30‏/03‏/2017

الحضارة المحنطة في الدموع / قصيدة

الحضارة المحنطة في الدموع / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........

كَالعُصفورِ الأَعْمى الذي يَتَحَسَّسُ تَضَارِيسَ زَوْجَتِهِ عِندَ الجِمَاعِ / كَانت الحضارةُ / تُدَخِّنُ الأشجارُ تاريخَ الذئابِ / وَالقُبورُ هِيَ فَوْضى العَسْكَرِ / تُصَوِّبُ الرِّمالُ نُباحَها بِاتِّجاهِ قَوَافِلِ البَدْوِ الرُّحَّلِ/ الرَّحيلُ يُطَوِّقُ تِلالَ المطرِ/ يَمْشي ضَريحي تَحْتَ أَعْمدةِ الكهرباءِ في الوَطَنِ المنْطَفِئِ / فَلا تَكْرَهْني يا أَبِي / لَم أُحَقِّقْ أَحْلامَكَ المكْسُورةَ / أنا المسافِرُ بَيْنَ سُيوفِ التَّتارِ وَخَناجِرِ الأعرابِ /
أَتَقَلَّبُ عَلى صُراخِ الجليدِ/ سَتَمُرُّ في قَارورةِ الحِبْرِ سِكَّةُ حَدِيدٍ / وَتَسقطُ طائرتي الوَرقيةُ في أَوْراقِ الخريفِ / والبَنادقُ تَعْرِفُ بَصْمَةَ أَجْفاني / خَزَّنْتُ دُموعي في حَقيبةِ السَّفَرِ / خَبَّأْتُ أَكفانَ أُمِّي في أَزْرارِ قَميصي / صَادقتُ الحمَامَ الزَّاجِلَ / الذي يُوصِلُ رَسائِلَ أَراملِ الجنودِ / والبَحرُ لا يَدْخُلُ إِلى قَفَصي الصَّدْريِّ إِلا بِتصريحٍ رَسْميٍّ / لَسْتُ رَصَاصَتي كَي تَخُونوها / وَلَسْتُ أُغْنيتي كَي تُعْدِمُوها/ لُغتي تَصْعدُ مِن الحروفِ المقْتولةِ / أَساقفةُ الرَّمادِ يَحْتفلون في سَفينةٍ تَسْحَقُ مِشنقةَ صَقْرٍ / وَعَرَباتُ الشِّتاءِ الزَّرقاءُ تَغْزِلُ دَمْعاتي رَصَاصَاً / أظافري المشقَّقةُ سَريرٌ للشَّجرِ العاجزِ جِنْسياً / وَتِلْكَ أَوْصالُ قِطَّتي المشْنوقةِ /
يَا دَمْعةً تتأرجحُ في أَحْداقِ اليَتامى / لا فَراشاتٌ تَمْسَحُكِ / ولا تِلالٌ تَحْرِقُكِ / يَا طِفْلاً يَذْهبُ إلى المقْبرةِ بِلا كَفَنٍ / لا أَمْطارٌ تَغْسِلُكَ / ولا حَقيبةٌ مَدْرسيةٌ تَضَعُ فِيها أشلاءَكَ /

تَجْري الصَّحاري في عُروقي نَخيلاً لِلمُشرَّدين / وغاباتُ القلوبِ المكْسورةِ حَطَبٌ / تَنْهَشُهُ مَواقدُ العُشَّاقِ في الشَّتاءِ الدَّمويِّ / يَا رَاعي الغَنمِ الذي يُوَقِّعُ على مَرْسومِ إِعدامِ البَراري / لماذا تَرْمي شَرايينَ البُحيرةِ في أَقْبيةِ الفِئران ؟ / الرَّصاصُ الْحَيُّ / وَالوَطَنُ الميْتُ / أَصْعَدُ أنا والأضْرحةُ مِن وَهَجِ نَزيفِنا / نُعَانِقُ دِيكَ الصَّباحِ / نَلُفُّ على نَزيفنا حَشائشَ الزُّقاقِ وَضَوْءَ الشُّموعِ / لَم يَأْتِ الجنودُ المهزومون كَي يُنقِذوا قِطَطَ الشَّوارعِ / كَانوا يُجَرِّبون الأوسمةَ المعدنيةَ / كَي يَعْرِفُوا الوِسامَ الذي يُناسِبُ لَوْنَ القَميصِ / البابُ مَفْتوحٌ عَلى ثُلوجِ اللهبِ / والهواءُ يَتجدَّدُ في زِنزانة الموْجِ / وَقُيُودي تَتجدَّدُ مِثْلَ جِلْدِ المطرِ/ الحضارةُ ثَعْلَبُ الخديعةِ/ تَصْنعُ السُّيولُ مِن فِرَائه حَقائبَ للسَّيداتِ الرَّاكضاتِ في أسواقِ النِّخاسةِ / هَل مَوْتُ الفَراشةِ انتحارُ الذُّبابِ الرُّومانسيُّ ؟ / لَم يَأْتِ أطفالُ الشَّوارعِ / كَي نَدْرُسَ تَعاليمَ الزِّنزانةِ في الوَطَنِ الضَّائعِ / عَبَّدُوا حُقُولَ الجنونِ / لَم يَلْمَعْ رُفاتُ النَّخيلِ في الصَّهيلِ / وَلَم يَظْهَرْ وَرَثَةٌ لِلبَحْرِ / فَلْتَكُن التَّرِكَةُ في جَيْبِ السُّلْطانِ ! / سَتَلْمَعُ أَجنحةُ النُّسورِ في شَهيقي / وَتُلَمِّعُ دُموعُ أَبي خَنْجَرَهُ .

28‏/03‏/2017

عصفورة تبكي اسمها الأرض / قصيدة

عصفورة تبكي اسمها الأرض / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد 

..................

