02‏/02‏/2024

ما فائدة الرومانسية إذا كان قلبي ميتًا ؟

 

ما فائدة الرومانسية إذا كان قلبي ميتًا ؟

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     رَنينُ أسوارِ المقابرِ مِثْلُ رَنِينِ أساورِ الفَتَيَاتِ / الصَّدَأُ يأكلُ بَوَّابةَ المقبرةِ / والصَّدى يَلْتَهِمُ قَفَصِي الصَّدْرِيَّ/ أنا صَدى مَناديلِ الوَدَاعِ/ التي تُلْقِيها النِّساءُ عَلى جُثَثِ البَحَّارةِ / وَصَوْتُ المَوْتِ في أعماقي / لأنَّ البَحْرَ يُنادي عَلَيَّ في المساءِ الدَّامي/ وَعُشْبُ الأضرحةِ يَنمو بَيْنَ الأسنانِ الذهبيةِ للنِّساءِ المُغتَصَبَاتِ/ أنا الجائعُ/ أَكَلْتُ جُثمانَ الزَّوبعةِ/ أنا العَطْشَانُ / شَرِبْتُ دَمَ الرِّياحِ /

     الطريقُ إلى البَحْرِ مُغلَقٌ بالحواجزِ العسكريةِ والتَّوابيتِ المُزَخْرَفَةِ / فَكُنْ شُطآنَ الرَّحيلِ في هَيْكلي العَظْمِيِّ / أحلامُ الطُّفولةِ رِمَالٌ مَمْزُوجَةٌ بِدَمِي/والسَّلاحفُ نَسِيَتْ بُيُوضَها في أوعيتي الدَّمويةِ / والأيتامُ يَبْنُونَ القُصورَ الرَّمليةَ بَيْنَ الأظافرِ الفِضِّيةِ والأضرحةِ الرُّخاميةِ / ابتلعَ البَحْرُ الأيتامَ/ وَهَدَمَ المَوْجُ القُصورَ الرَّمليةَ/ والضَّحِيَّةُ تَتَقَمَّصُ جَلَّادَهَا / والبُحَيرةُ مُعْجَبَةٌ بالحُزْنِ الذي اغْتَصَبَهَا / وأنا البَحَّارُ المَنبوذُ / لا أخافُ مِنَ العاصفةِ / أخافُ مِنَ الهُدُوءِ الذي يَسْبِقُ العاصفةَ / 

     أرى الجُنودَ وَهُم يَسْحَبُونَ الجُثَثَ مِن تَحْتَ أنقاضِ البُيُوتِ / أرى الجَرَادَ وَهُوَ يَسْحَبُ جُثماني مِن أحلامِ الطُّفولةِ / أُمِّي تُطَارِدُ أحزانَهَا بَيْنَ أنقاضِ الحُلْمِ وأنقاضِ قَلْبي / والعصافيرُ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ حِبَالِ المشانقِ وحِبَالِ الغسيلِ/والنَّهْرُ غَسَلَ يَدَيْهِ مِنَ الظِّبَاءِ لِكَيْلا تَأتِيَهُ الطَّعْنَةُ في الظَّهْرِ/ يُهَاجِمُ طَيْفُ الشَّركسياتِ قَلبي المكسورَ بَيْنَ قَطَرَاتِ المَطَرِ وأوراقِ الخريفِ / دَمِي حَرْفٌ مَجهولٌ في أبجديةِ الأنقاضِ / وأُنوثةُ حِبَالِ المَشَانِقِ تَتَمَزَّقُ بَيْنَ أعْقَابِ البَنَادِقِ وأعْقَابِ السَّجَائِرِ /  وَالرَّاعِي حَطَّمَ مِزْمَارَهُ / وَقَادَ القَطِيعَ إلى الهاويةِ اللازَوَرْدِيَّةِ /

     صَوْتُ المطرِ يُفَجِّرُ كُرَيَاتِ دَمِي / وأشجارُ المقابرِ تَصْعَدُ مِن ثُقُوبِ جِلْدِي / صَوْتُ الرَّصاصِ لَمْ يَهْدَأ في قَلْبِ الليلِ/ احترقَ قَمِيصُ النَّوْمِ بالدُّموعِ المالحةِ / وَصَارَ الأرَقُ تاريخًا لِمَن لا تاريخَ لَهُ / وَبَرِيقُ المقاصلِ يَنْكَسِرُ بَيْنَ أحلامِ الطُّفولةِ وأحلامِ اليَقَظَةِ /

     الزَّوابعُ الفِضِّيةُ تَجْمَعُ عِظَامَ الأمْوَاتِ كَطَوَابِعِ البَرِيدِ النَّادِرَةِ / وَشَوَاهِدُ القُبُورِ البَازِلْتِيَّةُ صَارَتْ لَوْحَاتٍ زَيْتِيَّةً في مُتْحَفِ الحَرْبِ الأهْلِيَّةِ / والتَّوابيتُ الشَّمعيةُ في مُدُنِ السَّرابِ / والجُثَثُ المَعْدِنِيَّةُ مَصْفُوفةٌ على رَصيفِ المِيناءِ كَصَنَادِيقِ الخُضَارِ/ والإعصارُ فَتَحَ لِطُيُورِ البَحْرِ بَابَ قَفَصِي الصَّدْرِيِّ/

     خَانَتْ قَلْبي الرِّمالُ المُتَحَرِّكَةُ / وَخَذَلَتْنِي فَرَاشَاتُ الرَّحيلِ / دَمُ العَصافيرِ المُلَوَّنةِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / وأنا غُربةُ المِلْحِ في دَمْعِ الزَّوابعِ / لَكِنِّي لَمْ أَخُن المِلْحَ في خُبْزِ أُمِّي / فلا تَكْرَهِيني يا تِلالَ بِلادي الضَّائعةِ .