16‏/12‏/2023

الأنقاض الوهاجة

 

الأنقاض الوهاجة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     أمامَ البيانو جُثَّةُ امرأةٍ تَرْتَدِي تَنُّورَةً فَوْقَ الرُّكْبَةِ / نَسِيَت القَتيلاتُ مَلاقِطَ الحَوَاجِبِ على سُورِ المقبرةِ / ونَسِيَ السُّجَنَاءُ عُيُونَ الكِلابِ البُوليسِيَّةِ بَيْنَ أشجارِ الوَدَاعِ/ نافذةُ بَيْتي تُطِلُّ على قَبْري / والأثاثُ المُسْتَعْمَلُ يَصِيرُ أخشابًا للتَّوابيتِ/ وأنا المنبوذُ في شَظايا قَلبي المكسورِ/ المَنْفِيُّ في شَراييني الزُّجاجيةِ التي يُحَطِّمُهَا الخريفُ /

     صَارَتْ مَلاقِطُ الغسيلِ أُغْنِيَةً وَطَنِيَّةً في مَوَاسِمِ ضَيَاعِ الوَطَنِ / وأنا المقتولُ تَحْتَ أغصانِ المساءِ / أركضُ في مَتَاهَةِ رِئتي/ وأعْرِفُ أنَّ لَمَعَانَ أظافري يَخُونُنِي / وأَشُكُّ في كُرَيَاتِ دَمي / لكنَّ حَبْلَ المِشنقةِ يَقِيني وقَرِيني / والنَّهْرُ يَنَامُ وَالمُسَدَّسُ تَحْتَ وِسَادَتِهِ / وحَفَّارُ القُبورِ يُعَلِّمُ أشجارَ المقبرةِ الكِفَاحَ المُسَلَّحَ بَيْنَ جَدائلِ اليَتيماتِ وأوراقِ الخريفِ /

     طَيْفُ المَرْأةِ الغامضةِ يَقْتُلِني في الخريفِ / ويُحْيِيني في الشِّتاءِ / وأنا الظِّلُّ الغامضُ بَيْنَ مَقَاصِلِ الوَدَاعِ وخَنَاجِرِ الذِّكرياتِ / دَفَنْتُ قلبي في دُموعِ الشَّركسياتِ/ وذَهَبْتُ إلى فِرَاشِ المَوْتِ / لِكَيْلا تَرى أُمِّي دُموعي /

     يا أشِعَّةَ القَمَرِ في الخريفِ البَعيدِ / ماذا تُريدِينَ مِن أُمِّي ؟ / أُمِّي مَاتتْ / تَابُوتُهَا مِن أخشابِ المطبخِ / وأكفانُها في الصُّحُونِ / والذِّكرياتُ تَكْسِرُ زُجَاجَ النَّوافذِ في الشِّتاءِ الغَامضِ / والعَنْكَبُوتُ العَجُوزُ تُضِيءُ قَبْرَ الفَراشةِ/ والليلُ هَجَمَ عَلَيَّ في مَحطةِ القِطاراتِ بَيْنَمَا كُنْتُ أَمُوتُ / فِرَاشُ المَوْتِ مُمَدَّدٌ على المقاعِدِ الخشبيةِ/ وصَفِيرُ القِطاراتِ يَخْلَعُ جِلْدي/ وأنا القَتيلُ الرُّومانسِيُّ/ أزْرَعُ عِظَامي بَيْنَ صَفَّاراتِ الإنذارِ والحواجِزِ العَسكريةِ / وَأبْنِي ذِكْرياتي بَيْنَ شَاهِدِ القَبْرِ ونَعناعِ الشَّاي/ والأطفالُ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيْفِيَّةَ في البَحْثِ عَن رُفَاتِ الضَّحايا في المقابرِ الجماعِيَّةِ /

     خَلْفِي رَاياتُ القَبائلِ المُنَكَّسَةُ / وَأَمَامِي أعلامُ القَراصنةِ / وَدَمِي صَارَ النَّشيدَ الوطنيَّ للسُّفُنِ الغارقةِ / يَنْتَشِرُ القَنَّاصَةُ والكِلابُ البُوليسِيَّةُ بَيْنَ رَغْوَةِ الدَّمِ ورَغْوَةِ القَهْوَةِ/ خَبَّأْنَا جُثَثَ أُمَّهَاتِنا في خِزَاناتِ المطبخِ / وصَنَعْنَا نُعُوشَ آبائِنَا مِن أخشابِ السُّفُنِ الغارقةِ /

     أيُّها السَّجينُ في شَرايينِ الرِّياحِ / نافذةُ سِجْنِكَ تُطِلُّ على أوْرِدَتي النُّحَاسِيَّةِ / ذَهَبَ دَمُ البُحَيرةِ هَدَرًا / ولا أَحَدَ يُطَالِبُ بِدَمِ القِطَطِ المُشَرَّدَةِ / البَحْرُ مَقتولٌ في الذِّكرياتِ / والرَّمْلُ مَوْلُودٌ في المزهرِيَّاتِ / ولا مُسْتَقْبَلَ لَكَ سِوَى الأمواجِ الكريستالِيَّةِ / والإعصارُ يُلَمِّعُ مَساميرَ نَعْشِكَ بِمِلْحِ الطعامِ/الذي نَسِيَتْهُ أُمُّكَ على النَّارِ في الشِّتاءِ الحزينِ/وَذَهَبَتْ إلى لَمَعَانِ الاحتضارِ في آخِرِ الليلِ.