    قُيُودي ثُلوجٌ أَنْجَبَها ضَوْءُ الموْقَدةِ في كُوخِي المهْجورِ / دَخَلَ الصَّنوبرُ إِلى السِّجْنِ / وأَوْرِدَةُ الزَّوْبعةِ تَزَوَّجَتْ أسْفلتَ الذاكرةِ / تُولَدُ شُموسي مِن أنيابِ الحِيطانِ/ التي تَقْتَرِبُ مِن مَزْهرياتِ الوَدَاعِ/ سَتَأْتي الرِّياحُ لِتَبِيضَ / كالأقفاصِ كانَ اللمعانُ الغامضُ للأمطارِ / يَكْتبني تاريخُ الغاباتِ المحتضرةِ / أَتذكَّرُ الفُقراءَ الوَاقِفِين أَمَامَ قَبْري / يَنْتظرون قُدُومَ الرَّبيعِ مِن قَلْبِ الخريفِ /
     تَتَسَاقَطُ أَوراقُ المجرَّاتِ في الخريف / تَتساقطُ لُحُومُ السُّجناءِ في المجرَّاتِ / وَالشَّجَرُ يَحْمِلُ سِيَاطاً مَطْلِيَّةً بالذهبِ / وَالصَّوْلجانُ في يَدِ النَّهْرِ / فَارْحَمْني يَا مَاءَ الأحزانِ المقطَّرَ/ يَسْمَعُ البَرْقُ صُراخَ الجدرانِ / وَكُلَّما حَطَّت الزَّنازينُ عَلى سَوَاحِلِ دَمي / ازدادتْ رُومانسيةُ البَعُوضِ / أَدْخُلُ في عُزْلةِ المطرِ / فَتنتقمُ شَراييني مِن جِلْدي / كَما يَنتقمُ الحمَامُ مِن قُضْبانِ سِجْني /
     مُوسِيقى تَصْوِيريةٌ لِلمَذْبحةِ / سَيُنَظِّفُ الزِّلْزالُ شَاهِدَ قَبْري / عِندما يَتعكَّرُ مِزاجُ الغُبارِ / وفي عَرَقي الثاني تُولَدُ الزَّنازينُ والذبابُ والمخْبِرُون / اتْركوا دَمِي مِصْباحاً للأراملِ الصَّاعِداتِ مِن عِظامِ الفَجْرِ / سَلامٌ عَلى شَجَرةٍ تَنتظرُ زَوْجاً / كي يَبْكِيا في لَيْلِ المنافي / وَالنَّجْماتُ المتَّشحاتُ بِالسَّوادِ خَيْمةُ الفُقراءِ / قَمْحةٌ تَضَعُ عَلى تابوتها مَغارةً لِلْحَشَراتِ العَاشِقةِ / والعواصفُ تَقْتفي آثارَ النَّخْلِ في أشلائي / بِلادٌ تَبْحثُ عَن عَلَمٍ تَكُونُ فِيه الدِّماءُ خُطُوطاً هَنْدسيةً / وَجُثتي تَقُودُ ثَوْرَةَ اليَمامِ /
     تَرْكضُ الملاجِئُ في غَازِ الأعصابِ / وَقَلْبُ العَاصفةِ كَابْتِسامةِ القَتيلاتِ في الأَحْضانِ الغَريبةِ / يَذْهَبُ الغُزاةُ إلى انتحاراتهم كُلَّ يَوْمٍ/ وَيَعُودون مُحَمَّلين بأجنحةِ الذبابِ والذِّكْرياتِ الصِّناعِيَّةِ / وُلِدَت السَّنابلُ لِتَثُورَ / وَعِندما مَاتَ الشَّفَقُ في المعركةِ / حَضَنْتُ أبناءَه / لأنَّ أَرْملته تَزَوَّجَتْ غَضَبَ المجرَّاتِ / مِتُّ مِثْلما تُولَدُ الشَّلالاتُ / مِتُّ في الحياةِ / وَعِشْتُ في الموْتِ /
     أَيُّها النَّهْرُ الأعمى / عِندما تَموتُ سَتَرَاني / يَتوهَّجُ لَحْمي عَلى رِمَاحِ القَبيلةِ / وَعَرَقي مَحْرَقةُ الأكاسرةِ/ حَاضِناً بَنادِقَ الرَّعْدِ / حتَّى تَنْسى سِفْرَ الرُّؤيا الرَّاهباتُ / إِنَّ مُسَدَّسي سِفْرُ الرُّؤيا / أُحِبُّكِ يا مِئذنةَ الفَجْرِ / وَأَقْتُلُ اكتئابي بِخَنْجرِ أَبي /
     لِلْمَوْتى طَرِيقُ السَّناجِبِ المشْنوقةِ / عَلَى حَطَبِ الأنهار / وَالضَّفادعُ المقْليةُ في دَمِ الضَّحايا / هِيَ أَكْفانٌ بُرتقاليةٌ / عُزْلَةُ رِياحِ الرَّمادِ / وَرُومانسيةُ البَنادقِ الآليةِ / وَجُنونُ الأرصفةِ / أَسْطَعُ كالعُشْبِ الدَّمويِّ والذِّكرياتِ البَرِّيةِ / لم أَتَنَفَّسْ عِطْرَ المهرِّجِ/ أَنْزَلْتُ صُورةَ الصَّحراءِ عَن جُدْرانِ شَراييني / وَبَارودُ المجرَّاتِ يَحْرُسُ الذِّكْرياتِ بِالفَراشاتِ / قَد أَمُوتُ في الصَّباحِ/ وَقَد أَمُوتُ في المساءِ / مَن سَيَكُونُ الشَّاهِدَ عَلى مَوْتي ؟ / الشَّمْسُ أَم القَمَرُ ؟ /
     المتاهةُ اللازَوَرْدِيَّةُ / وَالليلُ يَحْضُنُ مَوْتانا / اكْتَشِفْني أَكْتَشِفْ جُرْحي القديمَ كالأطلالِ / لا يُشَرِّفني أَن أَكُونُ دَمَاً لِلمَرْعى / لأنَّ جَسَدي زَمانٌ / والأمكنةَ ظِلالُ الرَّمادِ / ذَلِكَ شَاهِدُ قَبْري المطْموسِ / شَاهِدْني وَأَنا أُحْتَضَرُ / مُدَّ يَدَيْكَ إِلى نَزيفِ الرِّياحِ / أَفَقْتُ وَمَا زَالَ مَوْتي عَائِشاً / سَلامٌ عَلى الأمواتِ الذين يَسْكُنونني / أَيْنَ سَنَبْكي أَيُّها الدَّمارُ الملْتَصِقُ بِحَوَاسِّنا / في خَرائِطَ لَم تَعُدْ تَذْكُرُ مَجازِرَنا ؟ / أَيْنَ سَنَبْكي يا أُمِّي تَحْتَ مَصابيحِ المذْبحةِ ؟ / مَقَالةٌ قَصِيرةٌ في رِثَاءِ القَمَرِ/ تُوزِّع الأمطارُ الثورةَ عَلى مَفاصلي/ وتَنتظرُ طُرقاتُ جِلْدي لمعانَ الدِّماءِ / كَما يَنتظرُ الفُقراءُ استلامَ الخبزِ في الطابورِ الخامسِ / يَستثمرُ الغُروبُ في غَضَاريفي / أنا الصَّحاري الذبيحةُ التي سَقَاها الأنبياءُ /
     شُكْراً للملوكِ الذين بَاعوا الأندلسَ مِن أَجْلِ أثداءِ الإِسبانياتِ / شُكراً لِلمُرَاهِقاتِ العائداتِ مِن الاحتفالِ بِجِنازة شَعْرِ رَأْسي / شُكراً لِلزَّوْجاتِ الخائناتِ الماهراتِ في الطَّبْخِ عَلى نَارٍ هَادئةٍ / شُكراً لِدَمِي الذي هَجَرَني / لأنِّي لا أَمْلِكُ ثَمَنَ لاصقاتِ الجروحِ / شُكراً للآباءِ الذين بَاعوا بَناتِهم بالتَّقْسيطِ المريحِ/ شُكراً للفقراءِ المرْضَى بِالوَهْمِ / تَرْتعشُ أطرافُهم كَأصابعِ المطرِ/ شُكراً لِلمُرْتزِقةِ / يَقْتَسِمُون كَعْكَةَ عَذاباتي في الأعيادِ الوطنيةِ / شُكراً لِلشَّعْبِ الميْتِ الذي لم يَجِدْ قَبْراً يَتَّسِعُ له / شُكراً لِلجُنودِ الذين يَعْمَلُون بَعْدَ الدَّوامِ الرَّسْمِيِّ حَفَّاري قُبورٍ للأحلامِ / 
     عُصْفورةٌ انتفضتْ انتفضتُ / رَأيتُ الموْتى يَمْشُون في مَداراتِ الكَرَزِ / يَرَوْنَ أَحزاني/ وَكُلما سَاروا وَقَعُوا في وَرِيدي/ أَيَّتها الشَّجرةُ الزِّئبقيةُ/ لَم تَنتخبي المنفَى / لَكِنَّه انتخبكِ / نُعوشُ الصَّحْراءِ تَسْبحُ في صَوْتِ الذِّئبِ العَاجِزِ جِنسياً / وَجُروحي فَلْسفةُ الأناناسِ/ ظِلالُ الرِّياحِ دِيدانُ مَوْتانا / وَمُسْتَوْدَعَاتُ الميناءِ تمتلئُ بِجثامينِ البَحَّارةِ /
     الأشْرعةُ الممزَّقةُ / والْمَحَارُ البَاكي / وَأَوْرِدةُ اللوزِ المنفيِّ / يُتَوِّجني الدُّودُ مَلِكاً عَلى عِظامِ الصُّبحِ / مَشَيْنا إِلى الهاويةِ ضَاحِكين / نَأْكُلُ جُثثَ آبائنا في مَحَطَّةِ القِطاراتِ / ونَأكلُ الفُستقُ قَبْلَ مُضَاجَعَةِ الزَّوْجاتِ / ظِلالُنا تَسِيرُ مَعَنا وتَسْخرُ مِنَّا /
