26‏/01‏/2024

جرعة زائدة من الذكريات

 

جرعة زائدة من الذكريات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     المطرُ القِرْمِزِيُّ يَصْقُلُ مَرَايَا الإعدامِ / فَلْتَمُتْ أيُّها النَّهْرُ المشلولُ مُرْتَاحَ الضَّمِيرِ / وَدَافِعْ عَن الأندَلُسِ أيُّها البَدَوِيُّ الدِّيمُقْرَاطِيُّ / وَدَافِعْ عَن فِلِسْطِينَ يا رَاعِي الغَنَمِ الليبرالِيَّ /

     صَهِيلُ الذِّكرياتُ هُوَ السَّرَطَانُ الذي سَيَأكُلُ صَدْرَكِ أيَّتُها البُحَيرةُ المغرورةُ / والعصافيرُ اليتيمةُ تَبني أعشاشَها في فُرُوجِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / فيا أيَّتُها السَّاحرةُ العَمْياءُ / سَوْفَ يُحَاصِرُكِ المِلْحُ في دُمُوعِ عَاشِقِكِ وَقَاتِلِكِ / سَيُصْبِحُ الصَّيَّادُ فَريسةً/ ويَنْقَلِبُ السِّحْرُ عَلى السَّاحِرِ / وتَتساقطُ مَساميرُ النُّعوشِ في الأغاني الوَطنيةِ بَعْدَ ضَيَاعِ الوَطَنِ/ وَالعَاصِفَةُ تَنْشُرُ الغسيلَ عَلى حَبْلِ مِشْنَقتي /

     وَدَاعًا أيُّها الأيتامُ الذينَ يَبِيعُونَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ العِلْكَةَ ودُسْتُورَ الوَحْدَةِ الوطنيةِ / سَلامًا أيُّها السَّرابُ الذي يَغتَصِبُ الصَّحراءَ بَيْنَ كُرَيَاتِ دَمِي وَنِقَاطِ التَّفتيشِ العَسْكَرِيَّةِ / أنا المَنبوذُ / فَابْحَثِي يا تلالَ الوَهْمِ عَن عَرِيسٍ آخَر/ أنا المهزومُ/ فَابْحَثْ يا وَمِيضَ البَرْقِ عَن رَايَةٍ غَيْرِ مُنَكَّسَةٍ / أنا المكسورُ/ فَابْحَثِي يا أدغالَ الصَّدى عَن فَرِيسةٍ أنيقةٍ / أنا المقتولُ / فَابْحَثِي يا مَناديلَ الوَدَاعِ عَن ضَحِيَّةٍ جَديدةٍ / سَأعِيشُ في قَلْبِ الزَّوابعِ ذَاكِرَةً / لا تَنْقَلِبُ عَلى الذِّكرياتِ / سَأمُوتُ في رِئَةِ العَوَاصِفِ تاريخًا لا يَخُونُ الجُغرافيا / والأغرابُ يَبْنُونَ السُّفُنَ للفِئرانِ وَحِكَايَاتِ البَحَّارَةِ الغَرْقى /

     كُونِي يَا بُحَيْرَةَ الصَّدَأ رُومانسِيَّةً مِثْلَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ / أجنحةُ الحَشَرَاتِ تَتساقطُ على أغشيةِ البَكَارَةِ في مَوَانِئِ الكُوليرا / وأكْفَاني مَنْسِيَّةٌ في الشَّارِعِ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ الليلِيَّةِ / فَاسْمَعْ صَوْتَ المطرِ حِينَ يَرْتَطِمُ بِمَساميرِ نَعْشِي في المساءِ الجارحِ / كُلَّما نَظَرْتُ إلى المِرْآةِ رَأيْتُ وَجْهَ القَنَّاصِ الذي سَيُطْلِقُ عَلَيَّ رَصَاصَةَ الرَّحمةِ /

     كُن عَاطِفِيًّا حِينَ يَسْقُطُ المِكْيَاجُ في حُفَرِ المَجَاري / وَتُصْبِحُ لَيْلَةُ الدُّخلةِ سِفْرَ الخُروجِ مِن جِلْدِ الفَرَاشَاتِ / وتُصْبِحُ مَحاكمُ التَّفتيشِ تاريخًا لأجنحةِ الذُّبَابِ / نَتَوَارَثُ الأعلامَ المُنَكَّسَةَ كالجِيناتِ / وَرَّثَنَا آباؤُنا هَزَائِمَهُم / وذَهَبُوا إلى غُرَفِ النَّوْمِ / نَتَوَارَثُ الهَزَائِمَ كَفَوَاتِيرِ الكَهْرَبَاءِ / فَكُنْ رُومَانسِيًّا حِينَ يُصْبِحُ سِعْرُ العَوَانِسِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْمِيلِ النِّفْطِ /

     تُعْرَضُ جُثتي في ثَلاجَةِ المَوْتَى/ كَمَا تُعْرَضُ اللوحاتُ في المَتَاحِفِ/ وأشِعَّةُ القَمَرِ تَدْفِنُنِي لَيْلًا / لِكَيْلا يَنْبُشَ الذُّبَابُ قَبْري / فَيَا أيَّتُهَا البُحَيْرَةُ المشنوقةُ بِضَفَائِرِ شَعْرِهَا / جِينَاتُ حَبْلِ المِشنقةِ في ثُقوبِ جِلْدي / التي تَنْمُو فِيها الطحالبُ / وأنا الرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ في جُغرافيا الوَهْمِ / أنا وَارِثُ الهزائمِ وَتُرَاثُ الأمواجِ / أنا وَصَايَا القَتِيلِ وَوَصِيَّةُ القَاتِلِ .