20‏/04‏/2025

تفاحة على الصليب

 

تفاحة على الصليب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

....................

     البَحْرُ عَاجِزٌ جِنْسِيًّا/ لَكِنَّهُ أَنْجَبَ الذِّكرياتِ في مُدُنِ الرَّمَادِ / والأمواجُ تَخُونُ البَحْرَ مَعَ جُثمانِ الإعصارِ / أيُّها البَحَّارُ المشلولُ / لَمْ يَعُدْ في السَّفينةِ غَيْرُ الفِئرانِ / فَكَيْفَ تَهْرُبُ مِن جِلْدِكَ ؟ / كَيْفَ تُهَرِّبُ أحْزَانَكَ ؟ / إنَّ الغريقَ لا يُنقِذُ الغريقَ / أنا والسَّرابُ يَتيمان/ لأنَّ أُمَّنَا الصَّحراءَ ماتت في دِمائي المُتَحَرِّكَةِ كالرِّمَالِ المُتَحَرِّكَةِ / وَلَمَعَانُ أظَافِرِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى يُضِيءُ أزِقَّةَ المِيناءِ أمامَ فِئرانِ السَّفينةِ/جُثَثُ الجُنودِ مَجهولةٌ/والأوسمةُ العَسكريةُ تُزَيِّنُ نُهُودَ الرَّاقِصَاتِ في مَلْهَى الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ /

     دُمُوعُ الأراملِ تَنْهَمِرُ في الشَّايِ بالنَّعناعِ / الذي يَشْرَبُهُ حَفَّارُو القُبورِ / أثناءَ حَفْرِ القُبورِ تَحْتَ أشجارِ الصَّنَوْبَرِ / بَيْنَ شِتَاءِ الأحزانِ البَعِيدِ وأحلامِ الطُّفولةِ المَيْتَةِ / والجَرَادُ يَأكلُ أكفانَ الصَّبايا / الطاهراتِ كَحَبْلِ المِشنقةِ / اللامعاتِ كَنَصْلِ المِقصلةِ /

     أيُّهَا البَحْرُ المقتولُ في حُطَامِ القُلوبِ أوْ حُطَامِ السُّفُنِ / ماتَ الذينَ سَيَأخُذُونَ بِثَأرِكَ / وَصَدَأُ بَوَّابَةِ المقبرةِ يَتَزَوَّجُ دِمَائي / أُفَتِّشُ عَن ضَرِيحِ الفَراشةِ بَيْنَ أوراقِ الخريفِ / وأُشَرِّحُ جُثمانَ البُحَيرةِ في عِيدِ الحُبِّ / حَيْثُ مَاتَ العُشَّاقُ / وَسَالَ حِبْرُ الرَّسائلِ الغَرَامِيَّةِ بَيْنَ رَغْوَةِ الدَّمِ وَرَغْوَةِ القَهْوَةِ /

     العَبِيدُ يُضَاجِعُونَ السَّبايا تَحْتَ المَطَرِ / قُرْبَ أعلامِ القَبائلِ المُنْقَرِضَةِ / وَطُيُورُ البَحْرِ هَاجَرَتْ مِن هَيْكلي العَظْمِيِّ / كَيْفَ أتَنَفَّسُ الذِّكرياتِ والإعصارُ يَصُبُّ رَمْلَ البَحْرِ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ ؟ / سَتَكُونُ جُثتي غَنِيمةَ حَرْبٍ تَحْتَ رَايَاتِ النِّفْطِ المُنَكَّسَةِ / يا بِلادَ السَّرابِ المَنذورةَ لحالةِ الطوارئِ/ يا وَطَنَ الخديعةِ المَتروكَ للأحكامِ العُرفيةِ/ مَتَى تَخْرُجُ الرِّمَالُ الزَّرْقَاءُ مِن شَهيقِ السَّنابلِ الأخْضَرِ ؟/  مَتَى تَخْرُجُ أضرحةُ السِّيراميكِ مِن كُرَيَاتِ دَمِي ؟ / مَتَى يَخْرُجُ التُّفَّاحُ مِن شَوَاهِدِ القُبورِ ؟ /

     أُمِّي زَرَعَت النَّخيلَ في أشلائي / وماتتْ في الغَيْمِ الأحمرِ / وأكْفَاني صَارَتْ حَديقةً للأيتامِ / ويَبْحَثُ ضَوْءُ القَمَرِ عَنِّي بِوَابِلٍ مِنَ الرَّصاصِ/ والشَّركسياتُ يَبْحَثْنَ عَن مَساميرِ نَعْشي بالشُّموعِ /

     جَسَدي للصَّحراءِ / وقَلبي للسَّرابِ / وَدِمَائي هِيَ الوَاحَةُ التي يَجْلِسُ فِيهَا مُلُوكُ الطوائفِ وأُمَرَاءُ الحُرُوبِ / دَمْعي هُوَ الصَّوْلَجَانُ المكسورُ / وتابوتي هُوَ العَرْشُ الضَّائعُ / فَابْحَثْ عَنِّي تَحْتَ أنقاضِ قَلبي / لَمْ يَعُدْ لَدَيَّ بَيْتٌ كَي أُفَتِّشَ تَحْتَ أنقاضِهِ عَن جَدَائِلِ أُمِّي /

     أنا وَرِيثُ الجُرْحِ الذي لا يَلْتَئِمُ/ أنا النَّزِيفُ المسكوبُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / أُحَاوِلُ الخُرُوجَ مِن حِصَارِ الصَّدى لأشلائي / أُحَاوِلُ الهُرُوبَ مِن مُرَاقَبَةِ الصَّدَأ لِرُفَاتي/ والمِلْحُ في دُمُوعي يُصَفِّي حِسَابَاتِهِ مَعَ المَاضِي الذي لا يَمْضِي / وَالحُزْنُ حَاضِرٌ في الغِيَابِ الذي لا يَغِيبُ .