     تفاحتان مَصْلوبتان تَمْشيان إِلى غُموضِ البَحرِ / أَحصنةٌ مَذْبوحةٌ في حُقولِ الصُّراخِ / وفي جَنوبِ الصَّليلِ / وَرْدةٌ مَشْلولةٌ يُحيطُ بِها كِلابُ حِراسةٍ مُدَرَّبَةٌ / والضَّبابُ الذبيحُ ضَيْفٌ على القَمرِ الأسيرِ /
     في جَسَدِ النَّدى القِرْميديِّ تَنْبعثُ أرصفةُ الدِّماءِ/ صَافحتُ المساءَ الرَّاجعَ مِن تَأبينِ قَوْسِ قُزَحَ / احْتضاراتٌ في شَرايينِ الحضارةِ / شَجَرةٌ بِلا شَجَرةِ نَسَبٍ / وَأجسادٌ بِلا تاريخٍ/ ضِفْدعةٌ تَحْمِلُ عَلى رَأْسِها بُحَيْرةَ الشَّظايا / وَحْدَها اللحومُ البَشَريةُ المهْتَرِئةُ سَتَذْكُرُ قُيُودَنا / فَلا تَبْكِ يَا جِلْدي / سَيَبْكي الغُبارُ على أثاثِ بَيْتنا المهْجورِ / كَما تَبكي الرَّاهباتُ في الأَدْيِرةِ البَعيدةِ /
     شَكْلاً للأحلامِ المصَادَرَةِ كُنتُ / سَيْفي الصَّدى الوَحْشِيُّ / وقلبي الصَّوْتُ الموحِشُ / فَيَا وَطَنَ اللصوصِ / اقْتُلْني وَرْدةً / وَاترك السَّجانين يَرْتاحون في قَارورةِ الحِبْرِ / أنا وَالشَّلالاتُ نَبِيعُ العِلْكَةَ عَلى إِشارات المرورِ في النَّهارِ / وفي الليلِ نَكْتُبُ المنْشُوراتِ السِّريةَ ضِدَّ نَزيفِ القَمرِ / وَنُوَزِّعها عَلى النَّوارسِ / أَصْوَاتُ الموْتى بُوصَلتي في شِتاءَ الجروحِ / صَوْتي مَبْحوحٌ / وَمَا زِلْتُ أَبْحَثُ عَن الصَّدى /
     تَعْشَقُ النِّساءُ اكْتئابي / وَأَعْشَقُ نَباتاتِ مَقْبرتي / حَمَامَةٌ تُغنِّي مَعَ البَحْرِ أُغنيةَ الموْجِ / أجسادٌ تَذوبُ تَحْتَ السِّياطِ / أَطفالٌ يَلْعبون باليورانيومِ المخصَّبِ / أُمهاتٌ يَبْحَثْنَ عَن أسواقِ النِّخاسةِ لِبَيْعِ بناتهنَّ / دَمْعَةٌ خَرْساءُ تَنسابُ شَلالاً يُغْرِقُ النَّهْرَ / شَوَاطِئُ تَدْمَعُ شَوْقاً إِلى بَحَّارةٍ / دَخَلوا في تَاريخِ الماءِ / وخَرجوا مِن تاريخِ الدِّماء / أَنا خَائِفٌ يا أُمِّي / لأنَّ الضَّبابَ يُمَثِّلُ بِجُثَّةِ الفَراشةِ /
     أَيَّتها السَّنابلُ التي يَلْمَعُ لَوْنُها كالألم / اسْكُبي في جُرْحِي أُغنياتِ الأراملِ / تِلْكَ الأزهارُ هَرِمَتْ قَبْلَ عُكَّازِ الحضارةِ/ السِّجنُ دُنيا / وَالدُّنيا سِجْنٌ / فَيَا أَخِي السَّجان / كِلانا غَرِيبٌ في مَدِينةِ الرِّعْشةِ/ والتاريخُ يَضُخُّ دَمَهُ في بَلاطِ الزِّنزانةِ/ تَموتُ النِّساءُ/ وَتَبْقَى أَرْقامُ هَوَاتِفِهِنَّ في دَفْترِ العَوَاصفِ / يَا رِمالَ البَحْرِ الموَزَّعَةَ عَلى اللصوصِ وَالجِرذانِ النَّاضجةِ / بَاعُوا أَوْردتي لِلحَمَامِ / يَا بَحْرُ / خُذْ رَقْمَ هاتفي/ واتَّصِلْ بِي/ لِتَطْمَئِنَّ عَلى خَشَبِ تابوتي / يَبدأُ مَوْسِمُ تَزَاوُجِ الشَّوارعِ في سُعالي / والقِطَطُ تتزاوجُ بَيْنَ أصابعي / والجدرانُ السَّميكةُ تَرْصُدُ أَجفاني / أنا المصْلوبُ / ولا صَليبٌ سِوَى الطُّرقاتِ الحزينةِ / وَلا غاباتٌ سِوَى أشكالِ الأمواتِ /
     أَفْتَتِحُ سُكُوتَ الزِّنزانةِ / لمعانُ أظافري يَنعكسُ عَلى بَراويزِ الرَّاحِلِين / تَغْتَصِبني توابيتُ قَلبي / الذي يُفجِّرني أعشاشاً للطُّيورِ الجارحةِ / اكتشفتُ مَجْزرتي قَبْلَ أن أَكْتَشِفَ أعضائي / وَذَلِكَ وَطَني يَبْحَثُ عَن وَطَني كَي يَقْتلني /
     عِنْدما يَأْتي المساءُ / يُولَدُ الأمواتُ في جِلْدي / تَذُوبُ وُجُوهُ النِّساءِ في أَسْمنتِ الجدرانِ / أنا مَذْعورٌ يَا حَضَارَةَ النُّعوشِ / لأني أَعيشُ في بَيْتٍ بِلا وُجُوهِ نِساء/ انْتَظِرْني أَيُّها الشَّجرُ البَاكي / عِندما تَتعادلُ رَغْوَةُ الدَّمِ مَعَ رَغْوةِ القَهْوةِ /
     مِثْلَمَا تَرْجِعُ البَغايا مِن صَيْدٍ ثَمينٍ / مِثْلَمَا يَذهبُ الملوكُ المهزومون إِلى مُضَاجَعَةِ الجواري / مِثْلَمَا يُنظِّمُ الشَّواذُّ جِنْسياً مُظَاهَرَاتٍ في شَوارعِ الإِبادة/ مِثْلَمَا تَسْتَحِمُّ لاعباتُ التِّنسِ بِدَمِ الحيْضِ / مِثْلَمَا تُولَدُ الأظافرُ المشروخةُ في أدغالِ محاكم التفتيش/ مِثْلَمَا تَسْرِقُ حُكوماتُ الطاعونِ حَوَاسَّ الفُقراء / إِنَّها الحضارةُ العَمياءُ /
     رَسَمُوا الصَّوْلجانَ على أَعْضاءِ اليَمامِ / لَوَّحوا بِأَعْوادِ المشانقِ كأَعْلامِ القَبائلِ / سَرَقوا الحُلْمَ مِن الحالِمِ / حَوَاجبي تَمْتَلِئُ بالألغامِ وَنِقاطِ التَّفْتيشِ/ يَبْزُغُ في صَوْتِ الضَّحايا صَدىً جارحٌ / أَنهارٌ تَجْرِفُ الذِّكرياتِ / وَتَرْمي الجِيَفَ في عُزْلةِ الياقوتِ النَّازِفِ / تَطْبَعُ مَمْلكةُ السَّناجبِ عَاصمتها / على خَشَبِ السُّفنِ الغارقةِ / وَيَصْعَدُ النَّرْجِسُ الوَحيدُ مِن الزِّحامِ / كُحْلُ المها أُنشودةُ القَتْلِ / تُردِّدها حَقائبُ السَّفَرِ / كُلَّما عَصَفَتْ هَوادِجُ الإِماءِ في الصَّحاري / تَكَدَّسَ رَمْلٌ مُبَلَّلٌ بالدِّماءِ على بَوَّاباتِ الموْجِ / مَاذَا سَيَفْعَلُ البَرْقُوقُ لِيَغْسِلَ مَاضِيه ؟ / الجثثُ الطَّافيةُ عَلى مِياهِ الصَّرْفِ الصِّحي / لَيْسَ لِي أَتْباعٌ سِوَى دِماءِ الفُصولِ / لَيْسَ لِي بَيْتٌ سِوَى قَبْري / أَنثرُ كُرياتِ دَمِي لِلحَمَامِ / وَأَبي حِينَ قَتَلوه لَم يَجِدوا في جَيْبِه غَيْرَ الذِّكْرياتِ / أَعشابُ قَبْرِهِ سِرِّيةٌ كأجنحةِ العَصافيرِ /
     عَصَافيرُ الثلجِ تَرْتدي نَظَّاراتٍ طِبِّيةً / لِتَرى مِشْنقتي بِوُضوحٍ / وَطُرُقاتُ بَلْدتي حُلْمٌ يَتبخَّرُ / شَجَرُ المقْبرةِ شَاهِدٌ على رَقصةِ النَّسْرِ الأخيرةِ/ نَمْشي إِلى قُبورِ آبائنا / كَما مَشَى آباؤُنا إِلى قُبورنا / قُتِلَ البَحْرُ رَمْياً بِالرَّصاصِ/ وَأَوْصَت البُحَيْرةُ أَن تُحْرَقَ جُثَّتها بَعْدَ مَوْتها/ كُلُّ أُسْطورةٍ سَتَنْتهي / وَالمسيحُ سَيَكْسِرُ الصَّليبَ /
     كَيْفَ نُطَوِّرُ السُّجونَ لِتُصْبِحَ أكثرَ ضِيقاً ؟! / كَي يَرْتاحَ السُّجناءُ مِن عَمَلِيَّةِ التَّنظيفِ / انتخاباتُ البَجَعِ مَسْرحيةٌ / جَاءَ الحزنُ العُشبيُّ قَبْلَ قُدومِ الرَّبيعِ/ وانتحرَ الموْجُ قَبْلَ أن تَضَعَ السَّلاحفُ بُيُوضَها في رِئَةِ الشُّطْآنِ /

