06‏/02‏/2022

وليام بتلر ييتس وذاكرة الأشباح

 

وليام بتلر ييتس وذاكرة الأشباح

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

....................

     وُلد الشاعر الأيرلندي وليام بتلر ييتس ( 1865_ 1939) في دَبلِن . لَم يكن أديبًا منعزلاً أو عائشًا في بُرجه العاجي ، بل كان مُنخرِطًا في الحياة الاجتماعية . وبالإضافة إلى كَونه شاعرًا ، كان كاتبًا مسرحيًّا ، ومدير مسرح ، وشخصية وطنية ، وعُضْوًا في مجلس العموم البريطاني .

     كان والده محاميًا ذا شخصية قوية ، حرص على تنشئة أطفاله في مناخ ثقافي ، فكان يقرأ لهم الشعر والقصص من أعمال شكسبير وغَيره . ومن شِدَّة ولع الأب بالثقافة والفنون ، قرَّر أن يترك مهنة المحاماة ، ويصبح فنَّانًا ، فالتحق بمدرسة للفنون وأصبح واحدًا من الرسامين المعروفين . أمَّا الأم ، فكانت هادئة وانطوائية ، وقد شكَّل موتُ أحد أطفالها صدمةً نفسية لها ، بقيت مُلازِمةً لها حتى وفاتها .

     عاش ييتس في بيئة أرستقراطية ، وكانت عائلته فاحشة الثراء، وقد قضى طفولته في قصر جدِّه لأُمِّه، الذي كان يمتلك أُسطولاً من السُّفن التجارية . وطفولته الْمُرَفَّهة في هذا القصر الكبير الذي يحتوي على غرف كثيرة وممرَّات عديدة ، كانت عاملاً أساسيًّا في تنمية خيال الطفل ، وإقحامه في عالَم الأساطير والخيالات . فصار يُؤمن بوجود الأشباح . وقد زعم فيما بعد أنه شاهد أول شبح في حياته عندما كان في قصر جَدِّه. والحكاياتُ المتعلقة بالأشباح والجِنِّيات والأرواح الخارقة للطبيعة ، كانت شائعةً في أيرلندا في تلك الفترة ، حتى إِن الخدم العاملين في القصر كانوا يتحدَّثون عن الجِنِّيات ، وكانوا يربطون هذا الموضوع بالعذاب والخوف والخطر .

     انعكسَ موضوع الأشباح والجن على أشعار ييتس ، ففي قصيدة " الطفل المسروق " تبرز الأسطورة الشعبية التي تقول إِن الجِنِّيات قادرات على خطف الناس ، وإجبارهم على البقاء في عالَم الجن . وفي قصيدة " في ضيافة الجن " ، يتخيَّل الشاعر أعدادًا هائلة من الجن يَمتطون ظُهور الخيل، ويَطوفون في طُول البلاد وعَرْضها . وهذه الأجواء الأسطورية متعلقة بطفولة الشاعر ، إِذ إِنه نشأ في قصر جَدِّه الذي كان يضمُّ حصانًا وكلابًا يستخدمها الأطفال لمطاردة الأرانب .

     سيطرت هذه الصور على خيال ييتس وتفكيره ، بحيث احتلَّتْ حياتَه وفلسفته. ولَم تقف هذه الأجواء عند الطفولة . ففي فترة شبابه ، كان يمشي في الأماكن النائية ، ويقضي الليالي في أحد كهوف الغابة . وهذه الأماكن المحبَّبة إليه ، سيطرت على قلبه وتفكيره وإنتاجه الشِّعري . وكثير من هذه الأماكن يَرِدُ في أشعاره .

     كان ييتس طالبًا ضعيفًا في المدرسة، وعانى كثيرًا من مشكلات في القراءة . لكنه بدأ يكتب الشِّعر في الخامسة عشرة مِن عُمره . وقصائدُه الأولى كانت عن الساحرات وفُرسان العُصور الوُسطى الذين يلبسون الدروع ، وهي قصائد بسيطة ، لكن شِعره بدأ بالتحسن فنيًّا حين صار يكتب عن الأساطير والخرافات الأيرلندية .

     اقتربَ ييتس من العوالم الروحانية ، وما فوق الطبيعة ، وصار مشغولاً بالقضايا المستورة في هذا الوجود . وفي العشرين من عُمره ، ساهم في تأسيس " جمعية دَبْلِن لعلوم السِّحر " التي تُعْنَى بتدريس الفلسفة الهندية والروحانيات والغَيبيات . وفي العام التالي ، انضمَّ إلى " نظام البزوغ الذهبي " ، وهي جمعية سرية طوَّرت تدريس السِّحر وكيفية تطبيقه على أرض الواقع . وهذه العوالم ليست غريبة عن ييتس، ففي شبابه كان مشغولاً بالرُّؤى والخواطر وتأثير الكواكب والأمور الخارقة للطبيعة . وكل هذه المفاهيم ظهرت في شِعره بصورة أو بأُخرى .

     في عام 1889 ، التقى بممثلة جميلة تُدْعَى " ماود جونيه"، وأغلب شِعره العاطفي مُوَجَّه لها . وقد تقدَّم للزواج منها عدة مرات ، وكانت ترفضه بقسوة . ثم التقى الكاتبة المسرحية الليدي غريغوري ، وأسَّس معها " المسرح الأدبي الأيرلندي ". وفي عام 1911 ، قابلَ ييتس في بيت أحد أصدقائه شابةً جذابة تُدْعَى " جُورجيا هايدليس " عمرها ثمانية عشر عامًا . كان قارئة نَهِمَة ، ومثقفة تتكلم عدة لغات ، ومتعلقة بعالَم السِّحر والغَيبيات ، وقد انضمَّت إلى جمعية " نظام البزوغ الذهبي". وقد عَقَدا زواجهما عام 1917 رغم فارق السن ، وغياب العواطف المتبادَلة .

     صارَ ييتس عُضْوًا في مجلس الشيوخ في أول حكومة أيرلندية،خلال الفترة ( 1922_1928) وسعى بكل طاقته إلى إحياء التراث الثقافي الأيرلندي ، وفنونه المعمارية ، وآثاره القديمة . وكان مُدافِعًا عن حرية التعبير ، وعمل جاهدًا على تحسين مستوى المدارس الأيرلندية . فازَ ييتس بجائزة نوبل للآداب عام 1923 ، وواصلَ الكتابة حتَّى مَوته عام 1939 . وقد قضى سنواته الأخيرة في جنوب فرنسا بسبب وضعه الصِّحي. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 ، نُقل جُثمانه إلى أيرلندا، ودُفن في إحدى الكنائس . وضمَّ شاهدُ قبره أبياتًا شعرية له: (( عَين باردة تُحَدِّق / في الحياةِ والموتِ / وفارس يَعبر بينهما )) .

     من أبرز مجموعاته الشِّعرية : الخوذة الخضراء (1910) . مسؤوليات وقصائد أخرى ( 1914). البجع البري عند مُتَنَزَّه كول ( 1918). البُرج ( 1928). السلالم الملتوية ( 1929). قصائد جديدة ( 1938) .