13‏/02‏/2022

وليام وردزورث وتجديد الشعر

 

وليام وردزورث وتجديد الشعر

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

......................

     وُلد الشاعر الإنجليزي وليام وَردزَورث ( 1770_ 1850) في بلدة كوكرمُث . كان والده محاميًا ، ووالدته ابنة تاجر كِتَّان .

     يُعتبَر وردزورث الأديب الأوسع نفوذًا في الشعر الإنجليزي مع صديقه الشاعر كولردج ، ومِن رُوَّاد الحركة الإبداعية ، فقد أرسيا قواعدها معًا . والجدير بالذِّكر أن أُخته هي الكاتبة دوروثي وردزورث .

     كانت لنشأة وردزورث في منطقة البحيرات، وهي أجمل مناطق شمال غربي إنجلترا قرب ساحل البحر الأيرلندي ، أثر كبير في حُبِّه للطبيعة ومظاهرها .

     تفرَّقت عائلة وردزورث بعد وفاة والديه . فقد أُرْسِلت أخته دوروثي للعيش مع جدتها ، في حين أُرسل مع إخوته للدراسة في بلدة أخرى ، حيث درس اللغات والأدب والرياضيات ، وجالَ في أوقات فراغه في غابات المنطقة وجبالها ، كما جالَ لاحقًا في أرجاء بقية إنجلترا وإسكتلندا ، وَمِن ثَمَّ أوروبا .

     انتسبَ إلى جامعة كامبردج ، وتخرَّجَ فيها عام 1791 ، وقام برحلة سَيْرًا على الأقدام في فرنسا أيام الثورة، وصارَ مُنَاصِرًا للجمهورية، وارتبط هناك بفتاة فرنسية أنجبت منه بِنْتًا لَم يرها إلى أن بلغت التاسعة مِن عُمرها ، بسبب توتر العلاقات بين إنجلترا وفرنسا في تلك الفترة .

     كانَ بعد تخرُّجه عاطلاً عن العمل، مُفْلِسًا ، وتعرَّفَ على الفيلسوف الراديكالي وليم غودوين، وتعاطفَ مع أفكاره المثالية حول مناصرة الضعفاء والمسحوقين ، وضرورة الإصلاح ، وإحلال العدالة في المجتمع . تزوَّجَ عام 1802 زميلته في المدرسة منذ الصِّغر ماري هتشِنسون ، وأنجبت له أربعة أطفال، تُوُفِّيَ مِنهم اثنان عام 1812، وكان أخوه الأوسط قد تُوُفِّيَ غَرَقًا في عام 1805، ويبدو تأثير هذه الأحداث واضحًا في شِعره . التمَّ شمل وردزورث وأخته دوروثي في عام 1795، واستقرَّا بالقرب من مدينة بريستول جنوبي إنجلترا ، ولَم يفترقا بعد ذلك حتى وفاته .

     تعرَّفَ هناك على الشاعر كولردج ، وأقاما مَعًا شراكةً أدبية ، غيَّرت مجرى حياتيهما ، ومسار الشِّعر الإنجليزي ، ونجمَ عنها أفضل إبداعاتهما. فقد انصرف وردزورث عن كتابة القصائد الطويلة التي أخذت الحيِّز الأكبر مُنذ أيام دراسته في كامبردج ، إلى القصائد الغنائية القصيرة التي خَصَّص العديد منها لأخته وللطبيعة ، وتميَّزت بالبساطة والعاطفة الصادقة .

     كان ذلك كله ضمن برنامج وضعه الشاعران للتحرر من قيود الشِّعر التقليدية ، ولتحدِّي الذوق المتدهور السائد آنذاك. وقد نُشِرت هذه القصائد في مجموعة صغيرة بعنوان" قصائد غنائية" ( 1798) . ولَم يَتَلَقَّ النُّقاد هذا الديوان بأيَّة إيجابية تُذكَر ، بَل هُوجِم ، وشُكِّكَ بقيمته ، حِين كان الثلاثة وردزورث وأخته وكولردج يجولون في ألمانيا . وكان شتاء ذلك العام 1798قاسيًا ، فانعزلَ وردزورث وأُخته عن العالَم في بلدة غوسلار ، وانكفأ الشاعر على ذاته وعلى الذاكرة ، مُعْتَمِدًا ما أطلقَ عليه تسمية " بقع زمنية "، يغوص فيها في أعماق ذاته مُسْتَرْجِعًا مخزونات الذاكرة.

     صدرت الطبعة الثانية من" قصائد غنائية " عام 1800، وضمَّت قصائد جديدة، إلا أن الأهم من ذلك كان تضمينها مقدمة في الدفاع عن آراء مؤلفَيْها في وجه الهجوم الحاد مِن قِبَل النُّقاد .

     ويمكن اعتبار هذه المقدمة بيانًا للحركة الإبداعية الإنجليزية ، حَدَّدَ فيه وردزورث هدفه من الوقوف في وجه الاتِّباعية الجديدة المتصلِّبة ، وذلك مِن أجل بث الحياة في الشِّعر عن طريق معالجة الأمور اليومية بلغة الناس المتداولة ، ومنح الأولوية للتدفق العفوي للإحساس والعاطفة الأصيلة.كُل ذلك من أجل سبر أغوار الطبيعة ، وأيضًا لسبر أغوار النفس البشرية بعقلها وخيالها ، وصولاً إلى " الروح المحرِّكة / التعالي " اعتمادًا على عِلم نفس التداعي الحِسِّي الذي أخذه وردزورث عن لوك وهيوم وديفيد هارتلي .

     كتب وردزورث قصيدته الأشهر بعنوان " المقدمة " ، ولَم تُنشَر إلا في عام 1850بعد وفاته. أي بعد أكثر من نصف قرن على البَدء بها . والقصيدة ملحمة من ثمانية آلاف بيت في السِّيرة الذاتية تتضمَّن دراسته وأسفاره ، وتسير بحركة دائرية تبدأ عند النهاية حين كان الشاعر في التاسعة والعشرين مِن عُمره ، رُجوعًا إلى البداية والطفولة ، يُمجِّد فيها الخيال والأحاسيس الدافئة .

     وَطَّدَ وردزورث شُهرته لدة القُرَّاء والنُّقاد ، حتى صار في عام 1843شاعر البلاط الرسمي . لكن عبقريته الشعرية تراجعت مع تقدُّمه في السِّن ، وأخذت مشاعر المحافظة والشيخوخة تحل محل اندفاع الشباب وثورته . وأعاد كتابة " المقدمة " أكثر مِن مَرَّة ، ولكن بلا فائدة . إذ ظَل شِعره الذي كتبه في في النصف الأول من حياته هو الأفضل والأبقى .

     اختلفَ النقاد حول مكانة وردزورث في الشِّعر الإنجليزي، بين ليسلي ستيفن ( والد فرجينيا وولف ) الذي لَم يكن شديد الإعجاب به ، وبين ماثيو أرنولد الذي وضعه في المكانة الثالثة بعد شكسبير وميلتون .