     لا تُرْسِل طَائِرتكَ الوَرَقيةَ في الأُفقِ / إِلا بِتَصْرِيحٍ رَسْمِيٍّ مِن الحكومةِ / أُفَسِّرُ كَلامَ الموْتى للنَّوارِسِ/ دُمْيةٌ مَدْفونةٌ في قِيعانِ الشَّفقِ / وَبَيْنما كانَ العُشَّاقُ يُصَارِعُون الأَرَقَ / كانَ الرَّمْلُ يَسْتَحِمُّ في لَيْمونِ الطُّرقاتِ .

26‏/03‏/2017

سِفر الرؤيا / قصيدة

سِفر الرؤيا / قصيدة

للشاعر / إبراهيم أبو عواد

.................

  أَرَى شَرْكَسِيَّاتٍ يَغْسِلْنَ جُمْجمتي في نَهْرِ الأُردن / نَشيدي لَيْمونةُ الصَّدى / والمدى مِصْباحٌ قَديمٌ كَخَاتَمِ حَارسةِ المقْبرةِ/ قِرْمِيدُ زِنْزانتي أَعْمى يُخَبِّئُ لَحْمَ السَّرابِ في جَسَدِ الأُسطورةِ / يَا أُمِّي/ هَل اكْتَشَفْتِ فِي فِرَاشي رُمْحاً لأجنحةِ السُّنونو ؟ / مَزْهريةٌ تَبُوحُ بِما لَمْ تَبُحْ بِهِ النَّجماتُ المهْجوراتُ / العِيدُ الوطنيُّ لِذَبْحِ الوَطنِ / يَوْمَ ذُبِحْتُ اسْتَفَقْتُ رَأَيْتُ /
     حَضَارةُ الشَّواذِّ مُلْتَصِقَةٌ بِعِلْكةٍ في فَمِ سُلَحْفاةٍ/ أنا العَرِيسُ المفَضَّلُ للمَذْبحةِ / المقتولُ الرَّسْمِيُّ / المذْبُوحُ الشَّعبيُّ / الحزنُ المؤقَّتُ / أُشْعِرُ السَّنابلَ بِأُنوثتها / فَمَنْ يُشْعِرُني بِمَوْعِدِ شَنْقي ؟/ وَالصَّهيلُ يَأْكُلُ فُطوري/ بَيْنهم قِنْديلٌ للعَاصفةِ/ قَوْسُ قُزَحَ يَمَامةٌ مُضَرَّجَةٌ بِدِماءِ الظِّباءِ/ أُدْخِلَ رَمْلُ البَحْرِ مَصَحَّةً عَقْليةً لِعِلاجه مِن الذِّكرياتِ/ عُواءُ الحِيطانِ أَرْشيفٌ لِكُثْبانِ الأشْلاءِ / وَأَدْغالُ الصُّراخِ تَرْمي جَدَائلَ الأراملِ في صَناديقِ الاقتراعِ / يَتبرَّعُ المساءُ بِأَعْضائه / وَالفُقراءُ يَجْمعون بَيْضَ البُحيراتِ / وَدِماؤُهم البنفسجيةُ تُؤنِسُ المستحيلَ / 
     قِطٌّ يُلاحِقُ قِطَّةً مِن غَيْمةٍ إِلى غَيْمةٍ/وَحُقولُ البُكاءِ تُلاحقني مِن خَيْمةٍ إِلى خَيْمةٍ/ فَانتظِرْ بَقايا جَسَدِ الرِّيحِ/ حِينَ يَتعادلُ عَرَقُ الفلاحين مَعَ عَرَقِ الرَّاقصاتِ / يا قَبِيلتي التي جَرَّدَتْني مِن نَعْشِ أَبي وَشَكْلِ البَراري / سَتَجِدين آثارَ دَمْعي في ابتسامِ الشَّفقِ وَشُموخِ الهديلِ /
     الذِّكْرى العَاشرةُ لإِعْدامي / حَمَّلَنِي المذْبَحُ اسْمَه وَغَابَ / إِنَّ العُشْبَ يَموتُ في السَّحابِ/ أَشْرَبُ الشَّايَ قُرْبَ ضَريحِ القَمَرِ / وأَرَى وَجْهَ أُمِّي على سَطْحِ البُحيرةِ / تابوتُ المطرِ يُنادي على رُفاتي / نَادَيْتُ تَناثرتُ / رِجالٌ يَجْدُلُونَ شَعْرَ زَوْجاتهم أَمَامَ مَرَايا ذَبْحي / لا تُنَصِّبْني مَلِكاً عَلى هَذهِ الرِّمال/ لا تَتْرُكوا النِّساءَ يُشَارِكْنَ في رِثائي وَهُنَّ في قُمْصانِ النَّوْمِ / مُرَاهِقةٌ تَفتخرُ بِحَجْمِ نَهْدَيْهَا في خِيَامِ المجزرةِ / وَتَتبادلُ أَحاديثَ الغَرامِ مَعَ صَدِيقها فِي جِنازتي الموْسميةِ / تَشُمُّ الوُرودُ عَرَقَ الخيولِ الرَّاجعةِ مِن مَعْركةِ السَّرابِ / يا خِيَاماً تَمْتَصُّ طُفولتي وَتَتَبَرَّأُ مِنِّي / أنا وَتِلالُ قَرْيتي قُتِلْنا بِنَفْسِ المسدَّسِ لأنَّنا فَرَاشتان / وَكانَ البَطُّ يُسافرُ مِن خَيْمتي إِلى شَراييني / والنَّعْناعُ يَنْبُتُ عَلى جُثثِ الصَّبايا /
     لَمْ يَتَوَقَّع الرَّعْدُ أن تَمْتَدَّ أكفاني مِن أهدابي إِلى ضَفائرِ الفَراشةِ/ دَمِي الْمُعَلَّبُ/  أنا الشَّاطِئُ الْمُعْتَقَلُ فِي كُلِّ الكَوَاكبِ / المطرودُ مِن كُلِّ الوُجوهِ / والأعْرابُ يُخَيِّمُون قُرْبَ دُموعِ النيازكِ / يَبِيعُون نِساءَهم لِرِجالِ الأعمالِ / اسْمِي مُعَمَّمٌ على حُدودِ المرِّيخِ / بَناتُ الفِرِنْجةِ يُفَتِّشْنَ عَن أَغْشيةِ البَكارةِ / عَلى أغْصانِ شَجرةٍ هَاربةٍ مِن الخِدْمةِ العسكرية في الجيْشِ المكْسورِ / والشُّموعُ تَسْحَقُ الرَّاهباتِ في مَكْتبةِ الكنيسةِ / تَأْخذُ الهِضابُ إِجازةَ أُمومةٍ/ وَأَهْلي وَاقِفون أَمامَ الحاجِزِ الأمنيِّ / يَنْتظرون استلامَ جُثماني / صَادَرُوا عِظامي اللامعةَ / أَخَذوا ذِكْرياتي الممنوعةَ / والصُّراخُ يَحْتفلُ بِعِيدِ اسْتقلاله عَن نُخاعي الشَّوْكِيِّ / 
     يا عَرَقَ القناديلِ / كُنْ دَمِي يَوْمَ تَمْشي الرِّمالُ المشْلولةُ في غُرْبتي/ لا دَمٌ مُحَايِدٌ في سُهولِ الرِّعشة / ولا ضَفائرُ بَناتٍ عَلى الصَّليبِ/ أَلَمي ثَوْرتي القادمةُ / والسَّرابُ مُؤرِّخٌ مُتَخَصِّصٌ في الأحداثِ الدَّاميةِ في جَسَدِ البُرتقالِ / ولم يَفْقِدْ ضَبابُ بُرْجِ المراقَبةِ الأملَ بَعْدَ إِصابته بالزَّهايمرِ /
     يَا كُلَّ الثُّوارِ الرَّاجعين مِن الملاجِئِ / وَاليَانسونِ المصْلوبِ على أبراجِ المراقَبةِ في مُعْتَقَلات التُّفاحِ / والأسلاكِ الشَّائكةِ في الأَعْيُنِ المخْلُوعةِ مِن الوُجوهِ المنْفِيَّةِ / هَذا نَعْشي اسْكُنوا فِيه / هَذا جَسدي ازْرَعُوه ألغاماً وقَمْحاً/ هَذه أبجديةُ جَبِيني احْصُدُوها/ وَخَزِّنوها في أَيَادِيكم المثْقُوبةِ /
     لا أَبْناءَ لِي أُورِّثهم عُقَدي النَّفْسِيَّةَ/ العَدُوُّ السَّاكنُ في دَمِي/ قَد يَزُورُ الليلَ شَمْعُ المذْبُوحين/ يَكْسِرُ المطرُ ظِلَّه / وَيَتزوَّجُ أظافري فَتَنْخَلِعُ الأشرعةُ/ فلا تَسْمَحْ لِلْمَوْتى السَّائرين في الشَّارع أَن يُولَدوا في دُوارِ البَحْرِ /
     خَيالُكَ الرَّماديُّ عَادَ مَهْزوماً / تَوَضَّأْ بماءِ المطرِ / وَاغْسِلْ نَزيفَ الغُيوم / امْسَحْ عَن الرَّمْلِ عَرَقَ المسافاتِ / قَبْلَ أَن يَمْسَحَكَ / سَوْفَ تَرُشُّ النِّساءُ العِطْرَ عَلى أحزانهنَّ / كَمَا يَرُشُّ قَوْسُ قُزَحَ المبيداتِ الْحَشَرِيَّةَ / عَلى مَحاصيلِ الذاكرةِ / وَتنمو عَلى سُطوحِ التَّوابيتِ أَزْهارٌ صِناعيةٌ /
     البَحْرُ الملثَّمُ / الزَّمْهريرُ المائلُ لِلبَياضِ / تتراكمُ الأشلاءُ كَالفِطْرِ السَّام / أَيْنَ أنا في جَزيرةِ الغَرْقَى ؟/ أَيْنَ خُطواتُ دَمْعي عَلى الثلوجِ البَعيدةِ ؟/ مَوْتٌ يُوقِفُ احْتراقَ ضُلوعي/ أتخيَّلُ الضَّفادعَ تَهْرَمُ في مَزارعنا عِندَ مَواعيد الحصادِ/ أَرَاملُ إشبيليةَ يَكْتَشِفْنَ في خِزَاناتِ المطبخ تَوابيتَ أبنائهنَّ / وَخِياناتٍ زَوْجِيَّةً في عُلَبِ البِيرةِ / ضِحْكةُ فرانكو تُعكِّر مَاءَ البِئرِ/ وَالأرضُ تَرْكضُ في نهاياتِ الصَّهيلِ/ حَتَّى القِطَطُ لَم تَسْلَمْ مِن رَصاصِ القَنَّاصِ/
     حَطَباً في زَفيرِ الحضارةِ / كَانَت قَوارِبُ الغُزاةِ / تَارِكاً دَمِي وَراءَ ظَهْري / شَبَحي أَمَامي وَخَلْفي/ أَصْعَدُ مِن فُوَّهةِ المكانِ / وأَخترقُ صَمْتَ وِسادتي / أَلَمٌ بَسيطٌ في ضِرْسِ الشَّلالِ / يَتَصَدَّعُ قَلْبي الذي تتجمَّع فِيه مِياهُ السُّيول / أنا الوَليمةُ الجاهزةُ لِلدُّودِ في حُفْرتي / أَتعرفينَ جُلُودَ الغُرباءِ الذين لا يَزُورُهم أَحَدٌ في العِيدِ ؟ / بَاحَ الإِسْطَبْلُ بِأسرار القَمرِ لِلنُّسورِ / اكتئابُ الفَراشاتِ إِذا وَجَدَتْ رِيشَها فَريسةً / يَعْبُرُ الزَّمانُ خنادقَ السَّحابِ / وَعِندما يَموتُ المساءُ / سَيَجِدُ ذِكْرياتٍ تَحْمِلُ نَعْشَه وَتَمْضي/ يَجْمَعُ الفَيَضانُ الْمُعْجَبَاتِ كَطَوابعِ البَريدِ / أَغارُ عَلى جُرْحي مِن مُرَاهِقِين / يَرْقُبون تَمَوُّجاتِ حَبْلِ مِشْنقتي / أَغَارُ عَلى طَيْفي مِن مُرَاهِقاتٍ / يَنْتَظِرْنَ صُدورَ حُكْمِ إِعْدامي بِفَارغِ الصَّبْرِ / (( يُؤْسِفُنا أننا لا نَسْتَطِيعُ إِعْدامَكَ أَكْثَرَ مِن مَرَّةٍ )) / قَالتْ لِي الأطلالُ المائيةُ /
     حَضاراتٌ تَتَجَمَّدُ في جُلُودِ القِطَطِ السِّيامية / وَتَاريخُ البَحَّارةِ الغَرْقَى سَقَطَ في رِيشِ الحمَامِ الزَّاجلِ / اضْطِهَادُ الْحُلْمِ / وُعُورةُ شَرايينِ الإِعْصارِ / أيتها الهِضابُ المتكدِّسةُ في الأَوْعيةِ الدَّمويةِ/ اعْبُري رُمْحِيَ الأوَّلَ/ اشْرَبي جُثتي الثانيةَ/ وَطَنٌ أَحْمَرُ كالشَّاي الأخضرِ/ يَغْرَقُ في دِمَاءِ الفُقراءِ/ نباتاتٌ تَمْسَحُ أَحْذيةَ القِطَطِ العَمْياءِ /
     لَمْ أَقْتَطِعْ مِن لَحْمِ جَدَّتي حَقائبَ لِلْمَلِكاتِ / وَلَم أَنْسِجْ مِن فَرْوِ الثَّعالبِ مَلابِسَ دَاخليةً لِبَناتِ الإِقْطاعيين / هِيَ الدَّوْلةُ البُوليسيةُ ضَياعُ أَوْقاتِ بَناتٍ / يَبْحَثْنَ عَن الجِنْسِ في قِشْرِ البُرْتقالِ / البُوليسُ السِّياسيُّ يَلُمُّ أوراقَ الخريفِ / وَيَسْتُرُ بِها ضَريحي لِكَيْلا تَرَاه دِماءُ المساءِ / يَدُقُّ الضَّبابُ على أَبْوابِ جُرْحي / فَيَخْرُجُ سِجْني مِن جِلْدي / يُصَافِحُني / وَنتذكَّرُ حِكاياتِ جَدَّاتنا / وَنَذْهَبُ إِلى مَصابيحِ الموْتى / تَحْتَ كَسْتناءِ الشَّفقِ /   
     المجدُ لِخَالِقِ هذا المدى/ اقتربَ الرَّحيلُ إِلى لَهَبِ الشَّمْعةِ/ تتبخترُ السُّيوفُ في مَفَاصِلِ الزَّوْبعةِ / لأنِّي نَسْرٌ أَخيطُ أَجْنحتي مِن فَراشاتِ الرَّفْضِ/ أَغْسِلُ سَيْفي بِأَحْصنةِ الرُّوم/ وَأَرْمي أَظافري المشْتعلةَ عَلى حُصونِ بِيزنطة / أنا وَشُموسُ المطرِ وَأعشابُ النارِ / رَفَضْنا التَّوْقيعَ عَلى أَوْراق بَيْعِ فِلِسْطين /
     الشُّموسُ الفِضِّيةُ تَعْتَنِقُ الكِفاحَ المسلَّحَ / في قَلْبِ الرِّعشةِ عَوَاصمُ الانطفاءِ / وَعَلى أَجْنحةِ السُّنونو جُيوشُ الفَراغِ / الكِلابُ البُوليسيةُ تَسْقُطُ في آبارِ الضَّجر / وَتُدخِّنُ الوطنَ الجالسَ عَلى مَقَاعدِ المقْهَى / نَزيفي الفِعْلُ لا رَدَّةُ الفِعْلِ / تَمْتَصُّ أَعْضائي الأَذانَ / اكْسِرُوا الاكتئابَ عَلى التِّيجانِ / اطْرُدوا رِعْشةَ السُّعالِ مِن السَّنابل / اشْطُبوا الظِّلالَ النَّازفةَ مِن أَرْضنا النازفةِ / أَيْنَ الأحصنةُ التي تَجُرُّ النُّعوشَ قُرْبَ أَشْجارِ الليمونِ المحترقةِ ؟ / تَنتحرُ الأمواجُ في مَوْقَدةِ كُوخي المحاصَرِ بالدِّببةِ القُطْبِيَّةِ / لا لَحْمي شَهْرُ عَسَلٍ لليَمامِ / ولا عُروقي ثلاجةٌ لِلْمَوْتى والبُوظَةِ /

