21‏/04‏/2016

السياسة الشعرية والسياسة الاجتماعية

السياسة الشعرية والسياسة الاجتماعية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

....................

   إِن الأدوار الاجتماعية الفكرية المساهِمة في صناعة بُنى شِعرية ، هي سِمات حقيقية لثقافة تنقلب على الأحكام المسْبقة الجاهزة . وهذا الرفض للقوالب الجاهزة هو الذي يُذَوِّب الفروقاتِ بين الشِّعر والنثر . ففي بركان الحرارة العاطفية الجياشة ، تغيب الفروقات بين المدلول الشِّعري والدلالة النثرية ضمن ثنائية واعية وليست عَدمية .     
     وهكذا يَفرض إعصارُ القصيدةِ شُروطَه على المتلقي ، كما تفرض الذاكرةُ شُروطَها على النِّسيان. ويتأجج الدعم الذي تقدمه الصورةُ الشعرية لعناصر الشرعية البؤرية في سياق الكلام . إذ إن تلك العناصر تساهم في خلق متوالية تكاثرية تصنع قانونها الخاص بها ، انطلاقاً من حركات معرفية دائمة البحث عن معنى .
     والشَّاعر هو مَلِكٌ دائم البحث عن عرشه . وهذا هو القَلَق اللذيذ . إنه قَلَقٌ ينقل الأبجديةَ الشِّعرية من نمذجة المصطلَح الجاهز ، إلى صناعة مُصطلَحات دائمة الاكتشاف والتحول . والشاعرُ يَكتشف ذاته في مشروعه الوجودي ، من أجل أن يكتشفَ هذا المشروعُ الرؤيةَ الكَوْنية للشاعر . ومن الممكن اكتشاف الذات عن طريق اكتشاف ذوات الآخرين ، لأن الكلمة تخرج من ذات الشاعر ، وتعيش في كيانات أخرى ( روحية ومادية ) . وهكذا يمكن القول إِن الشاعر ما هو إلا المتلقِّي ، وهنا تتعدد الأنا الواحدة لتشمل ذوات الآخرين  .
     والشِّعرُ صوتٌ صاعق ، والمجتمعُ صَدى لهذا الصوت الصاعق . وإذا اتَّجهنا إلى علاقات النصوص المتقابِلة داخل رؤية التكثيف الشِّعري ، سَنُدرِك حتميةَ الصِّدام بين مُكوِّنات القصيدة  . وهذا الصِّدام يَنقل الرؤيةَ التعبيرية من دائرة التوازي معَ الذات إلى دائرة مُعادَلة الذات . وعندئذٍ، يُصبح الشاعرُ هو القصيدةَ ، والقصيدةُ هي الشاعر . وبعبارة أخرى ، يتَّحد الصانعُ والمصنوعُ .
     والكلامُ هو الذي يُقولنا ولا نَقوله . والشِّعرُ لا يُعطيكَ بَعْضَهُ ، إِلا إذا أعطيتَه كُلَّكَ . وهذا لا يعني أن يَتَقَوْقَع الشَّاعرُ على نفْسه، ويبتعد عن العلوم والمعارف. لكن المقصود هو أن يَهَبَ الشاعرُ نفْسَه للشِّعر في لحظة التقاء عُيونه بجيش الحروف ، الذي يَغزو رُوحَ الشاعر بدون تحذير مُسْبَق .
     وتُشْبِهُ الحروفُ في هذا السِّياق الثوري نوابضَ مغناطيسية جاذبة للأفق الشعري . ويجب أن نلاحظ الأدوار التعبيرية التي تُجسِّد طموحاتِ سياسة الشِّعر في تكوين جيل ثائر ضد الخرافة . والأبجديةُ الشِّعرية الثقافية لا تنفصل عن الثورة بأي حال من الأحوال .
     ودخولُ الأفق السياسي في الأسلوب الشِّعري ، لا يَستلزم بالضرورة تقييد حرية حركة الصور الفنية والتعابيرِ الرمزية . فالقضايا الوجوديةُ تُحضِر معها أبجدية خيالها أفقياً وعمودياً ، مِمَّا يؤدي إلى إدراك حتمية التحويل الجغرافي في بنائية تاريخ الشِّعر ، باعتبار القصيدة تاريخاً جديداً وجزءاً من رواية عجائبية لا تعتمد على السَّرْد ، بل تعتمد على التقاط اللحظة وتثويرها وإحاطتها بهالة رمزية ذات هدف غير عبثي .
     ويمكن أن نُفكِّك القيمَ المتحوِّلة في إطار النظريات الاجتماعية الهادفة إلى قلب نظام حُكم القصيدة ، وتكوينِ نظام جديد نابع من صيرورة المتحوِّلات البنائية العامة والخاصة . وهنا يَحدث تمازج بين الأدب والسياسة ، لأنهما عاملان أساسيان في تحريك المجتمع روحياً ومادياً  .ولكنْ علينا أدْبَنةُ السياسة ( حَقْنها بالأدب الجامح لكي يَكبح تهورها )، وتسييسُ الأدب بالمعنى الإيجابي للكلمة ( جعله سياسياً بالقَدْر الذي يَسمح بتأجيج عُنف اللغة ذهنياً ) .

     وتتكرس النماذجُ الاجتماعية المسيطِرة على النسق الشِّعري كواقع عملي لا مَهْرب منه . وهذا الأمرُ يؤدي إلى إعادة تشكيل الوعي الموجب ، وتعبئته ضد سالبية الوعي السُّلطوي المفروض على النَّص من خارج النَّص. ويجب ألا تخضعَ القصيدةُ للابتزاز الخارجي المتمثِّل في الأنظمة الأبوية، التي تَصيغ الثقافةَ والحياةَ من منظور أحادي استبدادي .