21‏/09‏/2016

دور الأبجدية الثقافية في المجتمع

دور الأبجدية الثقافية في المجتمع 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

................

     إن المشروع اللغوي لصناعة مجتمع الفكر التنويري، هو مشروعٌ تراكمي يتطلب تضافر جهود الأفراد والمؤسسات . وهذا المشروعُ ليس ديكوراً تجميلياً . بل هو تأسيس منهجي لمستقبل الوجود الإنساني ، مبني على معطياتٍ منطقية تطرح الأسئلةَ على المجتمع من أجل إعادته إلى الحياة، ووضعه أمام التحديات المصيرية المتمثلة في تحرير الأبجدية الثقافية من الخرافات ، وتحرير النَّص الإبداعي من أيديولوجيات القهر والكبت، وتحرير الإنسان من ثقل الهواجس والخوفِ من المستقبل المجهول .   
     والأبجديةُ الثقافية _ باعتبارها طَوْق نجاةٍ للأنساق الاجتماعية _ تمثِّل السورَ الأخير الذي يحمي هويةَ الكيان الاجتماعي ، وشخصيةَ الفرد المستقلة ، وهَيْبةَ الجماعة الإنسانية . كما أن الأبجدية الثقافية هي مَعقِل الحضارة الأخير ، وسقوطه يعني سقوط شرعية الوجود الإنساني ، أي سقوط المعنى وانتحار اللفظ ، وعندئذ تختفي اللغةُ الحاملةُ للتراث الفكري المتراكم ، والحاضنةُ للمخزون الشعوري للفرد والجماعة عبر الحقب المتعاقبة. ولا يمكن للإنسان _مهما بَلغت قوته _ أن تقوم له قائمة بدون اللغة القادرة على منح الشرعية وسَلْبها . ولا يمكن للحضارةِ _ مهما امتلكت أدوات التقدم التكنولوجي _ أن تنال الاحترامَ بدون الثقافة والإبداعِ الفكري .

     إن الإنسان الحقيقي هو مؤسسة ثقافية قائمة بذاتها ، تعمل من أجل تكريس سيادة الفكر التنويري على كافة المكوِّنات الفلسفية في البيئة الاجتماعية . وإذا عاشت الثقافة مع الفرد ، فإن الفرد سيعيش معها لِيُؤسِّسا عالَماً جديداً يزاوِج بين العناصر المعرفية في النصوص الإبداعية وبين إفرازات الواقع المعاش . وهذا التزاوج هو الضمير الواعي الذي يُحدث ثورةً في العقول من أجل فهم أفضل للبناء الإنساني والبناءِ الفكري ، واكتشافِ الهوية الحقيقية لوجود الإنسان ومساره ومصيره .