19‏/02‏/2025

القيثارة المكسورة تحت المطر

 

القيثارة المكسورة تحت المطر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

أُمِّي مَاتتْ / لَكِنِّي أَشُمُّ رَائحةَ المُلُوخِيَّةِ في بَيْتِنا المهجورِ تَحْتَ شَمْسِ الشِّتاءِ / فَاعْشَقِيني يَا ذَاكرةَ السَّرابِ / حِينَ تَحترقُ أُنوثةُ السَّنابلِ بَيْنَ أعقابِ السَّجائرِ وأعقابِ البَنَادِقِ / دَمُ القِطَطِ عَلى زُجاجِ السَّياراتِ في الشِّتاءِ البَعيدِ  / يَا شَجَرَةَ التُّوتِ التي سَأُدْفَنُ تَحْتَهَا / هَل تَعْرِفُ أُمِّي خَارطةَ الرِّياحِ ؟ / أيْنَ سَيَذْهَبُ عُكَّازُ أبي بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ / أنا المَيْتُ في صَوْتِ الرَّصاصِ الحَيِّ / وَكَانَ عَلَيَّ أنْ أعْرِفَ أنَّ مَلاقِطَ الغسيلِ أكثرُ لَمَعَانًا مِن أظَافِرِ الضَّحَايا /

كَسَرْنا المرايا في مَمالكِ الطاعونِ / لأنَّنَا نَخْجَلُ مِن وُجُوهِنا / هُزِمَتْ ظِلالُنا في طُرُقَاتِ الثلجِ الأزرقِ / والكِلابُ الضَّالَّةُ تَسْمَعُ صَوْتَ الرَّصاصِ المطاطِيِّ / وَلا صَدى إلا مَنَادِيلُ الوَدَاعِ عَلى رَصيف المِيناءِ / مُتُّ بَعْدَ جُرْعَةٍ زَائدةٍ مِن الذِّكرياتِ / فَلا تَكْتُبي قَصائدَ الرِّثاءِ يَا نَوافِذَ بَيْتِنا المَغسولِ بالجُثَثِ والحَوَاجِزِ العَسكرِيَّةِ / أنا النَّوْرَسُ المُهَاجِرُ مِن دَمي إلى البَحْرِ/ أبْنِي مَملكةَ الوَهْمِ بَيْنَ صَفيرِ القِطاراتِ وَصَفَّاراتِ الإنذارِ / النِّساءُ المُلَوَّثَاتُ بالذِّكرياتِ زَرَعْنَ الوَصَايا وقَصائدَ الرِّثاءِ عَلى نَوافِذِ السِّجْنِ التي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ يُحَنِّطُ جُثمانَ البَحْرِ/ وَيُلَمِّعُ مَساميرَ النَّعْشِ بالنَّعناعِ ومِلْحِ الدُّموعِ / دَخَلَ البَحْرُ في صَوْتِ الرَّصاصِ الذي يَحْرُسُ شَظَايا جُمْجُمتي مِن الصَّدى والصَّدأ/ وَمَطَرُ القُلوبِ المكسورةِ جُثَّةٌ مَنْسِيَّةٌ في أبْجَدِيَّةِ الصَّهِيلِ / ذَهَبَ العُشَّاقُ إلى المَوْتِ / وَبَقِيَت الرَّسائلُ الغرامِيَّةُ عَلى الأراجيحِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الباكيةِ / وَنُهُودُ الرَّاهباتِ المقطوعةُ في أبراجِ الكَنائِسِ أوْ أبراجِ المُعْتَقَلاتِ / وَشَوَاهِدُ القُبورِ هِيَ أبراجٌ للحَمَامِ في مُدُنِ الكُوليرا/ أنا السَّائِحُ المَنبوذُ في مَوْسِمِ تَزَاوُجِ أشجارِ المقابرِ/ جَسَدي هُوْ المُتْحَفُ المَهجورُ/ ولا لَوْحَاتٌ سِوى أظافرِ القَتْلى/ ولا مَزْهَرِيَّاتٌ سِوى شَوَاهِدِ القُبورِ/ فَيَا أيُّها الجُنديُّ العائدُ مِن الحربِ مَهزومًا / لا نِساءُ الحَيِّ يَنْتَظِرْنَ قُدُومَكَ بالزَّغاريدِ / ولا قِطَطُ الشَّوارعِ تَمْنَحُكَ الأوسمةَ العسكرِيَّةَ / أيُّها الجُنديُّ العَائِدُ مِن ذِكْرَياتِ الدَّمْعِ / لا زَوْجَةٌ تَنْتَظِرُكَ كَي تَبْكِيَ عَلى صَدْرِها / ولا أطفالٌ يَحْمِلُونَ اسْمَكَ في مَمَالِكِ السُّلِّ / أيُّها الجُنديُّ العائشُ في صَوْتِ الرَّصاصِ مَنبوذًا / والمقتولُ في ضَوْءِ القَمَرِ نَهْرًا مِن أشلاء / سَيَنْمُو البُرتقالُ في فُوَّهَاتِ المَدَافِعِ / وَتَسْقُطُ أرقامُ الجُثَثِ المجهولةِ في جَدْوَلِ الضَّرْبِ/ وَسَوْفَ يَنْسَى الأيتامُ دَفَاتِرَ الرِّياضياتِ عَلى سُورِ المقبرة /

لا أبناءَ لِي يَحْمِلُونَ اسْمِي/لَكِنَّ قِطَطَ الشَّوارعِ تَحْمِلُ جُثماني/ مَاتَ جَدْوَلُ الضَّرْبِ / الجُثَثُ المجهولةُ مُرَقَّمَةٌ كأبوابِ الزَّنازين / وانتَهَتْ مُعَادَلاتُ الكِيمياءِ / والدِّمَاءُ كِيمياءُ جَديدةٌ للعَالَمِ .