25‏/02‏/2025

دم أخضر متجمد في غربال الذاكرة

 

دم أخضر متجمد في غربال الذاكرة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     رِئَتي زَهرةٌ يَتيمةٌ في مَقبرةٍ قَديمةٍ / القُبورُ مَطْمُوسةٌ / وحِبَالُ الغسيلِ على أشجارِ المقبرةِ / أخُوضُ حَرْبًا أهليةً عَلى ثَلاثِ جَبَهَاتٍ / قَلْبي ورِئتي وَجُثماني / فَمَا فَائدةُ أن أكُونَ وَرْدَةً بَيْنَ شَواهِدِ القُبورِ ؟ /

     جُرْحِي على حَافَةِ المساءِ/ والقَطيعُ يَسِيرُ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / والرَّاعي يُنَظِّفُ مِزْمَارَهُ بِدُمُوعِ أُمِّهِ / وأنا أُنظِّفُ مُسدَّسي بِدُمُوعِ أبي / كُلُّ شَيْءٍ ذَاهِبٌ إلى الانطفاءِ الرَّهيبِ / والفَرَاشاتُ تَركضُ إلى الحُفْرَةِ العَميقةِ/ ويَنطفِئُ لَمَعَانُ الأظافرِ المكسورةِ في غَابةِ اليَاقوتِ/ يَنطفِئُ عِطْرُ الضَّفائرِ المقصوصةِ في بُحَيرةِ الدَّمْعِ / فَمَا فَائدةُ قَميصِ النَّوْمِ إذا كانت المَرْأةُ جُثَّةً هَامِدَةً ؟ /

     أصواتُ المَوْتَى لا تَزالُ في ثُقوبِ جِلْدي / وَصُوَرُ الأطفالِ القَتْلى الذينَ يَصْرُخُونَ عَلى زُجاجِ نافذتي / وَفِرَاشُ المَوْتِ يُنادي على المِلْحِ في خُبْزِ أُمِّي / يُنادي عَلَيَّ المَوْتُ في المساءِ السَّحيقِ / وأخافُ أن أُلَبِّيَ / الرَّاعي نائمٌ تَحْتَ شَجرةِ الاحتضارِ / وَالقَطِيعُ يَسِيرُ إلى قَاعِ الوَادي / لا تَاريخَ لَنَا سِوى هَاوِيَةِ الفِضَّةِ في الجُثَثِ الذهبيةِ /

     أيَّهُا الغريبُ / لماذا تَنتظِرُ امرأةً تَضُمُّكَ إلى صَدْرِها ؟/ سَرَطَانُ الثَّدْيِ أحرقَ الأخْضَرَ وَاليَابِسَ/ وَعَادَت النَّوارِسُ إلى البَحْرِ في لَيالي الانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ / وَدِمَائي عَلى ثُلوجِ التِّلالِ الحزينةِ / وَدَمُ الحَيْضِ السَّاخنُ عَلى بَلاطِ السُّجونِ الباردِ / وَأنا المُهَاجِرُ مِن دَمِ القَتْلى إلى دَمِ القَتيلاتِ / أنا المُسَافِرُ الأبديُّ مِن الشَّايِ الأخضرِ إلى دَمْعِي الأخضرِ / أزْرَعُ ذِكرياتِ الخريفِ بَيْنَ صُرَاخِ الأيتامِ وَصَوْتِ الرَّصاصِ / وَنَوَارِسُ البَحْرِ تَزرعُ الحواجِزَ العَسكرِيَّةَ بَيْنَ نَوْبَاتِ اكتئابي / والفَراشاتُ التي عَادَتْ إلى جُثمانِ النَّهْرِ/ تُخَطِّطُ لاغتيالي في لَيالي الخريفِ البَاردةِ/ والأطفالُ يَقْضُونَ العُطْلَةَ الصَّيْفِيَّةَ في تَلْمِيعِ أشجارِ المقابرِ الرُّخَامِيَّةِ / والفُقَرَاءُ يَحْرُسُونَ بَوَّاباتِ المقابرِ مِنَ الصَّدأ والصدى/ 

     سُعَالُ أبي يَدُلُّ العَصافيرَ عَلى قَبْري / وَجَدائلُ أُمِّي تُرْشِدُ الفَرَاشاتِ إلى جُثمانِ أبي / أدْهَنُ بَوَّابةَ المقبرةِ بِمِلْحِ دُمُوعي / فيا أيُّتها الغريبةُ في مُدُنِ الصُّراخِ / رِائحةُ عِطْرِكِ تُشْبِهُ رَائحةَ المُلُوخِيَّةِ في لَيالي الشِّتاءِ الحزينةِ/وَنَسِيَ المساءُ الحزينُ حَبَّاتِ الكَرَزِ عَلى شَواهدِ القُبورِ في غَابةِ الكَهْرَمان/

     لا تاريخٌ لِرَمْلِ البَحْرِ وَلا قَبيلةٌ / أكَلَ الجرادُ أكفاني / وَأحلامي جُثةٌ مُتَحَلِّلَةٌ تَحْتِ المطَرِ / لا تَحْزَنْ أيُّها الثلجُ المذبوحُ/ لا شَارِعٌ يَحْمِلُ اسْمَكَ في مَملكةِ الطاعون/ولا امرأةٌ تَنتظِرُكَ في الزِّنزانةِ الانفرادِيَّةِ / لا تَكْرَهْني أيُّها الاحتضارُ الأُرْجُوَانِيُّ / فِرَاشُ الموْتِ مِن أجنحةِ الفَرَاشاتِ المنبوذةِ/ وَنَعْشِي مِن خَشَبِ الأثاثِ المُسْتَعْمَلِ / وَمَساميرُ نَعْشِي مِن اللازَوَرْدِ المَجروحِ عَاطِفِيًّا .