16‏/01‏/2017

أغنيات للطوفان القادم من وراء التل / قصيدة

أغنيات للطوفان القادم من وراء التل / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

....................

    صَاحِ !/ لأنَّ المسافةَ مِن بَيتِ صَدِيقي إلى خَيْمتي مَليئةٌ بالجثثِ وسياراتِ الإسعافِ / تختبئُ الأحصنةُ في جُيوبي / لأنَّ بَنْكِرْياسي مِنطقةٌ عَسكريةٌ / تأتي الكِلابُ المسعورةُ إلى وِزارة الحرب / لأنَّ صَدْري أَعْلَى مِن البَرقِ / أَملأُ أكياسَ الطَّحينِ الفارغةَ بالصَّهيلِ المقتول /
     هُبوبُ الرِّياحِ على شَعْر خُنصري يَهْمسُ في أُذُنِ القَمر : (( لا سَنَامُ الْجَملِ احتياطيٌّ نفطيٌّ ولا جِيفةُ القِرْش مُخيَّمُ لاجئين )) / هَذا أنا أُؤَدِّي التحيةَ العسكريةَ لِذِكْرياتِ الشَّفق/ نَرُشُّ قَليلاً مِن مِلْحِ الدُّموعِ عَلى طَعامِنا المتروكِ للبَعوض / مَشَت السَّكاكينُ على الجِسْرِ الواصلِ بَيْنَ رِئَتَي الخريفِ / بَيْنما كُنتُ أَعُدُّ جُروحي التي تصطدمُ بثوبِ الثلج / وكُلَّما قرأَ الموجُ الجريدةَ رَأى اسْمَه في صَفْحةِ الوَفَياتِ / فَلْيَكُنْ نَعْشُكَ يَا جَلادي هُوَ النَّاطقَ الرَّسْمِيَّ بِاسْمِ الفَراشاتِ /
     يَا نَبْتةً تُغَنِّي في هَذا المساءِ القَريبِ مِن الرُّعودِ / دَمِي أَمْ دَمُكِ ذلكَ الأحمرُ اللامعُ عَلى الأغصان ؟ / مَلامِحي المفتَّتةُ قِنْديلٌ غَامِضٌ / كُلَّما حَطَّمَت الصَّواعقُ أَعصابَ الشَّعيرِ / ارتفعَ صَوْتُ مُحرِّكاتِ الشَّاحناتِ العَسْكريةِ /
     وَدَاعاً عَمُودي الفِقري ! / سَرَقه الغُزاةُ لِيَحْشوه بالماريجوانا / لَكِنِّي أَنسِفُ ما تبقَّى مِن ذِكرياتِ القَمحِ / مُخَزِّناً البُرْتقالَ في بَقايا عِظامي / والنهرُ يَموتُ على سَريرِ زِنزانتي / لأنَّ أشجارَ الزِّينةِ أَكَلتْ جَوارحَه / فَيَا أيُّها السَّرابُ / إنَّ الراهباتِ يَرْقُصْنَ لأنَّ البَقَّ أكَلَ أخشابَ الصُّلبان /
     في لَيْلةٍ يُحاصِرُها الغِيابُ / كَان الصَّيفُ جَالِساً على كُرْسِيٍّ يَقرأُ أشعاري أَمامَ المِدفأةِ / والثلوجُ عَلى مُرْتفعاتِ البُكاء / لا أَمْلكُ الموتَ/ ولا الموتُ يَمْلكني / كِلانا مَمْلوكٌ / واللهُ سَيِّدُنا / لا أُحاصِرُ خُطواتي/ ولا خُطواتي تُحاصِرني / كِلانا مُحَاصَرٌ بِسُيوفِ الموْجِ / تَبحثُ لَيْمونةُ الذَّبحِ عَن ابنها في صُراخ الحِراب/ مَاتت الذُّبابةُ بَعْدَ أَنْ أَكَلت بِثَدْيَيْها / ونَعْشي يَحرسُ أعراسَ الطيورِ مِن حَديدِ الأقفاص / وجُثثُ الأطفالِ على الأراجيحِ في حَديقةِ الصَّقيعِ /
