08‏/01‏/2024

أوركسترا لكل الضحايا

 

أوركسترا لكل الضحايا

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     اكْتَشَفْتُ وَطَنًا يَمُوتُ بَيْنَ ألواحِ صَدْري وألواحِ نَعْشي / فَكُونِي وَطَنِي حِينَ يَسْرِقُ المَنْفَى جَدَائِلَ أُمِّي/ انكَسَرَتْ عُكَّازَةُ أبي في أزِقَّةِ الجِرذان/ وأنا البَحَّارُ الغريقُ/ أنتظرُ استلامَ جُثمانِ البَحْرِ عِندَ الحاجِزِ العَسْكَرِيِّ / وَجُثْمَانُ البَحْرِ هُوَ جُثْمَانِي/ حِينَ يَتَحَطَّمُ الهديلُ بَيْنَ المزهرِيَّاتِ والمرايا /

     الرَّاهباتُ مَصْلُوبَاتُ عَلى أبراجِ الكَنَائِسِ تَحْتَ أمطارِ الليلِ / خَانَتْنِي الرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ / لَكِنِّي أبكي عَلى الصَّحراءِ حِينَ يَغتَصِبُهَا السَّرابُ / دَمُ الحَيْضِ للرَّاهِبَاتِ عَلى ثَلْجِ الطُّرُقَاتِ الأزرقِ/ الذي يُوصِلُ إلى الدَّيْرِ المهجورِ في لَيَالِي الشِّتَاءِ / فَيَا أيَّتُها الذُّبابةُ المَجروحةُ عَاطِفِيًّا / سَوْفَ يَقْتُلُكِ ضَوْءُ القَمَرِ بَيْنَ رَغْوَةِ الدَّمِ وَرَغْوَةِ القَهْوَةِ /

     أنا غُربةُ الفِضَّةِ في قِلادَةِ البُحَيرةِ الخائنةِ / والغُرَبَاءُ زَرَعُوا الذِّكرياتِ في أسمنتِ القُلوبِ / ونَسُوا تَقْبِيلَ أطْفَالِهِم / وَذَهَبُوا إلى المَوْتِ وَاثِقِينَ مِنَ رَائِحَةِ الكَرَزِ في حَدَائِقِ البُيُوتِ المهجورةِ /

     أغشيةُ البَكَارَةِ مُعَلَّقَةٌ عَلى حَبْلِ الغسيلِ كَمَنَادِيلِ الوَدَاعِ/ وأنا القاتلُ في لُغَةِ الضَّبابِ / المقتولُ في أبجديةِ الرَّحيلِ/ لماذا تُطْلِقُ عَلَيَّ النارَ يا ضَوْءَ القَمَرِ ؟/ الطحالبُ تُزَيِّنُ أوْعِيَتي الدَّمَوِيَّةَ / والجَرَادُ يُزَيِّنُ حِيطَانَ غُرْفَتي / وأشلائي عَلى فُرْشَاةِ أسناني / لَكِنِّي أمشي إلى البَحْرِ في المساءِ الحزينِ / والأيتامُ يَبْحَثُونَ عَن عُكَّازَاتِ آبَائِهِم تَحْتَ أنقاضِ البُيُوتِ / وَيَبِيعُونَ جَدَائِلَ أُمَّهَاتِهِم عَلى إشَارَاتِ المُرُورِ / والزَّوابعُ تُفَتِّشُ عَن جُمْجُمَتِي في الحقيبةِ المدرسِيَّةِ أوْ حَقِيبةِ السَّفَرِ /

     أمعائي شَجَرَةُ بُرْتقالٍ وَحِيدَةٌ في بَرَارِي الكُوليرا / وَدُمُوعي تَحْفِرُ في وِسَادتي خَنَادِقَ للأغرابِ وآبَارًا للغُرَبَاءِ/ وَسُعَالي بُرْجُ مُرَاقَبَةٍ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ / وُجُوهُ المَوْتَى تتساقطُ في ثُقُوبِ جِلْدِي/ والأطفالُ يَبْنُونَ القُصُورَ الرَّمْلِيَّةَ بَيْنَ جُثَثِ أُمَّهَاتِهِم وَدُمُوعِ المَوْجِ /

     لا تَقْلَقُوا أيُّها القَتْلَى الرُّومَانسِيُّون / سَيَنْمُو التُّفَّاحُ في فِرَاشِ المَوْتِ / وتَعُودُ طُيُورُ البَحْرِ إلى نوافذِ القُصُورِ الرَّمْلِيَّةِ / التي هَدَمَهَا المَوْجِ قَبْلَ أن يَبْتَلِعَ الأطفالَ في لَحْنِ الوَدَاعِ الأخيرِ /

     للعَصَافِيرِ مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ في المقابرِ الجماعِيَّةِ / وَسَوْفَ أكُونُ رُومَانسِيًّا حِينَ يَحْتَرِمُ حَفَّارُ القُبورِ مَشَاعِرَ أشجارِ المقبرةِ / قَلْبي يَضُخُّ الدِّمَاءَ في حُفَرِ المَجَاري / وأجفاني نِقَاطُ تَفتيشٍ عَسْكَرِيَّةٌ بَيْنَ أشلائي وذِكْرَياتي/ والأعاصيرُ تُعَقِّمُ أشلائي بِمِلْحِ الدُّموعِ / والجَرَادُ يُحَنِّطُ جُثماني في خُدُودِ البُحَيرةِ / وَسَوْفَ يَكُونُ مَوْتُ الصَّقْرِ مُنَاسَبَةً للشَّفَقَةِ عَلَيْهِ / فَلا تُشْفِقِي عَلَيَّ يَا رَصَاصَةَ الرَّحمةِ/إنَّ ضَوْءَ القَمَرِ لَن يُشْفِقَ عَلَى طَحَالِبِ المُسْتَنْقَعِ/ حِينَ يُحْرِقُهَا بِذِكْرَيَاتِ العُشَّاقِ الرَّاحِلين.