19‏/02‏/2013

القصيدة والتاريخ الجديد

القصيدة والتاريخ الجديد

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة العرب اللندنية 19/2/2013


     إن الحلم القصائدي لا يمكن أن ينتشر في المجتمع بدون الصور الفنية الرمزية البناءة، وهذه الصور هي النظام الذي يجسِّد الشعورَ الوجداني العام ، ويَحمل التصورات الاجتماعية التي تعيد اكتشاف أبجدية الثقافة والدلالاتِ الإنسانية العميقة . وهذا لا يعني تحول القصيدة إلى عملية نسخ للعلاقات الاجتماعية . فالقصيدةُ هي منظومة متفردة تصنع تاريخها الشخصي ، وتولِّد أزمنتها وأمكنتها دون ضغط من أحد . وبذلك تَكون الأبجديةُ الشعرية معياراً إنسانياً جديداً متحرراً من ردود الأفعال ، لأنه هو الفعل الحقيقي المتبوع لا التابع .
     والمجالُ الحيوي لنظام القصيدة هو وجوه الناس. فهذا النظامُ المتميز يصنع تاريخاً جديداً للبشر، فهو ينقلهم من فوضى النمط الاستهلاكي إلى فضاءات إبداعية تزرع دهشةَ الحياة في الواقع المادي الضَّيق ، وتنشر لذةَ الوجود الإنساني في العلاقات الاجتماعية ، وتكتشف رمزيةَ العناصر الحياتية . وبالتالي يتم تأريخ الواقع المعاش ضمن أبجديات الرؤية الشِّعرية التي تبحث عن عوالم الماضي في الحاضر ، وتفتِّش عن ذاكرة المستقبل في الحاضر أيضاً ، وهكذا يصير الحاضرُ زمناً قصائدياً ، وتاريخاً كاملاً لا حدود له ، وتدخل القصيدةُ إلى عوالمها وفق سياق معرفي محدَّد المسار والهدف ، مما يقضي على فوضى الأداء العاطفي التي تظهر أحياناً في التقنية الشِّعرية .
     وكلُّ هذه التراكيب المعرفية تساهم في إقناع المجتمع بأن القصيدة ليست ترفاً زائداً ، أو هلوسات عائشة في عالَم الفوضى . وعندما يقتنع المتلقِّي بأن القصيدة جزء لا يتجزأ من شرعية وجوده الروحي والمادي ، نكون قد نجحنا في جعل القصيدة ذاكرةً حية لجميع الناس،ومشروعاً إنسانياً عاماً يحرِّر الفكرَ الاجتماعي من ميراث القمع بكافة أشكاله .
https://www.facebook.com/abuawwad1982