23‏/04‏/2025

مواطن عاطل عن الوطن

 

مواطن عاطل عن الوطن

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     أنا الجُنديُّ المَهزومُ / قَتَلَنِي الصَّدَأُ في الأوسمةِ العَسكريةِ / والصَّدى يَمشي تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ في المُدُنِ المهجورةِ / تَرْكُضُ أشلاءُ رُوحِي وشَظَايا قَلْبي في أزِقَّةِ المِيناءِ / كَفِئرانِ السَّفينةِ الخائفةِ مِن أشِعَّةِ القَمَرِ / والجَرَادُ يَأكُلُ خُدُودَ العَرَائِسِ بَيْنَ ذَاكِرَةِ المَسْلَخِ وَبَلاطِ المَطْبَخِ /

     خَانتني مَناديلُ الوَدَاعِ في مَرَافِئِ الكَهْرَمان / والرُّتَبُ العَسكريةُ تُزَيِّنُ جُثَثَ الجُنودِ المجهولةَ / والحَرْبُ الأهْلِيَّةُ بَيْنَ نَبَضَاتِ قَلْبي / تَمْنَعُنِي مِنَ النَّوْمِ في لَيالي الصَّقيعِ / وَصَوْتُ المطرِ يَرْمي أظافري في حَنجرةِ النَّهْرِ/ أركضُ إلى أحزانِ الطُّفولةِ/ كَي أُضِيءَ الشُّموعَ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَحْدَهُ الاحتضارُ هُوَ الضَّوْءُ في آخِرِ النَّفَقِ / وصُنْدُوقُ بَرِيدي كَبَوَّابَةِ المقبرةِ / كِلاهُمَا يَمْشِي إلى الصَّدَأ والصَّدى / وَكُلَّمَا دَخَلْتُ إلى مَقبرةٍ قَرَأتُ اسْمِي على شَوَاهِدِ القُبورِ / قَبْرِي مِن زُجاجٍ / وَدِمَائي مِطْرَقَةٌ / أيُّهَا المَلِكُ المَخلوعُ/ ضَاعَت المَمْلَكَةُ الذهبيةُ / فَلا تَبْحَثْ عَن الأغاني الوطنيةِ / مَاتت الدَّوْلَةُ / فَلا تَبْحَثْ عَن مَحكمةِ أَمْنِ الدَّوْلَةِ / انكَسَرَت الذِّكرياتُ / فَلا تَبْحَث عَن المُخَابَرَاتِ / انتَهَت الحِكَايَاتُ / فَلا تَبْحَثْ عَن المَسْبِيَّاتِ /

     كَسَرَ الرَّاعي مِزْمَارَهُ / وَمَاتَ بَيْنَ شَجَرَةِ الصَّنَوْبَرِ وَعِطْرِ اليَاسَمِين / وَقَطيعُ الأغنامِ يَسِيرُ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / وَمِيضُ البَرْقِ يَنْعَكِسُ عَلى الهاويةِ الفِضِّيةِ/ رَمَيْنَا جَثَامِينَ الجُنودِ في حُفَرِ المَجَاري / رَمَيْنَا الأوسمةَ العسكريةَ في حَاوِيَةِ القُمامةِ / والفُقَرَاءُ يَبْحَثُونَ عَن الخُبْزِ في المَزَابِلِ / وَيَأكُلُونَ نُهُودَ نِسَائِهِم / بَيْنَ سِحْرِ الحَضَارَةِ المُقَدَّسِ وَدُسْتُورِ بَرَامِيلِ النِّفْطِ / والعَوَانِسُ يَنْتَظِرْنَ الجُنودَ الذينَ لَن يَعُودُوا مِن المعركةِ / والدُّوَيْلاتُ اللقيطةُ يَحْكُمُهَا البَدْوُ الرُّحَّلُ ورُعْيَانُ الغَنَمِ /

     دَمِي المَنثورُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / يَحْمِيهَا مِنَ العَفَنِ والصَّدى / حَوَاسِّي مُتَوَحِّشَةٌ في المساءِ الحزينِ/وفي دَاخِلِي عَالَمٌ مُوحِشٌ/مَا الفَرْقُ بَيْنَ ضَرِيحٍ مِنَ السِّيراميكِ وضَرِيحٍ مِنَ الرُّخامِ ؟/ يَغسِلُ الأغرابُ جُثماني في نَهْرِ الدُّموعِ / وضَوْءُ القَمَرِ غَسَلَ يَدَيْهِ مِن النِّساءِ الصاعداتِ إلى بَرِيقِ المِقصلةِ / النَّازلاتِ إلى رَائحةِ أعشابِ المَدَافِنِ /

     كُنْ رُومَانسِيًّا واعْشَقْ ذِكْرَيَاتِكَ / قَبْلَ أن تَزُورَكَ القاتلةُ الغامضةُ في قَلْبِ الليلِ / أنا الطِّفْلُ اليتيمُ/ أبيعُ كُرَيَاتِ دَمِي على إشاراتِ المُرورِ/ كَي أشتريَ أكفانًا لأبي الذي تَفَرَّقَ دَمُهُ بَيْنَ القَبائلِ/ عِشْتُ كَي أحْسُبَ عَدَدَ الضَّحَايا / لا تاريخَ للقطيعِ إلا الكُوليرا / تَحَطَّمَتْ أُنوثةُ السنابلِ بَيْنَ المِكْيَاجِ والنِّعَاجِ / والعَبِيدُ يَزْرَعُونَ أظافِرَهُم في لُحُومِ الأمِيرَاتِ بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ .