28‏/11‏/2023

نهر بين الحب والكراهية

 

نهر بين الحب والكراهية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     المَرْأةُ التي أَخَذَتْ قَلْبي لَمْ تُرْجِعْهُ / أنا جُثَّةٌ هَامدةٌ بلا قَلْبٍ/خَرَجَتْ أحزانُ القَمَرِ ولَم تَعُدْ/ دَمي يَمشي إلى البَحْرِ في لَيْلَةٍ خَريفِيَّةٍ باردةٍ غامضةٍ / فَيَا أيُّها المَنبوذُ في مَملكةِ البَارودِ / ادْرُس الرِّياضياتِ مَعَ عِظَامِ المَوْتَى / كَي تُفَرِّقَ بَيْنَ أرقامِ القُبورِ وأرقامِ الزَّنازين /

     أَرِثُ نَفْسِي بَعْدَ مَوْتِي/ ولَن أسْمَحَ للنَّهْرِ أن يَرِثَنِي/ أرْثِي نَفْسِي بَعْدَ مَوْتِي/ ولا تَسْتَحِقُّ الرِّمالُ المُتحرِّكةُ شَرَفَ رِثَائِي / وأبْنِي مَملكتي بَيْنَ السَّنابلِ المُضيئةِ التي تَحْرُسُ قَبْرَ أُمِّي / أنا الحَدَّادُ العاطلُ عَن العَمَلِ / وذِكْرياتي تائهةٌ بَيْنَ مَساميرِ الصُّلْبانِ ومَساميرِ النُّعوشِ /

     كَمَا تَضيعُ الحضارةُ بَيْنَ حَبْلِ الغسيلِ وحَبْلِ المِشْنقةِ / تَضِيعُ اليَتيماتُ بَيْنَ السَّائِلِ المَنَوِيِّ وَسَائِلِ الجَلْيِ / انكَسَرَتْ أُنوثةُ السَّنابلِ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ ومَلاقِطِ الحَوَاجِبِ/ كَيْفَ سَيَهْرُبُ صَدْرُكِ أيَّتُها البُحَيرةُ العَرْجَاءُ مِن سَرَطَانِ الثَّدْيِ ؟/ طُيُورُ البَحْرِ تَزْرَعُ شَوَاهِدَ القُبورِ بَيْنَ النَّعناعِ ومَنادِيلِ أُمَّهَاتِنا / والرَّاهباتُ العَمْيَاوَاتُ يَحْفَظْنَ جَدْوَلَ الضَّرْبِ / كَي يَحْسُبْنَ عَدَدَ المساميرِ في الصُّلْبَانِ / التي يَكْسِرُهَا ضَوْءُ القَمَرِ في الشِّتاءِ الدَّامِي /

     أيُّهَا الحُلْمُ المَيْتُ في الرَّصَاصِ الحَيِّ/ مَاتَ الرِّجالُ عَلى رَصِيفِ المِيناءِ / مَاتت النِّسَاءُ في مَناديلِ الوَدَاعِ / مَاتَ الوَطَنُ في الذِّكرياتِ / مَاتت الذِّكرياتُ في الأُغْنِيَاتِ / كُلُّ شَيْءٍ مَات / وَلَمْ يَعُدْ في هَذِهِ المدينةِ الحزينةِ مَنْ يَضَعُ الزُّهُورَ عَلى القُبورِ / الجُثَثُ مُوَزَّعَةٌ بَيْنَ صَفِيرِ القِطَاراتِ في أجنحةِ الحَمَامِ الزَّاجِلِ / وَصَفَّارَاتِ الإنذارِ في مُدُنِ الطاعونِ /

     أيَّتُها القُبورُ النُّحَاسِيَّةُ في الرَّصَاصِ المَطَّاطِيِّ/ مَتى نَعُودُ إلى جَثامينِ آبائِنا تَحْتَ صَوْتِ الرَّعْدِ؟/ أحزانُ النَّخيلِ ضَائِعَةٌ بَيْنَ الكُرْسِيِّ الهَزَّازِ والكُرْسِيِّ الكَهْرَبَائِيِّ / سَتَمُوتُ الطيورُ / وَلَن تَعُودَ إلى البَحْرِ في المساءِ الخريفِيِّ / وَعَلَيَّ وَحْدِي أن أمْشِيَ خَلْفَ نَعْشِ أُمِّي في حُقولِ الغُروبِ /

     جَثامينُ اليَتيماتِ حَوَاجِزُ عَسْكَرِيَّةٌ بَيْنَ الزَّيْتِ والزَّعْتَرِ/ وَشَظَايَا رِئَتي تُفَّاحَاتٌ/ وأجنحةُ الفَرَاشَاتِ سَكاكينُ / والرِّيحُ لا تُفَرِّقُ بَيْنَ دَمِ الجنودِ الأحمرِ وأحْمَرِ الشِّفَاهِ للسَّبايا / أنا المساءُ الحزينُ / خَانَتْنِي مَرَافِئُ الضَّبَابِ بَيْنَ الفَجْرِ الكَاذِبِ والفَجْرِ الصَّادِقِ / عِشْتُ لأعيشَ تَحْتَ الأرضِ فَأرَ تَجَارُب / لا لَمَعَانُ عُيونِ الشَّركسياتِ أحْيَا عِظَامي / ولا بَيَاضُ أسنانِ البُوسنِيَّاتِ قَتَلَ ذِكْرَياتي / التَّوابيتُ مَصنوعةٌ مِنَ الخشبِ الفاخِرِ / وَمَصْفُوفةٌ في عَرَبَاتِ القِطَارِ / كالعُطورِ النِّسائيةِ في الخريفِ الباردِ / وَلَمْ تَكُنْ طُفولتي سِوى ظِلالِ نَوْرَسٍ / دَخَلَ في جُرُوحِ البَحْرِ / وَلَمْ يَخْرُجْ .