     ماذا استفادتْ فِئرانُ التَّجاربِ مِنَ الذِّكرياتِ ؟ / ماذا استفادت الزَّوجاتُ الخائناتُ مِنَ الضَّحِكِ ؟ / الْمُهَرِّجُ يَبكي في شَوارعِ الصَّقيعِ / والسِّيركُ مُغْلَقٌ بالشَّمْعِ الأحمرِ / ماذا استفادَ العُشَّاقُ مِنَ العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ ؟ .

25‏/03‏/2017

كشمير تلبسني / قصيدة

كشمير تلبسني / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

  رَائحةُ المطرِ تَغْلي في عِظامي / يا نَشيداً أَقْوى مِن ضَوْءِ الرَّحيلِ / وَأَجْمَلَ مِن رَقصةِ الخريفِ على جَبينِ الرُّمْحِ/ كَشْميرُ يَاقوتةٌ في كَفِّ النَّهْرِ/ وِشاحُكِ يُغْرِقُني في إِيقاعات السِّكين / يَا لَكِ مِن زُمُرُّدةٍ حَمْراءَ أبراجاً ! / قُتِلْتِ ألفَ مَرَّةٍ وَمَا زِلْتِ تَمْشين / جَدِّفي في شَهيقي حتى فِلِسْطين / لأني سَأُغنِّيكِ فَجْراً للعَواصفِ / وَأَنتِ سُلالةُ أقمارٍ / حُذِفَ الاغتصابُ مِن قَاموسها / تَوَضَّئي بِمَاءِ عُيوني المقْذُوفَتَيْن في غَاباتكِ / قَالَت: (( دَعْنا نَتَيَمَّمْ وَنُصَلِّ رَكْعَتَيْن )) / وَرَكِبْنا أشرعةَ الضَّبابِ / كَانَت جَدائلُكِ تَرتفعُ عَلى الحواجزِ الأمنيةِ عِنْدَ نَخيلِ الغروبِ / أتخيَّلُ جِلْدي كَشْميرَ / وَكَشْميرُ هِيَ أنا في رِعْشةِ الجهاتِ /

     يَوْمَ أضاءَ حِجَابُكِ في دُنيا القَمرِ/ كَانَ الناسُ سَلَّمُوا مَفَاتيحَ عُيونهم للنُّعاس / لَكِنِّي انتظرْتُكِ لآخُذَ عِن خُدودكِ أنهارَ السَّفَر/ رَكَضْنا في حَدائقِ المِشْنقةِ / لأنَّ التَّعبَ زَرَعَ رُموشَنا عَلى سُطوحِ القِطاراتِ / أَنْفُكِ يُشْبِهُ أَنْفِي / لَمْ يَبْقَ إِلا وَجْهان طَرِيَّان / بَنى الصَّخَبُ بَيْنهما سُوراً مِن الفَراشاتِ الرَّافضةِ / زِئْبقٌ في عُيونِ المنْفَى / وَأَنتِ وَجْهي حِينَ يَنصهرُ المساءُ / في حماقاتِ الهديلِ أيَّامَ شَبابه / دَفاترُ اليَتيماتِ مِن صُوفِ النِّعاجِ / والشُّوكولاتةُ تَنصهرُ عَلى زُجاجاتِ العِطْرِ / هِيَ صَباحٌ كَشميرُ أو دَمُ المجرَّة / أُحِبُّ الشِّعْرَ لأَكْرَهَ السَّلاطين / وأتوقَّعَ خِياناتِ الشَّاطئِ الهارِبِ / أُسَمِّي عَظماتي بَأسماءِ تِلالكِ / وَأَنظرُ في مَرايا عَيْنَيْكِ كَي أُصَفِّفَ شَعْري / وأُرتِّبَ ثِيابَ القِتالِ المغسولةَ / وأُجَهِّزَ التَّوابلَ للقَتلى القَادمين مِن الشَّفقِ/ ذَاكِرتي حَجَرٌ أَنقى مِن الأحجارِ الكَريمةِ/ فَاذْكُرِيني طِفْلاً بَاكياً بَينَ رُومانسيةِ الغُموضِ وَغُموضِ الجثثِ الضَّوْئيةِ / أَنتِ عُشِّي/ وَأنا الصَّقْرُ الذي يَنْهَشُني عِشْقُكِ / كُنتُ مُتعَباً مِن الإِبحارِ في ضَفائرِكِ / فَحَمَلْتُ جُثَّتي عَلى ظَهْري المشقَّقِ / وَتَنَقَّلْتُ في حِنَّاءِ كَفَّيْكِ الناعمتَيْن / شَرِيدٌ لَحْنُ وَريدِكِ / وأنا شَرِيدٌ / كَأَنَّ الرُّفاتَ على شَفِتي بُركانٌ وَحِيد / 

     مُشْتاقاً إِلى نَسيمِ نَبَضاتكِ الممْلوكةِ/ حَاصِريني بالقُبُلاتِ العَابرةِ / تلتصقُ يَدَانا / وَيَنْسابُ رَمْلُ البحرِ بَيْنهما / وَبِرَكُ السِّباحةِ في دِمَاءِ الشُّهداءِ / سَرَقَت حِصَّتنا مِن حُزْنِ الأنهارِ / عِشْتُ مَوْتي في الشَّرايينِ اليابسةِ  / كَمَوْجَةٍ تَبْحثُ عَن جُثةٍ تتناولُ العَشاءَ في عُرْسِها/ هَشَّمَ رَبيعُ الأشلاءِ بَراويزَ لقائنا/ فَصِرْتُ بَعْدَكِ بِرْوازاً لِتِذْكاراتِ السُّنونو/ هَل رَأيتِ أجفاني خارجةً مِن إِشبيلية في السَّحَر ؟/ جُثةُ فَتاةٍ في بِئْرِ التاريخِ / مَثَّلَ بها المساءُ الضَّيقُ / أَحزانُ الطريقِ مَخَدَّةٌ للعَرائسِ في الكنيسةِ / الدَّمْعاتُ شَجَرتي اليتيمةُ/ وجُروحي أحصنةُ المنبوذين / وَضَرَبَ الصَّمْتَ البنفسجيَّ الحقولُ المنْكَسِرةُ / فَلْتَكُن ثِيابُ الحِدَاد جَاهِزةً عَلى حَبْلِ الغَسيلِ / حُموضةُ الذِّكرياتِ على فَأْسِ الوَداعِ / أَسْتَلُّ مِن لَحْمِ القَمرِ قِطْعةً / وَيُشْرِقُ الحطبُ في جَبينِ يَمامةٍ / وَيَأْسِرُني شَوْقٌ إِلى شَيْءٍ غَامِضٍ/ الأمسُ المسْتَقْبَلِيُّ/ وَالرِّيحُ الجريحةُ تَصْرَعُ اسْمَها/ كَيْفَ مَشَتْ حِيطانُ السِّجْنِ إِلى مَناديلِ الصَّبايا؟/ 
     أُنادي عَلى الشَّوارعِ القَتيلةِ / فارغةٌ أَنتِ إِلا مِن الضَّحايا والعَصافيرِ / وَغَابَت الحقولُ عَن مُؤتمرِ الصُّلْحِ بَيْنَ السَّرابِ والضَّبابِ / أَدُورُ عَلى أَبوابِ الأراملِ المذْبوحاتِ / تَصْعَقُ جِسْمي قَناديلُ الصَّحراءِ / والشَّفقُ يُنْزِلُ دَلْواً ممتلئاً بِسُعالي إِلى قَاعِ أحزاني / وَالنَّارُ لا تَعْلَمُ أَنَّ جَنينَ الرَّمادِ سَيَقْتُلها /
     لِي سِيرةٌ ذَاتيةٌ خَاليةٌ مِن أَوْسمةِ الحطبِ / لِي مِلَفٌّ في دَوائرِ الأَمْنِ السَّاكنةِ في أعصابِ الحشراتِ / يُرتِّبُ أوراقَه شَوْكُ الطريقِ / لِي أصدقاء أَمْعاؤهم على قَائمةِ الاغتيالاتِ / وَوُجُوهُهم تُطاردها مَرايا النِّسيان / لِي بَلابلُ كَسَرَتْ بَابَ القَفصِ / وَخَرَجَتْ إِلى البَارودِ الصَّافي / لِي كَبِدٌ تَثْقُبُ الصَّوْلجانَ / لِي قَارورةُ عِطْرٍ تَرى فِيها الرِّماحُ وَصَاياها / وَللسُّنونو ثُكناتٌ عَسْكريةٌ مِن رُخامِ المرافئِ الغارقةِ /
     فِي آخِرِ صَرخاتِ النَّدى غَاباتٌ مِن أحلامٍ / مَطارٌ عَسْكريٌّ للحَمَامِ / دِيكُ جَارتنا الوحيدُ هُوَ ذَاكِرةُ الخناجرِ / اذْهبي أَطْرافي حَتَّى آخِرِ جِراحِ النَّخيلِ/ لا أَنيني قِيثارةٌ / ولا أَسْنانُ التِّمْساحِ استراحةٌ لِلبَلابلِ الْمُتْعَبَةِ/
     سأُقاتِلُ حَتَّى آخِرِ غَيْمةٍ مِن دَمِي/ حَتَّى آخِرِ شَجَرةٍ مِن دُموعي/ حَتَّى آخِرِ شَاطِئٍ مِن لَحْمي / حَتَّى آخِرِ زِلْزَالٍ مِن كَبِدي/ حَتَّى آخِرِ فَراشةٍ مِن جُمْجمتي / حَتَّى آخِرِ قَطْرَةٍ مِن قَلْبي / حَتَّى آخِرِ بُرْكانٍ مِن عِظامي / حَتَّى آخِرِ شُبَّاكٍ مِن أظافري / حَتَّى آخِرِ نَبْعٍ مِن مَعِدتي / حَتَّى آخِرِ شِرْيانٍ مِن بُندقيتي / حَتَّى آخِرِ بِرْميلٍ مِن عَرَقي / حَتَّى آخِرِ بَرِّيةٍ مِن جِلْدي / حَتَّى آخِرِ شَلالٍ مِن غَضَبي / حَتَّى آخِرِ رَصَاصةٍ مِن شَفَتي / حَتَّى آخِرِ إِعْصارٍ مِن سِجْني/ حَتَّى آخِرِ حَجَرٍ مِن أَنفاسي/ حَتَّى آخِرِ غَابةٍ مِن طُحالي / حَتَّى آخِرِ نَبْضَةٍ مِن خُطواتي / حَتَّى آخِرِ جُرْحٍ مِن عُمري / حَتَّى آخِرِ عُصفورٍ مِن عَضَلاتي / حَتَّى آخِرِ نَبْتةٍ مِن زَمَني/ حَتَّى آخِرِ خَيْطٍ مِن جُرْحي / حَتَّى آخِرِ بُسْتانٍ مِن قَفَصي الصَّدْرِيِّ / حَتَّى آخِرِ رُمْحٍ مِن سُعالي / حَتَّى آخِرِ مَدِينةٍ مِن عَمُودي الفِقرِيِّ / حَتَّى آخِرِ لَوْنٍ مِن أمعائي / حَتَّى آخِرِ حَقْلٍ مِن خَيْمتي .