     القَمْحُ والضَّبابُ يَقْتتلان عَلى اقتسامِ شَفَتِي / نَسِيَ القَمْحُ أَنَّا كُنَّا في قَفَصٍ وَاحِدٍ في بِلادٍ مُسجَّلةٍ بِاسْمِ الإِمبراطورة / نتناولُ الهواءَ الباردَ / ونَحْتسي أكواباً مِن القَش / هذا السَّرابُ يَزرعُ القَمحَ في لَحْمي / صَوْتي يَعُجُّ بالغابات / فَكُنْ وَفِيَّاً أَيُّها القَشُّ إِنْ غَدَرَت بِنا شُموعُ العاشقين / تاريخُ أحزاني يُولَد مِن لَمعانِ الموْجِ الصَّحراوي / والحقولُ أقربُ مِن ذَاكرتي / أَيُّها المقْتولون في ضَوْءِ القَمر / لا تَقْتلوا القَمرَ بَعْدَ أنْ تَمتصُّوا ضَوْءَه / لا تُتاجِروا بِدَمِ الغَيْمات /
     أُصيبتْ بِسَرطانِ الثَّدي بُحيرةٌ لا تَمْلكُ ثَمنَ العِلاجِ / لَكِنَّ الأدغالَ تُقاتِل / تَزوَّج التتارُ هَزيمتهم في مِياهٍ مُخْتَلِطَةٍ بالحِبرِ / لكنَّ النارَ أَحْرقت الرَّايةَ البيضاءَ / استراحتْ قَوافلُ مُحمَّلةٌ بالموْتى/ في جُمْجُمةِ زَهْرةٍ بَرِّيةٍ / لكنَّ الصَّحراءَ فَرَشَتْ عَرَقَها استراحةً لِسَائقي الشَّاحنات / اكْتَشَفْنا آثارَ أقدامٍ عَلى جَناحٍ صَقْرٍ مَرْميٍّ في قَارِبٍ / يَسْتخدمه القُرْصانُ للإبحار في دُموع الدَّلافين / لكنَّ البحرَ لم يَبْكِ / رَسَبَتْ شُرفتي في امتحانِ الفيزياء / لكنَّ نيوتُنَ أحدُ تلاميذي /
     يَا أسماكَ الجوعِ المهاجِرةَ في نَبضاتي/ لِيَكُن الحِوارُ بَيْننا دَافِئاً كالأمطار / في الزِّنزانة الانفراديةِ غَيْرِ المسْقُوفةِ / شَفَّافاً كالعَواصفِ / سَرِيعاً كَدُموع الصَّبايا الخائفاتِ مِن العُنوسة / هَادِئاً كَبَقايا القُرى بَعْدَ الإِعصارِ /
     دَمْعي وَاقفٌ عَلى دَرَجِ بَيْتي يَنْتظرُ سَيَّارةَ الأُجرةِ/ كُلَّما اجْتَاحَ الفَيضانُ خَاصِرةَ الشَّوْك كَبَّرَ قَلْبي وَوَجْهي / سَقَطَ السُّقوطُ عَلى سُقوطِ الشَّعْرِ المستعارِ للملكاتِ / وَعَلا صَوْتُ الأذانِ / رِياحٌ تَخدشُ العَرَقَ على جَبيني / دماءٌ على وُجوهِ شَقائقِ النُّعمانِ تَمْسحها الفيضاناتُ /
     إِلى حَبَّاتِ التُّرابِ جَسَدَانا أيُّها البَلوطُ / فَرَضَ تاجُ الحصى الزُّجاجيِّ عُقوباتٍ على وَجْنَتِي / حِينَ رَفضتْ قَصائدي أن تُوَقِّعَ اتفاقيةَ سَلامٍ مَعَ الظمأ / اشتاقَ الضَّبابُ إِلى مُعَانَقةِ ضَوْءِ القَمرِ / عِنْدَ التَّلةِ المقابِلةِ لِنَظراتِ الصَّقر / حَرِيقٌ أصابَ حُقولَ النِّفطِ في فَمِ الشَّعير / لا تَرُشُّوا عَلَيْه بُكاءَ الأطفالِ كَي يَنطفئَ / لا ترشُّوا عَلَيْه حَليبَ الأبقارِ التي وَرِثَها الأسفلتُ عَن أَبِيه /
