22‏/12‏/2023

مستقبل مشرق بين الأكفان والجراد

 

مستقبل مشرق بين الأكفان والجراد

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     أيُّها الطِّفْلُ الجائعُ / سَتَأكُلُ جُثمانَ أُمِّكَ / أيُّها اليَتيمُ العَطْشَان / سَتَشْرَبُ حَليبَ البَنادقِ / البُحَيرةُ تُرْضِعُ ضَوْءَ القَمَرِ / فَابْحَثْ عَن سُنبلةٍ بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ كَي تُرْضِعَكَ / حَيَاتي رَقْمٌ عَلى بَابِ زِنزانتي / والعَاصِفَةُ تُطْلِقُ الرَّصاصَ عَلى النَّهْرِ الأعزلِ /

     كَسَرَ المساءُ قُلُوبَ النِّساءِ / والرِّمالُ الهَمَجِيَّةُ تُعَلِّمُ البَحْرَ الحضارةَ/ لا ضَفَائِرَ للرَّاهباتِ سِوى مَساميرِ الصُّلْبانِ/ وَلَمَعَانُ عُيونِ الشَّركسياتِ يُضِيءُ طَريقي إلى الكَرَزِ المنثورِ عَلى نَصْلِ مِقْصَلتي /

جُدرانُ بَيْتي مُزَيَّنةٌ بالنُّعوش الكريستالِيَّةِ / والأيتامُ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الأثاثِ المُسْتَعْمَلِ وأخشابِ النُّعُوشِ / عِشْتُ حَيَاتي بَيْنَ الرُّومانسيةِ والذِّكرياتِ كَي أَصِيرَ طَعَامًا للدُّودِ /

     الأرنبُ المذبوحُ بَيْنَ أوراقِ الخريفِ / وَبَرِيقُ أظافري هُوَ بَرِيقُ الخناجِرِ في جِلْدِ الرِّياحِ / وَنُهُودُ النِّساءِ المقطوعةُ مُلْقَاةٌ في حَاوِيَاتِ القُمَامَةِ / الرَّصاصُ الحَيُّ بَيْنَ رَغْوَةِ الدَّمِ وَرَغْوَةِ القَهْوَةِ / وَصَاحِبَاتُ الدَّمِ الأزرقِ يَشْرَبْنَ الشَّايَ الأخضرَ / في مَقْهَى التَّوابيتِ الذي يُطِلُّ عَلى بَحْرِ الدُّموعِ/ تَتساقطُ دُموعُ البَنَاتِ في آبارِ النِّفْطِ أوْ آبارِ القُرى المَنْسِيَّةِ / ويَنكسِرُ الصَّليبُ بَيْنَ العَوَانِسِ والكَنَائِسِ / وأبراجُ الكَنائسِ هِيَ أبراجُ الحِرَاسَةِ في سُجُونِ الرِّمالِ المُتَحَرِّكَةِ /

     كُنْ رُومَانسِيًّا أيُّهَا السَّرَابُ/ إنَّ المَطَرَ يَجْرَحُ خُدُودَ البُحَيْرَةِ / هَل أنا المُخَلِّصُ في مُسْتَنْقَعِ الزَّوجاتِ الخائناتِ ؟ / هَل أنا صَفِيرُ القِطَارِ بَيْنَ دُموعِ العُشَّاقِ وأمطارِ الذِّكرياتِ ؟/ أشِعَّةُ القَمَرِ تَخْلَعُ جِلْدِي / ولا أرى في مِرْآتِي إلا لَمَعَانَ المُسَدَّسَات / وكُلُّ شَيْءٍ مَات/

     أرى في الشَّفَقِ وُجُوهَ الشَّركسياتِ / فَكَيْفَ أُطْلِقُ رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ ؟ / أحزاني هِيَ صَفَّارةُ إنذارٍ بَيْنَ دَمِي والبَحْرِ / وعِظَامُ النَّوارِسِ القَتيلةِ هِيَ دُستورُ الدَّولةِ البُوليسِيَّةِ/ رُخَامٌ أسْوَدُ في سُوقِ الرَّقيقِ الأبيضِ / ولاعِبُ القِمَارِ قَلَبَ الطاولةَ عَلى المُقَامِرِين / خَسِرَ حَفَّارُ القُبورِ أشجارَ المقبرةِ في لُعْبَةِ قِمَارٍ / ولَيْسَ أمَامَهُ إلا المَوْت / وطُيُورُ البَحْرِ تُنَظِّفُ شَوَاهِدَ القُبورِ مِن الغُبارِ/ والمساءُ يَغْسِلُ أعشابَ المقابرِ بِدَمْعِ النِّسَاءِ / نُخَبِّئُ جَمَاجِمَ النُّسورِ العاجزةِ جِنسِيًّا في الحقائبِ المدرسِيَّةِ / والطِّفْلُ المشلولُ رَأى أبَاهُ يُجَامِعُ أُمَّهُ في لَيْلَةٍ خَريفِيَّةٍ بَاردةٍ /

     يَرْحَلُ الصَّيْفُ مِن خُدودِ الصَّبايا / ويَغتَصِبُ الشِّتاءُ عِظَامَهُنَّ في الليلِ الطويلِ / مَاتَ الرِّجالُ في أزِقَّةِ الجَرَادِ / وما زَالَت النِّساءُ يُجَهِّزْنَ قُمصانَ النَّوْمِ في لَيْلَةِ الدُّخلةِ / هَيَاكِلُنَا العَظْمِيَّةُ أرشيفٌ للأرقِ / وأشلاؤُنا سِفْرُ الخُرُوجِ مِن أمطارِ المساءِ / والأحزانُ في دَمِنَا لا تَنَامُ / والدَّمُ لا يَنَامُ .