02‏/10‏/2015

الوضوء

الوضوء

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

......................

     قال الله تعالى : } يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهَكم وأيديَكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم إلى الكعبَيْن  {[ المائدة : 6] .
     وهذه آيةُ الوضوء التي حدَّدت كيفية الاستعداد قبل الدخول في الصلاة ، حيث غسل الوجه واليدين إلى المرافق ، ومسح الرأس، وغسل الرِّجْلين إلى الكعبَيْن. والترتيبُ أحد فرائض الوضوء ، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خالف هذا الترتيب . والعباداتُ توقيفية تستند إلى الاتباع .
     وفي صحيح البخاري ( 4/ 1684 ): عن عائشة _ رضي الله عنها _ : سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة ، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم ونزل ، فثنى رأسه في حِجري راقداً . أقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة . وقال: حبستِ الناس في قلادة ، فبي الموت لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أوجعني، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ، وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد ، فنزلت : } يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة{  . الآية . فقال أُسيد بن حضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ، ما أنتم إلا بركة لهم{(1)}.
     فاللهُ تعالى يُخفِّف عن الناس ولا يضطرهم إلى أضيق المسالك . فقد أنزل هذه الآيةَ ليرشد المؤمنين إلى كيفية التصرف في حال القيام إلى الصلاة . كما بيَّن لهم الإجراءات الواجب اتباعها . فلم يتركهم لأهوائهم أو أمزجتهم الشخصية . وقد جاءت الشريعةُ لرفع الحرج ، فلا مكان للضيق والمنغِّصات فيها .
     قال الشوكاني في فتح القدير ( 2/ 25 ) : (( قد اختلف أهل العلم في هذا الأمر عند إرادة القيام إلى الصلاة ، فقالت طائفة : هو عام في كل قيام إليها سواء كان القائم متطهراً أو مُحدِثاً ، فإنه ينبغي له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ ... وقال جماعة : هذ الأمر خاص بمن كان مُحدِثاً. وقال آخرون : المراد إذا قمتم من النوم إلى الصلاة ، فيعم الخطاب كل قائم من نوم )) اهـ .
     وفي صحيح البخاري ( 1/ 87 ): عن عمرو بن عامر عن أنس قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة )). قلتُ : كيف كنتم تصنعون ؟، قال : (( يجزىء أحدنا الوضوء ما لم يُحدِث )). 
     فلا يمكن إنكار أهمية الوضوء في الطهارة والتطهر قبل الدخول إلى حضرة الله تعالى، والاتصال معه عبر الصلاة . فالوضوءُ سلاح المؤمن ، ويمنح كلَّ أعضائه نوراً وبهجة ، فليس هو مجرد إسالة الماء على بعض الأعضاء ، بل هو نظام حياة متكامل يضع المؤمنَ في أقصى مدى النور. والنبيُّ صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على الوضوء عند كل صلاة . وهذه هي حالة الكمال الإيماني ، مع أن هذا الأمر ليس بواجب. فيجوز للمسلم أن يُصلِّيَ كل الصلوات بوضوء واحد ، فالعِبرةُ في انتقاض الوضوء أم لا.
     وفضل الوضوء عام في الحياة الدنيا ، حيث يجعل المؤمنَ واثقاً بنفسه ، في أعلى درجات النظافة والتطهر ، مقبلاً على الله تعالى وهو في شكل نوراني حسن . ويتعدى فضلُ الوضوء إلى الحياة الآخرة . حيث إن الوضوء يساهم في رفع درجة المؤمن يوم القيامة ، ومجيئه طاهراً شريفاً مكتمل الهيئة . فعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أمتي يُدْعَوْن يوم القيامة غُرَّاً مُحَجَّلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يُطيل غرته فليفعل )){(2)}.
     أي إن الأمة المحمدية الإسلامية تأتي يوم القيامة يعلوها البياضُ الوهاج، والصفاءُ الباهر ، نتيجة الوضوء في الحياة الدنيا الذي منحهم النظافة والتألق والبياض المنتشر من غير عِلَّة . فيتحولون إلى كائنات بشرية نورانية، لأنهم _ في الدنيا _ التزموا أوامرَ الله تعالى في الطهارة والتطهر والاستعداد للصلاة ، فيأتون في الآخرة ، وعليهم الوقارُ الناصع ، حيث وجوههم مشرقة ، وأجسادهم طاهرة نقية . وهكذا ، فإن الوضوء ليست عمليةً ميكانيكية أو تعاملاً عبثياً مع الماء . إنه حالة إيمانية شاملة يتعدى أثرُها إلى الحياة الآخرة .
........الحاشية..........
{(1)} (20) ( فثنى رأسه ) وضعه . ( راقداً ) أي يريد الرقود والنوم . ( لكزني ) دفعني في صدري بكفه .   ( فبي الموت . . ) أي كاد يَنْزل بي الموت من شدة الوجع ، ولم أتحرك حتى لا أزعج رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( فيكم ) بسببكم .

{(2)} متفق عليه . البخاري ( 1/ 63 ) برقم ( 136 ) ، ومسلم ( 1/ 216 ) برقم ( 246 ) .