23‏/07‏/2016

تحديات في طريق القصيدة

تحديات في طريق القصيدة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

............................

     إن القيم الثورية التي تؤسسها القصيدةُ ، من شأنها إخراج الحلم البشري من زوايا العتمة إلى قلب النور ، عَبْر توليد ثقافة الأسئلة التي تُنقِّي رموزَ الذاكرة من الشظايا الفكرية المتوارَثة . مما يؤدي إلى إعادة إنتاج القوة الشعورية داخل الكيان الشعري ، وتفجيرِ الطاقة الرمزية في الأبجدية المعرفية المتحولة إلى نُظُم اجتماعية تخلو من التوحش ، وتظهر على شكل جرعات لغوية تنتشر في الأفق القصائدي . وهذا التكثيف المركَّب يُعتبَر تاريخاً جديداً لمراحل الحياة الاجتماعية بكل نجاحاتها وإخفاقاتها ، وتأسيساً للكيان الإنساني الذي تعاد صياغته من جديد .
     وهذا العالَم الجديد الذي تبنيه القصيدةُ ضروري للغاية من أجل كسرِ القوالب الجاهزة ، وتحطيمِ السلوكيات الثقافية النمطية المضادة للإبداعِ والتجديدِ ومنظومةِ الأسئلة المتحررة من سَطْوة التقليد .
     والمشكلة الفكرية التي تعترض طريق القصيدة تكمن في تفشي العوالم الوهمية التي تفرزها الأنساق المستبدة الحارسة لتاريخ الظلم الاجتماعي ، وهذا يؤدي إلى تجذر الأزمات الإنسانية ، وانتشارِ الفراغ الشامل في الأحاسيس البشرية ، وبالتالي تصبح الثقافة الشعرية في المجتمع الذي تم اختطافه من قِبَل الأوهام السُّلطوية ترفاً زائداً عن الحاجة ، وتجميعاً لفظياً مختلطاً يخلو من المعنى التطبيقي . وعندئذ تعجز القصيدةُ _ بسبب الضغط الاجتماعي السلبي_ عن تحليل الأنساق الإنسانية الحالمة ، وربطِ مسارات التاريخ بقيمة الهوية الإنسانية ، وتوليدِ أساس منطقي للفعل المجتمعي العمومي .

     وهذا الحصار الخانق الذي يُقيِّد حركةَ اللغة الشعرية يتطلب _ من أجل كسره _ أن تتفوق القصيدةُ على ذاتها . وهذه الخطوة الصاهرة للمراحل لا يمكن تطبيقها إلا عن طريق تكوين سلوكيات معرفية جديدة لا تكتفي بوصف الحراك الاجتماعي داخل أنظمة الشِّعر ، أو تشخيص الامتداد الشعري في الحياة الإنسانية، بل أيضاً تساهم في صناعة المجتمع الحاضن لأشكال الإبداع، والمنضوي تحت راية الأبجدية المتفجرة القادرة على منح الجماعة البشرية الخلود العابر للزمان والمكان .