30‏/11‏/2023

الحب في الوقت الضائع

 

الحب في الوقت الضائع

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     قُلُوبُ السَّبايا حَبَّاتُ كَرَزٍ في مُدُنِ السَّرابِ / وأنا المُهَرِّجُ الذي يُضْحِكُ قُطَّاعَ الطُّرُقِ / وَيَبكي في الغُرفةِ وَحِيدًا / سأبكي أمامَ مَرايا الخريفِ أنهارًا بِلا ضِفَافٍ / مَاذا يَفعلُ المُهرِّجُ بَعْدَ إغلاقِ السِّيرك ؟ / أنا التَّائهُ بَيْنَ كُرَياتِ دَمي وَصَفَّاراتِ الإنذارِ /

     عِندَما يَأتي المساءُ / يَتفجَّرُ الحُزْنُ في أظافري المُضيئةِ / وأرى وُجوهَ الأمواتِ عَلى زُجاجِ نافذتي / وأرى جُثتي المُتَعَفِّنَةَ عَلى زُجاجِ القِطاراتِ / رَائحةُ البُرتقالِ عَلى حَبْلِ المِشنقةِ / وَنَصْلُ المِقصلةِ بِطَعْمِ التُّفاحِ / والسَّمكةُ ابْتَلَعَت الطُّعْمَ في خَريفِ الذِّكرياتِ الحامِضِ /

     أشلائي تَدُورُ مَعَ مِرْوَحةِ السَّقْفِ بِعَكْسِ عَقاربِ السَّاعةِ / وقُمْصَانُ النَّوْمِ على حِبَالِ الغسيلِ أوْ حِبَالِ المشانِقِ / وأكفانُ الفَراشاتِ عَلى بَلاطِ السُّجونِ الباردِ/ والزَّوابعُ تَغتصِبُ سُطُوحَ البُيوتِ أوْ سُطُوحَ الوَداعِ / انكسرَ التاريخُ في أحضانِ عَشيقاتِ مُلوكِ الطوائفِ / انكَسَرَت الجُغرافيا في آبارِ نِفْطِ شُيوخِ القَبائلِ / وبَقِيَ دَمُ الحَيْضِ عَلى دُستورِ الدَّولةِ البُوليسِيَّةِ /

     كُلَّمَا مَاتَ جَسَدِي انْبَعَثَ في جَسَدِ الرِّياحِ / حُطَامُ الرُّوحِ في أرضِ الطاعون/ شَظايا الجماجِمِ في مَملكةِ السَّرابِ/ والأطفالُ في الخنادِقِ/ وجُثَثُ الرِّجالِ في حَاوِيَةِ القُمامةِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ / أعِيشُ في نَفْسِي مَعَ نَفْسِي ضِدَّ نَفْسِي / دَمْعُ النِّساءِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / وَمَناديلُ الوَداعِ في أزِقَّةِ المَرْفَأ اللازَوَرْدِيِّ / وتُسْحَقُ رُمُوشُ النِّساءِ تَحْتَ بَساطيرِ الجُنودِ /

     كُلَّمَا جُعْتُ رَأيتُ دِمَاءَ أُمِّي في صَحْنِ العَدَسِ في شِتَاءِ الوَداعِ الغامضِ/ أنا غُربةُ الفِضَّةِ في النُّعوشِ الذهبيةِ/ سَأقُولُ للأمواجِ النُّحَاسِيَّةِ / إنَّ أظَافِرَ القَتيلِ تَلْمَعُ كالمطرِ في الخريفِ البَعيدِ / وأظلُّ أبكي في طُرُقَاتِ المَوْجِ الأخضرِ / فِئرانُ السَّفينةِ تأكلُ جُثمانَ الرُّبَّان / والسَّفينةُ تَغْرَقُ في دِمَاءِ النَّوارسِ / والرِّيحُ تَكْسِرُ الأعشابَ حَوْلَ شَاهِدِ قَبْري / وَحَفَّارُ القُبورِ نَسِيَ استلامَ رَاتِبَهُ الشَّهْرِيَّ / وَالفَتَيَاتُ المَجروحاتُ عَاطِفِيًّا يَقِفْنَ بَيْنَ بَوَّابةِ المقبرةِ والحَاجِزِ العَسكريِّ / وَدَمُ الحَيْضِ السَّاخِنُ عَلى بَلاطِ السُّجونِ الباردِ / والضَّبابُ الأسْوَدُ يُحَاصِرُ دَمِي الأخْضَرَ في أبْجَدِيَّةِ البُكَاءِ/

     دَمِي مُوسيقى تَصويرِيَّةٌ للمُسْتَنْقَعَاتِ/ فَاصْعَدْ أيُّها البَعُوضُ الأُرْجُوَانِيُّ مِن كُحْلِ الصَّبايا وجُثَثِ الضَّحايا / سَيَظَلُّ القَمَرُ شَاهِدًا عَلى اغتيالِ الفَراشةِ في الخريفِ المَالِحِ / سَيَظَلُّ الشِّتاءُ شَاهِدًا على اغتصابِ الرَّاهباتِ في دَيْرِ الصَّقيعِ / نَسِيَت الأراملُ فَناجينَ القَهْوَةِ عَلى شُرُفَاتِ الحُرُوبِ الأهليةِ / وَذَهَبْنَ إلى المَوْتِ الرُّومانسِيِّ / والطِّفْلُ المَشلولُ يُخَبِّئُ عُكَّازَةَ أبِيهِ بَيْنَ الفَنادقِ والخَنادقِ .