15‏/01‏/2017

أموت في كومة الأنقاض واقفاً / قصيدة

أموت في كَومة الأنقاض واقفاً / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

    أنا هُنا يَعْني هُناكَ / فِي دَاخِلي ضَوْءٌ خَفِيٌّ للزِّنزانة / وجِسْمي سَيَّجَه البَرْقُ بأشجارِ الليمون/ قَد لا يَجدني الهديلُ حِينَ يَزُورُني في بَيْتي/ وَرُبَّما يَمْنعونه مِن زيارتي هُنا / فَتَحْفِرُ عُيوني السُّورَ الملتفَّ حَوْلَ أهازيجِ البراكين / دَمٌ يَحْشو الأسفلتَ في أوصالِ الأزهارِ / دَمٌ يُغمَى عَلَيْه يَسقطُ يَنهارُ كَعِظام الهنودِ الْحُمْرِ عَلى زُجاجِ الكَاديلاك / لا أبحثُ عَن أوسمةٍ تَنْقُشها الجيوشُ المسلَّحةُ بالشَّخيرِ عَلى جِسْمي / إِنَّ اليَمامَ الذِي كَانَ يُلمِّع أَوْسمتي قَدْ مَاتَ /
     بَكَى البَكاءُ في حَنجرةِ نَوْرسٍ نَفَتْهُ قبيلتُه / يُرَوِّضُ الزَّئيرَ رَمْلُ الشَّاطِئِ / لِتَعْبرَ المرايا التي تَنْكسرُ عَلى يَدِ البَحر / كأنَّ مَرْفأَ الصَّخبِ يَسْبحُ فِيَّ / وَيَتْركُ قَميصَه على الشَّاطئِ / فتأتي النَّوارسُ لِتَصْطَادَه / والنَّوارسُ صَادقت البَحْرَ قَبْلي / وَلَكِنَّ وَجْهي لا يَعْرِفُني حِينَ يَنظرُ إِلَيَّ فِي المِرْآةِ / وبَنَاتُ الْمَلِكِ المخلوعِ يَرْتَدِينَ الثَّقافةَ كَحَمَّالاتِ الصَّدْرِ الْمُلَوَّنةِ /
     طِفْلٌ بَاكٍ يَبحثُ في أزقة المخيَّمِ المذبحةِ عن وَالدَيْه / بُحَيْرةٌ تتشظَّى في دَمْعه / لا يَمْلكُ ثمنَ مِشْطٍ/ فَصَارتْ جُذورُ السِّنديانِ مِشْطاً/ في راحتَيْه زَهْرةٌ وبَعْضُ الأحزانِ/ واليَتامى يَجْمعون خُوَذَ الجيوشِ المهزومةِ/ كَي يَبيعوها في السُّوقِ السَّوْداءِ / والحمَّى تَشْربُ عَصيرَ العنبِ في جَسدِ الإسكندر/ يَقفُ الناسُ عَلى أحجارِ النِّسيانِ يَحْمِلون رَاياتِ الهزيمةِ / والعَسْكرُ المعدنيُّ أَضْرَموا عَارَهم في رُتبهم العَسْكريةِ / والسَّرابُ يَصيرُ رَمْلاً أزرقَ في صَحراءَ لا نِهايةَ لَها /
     نَحْوَ فِتْيةٍ يَقْرأون القُرآنَ في زوايا المعتقَل يَنْطلقُ مَطرُ القلبِ / نَحْوَ جِهةٍ تَكونُ فِيها الرِّياحُ أبطأَ مِن نَبضاتِ الأسفلتِ يَسيرُ النَّرجسُ / نحوَ أرصفةٍ أقلَّ خُشونةً مِن القُيود تمضي الينابيعُ / نحوَ تَاجٍ يَتكسَّرُ كَظِلِّ القِططِ الضَّالةِ على الجدارِ تَجْري رَائحةُ العُفونة /
     أحياناً يُقدِّم لِيَ الشِّتاءُ دَعوةً لحضور العَشاءِ / فأذهبُ أنا وخَيْمتي/ تَكْسرُ أَبجديتي تِيجانَ الليمون/ بقايا تِيجان مُكسَّرةٍ في دِماءِ العَاصفةِ/ تدلُّ على ثَوْرةِ الموتى ضِدَّ الموتى / والعارُ يَسرقُ ما تبقَّى مِن أعضاءِ السُّجناءِ / وَفْقَ دُستورِ الألم / ويُسمِّي ذلكَ عِيدَ الاستقلالِ ! /
     لَمَّا هَزمتُ السَّجَّانين استلقيتُ على خَدِّ الشجرة / أُفكِّر في التشابه بين الحطام والحطام / مَلَلْتُ مِن خِطابات آكِلِ النَّمل/ لا يُتْقِنُ غَيْرَ تأبينِ أشجارِنا/ كُلُّ الأدغالِ سَتَفِيقُ / أَصْعَقُها كَي تَفيقَ/ أَصْدرتْ بَناتُ آوَى مَرْسوماً يَتَّهمني بالخِيانة / لَمْ أَخُن التفاحاتِ المقتَرِباتِ مِن نَبْضِ الحمَامِ /
لَسْتُ خَائِناً أيتها البَراري/ التي تَسْلخني عَن لَمَعانِ رُؤوسِ الرِّماحِ /