     الدُّروبُ التي تُفضِي إِلى رُمْحٍ مَنسيٍّ في ظَهْرِ الميناءِ مُغْبَرَّةٌ / تَارِيخي صَاعِدٌ في حَنجرة الغَيم / هُناكَ / في أطرافِ غابةٍ يَعْلوها غَيمٌ وقَوسُ قُزَحَ / كوخٌ حَوَّلَتْه السُّلطاتُ إلى حَطَبٍ/كانت تَسْكنه عائلةٌ تَحتفلُ بِالعيدِ مُنتظرةً قُدومَ أبنائها المنفيين /
     أعيادُ الطوفانِ هُوِيَّةُ الحقولِ / فَوْقَ طَيرانِ السِّنديان في مَوْسمِ هِجرته / عِشْنا مَعَ دَمِنا المشاعِ في بَيادرنا / لكنَّ الطغاةَ عِندَ حُضورِهم أَحْضَروا كلابَهم البُوليسيةَ / ليتأكَّدوا أنَّهم غُزاة / 
     تنطفئُ أنوارُ الشوارعِ/ وتصبحُ خَاليةً إلا مِن الرِّيح / يَحشدُ الظلامُ رَمادَ الجرائمِ الرُّومانسيةِ / الأذانُ يَنْزعُ الظلامَ الجاثمَ على زَيتونِ الدموعِ / وِذْكرياتُ الأعداءِ تَحمل مِعْولاً وبندقيةً وتمضي إلى قِتالهم / لَن يُحدِّدَ سَجَّاني مَوعدَ إفطاري / وقَلْبي غَيْرُ وَاقِعٍ تَحْتَ الانتدابِ البريطاني / تَخَلَّتْ عَنِّي وِسادتي / وحِينَ قَرأتُ مَا كَتَبَتْهُ في سيرتها الذاتية لَم أَجد اسْمي ! /
     عَبَرَتْ تفاحةٌ ناريةٌ على جُثةِ أرسطو/ إلى ذِروة المواجَهةِ بَيْنَ الشَّرْقِ والغَرْبِ / وَقَعَتْ جَبهةُ الإِمبراطورِ في ظِلالها المالِحةِ شَمالَ الانهيارِ / عَلِقَ الصَّليلُ على أسلاكِ الكَهرباء في أَنفِ عُصفور/ ممنوعٍ مِن الدُّخولِ إلى عُشِّه ! / لم يُقاتِل ظمأُ الصَّحاري لأنه كانَ عريساً جديداً ! / وتجارُ الحروبِ يُنظِّمون بازاراً خَيْرياً / لمساعدةِ ضَحايا الحروب ! / الرِّمالُ تُقلِّم أظافري والسَّجانون يَخْلعونها / وفي فَترةِ الموتِ الليليِّ / يُسخِّن خَفْرُ السَّواحلِ القَهوةَ على شُموعِ بكائهم /
     عَزِيزتي الأمطار / إِنْ مَررتُ فِي بَالِكِ ذَاتَ مَساءٍ / فاقْتحمي قَيْدي وَحَديدَ القُضبان / ظِلالُ الهديلِ على خَاتَمي الذي ضَاع في مَاءِ عُيوني/ سَوْفَ تمزِّقُ الكُوليرا أسنانَ النَّسرِ / ولا أعْرفُ هَل يَذهبُ النَّسرُ إلى طَبيبِ الأسنان / أم يموتُ في قِممِ الجبالِ وَحيداً / سُنبلةٌ رَفَضَتْ سَيَّافي الأرضِ / ولا تَنتمي إلى قُصورٍ مختبئةٍ في حَبَّاتِ النَّدى /
