11‏/02‏/2022

وليام هازلت وفن المقال

 

وليام هازلت وفن المقال

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     وُلِد الناقد الإنجليزي وليام هازلِت ( 1778 _ 1830 ) في ميتري لين ، مايدستون . تلقى تعليمه في المنزل ، وفي مدرسة محلية .

     بدأ الكتابة في سن الثالثة عشرة. وفي عام 1793 ، أرسله والده إلى مدرسة يوحنا في ضواحي لندن . يُشار إليها عادة باسم " كلية هاكني " . ورغم أن التعليم المدرسي الذي تلقَّاه هناك كان قصيرًا نسبيًّا ، ( تقريبًا سنتان ) ، إلا أنه تركَ انطباعًا عميقًا وثابتًا في حياته .

     كان المنهج الدراسي في كلية هاكني واسعًا جِدًّا ، ويتضمَّن الكلاسيكيات اللاتينية واليونانية والرياضيات والتاريخ والعلوم ، وبالطبع الدِّين .

     تمتَّعَ هازلت بالفكر المستقل ، واحترمَ حقائقَ الأشياء ، واستوعبَ تمامًا الاعتقاد في الحرية وحقوق الإنسان ، والثقة في فكرة أن العقل قوة فاعلة . ومن خلال نشر المعرفة في كل العلوم والفنون ، يمكن أن يَتعزَّز الاتجاه الطبيعي في الإنسانية نحو الخير . وقد أبدى إعجابه بأهمية قدرة الفرد ، والعمل بمفرده وضمن مجتمع داعم ، على إحداث تغيير إيجابي مُفيد .

     كان هدف هازلت أن يُصبح فيلسوفًا ، وقد ركَّز دراساته المكثَّفة على الإنسان كحيوان اجتماعي وسياسي ، وعلى وجه الخصوص ، على فلسفة العقل ، وهو نظام سَيُعْرَف فيما بعد بِعِلم النفس . وقام بإعداد أطروحة _ بتفاصيل مُرهقة _ حول " المغالاة الطبيعية للعقل البشري " . وكان هدفه دحض فكرة أن الإنسان أناني بطبعه . ونُشِرت الأطروحة عام 1805 . وفي هذه الأثناء ، اتَّسَعَ نطاق قراءته ، وغيَّرت الظروف الجديدة مَسار حياته المهنية . ومع ذلك ، حتى نهاية حياته ، كان يعتبر نفسه فيلسوفًا. وفي عام 1802 ، سافرَ هازلت إلى باريس ، واطَّلع على العديد من أعمال الفَنَّانين القُدامى المعلَّقة في متحف اللوفر. وكانت هذه فرصة عظيمة في حياته ، حيث قضى ساعاتٍ طويلة على مدار ثلاثة أشهر ، في دراسة مجموعات المعرض ، مع التفكيرِ العميق والتحليلِ الدقيق . وهذا ساعده في تكوين منظومة النقد الفني لَدَيه .

     بحث هازلت عن عمل لكسب قُوت يَومه،وأدَّى غضبه من الأحداث التي وقعت في السياسة الإنجليزية كردة فِعل على حروب نابليون إلى قيامه _ رغم أنه كان مُفْلِسًا _ بنشر كُتَيِّب سياسي  " أفكار حُرَّة في الشؤون العامة " ( 1806 ) . وهذا الكُتَيِّب يُعَدُّ محاولة للمُوازَنة بين المصالح الاقتصادية الخاصة والتطبيق الوطني للأطروحة التي تقول إن الدافع البشري ليس بطبيعته أنانِيًّا .

     في يناير 1812 ، بدأ هازلت مسيرته المهنية كمُحاضِر ، وذلك مِن خلال تقديم سلسلة من المحاضرات حول الفلاسفة الإنجليز في معهد راسل في لندن .

     وبحلول عام 1814 ، أصبح هازلت يعمل كصحفي ، وبدأت ظُروفه المالية في التحسُّن ، في ظل وجود دخل ثابت. ورغم أن هازلت استمر في التفكير في نَفْسه على أنه" ميتافيزيقي" ، إلا أنه بدأ يشعر بالراحة في دور الصَّحفي .

     في 18 يونيو 1815 ، هُزِم نابليون في واترلو . واعتبرَ هازلت هذه الهزيمة هَزَّةً شخصية . وبدا الحدث بالنسبة إليه بمثابة نهاية الأمل، لأنه كان يَنظر إلى نابليون كقائد ومُناضِل ضِد الطغيان. وأُصيب هازلت باكتئاب شديد .

     استمرَّ هازلت في كتابة مقالات حول مواضيع متنوعة في الدَّوريات . بما في ذلك الخطابات السياسية ضد أي شخص يُقلِّل مِن احتياجات وحقوق الإنسان العادي . مع العِلم أن الأجواء السياسية في إنجلترا في ذلك الوقت ، كانت قمعيةً وضاغطة على الفرد والجماعة .

     يُعتبَر هازلت مِن أعظم كُتَّاب المقالات في تاريخ اللغة الإنجليزية ، ومِن أهم النُّقاد مِن حيث قُدرته على التعمق في تحليل مؤلفات معاصريه من الأدباء ، وكذلك مَن سَبَقه مِن كِبار الكُتَّاب .

     نال قِسْطًا من التعليم في اللاهوت، والفن، والفلسفة. ثم بدأ يكتب للصحف والمجلات. وامتاز أسلوب مقالاته فيها بالوضوح والصفاء ، وجُمعت في كتب أشهرها : " شخصيات مسرحيات شكسبير " ( 1817 ) ، و" محاضرات عن الشعراء الإنجليز " ( 1819 ) ، و" حديث المائدة " ( 1821_ 1822 ) ، و " رُوح العصر " ( 1825 ) .

     كان هازلت صورة لمعاصريه مِن الكُتَّاب والأدباء . وكان صديقًا لوردزورث، وكولردج، وسوثي، ولام . وأسهمَ مع كولردج في تأكيد عَظَمَة شكسبير ومُؤلِّفي عصره .

     ويُعَدُّ هازلت مِن أساتذة كُتَّاب المقالة بين الإنجليز ، إذْ تَمَيَّزت مقالاته بالذكاء الحاد ، والحساسية ، والاهتمام الواسع . ومنها : " معرفتي الأولى بالشعراء " ، و " حَول الشعور بالخلود في سن الشباب " ، كما كان شديد الإعجاب بنابليون ، وكتب سيرة لحياته ( 1828_ 1830) .