     أَيَّتها النِّساءُ العَارياتُ على شَواطئِ الرَّغبةِ / هَذا جُثماني فَلا تَلْعَبْنَ الشِّطْرَنجَ على سَطْحه / أيتها الصَّبايا المكْتَئِباتُ في رُومَا المتْعَبَاتُ مِن مُمارسةِ الجِنسِ مَعَ عَدَساتِ المصوِّرين / ذلكَ ضَرِيحي في الشَّفقِ فلا تَصْعَدْنَ إِلَيْه / يَا زَوْجاتِ فُرْسانِ الفِرنجةِ الخائناتِ / لا تَتَذَكَّرْنَ حَوافرَ الخيولِ السَّابِحةِ في مَعِدتي / لا تَحْزَنْ عَلَيَّ أيُّها البَحْرُ / إنَّ دَمِي يَحْرُسُهُ دَمُ البَعُوضِ /
     أَنا وَالبُرْتقالُ ثَوْرتان تَصْرخان في العَدَمِ/ كَي تتكلمَ الحيطانُ / أَخْرجُ مِن عُزْلةِ الخوْخِ / لأكتشفَ اكتئابَ تفاحِ المشانقِ / الخيولُ الخشبيةُ / والمرَاحِيضُ الرُّخاميةُ / والمسْتَقْبَلُ الذي مَضَى / والماضِي الذي سَيَأْتي / أرْجُوكَ يا ضَوْءَ القَمَرِ / امْنَحْنِي وَقْتَاً كَي أُلَمِّعَ نَصْلَ مِقْصَلتي بِمِلْحِ دُموعي قَبْلَ إعدامي / والزَّوابعُ تَبْحَثُ عَن جَدائلِ النِّساءِ بَيْنَ حِبَالِ الغسيلِ وحِبَالِ المشانِقِ /
     يا مَلِكاتِ نَزيفي اللواتي يَسْرِقْنَ نَزيفي / أَنتنَّ دُمَىً في مَسْرحِ العَرائسِ / تجفُّ المساحيقُ على وُجُوهِكُنَّ / تَخْلعنَ أُنوثتكنَّ كالمِعطفِ البَالي / تَرْكُضْنَ في مَداراتِ الرِّعْشةِ على الرُّخامِ الوَرْدِيِّ القَاتِلِ / مَا فَائِدةُ الرُّومانسيةِ إذا كَانت المرأةُ مَقتولةً بَيْنَ صُحونِ المطبخِ وثَلاجةِ الموتى ؟ /
     نَعْنَاعٌ يَدْرسُ الفَلْسفةَ في كِيمياءِ دَمِ السُّجناء / يَغْفو ضَوءُ الشَّمعةِ على مَعاولِ الهشيمِ / والموْجُ يَضْرِبُ سَطْحَ الصَّليل / ولا فُرسان يَحْملون السُّيوفَ/ أَيُّ حُكومةٍ تَجْرحُ صَوْتَ العُشبِ المغطَّى بأكفانِ الفلاحين؟!/ أوتادُ خِيامِ المشرَّدين عَلى ضِفافِ اللهبِ / والزَّوابعُ تحدِّدُ مَواعيدَ حَصادِ القُطن في قَفَصِي الصَّدْريِّ / ودُمُوعي تُهشِّمُ زُجاجَ نظَّارتي الشَّمْسِيَّةِ / لَنْ نلتقيَ في الغُروبِ أيتها الجواري المذبوحاتُ / لأنَّ المخبِرِين أَغْلَقوا سُوقَ النِّخاسةِ بالشَّمعِ الأحمرِ /
     مِنْ أوراقِ فَهْدٍ مَنبوذٍ : (( حُكومةُ الفِطْرِ السَّام مَصْنوعةٌ في الخارج ! )) / لماذا تَعْشقينَ سَفْكَ أعصابِ المشرَّدين / عَلى عَنبرِ الحِيتان الرَّشيقة ؟ / لماذا تَنقلين نَاطحاتِ السَّحاب / على ظُهورِ الجواميسِ النَّحيلةِ ؟ /
     أنتحرُ تَدْريجياً في مِصْيدةِ الحضارة/ فلا تَتْركيني يَا أُمِّي / سَيُصْبِحُ مِنديلُكِ كَفَني/ وَدُموعُ أَبي تَاريخاً لِهِجْرةِ رُموشي المسمومةِ / أتجوَّلُ في صَحراءِ دَمِي كالسُّنبلةِ المشنوقةِ / ولا دَرَاهِمَ تَحْملُ صُوَرَ الخليفةِ غَيْرِ الشَّرعي / نَتَشَمَّسُ على حَوافِّ قُبورِنا/ يأكلُ الحمَامُ الزَّاجِلُ قُماشَ الأكفانِ / والرُّؤوسُ المتطايِرةُ صَارَتْ طَابَعَ بَريدٍ / وَذَلِكَ السَّجينُ يُفكِّر فِي ضَوْءِ أبجديةِ النَّارِ / والفَراشاتُ تُكلِّم الحائطَ/ لَكِنَّ  ثَعالبَ الرَّجفةِ هِيَ فُقاعةُ صَابون / تَخْرجُ بَعْدَ أنْ يُعلِّقَ السَّجَّانُ أظافرَ أبنائه/ على حَبْلِ الغسيل الطويل / فلا تَمْنحوا الفَراشاتِ تصاريحَ الدُّخولِ / إلى قَلبِ المطر/ ولا تَسْمحوا لأُمِّي أنْ ترى جُثَّتي المنثورةَ / في أكوابِ الشَّاي الأخضرِ .