23‏/03‏/2017

إريك كارلفلت وعقدة الأب

إريك كارلفلت وعقدة الأب 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 23/3/2017

.....................

     وُلد الشاعر السويدي إريك أكسل كارلفلت ( 1864_ 1931) في مدينة فولشرنا بوسط السويد . تَمَّ انتخابه عُضواً في الأكاديمية السويدية عام 1904 . وفي عام 1912 انْتُخِبَ أميناً دائماً للأكاديمية ، وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته . رفض جائزة نوبل للآداب عام 1919 ، ولكنها مُنِحَت له عام 1931 بعد وفاته .
     كانت عائلته تعمل في مجال الزراعة . وقد تورَّط والدُه في فضيحة مالية تشتمل على جرائم اقتصادية وتَزوير ، فَحُكِمَ عَلَيه بالسجن لمدة طويلة . وهذه القضيةُ الجنائيةُ لَوَّثتْ سُمعةَ العائلة ، وكانت سبباً في تغيير اسم الشاعر الذي كان عند ولادته " إريك أكسل أريكسون " . لقد أرادَ الابتعاد عن ماضي والده الملوَّث ، والنَّأي بِنَفْسِه عن أعماله الإجرامية ، وغسل اسمه من الخزي والعار. لقد كان والدُه عُقدةً في حياته الشخصية ، ووَصمة عار في تاريخه ، فأرادَ أن يُطهِّر حياته الشخصية مِن عُقدة أبيه ، ويَغسل تاريخه من العار . وكان الحل الأمثل بالنِّسبة إلَيه تغيير اسم عائلته ، وإقامة قطيعة مع الماضي الملوَّث ، وبَدْء صفحة جديدة .
     درس الأدبَ السويدي واللغات الإسكندنافية والإنجليزية في جامعة أوبسالا ، وهي جامعة سويدية ، تُعتبَر أقدم جامعة إسكندنافية . وقد تخرَّج منها في عام 1898 . واضطرَّ في أثناء فترة دراسته أن يعمل بالتدريس في عدة مواقع، من أجل تأمين تكاليف دراسته . وبعد تخرُّجه، حصل على وظيفة في المكتبة الملكية السويدية في ستوكهولم .
     يتميَّز شِعْرُه بالأبعاد الرمزية والفضاءاتِ الغنائية . وقد حَوَّلَ الأغاني الشعبية إلى قصائد رمزية حيَّة عابقة بالتحولاتِ اللغويةِ والطقوسِ المعرفيةِ والإشاراتِ الغامضةِ .
     في عام 1895 نَشرت مجموعته الشِّعرية الأُولَى" الطبيعة والحب " لكنها لَم تَجْلِبْ له الشُّهرة كما كان يَأمَل . وفي عام 1898 كَتَبَ مجموعته الشعرية الثانية " أغاني فريدولين " . ومن الواضح أنَّ مُستواه الشِّعري أخذَ يَتطوَّر شَيئاً فَشَيئاً . وفي عام 1906 أصدرَ مجموعةً مُتميِّزةً مِنَ القصائد بعنوان " فلورا وبومونا " .
     اعتمد كارلفلت على وصف المشاعر الجيَّاشة ، وتصويرِ الواقعية بأسلوب رمزي مُفعَم بالأحاسيس والذكريات . ومَعَ هذا ، فلم يَنْجُ مِنَ الانتقادات بسبب غرق قصائده في الخيالات الرمزية ، وعدم مُبالاتها بالأحداث السياسية والقضايا المصيرية التي تمسُّ حياةَ الإنسان بشكل مباشر . وقد تأثَّر الشاعرُ بعوالم الزراعة والفلاحين التي عايشها في طُفولته ، خصوصاً أنه نشأ في عائلة زراعية.وكانت مفرداته ولغته التصويرية مُسْتَمَدَّةً مِنَ العالَم الافتراضي المسيطِر على ذاكرته.
     يُعتبَر كارلفلت _ بالدرجة الأُولَى _ شاعراً غنائياً ، وقد استلهمَ الملحِّنون العديدَ من الأغاني الشعبية من قصائده الشِّعرية . وقد تَحَرَّرَ مِن نَبرة الوعظ والإرشاد التي سَيْطَرَتْ على شِعْره .

     حصل في على التكريم في حياته وبعد مَوته . ففي عام 1917 مَنحته جامعة أوبسالا الدكتوراة الفخرية . وفي عام 1919 مُنح جائزة نوبل للآداب لاعتباره واحداً من أكبر شُعراء أوروبا ، لكنه رَفضها لسببٍ أخلاقي يَتعلق بِنَزاهة لجنة التَّحكيم ، إِذ إِنه كان أمين الأكاديمية السويدية ( رئيسها) وهي الجهة التي تَمنح جائزة نوبل للآداب ، فَخَشِيَ أن يُقال إِنَّه قَد مَنح الجائزةَ لِنَفْسِه . لذلك رفض استلام الجائزة في حياته لهذا السبب ، فَأُسْنِدَت الجائزة إلَيه بعد وفاته . وهذا دليلٌ واضح على نزاهته ، وحِرْصه على سُمعته ومكانةِ الأكاديمية السويدية . فقد رَفض المجدَ الشخصي ، خَوفاً مِنَ اتِّهامه بخداع الرَّأي العام ، واستغلالِ السُّلطةِ والنفوذ .

