23‏/04‏/2016

سوسيولوجيا الوحدة المكانية للنص

سوسيولوجيا الوحدة المكانية للنص

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.....................

  إن  لغويات  الثورة السارية في تراكمات المنظور الشِّعري مستمرة بفِعل قوة نفوذ الأبجدية  الفكرية ، التي تُبرِز أهميةَ تعميق جذور المشروع المستقبلي في الجسد القصائدي . حيث يتمُّ تأصيل استشراف الحلم القادم من وراء الكلمة الملتزمة بالقضايا المقدَّسة  .
     وهذه الماورائية بُنيةٌ مُتحرِّكةٌ مندمجة بالكامل مع سياسة الرؤية ، وخاضعةٌ للعقل الهادم الباني ، حيث يَهدم الأنساقَ العشوائية الضبابية غير الثورية ، ويبني الرؤى الماديةَ والمعنوية التي تمهد لمرحلة الانفجار الشامل في تفاصيل اللغة الهادرة. وهكذا نجد أن الشِّعر يُؤرِّخ لمرحلة جديدة ، تستلهم تاريخاً جديداً ينبثق من قوة المنطق لا منطق القوة .
     والشِّعريةُ الثورية هي سوسيولوجيا الوحدة المكانية للنص ، وأيضاً هي سياسة نقية تعيد صناعةَ مجتمعات الكراهية وفق منظور إنساني يَقتل الشرَّ في الإنسان ولا يَقتل الإنسان . وهنا يَلتصق البناءُ الكَمِّي بالسلوك النَّوعي ، فيَنتج ما يمكن تسميته بالجمعنة القصائدية ( تجميع أبعاد المجتمع الشِّعري لتوحيد المجتمع البشري ) ، حيث يَذوب الجزءُ في الكُل ، وتحلُّ أبجديةُ حُلم الخلاص الجماعي مكان الخلاص الفردي الأناني .
     إِن المحتوى الذهني لامتدادات الأفق الشِّعري يَأخذ شَكلاً بِنائياً مُميَّزاً . وهذا الشكل ما هو إلا انعكاس خلاق للطبيعة الكلامية المفتوحة على كل احتمالات التجريب ، في إطار سياقات اللغة  الأدبية . والأدبُ هو سوسيولوجيا رمزية لتاريخ اقتصادي كلامي يَبحث في الخيال الواقعي  .ومعَ هذا فالأدب ليس تأريخاً للأحداث بقَدْر ما هو تأريخ للخيال القادم كالطوفان إلى أرض الواقع . وإذا فهمنا أشكالَ العلاقات الذهنية في وظيفة الرؤى المتمردة، أدركْنا حتميةَ الصدام بين الثنائيات المشكِّلة للقصيدة . وأدركْنا كذلك أن الثنائيات تَؤول إلى صراع طبقي من نوع جديد في البنية الشِّعرية ، صراع لا علاقة للفقراء والأغنياء به .
     إنه صراع طبقات اللغة بين مستويات الكتابة الإبداعية ، وينقسم إلى صراع داخلي وصراع خارجي . الصراع الداخلي يَقوم بالتجريد والتعرية المستدامة للانهيار الحضاري ، الذي أصاب الإنسانَ المادي . والصراعُ الخارجي يَقوم بالتجرد من تبعات هيمنة إسهامات البشر المحتشِدة في اللغة . والتراكماتُ البشرية اللغوية ليست هي اللغة ، لأن اللغة أوسع وأعمق وأكثر شاعرية من طينية الإنسان .
     والشاعرُ الذي يَكتب قصيدةً خاليةً من القضايا المقدَّسة ، إِنما هو يكتب ضد الكتابة ، فيصبح عبئاً على لغته، فتقف القصيدةُ رغماً عنها في مواجهة القصيدة، وهذه هي حالة التلاشي( الانتحار) التدريجي التي تَقتل رُوحَ النَّص .
     ومن جهة أخرى ، ينبغي توجيه الانتباه إلى الاستعارات الوظيفية المقابِلة لحالات توهج المعلومة المدهِشة. والشِّعرُ هو عَقْلُ الدَّهشة وقلبُها النابض، وهو يُوصل معلوماتٍ مُحدَّدة موغلة في الرمزية والتوهج والدهشة ، وبالتالي فهو يختلف عن كل أنواع الكتابة .
     إِن اختزالَ البُنى السِّياسية الشِّعرية في نص مُكثَّف عمليةٌ غاية في الصعوبة ، لأنك تُعبِّر عمَّا يعتمل في نفْسك من محيطات ذهنية وواقعية مترامية الأطراف بكلمات معدودة على الأصابع، وهذا بحد ذاته أداء نسقي، يَطحن روابطَ إنتاجيةِ التجمعات البدائية ، داخل الاشتعال العاطفي المتراص  . 
     ولَسْنا بحاجة إلى دمج الحدود الفاصلة بين طبقات القصيدة فَحَسْب ، بل تكسيرها أيضاً ، وإقامة مملكة مفتوحة على كل تشكيلات الوعي المطْلق بقضايا الإنسان، والكائناتِ الحية، وعناصرِ الطبيعة. وهكذا تزداد عناصرُ الحالة الماورائية التي تُحدِّد مسارَ التأصيل المعرفي للموروث الشِّعري الملتزم بالرؤية الكَوْنية الشاملة ، وقضايا الإنسانِ المصيريةِ . وفي هذا السياق ، لا بُدَّ أن تكون نقطة البداية هي الذات الشاعرة ، وأن تنطلق عمليةُ التغيير من الكيان الإنساني الشَّخصاني. فمن الجنون أن يُصلح الإنسانُ بابَ جاره، وينسى أن بابه مخلوع.

     والانقلابُ الشِّعري الحقيقي يَكسر القوالبَ ، ليظلَّ مُحلِّقاً في فضاءات أكثر رحابةً ، وأكثر ثَورية . وسيظل الشِّعرُ هو الشرارة التي تنقدح في الذِّهن بدون موعد مسبق، وتَحرق الفضاءَ بصورة دراماتيكية عنيفة.