18‏/04‏/2016

الشاعر برودوم ومحاربة الرومانسية

الشاعر برودوم ومحاربة الرومانسية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم الإلكترونية 18/4/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.................................

    يُعتبر الشاعر الفرنسي رينه سولي برودوم ( 1839_ 1907) أحد المجدِّدين الكبار في الشِّعر في القرن التاسع عشر . وقد دخل التاريخ من أوسع أبوابه باعتباره أوَّل مَن فاز بجائزة نوبل  للآداب عام 1901 .
     وُلد في باريس ، وبدأ حياته بدراسة العلوم الطبيعية من أجل تحقيق حُلمه الشخصي بأن يُصبح مُهندساً. وبالفعل ، حصل على دبلوم الهندسة . لقد اختار مجالاً دراسياً بعيداً عن الأدب ، رُبَّما لاعتقاده أن الهندسة مهنة مضمونة تدرُّ دَخلاً ثابتاً ، بعكس الأدب الذي يُعتبَر مُجازَفة ، ومهنة غير ثابتة قد تَعجز عن توفير المتطلبات المادية لحياة كريمة. لذلك نظر إلى الهندسة كمهنة مستقبلية ، ومركز اجتماعي، ومصدر دَخل. أمَّا الأدب       ( والشِّعر خصوصاً ) فهو هواية شخصية. ولاحقاً، سَيَتَّجه إلى الفلسفة، ثُمَّ إلى الشِّعر. وهكذا، يكون قد جمع بين الحاجات المادية والحاجات الروحية.
     وعلى الرغم من اهتماماته العلمية ، والتزامات مهنته ، إلا أنه ظل وفياً للأدب وعاشقاً له ، ومُتابِعاً للأحداث الجارية في الوسط الأدبي ، ومُطَّلعاً على الأسماء الجديدة ، ومُراقِباً للصراعات الأدبية التي تُعتبر مؤشراً على حياة الوسط الأدبي ، ودَوره المركزي الفعال في المجتمع .
     وفي ذلك الوقت كان الصراع على أشده بين البَرناسية الوليدة وأنصار الرومانسية. والبرناسية هي مذهب أدبي فلسفي لا ديني يرفض المذهبَ الرومانسي في الأدب . أمَّا الرومانسية فهي مذهب وجداني في الكتابة الأدبية، كان له حضور قوي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في أوروبا.
     وقد عارضَ برودوم الرومانسيةَ بشكل واضح ، وساندَ البرناسيين ، ورأى أنهم على حق ، وأن مذهبهم هو التجسيد الحقيقي للمعنى والوعي ، والضمانة الأكيدة لمستقبل الأدب . وفي الحقيقة ، كان هذا الأمر مُتوقَّعاً بسبب الخلفية الفلسفية لهذا الشاعر ، فالفلسفةُ هي الوعي الشمولي الحارس لإنجازات العقل البشري، والتطبيقُ الفكري على أرض الواقع . أمَّا المذهب الرومانسي في الأدب ، فهو _ حَسَبَ نظرة برودوم_ تجسيد للعواطف الساذجة، والمشاعر السطحية ، وتلاعب بالكلمات الرقيقة . ووفق هذه الرؤية ، تَمَّ تصنيف الرومانسية كمذهب أدبي سطحي وهُلامي ، قائم على القُشور ، وعاجز عن الوصول إلى رُوح المعنى ، وغير قادر على إصابة كبد الحقيقة . وهذه الرؤية يَعتنقها كثير من الفلاسفة والمشتغلين بالفلسفة . وهذه التفاصيل المعرفية تبرز بشكل واضح في مشروع برودوم الشِّعري ، وتتلخص في تقديمه لنفْسه ، حيث إِنَّه قد أعلنَ أن هدفه هو خَلْق شِعر عِلمي للأزمنة المعاصرة . ومعَ أنَّه كان ينتهج الأسلوبَ العاطفي في كُتبه الأولى ، إلا أنَّه انتقل بشكل تدريجي إلى الأسلوب الشَّكلاني عن طريق الاهتمام بالمواضيع الفلسفية والعِلمية . وقد تميَّز شِعْرُه بالصِّدق والصفاء والحنين والروح الفلسفية العميقة. ومعَ أنَّه صار عضواً فاعلاً في جماعة البَرناسيين، والشاعر الرسمي لها، إلا أنَّهُ ابتعدَ عن التأطير الحزبي الضَّيق ، وراحَ يَصنع عالَماً شِعرياً خاصاً به، له خصائص شخصية ومُتفرِّدة. وقد لَقِيَ تَشجيعاً كبيراً من الكاتب الفرنسي الشهير فكتور هوغو . وهذا أعطاه دَفعة معنوية إلى الأمام .
     تَمَّ انتخاب برودوم في عام 1881 عضواً في الأكاديمية الفرنسية ، التي تُعتبَر واحدة من أعرق المؤسسات الفكرية في العالَم ، وتضم نخبة العلماء والمفكرين والأدباء ، الذين تركوا بصمات واضحة في تاريخ الفكر الإنساني .
     لقد كان تكريمه في وطنه تمهيداً لتكريمه عالمياً ، حيث مُنح جائزة نوبل للآداب عام 1901 ، ليكون أول شخص في التاريخ يحصل على هذه الجائزة . وقد رصد القيمة المالية للجائزة لإنشاء جائزة للشِّعر. وقد كرَّس حياته بالكامل لهواية الشِّعر ، ولَم يَخذله الشِّعر . فقد مَنحه المجدَ الأدبي، والشُّهرة العالمية .
     وقالت أكاديمية نوبل التي مَنحته الجائزة : (( إِنَّ أعماله تنمُّ عن تكوينه الشِّعري الخاص الذي يُعطي دليلاً على المثالية النبيلة، والكمال الفني الذي يُعَدُّ مزيجاً نادراً من صفات القلب والعقل )) .
     في نهاية حياته ، ساءت حالته الصحية ، وأُصيب بحالة من الشلل ، وهذا أجبره على الابتعاد عن الناس ، واعتزال الحياة الأدبية والاجتماعية ، والعيش في عزلة تامة بعيداً عن الأنظار . وقد تُوُفِّيَ في عام 1907 ، ودُفن في باريس .

     مِن أبرز مؤلفاته : أبيات وقصائد ( 1865) . مصائر ( 1872) . ثورة الزهور ( 1874) . الحنان دون جدوى ( 1875). العدالة ( 1878). ونُشرت له مؤلفات بعد وفاته، من أبرزها: حطام السفن ( 1908 ) .