22‏/03‏/2017

منفى على شكل عشبة / قصيدة

منفى على شكل عشبة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     سَتُطَهِّرُ البُروقُ سُعالي مِن احتلالِ الأسْفَلْت/ سَيَغْسِلُ المساءُ دَمْعاتي بماءِ الوَرْدِ / والعوانسُ يَخْرُجْنَ مِن البارِ سُيُولاً وأرصفةً / تَقْتربُ شَهْوةُ الزُّمردِ مِن الجثامينِ الملْغومةِ / تُصبِح أقبيةُ الحربِ مَسْرحاً للعرائسِ / وتَسْقطُ الجيوشُ المهزومةُ في فُوَّهةِ العِشْقِ القاتلِ / والصَّبايا يَمْنَحْنَ مَواعيدَ انتحارهنَّ للعساكرِ / على جُسورِ الحضاراتِ المنقرضةِ /
     في بَنكرياسِ الغابةِ طُرودٌ بريديةٌ مُلغَّمةٌ / والبلوطُ يُلحِّنُ أناشيدَ البراكينِ / كأني تاجرُ أسلحةٍ / أُدَمِّرُ نَفْسي بِنَفْسي / الذِّكرياتُ قَنابلُ مَوْقوتةٌ / والأحزانُ رَصَاصٌ حَيٌّ في وَطَنٍ مَيْتٍ / رِحْلةُ الأعرابِ مِن رَعْي الغَنمِ إلى بَيْعِ فِلِسْطين / أنا وَسُورُ عَكَّا نَشْربُ الشاي مَعَ صَوْتِ الرَّصاصِ / ذَابتْ جُلودُ الإِماءِ تَحْتَ شُموسِ البُكاءِ / انطفأت العُيونُ الزَرْقاءُ في الدِّماءِ الزرقاءِ / هَتَفَ الصَّمْتُ اللامعُ / والسلاطينُ يَغْتسلون في بَراميلِ النِّفْطِ الأبيضِ / نَمْشي في سَيْبيريا لكي نَمْشِيَ في غَرْناطة / قَطَعْنا رَقَبَةَ الصَّهيلِ بِسَيْفِ الظِّلالِ / والنِّيرانُ تَشْتهي حَفْلةَ إعدامٍ مِن قَصَبٍ/ والسُّحُبُ الحمراءُ تَرْفعُ الخناجرَ في وَجْهي/
     مَتى سَتَلْمعُ يَا حَبْلَ المِشْنقةِ ؟ / مَزْهريةٌ ذَابِلةٌ / وَقُبْلةُ الفَراغِ على خُدودِ الفَجْرِ المنْسِيِّ / يَدْخلُ الهديلُ في الكُوليرا / يا ضَائعُ / مَعْذِرَةً / مَا وَجَدْتُ لَكَ وَظيفةً تَلِيقُ باكتئابِكَ / الفَراشةُ عَاطِلةٌ عن العَملِ / والجنودُ يَعِيشون على كَرَاسِي المقْهى / حَبيبتي تِلْكَ الخوْخَةُ المصلوبةُ / نَسِيَتْ مِشْطَها في زَحْمةِ التِّلالِ / قَارُورةُ الحِبْرِ كُوخٌ للبُحيراتِ المشرَّدةِ / والقناديلُ الجريحةُ تَسْقطُ في رَقْصةِ الطِّين / وأَشِعَّةُ القَمَرِ تَدْفنُ أظافرَ الموْتى / ولم أَعْرِفْ أن تَارِيخَ جُفوني رَشْفةٌ مِن قَهْوةِ الرِّماحِ /
     كُلَّ يَوْمٍ أَموتُ / والمِئْذنةُ تُحييني / إِنْ شَنَقَتْني الثلوجُ / فَاحْمِلي حَفيدةَ الشَّفقِ قصائدي إلى مَسْقطِ رَأْسِ الشَّمْسِ/ ضَحِكاتي أَقْصَرُ مِن الأسلاكِ الشَّائكةِ في سُعالي/
     أَيُّها الأعمى الذي يَرْكضُ وَراءَ صَوْتِ أُمِّهِ في الضَّبابِ / تَتَشَمَّسُ الذِّئابُ عَلى حَافَّةِ الخَنْجرِ/ وَتَتوهَّجُ أجنحةُ الذُّبابِ عَلى ثِيابِ أرملةٍ غَامضةٍ كَأحزانِ الشِّتاءِ/ نَزيفٌ مَجْهولٌ كَجُنْديٍّ مَجْهولٍ/ والجيوشُ تُقاتِلُ في غُرَفِ النَّوْمِ / والثُّكناتُ مَهْجورةٌ كَصُداعِ التُّرابِ/ نُلَوِّنُ قَطَراتِ الماءِ بِلَوْنِ الرِّيحِ / ونَموتُ عَطَشاً كَقُضْبانِ الزِّنزانةِ / وفي الربيعِ الصَّاعقِ يُبَدِّلُ أَلَمِي مَلابِسَه العَسْكريةَ / مِثْلَما يَرْتدي الشَّجرُ ثِيَابَه المدنيةَ / بِلادٌ حَوَّلت بَناتِها إلى بَغايا / لِزِيادةِ الدَّخْلِ القَوْمِيِّ / وَدَفْعِ رَواتبِ الموظَّفين/ تَناولَ المساءُ جُرْعةً زَائدةً مِن الرُّومانسيةِ/ وَمَاتَ غَرِيباً كأنقاضِ القُلوبِ/ فَمَا فَائدةُ نَارِ العِشْقِ ؟/ أَجْلِسُ عَلى الرَّصيفِ / أَتَأَمَّلُ فِي جُثَّةِ أَبِي / الحضارةُ إِشارةُ مُرورٍ حَمْراءُ كَسَرَها الفَيَضانُ الأخضرُ / والتاريخُ مَشْنوقٌ في ممالكِ الحُزْنِ /
     يا قَوْسَ قُزَح / إِنْ كُنتَ مُحْرَجاً مِن مُواجَهتي بِحُكْمِ شَنْقي / فَابْعَثْهُ عَبْرَ بَريدي الإلكترونيِّ / مَغْصٌ مُتَقَطِّعٌ في بَطْنِ حَائطِ السِّجْنِ / وَتَسِيلُ أَمْجادُ الغُبارِ في الثلوجِ الدَّاميةِ / والأمطارُ على سَريرِ الاحتضارِ / والحُمَّى تأكلُ أغصانَ الجثثِ /
     الرِّياحُ تُعانِي مِن الإِسهالِ/ وآثارُ الرَّصاصِ فِي عُنُقِ الضَّوْءِ / كَحَبَّاتِ زَيْتون على قِطْعةِ بِيتزا / تتناولها مُرَاهِقَةٌ قُرْبَ حَوْضِ السِّباحةِ / لُحُومُ التِّلْميذاتِ الطَّريةُ تُمْسي بَلاطاً للمسابحِ المخْتَلَطةِ/ والمغولُ يَقْتلونني بِسُرْعةٍ كَي يُكْمِلوا تمرينَ اليُوغا /
     مَارَّاً بأطلالِ الضَّحِكاتِ / أَحْمِلُ فِي حَقِيبتي جَدائلَ المدنِ القتيلةِ / وأَزْرَعُ ابتساماتي في سَنابلِ الدُّخانِ / وفي آباري مَأْتمُ القبائلِ / أنا والغُروبُ نُخَزِّنُ الفَراغَ في الفَراغِ / نَاديتُ عَلى العَدَمِ / يا عَدَمُ / شَعْبي قَطِيعُ مَصَابِيح في العَدَمِ / والسُّيوفُ الْمُغْمَدَةُ قُماشٌ جَديدٌ للأعْلامِ الْمُنَكَّسةِ / أُغنياتٌ تَشْربُ النِّسكافيه في سُعالي / وَالقتيلاتُ يَضَعْنَ فَضَلاتِ الطعامِ على صَفْحةِ الوَفَيَاتِ / وَداعٌ للطِّفلةِ السَّائرةِ في صُداعي / أنا وَبائعُ الذُّرَةِ المشْوِيَّةِ بَقِينا وَحْدَنا في الشَّوارعِ الموْبوءةِ آخِرَ الليل / والرِّيحُ تتجوَّلُ في خَوْفنا / أَنْزعُ مِن مَساميرِ نَعْشي ارتباكَ اليمامِ / تَرْتدي الشَّلالاتُ ثِيابَ الحِدَادِ / والتُّوتُ يَنمو على نَعْشِ الزَّوابعِ / 
     عِندما تموتُ عَاهِرةٌ / تمشي في جِنازتها قَبائلُ الأعرابِ / وَإذا مَاتَ شَاعِرٌ فلا يَسِيرُ وَرَاءَه إلا المخْبِرُون / لكي يَطْمَئِنُّوا على رَحيله / سَأَخْرجُ مِن جِراح الموْجِ ذَاتَ مَساء / وَسَوْفَ أَكُونُ مُديرَ أعمالِ الْمَدِّ والْجَزْرِ / النَّشيدُ المحترِقُ لَيْمونةُ القَتْلِ / في طَوابيرِ العَوانسِ أمامَ المخْبَزِ المغْلَقِ / يَكْسِرُ ضَوْءُ كُوخي قَارورةَ الحِبْرِ/ فَأَكتبُ تَاريخَ الدَّمْعِ بِرُفاتِ البُحيراتِ/ صَفائِحُ النَّرجسِ فِرَاشُ احتضاري / وَمَا زِلْتُ أَموتُ / وصَلبتْ رَاياتُ الغُبارِ بَلوطَ الألمِ على كَاهلِ الطُّوفان / أَيْنَ المرأةُ التي تَرْفُضُ أن تَكونَ لَوْحةَ شَظايا ؟ /
     مَزْهَرِيَّةٌ للنِّساءِ الذابلاتِ / صَلِيلٌ بَيْنَ العَرائسِ والفَرائسِ / والتِّلالُ تُرْضِعُ دَمْعي سِهاماً مُكْتئبةً في احتفالاتِ اغتيالي / بَقِيَتْ مَناديلُ اليَاسمين على الرَّصيفِ / وَمَاتَ صَدَى أحذيةِ النِّساء/ فَانْتَشِلْ يَا أَرخبيلَ الجنونِ الكَهْرمانَ مِن جِنازةِ الموانئِ / أُخَزِّنُ الشَّعيرَ في عَمودي الفِقريِّ / كَما يُخَزِّنُ القَراصنةُ جَماجمَ البَحَّارةِ في الإِسطبلاتِ / وَالأُمَّهاتُ يُوَرِّثْنَ بَناتِهنَّ الإِغْراءَ / لِيَذْبَحْنَ العُنوسةَ بِخَنْجرِ الغُروبِ /
     سَيُحَرِّرُ الموتُ العَصافيرَ في قَفَصي الصَّدْرِيِّ / سَتَرْقُدُ رَسائلُ العُشَّاقِ في نارِ الموْقدةِ/ هَذه المدينةُ الوَباءُ/ تَواريخُ الحريقِ / وأخاديدُ الضَّوْءِ / والحُزْنُ يَزْرعُ التُّوتَ في رِئتي / أَسْرِقُ مِن أَهْدابي نباتاتِ المقبرةِ / وَبَعْدَ انتحارِ الصَّبايا خَلْفَ السَّتائرِ المخْمليةِ/سَيُنَقِّبُ الرَّمادُ عن نُقوشِ الحِنَّاءِ في الحصَى الليلكيِّ /وكُلَّما قَامَت الأميراتُ بِتَكْبيرِ أثدائهنَّ / سَقَطَ الصَّوْلجانُ مِن يَد المطرِ / وَسَقَطَت الدُّوَلُ في بِئْرِ الحطبِ /
