12‏/05‏/2016

القصيدة والموازنة بين الغموض والوضوح

القصيدة والموازنة بين الغموض والوضوح

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

..............

    إن اللغة تُمَثِّل عاطفةً يوميةً مُعاشة تنبثق من تجارب المنظور الفكري للتحدي الإنساني ضد أيديولوجيات الوهم وثقافةِ الأساطير وصناعةِ الأصنام البشرية . وهذا التحدي لا يمكن أن يتكرس إلا بحدوث صِدام بين الإنسان وذاته ، لأن هذا الصِّدام طَوْرٌ مهم لتشكيل حالات الاندلاع الشعوري للفكرة ، وترجمةِ الأحاسيس الاجتماعية إلى لغة مرئية يَفهمها العقلُ والجسدُ معاً . وهذه التكاملية التاريخية المتعلقة بمراحل تفسير دلالات المحاولات الشِّعرية لتثوير المجتمع، تُشَكِّل تضاريسَ الصراع الحتمي بين القصيدة ومؤسساتِ القمع ، مما يؤدي إلى توليد حالة انسجام لغوية مع توجهات المنظور المنطقي للطبيعة القصائدية ، وهكذا تتكرس خصائصُ الإشارات الرمزية في إطار التفاعل بين المفردات والمعاني ، وهذا يصنع الأشكالَ الجَمالية للنص الشعري عبر إيجاد تكوينات حتمية لمجتمع الفضيلة التثويرية .
     ولا يمكن تثوير الإيقاع اللغوي في البنية الشعرية ، إلا بتحرير الأبجدية من سطوة الصور الفنية المستهلَكة . والمضامينُ الواعية لا بد أن ترتكز إلى رمزية التراكيب الفكرية المتوالدة، التي تتخذ من فاعلية الصور الإبداعية طَوراً تكوينياً للفنون اللغوية . ومن أجل تفادي تحول القصيدة إلى ساحة جدال بين السبب والنتيجة ، ينبغي تأسيس المصادر المعرفية الخيالية على الرمزية المغرِقة في الواقع الملموس . والرمزيةُ الشعرية في النص اللغوي المتدفق يجب أن تكون مثل شعرة معاوية ، أي إنها تدخل في الغموض دون الوصول إلى الطلاسم ، وتدخل في الوضوح دون الوصول إلى الابتذال ، وهذا التوازن كفيل بإحالة الفكر القصائدي إلى بنية متراصة تؤثر في الجماهير ، ولا تنحصر في النخبة . والأداءُ الفلسفي المتوازن في ديناميكية القصيدة يضمن ملامسة الشعور الإنساني في الأفق اللغوي دون تحويل النص الإبداعي إلى موعظة دينية أو خطاب سياسي .

     إِن حشدَ المعاني الشِّعرية الكبرى في زاوية لغوية ضيقة ، ووضعَ أبجدية الشِّعر في غير نِصابها ، عمليتان خطيرتان لأنهما تؤديان إلى قتل الأحاسيس الإنسانية ، وإحالةِ الكائن الحي إلى قطعة رخام جامدة وغارقة في لعبة تزويق الكلام . وهذا يتعارض _ جملةً وتفصيلاً _ مع ماهية الشرعية القصائدية . فالقصيدةُ الحقيقية هي كائن حي لا يموت . وإذا اختلت الموازينُ اللغوية في القصيدة ، فإِن القصيدة سَوْفَ تغرق ، وعندئذ سَوْفَ تَسقط اللغةُ الشعرية تحت حُكم الموت اللغوي ، الذي يَجعل النصَّ الشِّعري لعبةً كلماتية مُزوَّقة ، أو لَغواً يتقمص الشَّكلَ الإبداعي .