     نقشُ الهزيمةِ عَلى حَطبِ الرُّموشِ المكسورةِ / القَتلةُ يَعُودون إِلى زَوْجاتهم بَعْدَ انتهاءِ الدَّوامِ الرَّسميِّ في المجزرة/ يُعانِقون أطفالَهم/ يحثُّونهم على الاجتهاد في المدرسة/ وأطفالُنا يَأخذون ذِكْرياتِهم مِن جَنازيرِ الدَّباباتِ / أحزانُ الرَّصيفِ مَحطةُ قطاراتٍ لتحميلِ القَتْلى/ والأَسْرى يَزْرعون الرُّومانسيةَ بَيْنَ جَثامينِ الفَراشاتِ / أَيَّتها الأميرةُ المزيَّنةُ بِالحطبِ والزَّبدِ الفاخِرِ / لَن تَشْتري تابوتَ أُمِّي / إِنَّه الرَّحيلُ عَن هَذه الأرضِ / التي تَخنقُ أجفانَها أَجراسُ المذبحةِ / أغنامي المتفرِّقةَ كالجلادين المتقاعِدِين / لنكنْ أصدقاءَ مِثْلَ المخبِرِين / سَافَرْنا فِي جَثامينِ الأشعةِ الشَّمْسيةِ / لِي خُطاي عَلى جُلودِ الضِّباعِ القُرْمزية/ وَلَكِ خُطاكِ عَلى جُثةِ الرَّاعي / اسْتَرَحْنا في فُوَّهة العَشْبِ كالإِماءِ / اقَْتَسَمْنا دُموعَ البَراري / كالأَسْرى الذين يُزيِّنون قُيودَهم بالأوسمةِ / وَسَأَمْضي فِي رِحلتي وَحيداً / نِعاجَ المأساةِ / لا تَغْسلي أكفاني بِدَمْعِ اليتيماتِ / ولا تُساعِدي الضَّبابَ في تَزيين ضَريحي /
     جَدِّي كانَ يَزرعُ التِّينَ في المجرَّاتِ/ آثارُ يَدَيْه عَلى أَشجارِ الذَّاكرةِ فَوْقَ التُّرابِ/ وهُوَ الآنَ تَحْتَ التُّرابِ / فَلا تَبِعْ دَرَّاجتكَ الهوائيةَ أيُّها اليَنبوعُ لِتشتريَ لِي أكفاناً مُسْتَوْرَدَةً / البَدَوياتُ يَتَقَمَّصْنَ الغجرياتِ / خَسِرَ الغجرُ / وَخَسِرَ البَدْوُ الرُّحَّلُ / وَانتصرَ الرحيلُ / أنا المؤذِّنُ الوَحيدُ عَلى كَوكبِ الزُّهرة / سَيِّدي وَاحِدٌ لا يَتَعَدَّدُ / وَلا مَلِكَ إلا الْمَلِكُ /
     أيُّها المطرُ الذي يَعْبُرُ الضَّبابَ البَنفسجيَّ/ أراكَ مِن وَراءِ دُموعِ نافذتي / غُرفتي سِراجُها مُطْفَأ / لكنَّ سُعالي يَتوهَّجُ تَحْتَ جُسورِ سَراييفو / أُوزِّعُ الهدايا التِّذكاريةَ على السَّائرين في جِنازتي / للنِّسيانِ وَردةُ المجازرِ / للنَّحلِ مملكةٌ لا يَغْتصبها جَليدُ المنافي/ وتِلْكَ الآبارُ في هَديلِ البُحيراتِ قَريةٌ للسُّل/ سَارَ الليلُ عَلى جُثمانِ الرَّاقصةِ/ وَدُودُ التُّرابِ يَأْكلُ ثَدْيَيْها / انتهت الرَّقْصةُ إِلى الأبدِ/ وَالعَناكبُ تتقاتلُ عَلى اقتسامِ الفَساتين المهجورةِ/ أَتوكَّأُ على أَفعى/ وَبَراميلُ البَارودِ تتوكَّأ على عَمودي الفِقريِّ / وَفِي كُرياتِ دَمِي حَرْبُ شَوارِع / وأنا القاتِلُ والضَّحيةُ .