13‏/02‏/2013

عوالم القصيدة والمجتمع الإنساني

عوالم القصيدة والمجتمع الإنساني

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة العرب اللندنية 12/2/2013


     إن القصيدة هي مشروع تنموي لا يهدف إلى التعبير عن الأشياء فحسب ، بل أيضاً الدخول إلى حقيقة المجتمع الإنساني. وهذه النظرة من شأنها مزج المضامين الثقافية مع السلوك الاجتماعي ، والمزاوجة بين طبيعة المعرفة الإنسانية ومركزية اللغة الشعرية المحرِّكة لمشاعر الناس . وهذا الارتباط الوثيق بين القيم الثقافية والقيم الاجتماعية سيؤدي إلى صناعة عالَم محسوس موازٍ للعالَم الشعري الحالم .
     وكلما ازدادت التداعيات الشعورية تكاثرت العوالم المحسوسة وغير المحسوسة . وهنا يظهر دور القصيدة المحوري في التوفيق بين الأضداد، وصهر التناقضات الناشئة في بوتقة واحدة للوصول إلى أرضية مشتركة تجمع بين النَّص الشعري والفكر الاجتماعي . لذلك فإن القصيدة تقف سداً منيعاً في وجه الفوضى ، والإحباطاتِ الحياتية، والاستنزافِ العاطفي . وبالتالي فليس غريباً أن تصبح اللغةُ الشعرية هي ضابط الإيقاع في مجتمع القصيدة ومجتمعِ الإنسان على حدٍّ سَواء .
     وبما أن العلاقة بين القصيدة والمجتمع الإنساني تبادلية وتكاملية ، فإن الواقع المعاش يساهم في تخليص القصيدة من الهوامش الزائدة التي تصبح عبئاً على قلب الكلمات النابض . مما يؤدي إلى الحصول على لغة شعرية عالية التكثيف تماماً كالماء المقطَّر .
     والمشكلة الحقيقية التي تواجه بُنية العالَم الشعري هي وجود قصائد كثيرة مُحمَّلة بشوائب فكرية يتم تقديمها كمسلَّمات ، فصارت القصيدة في كثير من الأحيان بوقاً إعلامياً ، وسلعةً يراد  ترويجها بكل السبل الممكنة. وهذا يقتل الإحساسَ الشعري، ويجعل من الفكر الشعري قيمةً مبتذلة خالية من المضمون والإيقاع الصادق ، ويهدم كلَّ العناصر الخيالية والواقعية . لذلك ينبغي أن تحافظ القصيدة على اسمها وسُلطتها ولمعانها وأبجديتها الخصوصية ، فهذه هي الضمانة الوحيدة لتكريس القصيدة ككائن حي حالم وواقعي ، يحشد عنفوانَ اللغة في الحلم الاجتماعي ، وينشر فلسفةَ الحلم بغدٍ أفضل .
https://www.facebook.com/abuawwad1982