليير ، ولكن على الراجح أنه قام بتغيير اسمه كي لا يُحرِج والده الذي كان يعتقد أن التمثيل في المسرحيات يعتبر إحراجًا للعائلة . ومِن بعد ذلك وهب موليير حياته للفن بالكامل إلى غاية وفاته. عمل موليير مديرًا لفرقة مسرحية ، وقامَ باستئجار مسرح تُعرَض فيه مسرحيات الفِرقة ، وظَلَّت الفِرقة تستأجر مسرحًا وراء مسرح ، وتُصاب بفشل وراء فشل ، حتى تراكمت الديون على موليير ، وسُجِن بسببها مرتين عام 1645 .

     ومن العوامل التي سبَّبت الفشل أن جمهور المسرح في باريس _ خلال القرن السابع عشر _ كان ضئيلاً. وعندما بدأ موليير يعرض مسرحياته كان من الحضور مسرحِيُّون مشهورون في باريس ، فكان صعبًا عليه منافستهم بِمُجرَّد فِرقة تمثيل جديدة وليست مشهورة، رغم أن مُمثِّليها كانوا مُتحمِّسين ، ولكن تنقصهم الخبرة.

     معَ أن فِرقة موليير كان اسمها " فِرقة المسرح الباهر" لكن بدايتها لَم تكن باهرة ، ولَم يكن أمام الفِرقة حَل غير ترك باريس والذهاب إلى الأقاليم . ومن أواخر 1645 ، ولمدة لا تقل عن ثلاث عشرة سنة ذهب موليير بفرقته إلى نواحي ريف فرنسا ، وقدَّم فيها عروضًا مسرحية . وبدأ موليير يكتب مسرحيات لفرقته بنفْسه. ولا يوجد شك أن هذه الجولات لعبت دورًا كبيرًا في حياة موليير الفنية،وأعطته خبرة كمدير فَنِّي ، وفي التعامل مع المؤلفين والممثلين والجمهور والسُّلطات. ومعَ مرور الوقت تحسَّنَ أداء فرقة موليير ، وامتلكَ الممثلون الخبرة والثقة بالنفس .

     وصلت لموليير دعوة من فيليب دوق أورلين شقيق الملك لويس عندما كان في أورليندا بأنه سَيُقدِّم عُروضًا في باريس . ومن هنا بدأت شهرته يوم 24 أكتوبر 1668 .

     كان موليير المدير الفني للفِرقة ، وهو الذي يكتب المسرحيات وهو الذي يقوم بدور البطولة. في نفس الوقت كان يعيش مجموعة من المشكلات في بيته مع زوجته(التي تزوَّجها وهو في الأربعين) ومع السُّلطات والكنيسة . كُل هذا أنهكه وأتعبه، وكان أول الناصحين له بترك التمثيل ومزاولة الكتابة فقط هو صديقه " بوالو " ، ورغم ذلك رفض موليير ، وأصرَّ على الاستمرار بالكتابة ، وأن يُمثِّل ويجتهد حتى أنهكه التعب وأصبح ضعيفًا ، ويسعل بطريقة متقطعة .

     آخر مسرحياته كانت "  المريض الوهمي " ، عرضها أول مَرَّة يوم 10يناير 1673 ، وتُوُفِّيَ بسبب مرض السُّل الرئوي. وقد رفضت كنيسة " سانت أُوستاش "_ التي اتَّهمته بالكفر _ دفنه مثل المسيحيين ، فاضْطُرت زوجته أن تستنجد بلويس ملك فرنسا نفْسه كي يتدخل عند كبير الأساقفة ، ونجحت مساعي الملك ، لكن الكنيسة اشترطت أنه سَيُدفَن بالليل ومن غير طقوس ، ولا صلاة على الجثمان . وقد دُفن موليير بعد أربعة أيام من وفاته في مدافن " سانت جوزيف" المخصَّصة لدفن المنتحِرين والأطفال الذين ماتوا قبل أن يَتعمَّدوا .

     يُعتبَر موليير أحد أهم أساتذة الكوميديا في تاريخ الفن المسرحي الأوروبي،ومُؤسِّس" الكوميديا الراقية " . قامَ بتمثيل 95 مسرحية، منها 31 مِن تأليفه . وتمتاز مسرحياته بالبراعة في تصوير الشخصيات ، وبالأخص في تكوين المواقف والقُدرة على الإضحاك .

     كان لموليير تأثير كبير في تطوير المسرح في أوروبا والعالَم . واقْتُبِسَت مسرحيات له مِن أواخر القرن التاسع عشر .

     مِن أبرز مسرحياته:المُتأنِّقات السخيفات (1659).مدرسة الأزواج ( 1661). مدرسة النساء ( 1662). البخيل ( 1668 ) . المريض الوهمي ( 1673 ) .