14‏/02‏/2025

أحفر قبري برموشي

 

أحفر قبري برموشي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

   أَقْتُلُ نَفْسِي لأُحْيِيَ نَفْسِي/ أغتالُ ذِكْرَياتي كَي أَرِثَ عِظامي / أنا خَليفةُ نَفْسِي أَرِثُهَا بَعْدَ مَوْتِها/ وأرْثِي أشلائي الضَّائعةَ في أحلامِ الطفولةِ / لِئَلا أمْنَحَ طُيورَ البَحْرِ فُرْصَةً لِرِثَائي / مَاتَ النَّهْرُ مُتَأثِّرًا بِجِرَاحِهِ / قَتَلْنَاهُ وَمَشَيْنَا في جِنازته / رَثَيْنَاهُ وَوَرِثْنَاهُ / وَرَفَعْنَا الرَّايةَ البَيضاءَ عَلى الأكفانِ البَيضاءِ في السُّوقِ السَّوداءِ / وما زِلْتُ أغْسِلُ دَمَ الزَّوَابعِ بِدَمِ العَصَافِيرِ /

     كُنْ نَفْسَكَ / كُنْ جُثمانَ أبِيكَ / كُنْ جَدَائِلَ أُمِّكَ / وَلا تَقُلْ : مَا أجملَ الحياةَ لَوْ كُنْتُ حَفَّارَ قَبْري / أنتَ القاتلُ والضَّحيةُ / أنتَ الصَّيادُ والفَريسةُ / أنتَ سُورُ المقبرةِ وأعشابُ الأضرحةِ / يَكْسِرُ مَطَرُ الخريفِ ضَفائرَ أُمِّي / وأركضُ في حَديقةِ المَوْتَى بِلا أُمٍّ وَلا حِكَايات/ مَاذا أَخَذَ العُميانُ مِن التَّاريخِ سِوى المساميرِ الصَّدِئَةِ في الصُّلْبانِ المكسورةِ ؟ /

     الرَّمْلُ الأزرقُ يُوَزِّعُ الأوسمةَ العسكريةَ عَلى الأيتامِ والأراملِ والجُنُودِ المَهزومِين / اترُكْنِي أيُّها الحُزْنُ الكريستالِيُّ كَمَا أنا / وَحيدًا مَنبوذًا / أُدَافِعُ عَن شَرَفِ الغُبارِ في مُدُنِ السُّلِّ / يا وَطني المَنْسِيَّ / انْسَ وُجوهَ الأطفالِ / وَهُم يَبيعُونَ العِلْكَةَ عَلى إشاراتِ المُرورِ / وَطَنٌ مَات / والذِّكرياتُ مَاتتْ / وِلادتي هِيَ إعلانُ الحُكْمِ بإعْدَامي / وأنا المَيْتُ الحَيُّ لا الحَيُّ المَيْتُ /

     أَحِبِّينِي يَا أشِعَّةَ القَمَرِ في الشِّتاءِ الحزينِ / حِينَ يَأكُلُ خُدُودي دُودُ المقابرِ / وَيَذُوبُ لَحْمي في التُّرابِ / كَمَا يَذُوبُ السُّكَّرُ في قَهْوَةِ العُشَّاقِ / جِلْدِي مَقبرةٌ مِنَ السِّيراميك / والفِئرانُ تَخْرُجُ مِن ثُقوبِ جِلْدي / فَلا تَكْرَهْني يا أبي / ولا تَبْكِي عَلَيَّ يا أُمِّي /

     قَصيدتي ضَريحي/ لَكِنَّ أبجديةَ النَّوارسِ أَحْرَقَتْ أزِقَّةَ المرفأ بالأمطارِ والذِّكرياتِ/ هُدْنةٌ بَيْنَ حَارِسِ المَقبرةِ وحَفَّارِ القُبورِ / وَلَمْ أَعُدْ أُفَرِّقُ بَيْنَ بَناتِ حَفَّارِ قَبْري وبَناتِ أفكاري العَوَانِسِ / المَجْدُ لِبَنَاتِ آوَى / وقَانونُ الطوارِئِ للبَاعَةِ المُتَجَوِّلِين/ وَالفُقَرَاءُ يُضَاجِعُونَ الأميراتِ عَلى أرصفةِ الشَّوارعِ بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ/ والزَّوَابعُ تَغتالُني في الشَّارعِ الضَّيِّقِ/ وتُسَمِّيهِ بِاسْمِي تَكريمًا لأشلائي الضَّوئيةِ / وحَفْلُ تأبيني لَمْ يَحْضُرْهُ إلا ضُبَّاطُ المُخَابَرَاتِ ورَاقِصَاتُ الباليه / جُمْجُمتي عَرْشُ النَّوارسِ / وأنا الغريبُ الذي يَبْحَثُ عَن عَرْشٍ / لَسْتُ مَلِكًا / لَكِنِّي جُثَّةُ مَلِكٍ / والأحزانُ تَتفجَّرُ في جَدائلِ أُمِّي وَمُسَدَّسِ أبي / وَطُيُورُ البَحْرِ نَفَّذَتْ وَصِيَّةَ البَحْرِ / وأَحْرَقَتْ جُثمانَهُ / وَنَثَرَتْهُ عَلى التِّلالِ البَعيدةِ/ أسْمَعُ صُرَاخَ الرَّاهباتِ المُغْتَصَبَاتِ في أدْيِرَةِ الصَّقيعِ/ وَحْدِي مَعَ قَارُورةِ الحِبْرِ / ألعبُ الشِّطْرَنجَ مَعَ جُثَّتي / وَالفَراشةُ اليَتيمةُ تَكتبُ ذِكْرَياتي عَلى قَارُورةِ السُّمِّ .