26‏/12‏/2023

اشتباك مسلح بين النهر والبحر

 

اشتباك مسلح بين النهر والبحر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     ذِكْرَياتي طُيورٌ كَاسِرَةٌ / لَكِنَّ قَلْبي مَكْسُورٌ / تَبيعُ اليَتيماتُ العِلكةَ في المحاكمِ العَسكريةِ / ونَسِيَ الحَمَامُ الزَّاجِلُ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ عَلى نافذةِ الزِّنزانةِ/ وصَارَ يَغسِلُ بَلاطَ الزِّنزانةِ بِحَلِيبِ السَّجِينَاتِ / قَبْري بَيْتُ الوَحْشَةِ/ وَجَسَدي طَعَامُ الدُّودِ / فَخُذْ يا شَجَرَ الليلِ رَبطةَ عُنُقي تَذكارًا للحُبِّ الضَّائعِ في الوَطَنِ الضَّائعِ / إنَّ قَمِيصَ النَّوْمِ هُوَ فِرَاشُ المَوْتِ /

     المَوْجُ يَصنعُ التَّوابيتَ مِن الأثاثِ المُسْتَعْمَلِ في بَيْتِنا المهجورِ / والقَنَّاصُ في المَنَارَةِ عِندَ شَاطِئِ الوَدَاعِ / يُرَاقِبُ طُيُورَ البَحْرِ وَهِيَ تُحَلِّقُ فَوْقَ جُثَثِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ/ أيَّتُهَا الصَّحراءُ الباكيةُ / دُودُ المقابرِ سَيَأكُلُ ثَدْيَيْكِ اللذَيْنِ تَفتخِرِينَ بِهِمَا تَحْتَ رَاياتِ القَراصنةِ ورَاياتِ القَبائلِ / وحِيطانُ السِّجْنِ تَتَبَوَّلُ عَلى أجسادِ السُّجَنَاءِ / وسَوْفَ تَجْلِي السَّبايا صُحُونَ المطبخِ في لَيْلِ الانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ/ فَساتينُ السَّهرةِ تَحترِقُ كأجنحةِ الجَرَادِ في الشَّتاءِ الدَّامِي/ ذَهَبَت العَرَائِسُ إلى الاحتضارِ الضَّوْئِيِّ / والسَّائِلُ المَنَوِيُّ عَلى خَشَبِ الأثاثِ أوْ خَشَبِ النُّعوشِ / ذَهَبَت الصَّبايا إلى المَوْتِ / وبَقِيَتْ مَلاقِطُ الغسيلِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَبَقِيَتْ قُمْصَانُ النَّوْمِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ /

     أخافُ أن أنظُرَ في الشَّفَقِ / كُلَّمَا نَظَرْتُ في الشَّفَقِ رَأيْتُ وَجْهَكِ / فَكَيْفَ أهْرُبُ مِن وَجْهَكِ وفي كُرَيَاتِ دَمِي شُطآنٌ وأعاصيرُ وحَوَاجِزُ عَسكريةٌ ؟ / نَسِيَت الفَتَيَاتُ طِلاءَ الأظافرِ عَلى مَلاقِطِ الغسيلِ / ورَحَلْنَ إلى مَحطةِ القِطَاراتِ في الغُروبِ / فيا أيُّها النَّهْرُ المشلولُ / لماذا تَلْعَبُ بِمَشَاعِرِ البُحَيرةِ ؟ / أحلامُ الطُّفولةِ جَالِسَةٌ عَى كُرْسِيٍّ مُتَحَرِّكٍ أمامَ مَوْقَدَةِ الخريفِ / والانطفاءُ هُوَ شَريعةُ الذاكرةِ وشَرْعِيَّةُ الذِّكرياتِ / وسُورُ المقبرةِ يَكتبُ الأغاني الوَطنيةَ في مَملكةِ القبائلِ المُتَنَاحِرَةِ /

     أُولَدُ مِن مَوْتِي / حِينَ تُصْبِحُ ضَفَائِرُكِ أيَّتُها الشَّركسيةُ حَبْلَ مِشْنَقتي / أبدأُ مِن نِهَايتي / حِينَ تُصْبِحُ أزرارُ قَمِيصِكِ مَسَامِيرَ نَعْشِي / أُضِيءُ مِن انطفائي / حِينَ تُصْبِحُ خُدُودُكِ شَاهِدَ قَبْري / وسَوْفَ أركضُ إلى الضَّوْءِ في آخِرِ النَّفَقِ /

     الزَّوبعةُ طِفْلةٌ يَتيمةٌ تَركضُ تَحْتَ أشجارِ المقابرِ/ في الخريفِ المُمْتَلِئِ بالجُثَثِ المجهولةِ وأوسمةِ الجُنودِ القَتْلَى / أنا مَلِكُ الغُبارِ / أجلسُ عَلى عَرْشِ السَّرابِ / تَاجِي هُوَ انكسارُ المَوْجِ عَلى نوافذِ القُصورِ الرَّمليةِ / صَوْلَجَانِي هُوَ جُثمانِ البَحْرِ عِندَ الغُروبِ/ وحَبَّاتُ العَرَقِ عَلى جِبَاهِ الشَّركسياتِ هِيَ حَبَّاتُ اليَاقُوتِ في مَملكةِ الذِّكرياتِ / التي تَحْيَا في جِلْدِي ولا تَمُوت / وَلْتَكُنْ أكْفَاني مِن أجنحةِ الفَرَاشَاتِ / أنا السَّاحِرُ المَسْحُورُ / أنا الذاكرةُ والذِّكرياتُ .