20‏/09‏/2016

الفعل الشعري والتنمية الاجتماعية

الفعل الشعري والتنمية الاجتماعية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

....................

  إن الفعل الشعري يضبط إيقاعَ العناصر الاجتماعية المتغيرة ، وينقل الأبجديةَ المعرفية إلى قلب المجتمع . مِمَّا يؤدي إلى تعزيز نفوذ الكلمة حتى تصير امتداداً لوجود الإنسان ، ومُعادِلةً للنمو الثقافي أفقياً وعمودياً . والكلمةُ هي رئةُ المجتمع، والعالَمُ الموازي للشعور الإنساني ، وروحُ الأبجديةِ التي نكتبها وتكتبنا . وشرعيةُ الكلمة تكمن في قدرتها على تزويد الحراك الاجتماعي بالطاقة الفكرية، وضمانِ استمرارية بناء الإنسان على قاعدة الإبداع الثقافي ، وترسيخِ الرؤية القادرة على التجرد والتجريد . وكلما التصقت الكلمةُ بالمصير الإنساني واقعاً وحُلماً ، اندفعت الكثافةُ اللغوية في أقاصي المعاني الاجتماعية . وعندئذ تتولد أبجدياتٌ تكسر حواجزَ الصمت ، وتقتل الخوفَ في الإنسان .
     وعندما يَزرع الفعلُ الشعريُّ الكلمةَ في نخاع المجتمع ، فإن تقنيات القصيدة سوف تَؤول إلى حركة اجتماعية نشطة تعيد الاعتبار لكَينونة الفرد وتنقله من الهامش إلى قلب الأحداث. وذلك لأن القصيدة هي انقلاب عقلاني لا فوضوي ، يتجسَّد في التفاصيل الاجتماعية على شكل حالة معرفية دائمة الحركة والانتشار . وبذلك يصبح الفرد هو الخندق الأول في مواجهة القيم السلبية التي تكرِّسها السُّلطات القمعية ، سواءٌ كانت سياسية أم اجتماعية .
     والمشكلة التي تُواجِه النسقَ الشِّعري ، هي سيطرةُ الفوضى الخلاقة على القيم البشرية السلوكية . فصار للمَرْكب أكثر من دفة ، وأكثر من ربَّان . وهذا الأداء الهستيري يظهر _ على الدوام _ في مجتمعات انهيار الذاكرة وانكسارِ الحلم .

     وفي وضع كارثي كهذا ، لن تكون مهمة القصيدة سهلة في إعادة بَلْورة الوعي العام وتجذيرِ القيمة الإنسانية. لكنَّ القصيدة لا يمكن أن ترفع الرايةَ البيضاء أو تهرب من المواجَهة ، فهي تمتلك المقوِّماتِ الذاتية ، والتصميمَ على إدخال المجتمع في قلب التنمية الحقيقية لا الشعاراتية، وعندئذ يُدرك المجتمعُ كَينونته الذاتية ، وكَينونةَ العناصر المحيطة به .