     تَخَيَّلْ مَشاعرَ الأنبياءِ وَهُم يُكَذَّبُون / أشلائي شُققٌ مَفْروشةٌ للبيعِ / أَنبعثُ في الذاكرةِ الدَّمويةِ/ تلتصقُ بَراميلُ البَارودِ عَلى حِيطان أوْردتي/ كما تَلتصقُ الطحالبُ على حِيطان بِئْرِ قَرْيتي/وعَصيرُ البُرتقالِ مُرْشِدٌ اجتماعيٌّ للزَّوْجاتِ الخائناتِ/وَالوَحْلُ يَبْكي مُسْتَخْدِماً أجفانَ أُمِّه / لأنَّ السُّعالَ قَلَعَ عَيْنَيْهِ الصَّغيرتَيْن / وَبَعْدَ أَن قَتَلُوني / وَزَرَعُوا في بُلْعومي جُسوراً لِنَقْلِ الجنودِ المهْزُومين / اعْتَذَروا لي قَائلين : (( نَحْنُ آسِفُون فَأَنْتَ الضَّحيةُ الخطأ ! )) /
     مِن بَائعةِ التُّرْمسِ في جُذوعِ الكَابوسِ حَتَّى أميراتِ مُوناكو / تَسيلُ الأُنوثةُ المسْتحيلةُ / خَدَشَت الشُّموعُ خُدودَ النَّارِ / والذُّبابُ يَحْقِنُ قِرْميدَ كُوخي بالحنينِ / يُخدِّرني الصَّدى فَأَزْرَعُ صَوْتي في صَوْتِ البَساتين/ وَلَم يَتغيَّرْ فِي اسْمِ الغَاباتِ سِوَى مِيعادِ سَلْخِي/ قَشْتالةُ تَبْدأُ مِن كَرْبلاء/ سَعَلَتْ أَهْدابي سَنابلَ دِماءٍ / صَارَ نُعاسِي الفَيْروزيُّ عَاطِلاً عَن العَمَلِ / أَمْسَكَ البَحْرُ بِيَدَيْه المسْلُوخَتَيْن تاريخَ المهرِّجين / والحِمارُ الوَحْشِيُّ يَحْمِلُ على ظَهْرِه حَضاراتِ الإِبادة /
     مَسْرحٌ لِلعَرائسِ يَحْترقُ في الصَّدى الْمُرِّ / أنا في القَيْدِ حُرٌّ / لا يَعْنيني تَوْقيتُ التُّرابِ / احتضارُ الجسَدِ قُنْبلةٌ ضَوْئيةٌ / وَالزَّائدةُ الدُّوديةُ مُقيَّدةٌ بالزَّوابعِ / تستندُ عِظَامُ الأمواتِ إِلى كَتِفِ الطوفان/ والزَّنبقةُ اليتيمةُ تَغْطُسُ في رَحِمِها الصِّناعِيِّ /
     صُداعي خَزَّانُ وَقُودٍ للطيورِ المهاجِرةِ / أنا وَالوَطنُ وُلِدْنا مَعَاً وَشُنِقْنا مَعاً / افتتحتْ أجفاني فَرْعاً لها على الشَّارعِ الرَّئيسيِّ في قُرى البُكاءِ / التقطْ لِي صُورةً قُرْبَ جِنازتي المتواضعةِ / يَا نَزيفاً تَنامُ عَلَيْه الأدغالُ الصَّاخبةُ/ إِنَّ الجنودَ المهزومين يَضْرِبُونَ نساءَهم/ وَكُلُّنا سَبايا في سُوقِ النِّخاسةِ /
     دُمْيةٌ تَاريخِ شَراييني / والحضَارةُ تاريخُ الدُّمى / بَائعو الهياكلِ العَظْميةِ / أَمْنَحُ اللهبَ نَشِيداً / تُلحِّنه البُحَيْراتُ المهاجِرةُ/ كَواليسُ مِقْصلتي اللازورديةِ / والطباشيرُ على أصابعِ العُمَّالِ المقْطوعةِ / ذِئبةٌ حُبْلى بالسِّياطِ / بِلادٌ لَيْست لوجوهنا / لأننا مَطَرٌ بِلا دَفْتَرِ عَائلةٍ / وَقَلْبي غُرْفةُ إِعْدامي التي مَرَّتْ على حُدودِ الوَجْهِ الحزينِ / والوطنُ الذي أَنْجَبَ الغِزْلانَ قَد اصْطادها / وَتَبْقى بَائِعاتُ الهوى في طُرقاتِ المللِ يَبْحَثْنَ عَن زَبائن / يَسْتلقي المساءُ القَديمُ على أظافري الجديدةِ / أرى وَجْهَ أَبي في العَتمةِ / وَالقَناديلُ تَشْربُ أَنيابَ الصَّدى / فَأَكْسِرُ زُجاجَ أضلاعي / وأُهاجرُ مِن وَجْهي / لا تَحْزني يا أَشْلائي الثَّائرةَ / إِنَّ أَعْشاشَ العُقْبانِ كَامنةٌ في دَفاترِ بَناتِ المدارسِ / أنا النَّجْمُ المحتَرِقُ في مَداراتي / وَبَشَرَتي السَّمْراءُ تَصْبُغُ النِّيلَ / وتتمزَّقُ فُراتاً جديداً /
     فِئْرانُ الحقولِ في ثلاجةِ الموْتى / وَيَنَابِيعُ الدَّمِ تَصْرُخُ في سِحْنتي / ارْحَمِيني / أنا أَمْشي إلى زَنْجبيلِ المذْبحةِ كَدُودةِ القَزِّ / أجنحةُ النوارسِ تَصيرُ ثيابَ حِدَادٍ/ والغرباءُ أَخذوا رِئاتِ الأطفالِ لِتَبْريدِ المفاعِلاتِ النَّوويةِ / الوَرْدُ عَرَباتٌ جَاهزةٌ للتفجيرِ/ إِنهُ الليلُ الأخيرُ يَهْطُلُ أراجيحَ للعُميانِ/ ودَمْعاتي هي المعْقِلُ الأخيرُ في ممالكِ الموْجِ / بَدَأَ العَدُّ التَّنازلِيُّ لِوِلادةِ نُعوشِ الأسْفلتِ / كَانَ خَدِّي لَيْلاً مِن الرِّعشاتِ / ضَفائرُ مِن القَصْديرِ تُهَرْوِلُ في رَسائلِ القَتْلى /
     يَا صَبِيَّةُ / عُودِي مِن أثوابِ الينابيعِ إلى إجازةِ الصَّيفِ في النَّيازكِ / ولا صَيْفٌ فِيَّ كَي أَمْدَحَ نُعاسَ الصَّحاري / وَلا مَصَابِيحُ تُنَقِّبُ عن بُكائي في ثَلْجِ الوَداعِ / صَارَت كَبِدي جَنازيرَ دَبَّاباتٍ / أَنتظرُ قُدومَ جُمجمتي من حَقيبةِ السَّفَرِ / أَعيشُ الخريفَ في كُلِّ الفُصول / وَرُمُوشي تَتساقطُ كَدُموعِ الرَّمْلِ / انْتَظِرْني تَحْتَ جِسْرِ الأيتامِ / سَتَصْعَدُ تَوابيتُ الأسرى على الدَّرجِ الكَهْربائيِّ / وَتُولَدُ الأعْراسُ في النُّعوشِ النُّحاسيةِ / ولا عُرْسٌ يَطْرُقُ بَابَ قَبْري/ ولا زَهْرةٌ تتفتَّحُ بَيْنَ عِظامي / لماذا جِئْتِ يا غروزني إلى احتضاري ؟/ عَيْناكِ البريئتان تُفَّاحتان/ لا تَقْدران عَلى رُؤْيةِ الأمطارِ / وَهِيَ تُحَنِّطُ أفكارَ البراكينِ / التي تأخذُ حِمَمَها مِن رَجْفتي / وَالضَّبابُ يَصْقُلُ خَنجري كَما تُريدُ البُروقُ / تَدُقُّ سَاعَةُ الحائطِ أَرْقامَها في رَقْمِ زِنْزانتي / جَاءَ الغُزاةُ مِن أَسِرَّةِ نَوْمِنَا / وَرَكَضَتْ قَارورةُ الحِبْرِ إلى أشلائي / خَرَجَتْ أصابعي مِن بَياتها الشَّتويِّ / أهدابي بُندقيةٌ / قَبِّلِيها يا شَقائقَ النُّعمانِ / سَتَخْتارُ الرِّيحُ اسْماً عَرَبِيَّاً لمدريد / وأكفاني قُنبلةٌ يَدويةٌ / أَو كُوخٌ للعصافيرِ المقاتِلَةِ/ سَكَنْتُ في مِيَاهٍ مَغْسولةٍ بِوُجوهِ الثَّائرين / الشِّتاءُ خَريطةٌ جديدةٌ لِرَسائلِ الغرام بَعْدَ مَوْتِ العُشَّاقِ تَحْتَ الأمطارِ / كُلُّ المقاصلِ تُغَنِّي في طُرقاتِ اليَاسمين / وَلَمْ يَبْقَ لَكَ يا عُشبَ الأبجديةِ إلا أن تَرْفَعَ رَأْسَكَ /
     المِيناءُ المتجمِّدُ / وَمَشَانِقُ مِن فَرْوِ الثعالبِ / وَزَيْتونُ الغروبِ زَوْرَقٌ يَحْمِلُ أُغنياتِ البَحَّارةِ القَتْلى / وَلا بُدَّ مِن مُوَافَقةِ المخابراتِ العَسْكريةِ حَتَّى تَفْتَحَ مَحَلَّ فَلافل / كَأَنَّ دَمْعي زَيْتُ القَلْي / وَعُيُوني زلازلُ /
     كَأَنَّ إِسْبانيةً أَحَبَّتْ فَتَىً عَرَبياً / لا الْحُبُّ انتصرَ / وَلا الأندلسُ عَادَتْ / أُصَلِّي الْجُمُعَةَ في بَرْشلونة / مَرْثيةٌ لِيَتِيماتٍ يَحْمِلْنَ أكفاني في الإِسكندرية / وأُدْفَنُ في مَكَّة/ شَيْءٌ غَامِضٌ في حُزني يَحْرثُ النارَ / وفي المكتبةِ العامةِ / دَفنتُ نَفْسي بَيْنَ سُطورِ الضَّوْءِ / وَبَكَيْتُ عِنْدَ مُؤلفاتي /
     تِلْكَ المدينةُ / المساجدُ المهدومةُ عَلى رُكَبِ المصلِّين/ المقابرُ الجماعيةُ للفراشاتِ/ الشُّهداءُ الذين رَمَوْهم في البَحْرِ الأخْرسِ / مَذْبحةُ الزُّمُرُّدِ اليَوْمِيَّةُ / تَسخينُ النَّهرِ على حَرارةِ الدَّمِ / والجليدُ يَزْحفُ إِلى خُدودِي مَا تَبَقَّى مِن حَديقتنا / انتفاضاتٌ سَريعةٌ لِعَضَلاتِ الشَّمْسِ أثناءَ مُحاكَمتي /
     ذَلِكَ المنبوذُ / اخْتَرِعْ وَطَناً لِلْكَسْتناءِ في شَمالِ احْتضاراتي / هَذا المكانُ بَرْقوقٌ خَدَشَني / بِطْريقٌ تُوُفِّيتْ زَوْجَتُه / وَما زَالَ مُحْتَفِظاً بِوِشَاحها في أهدابه / يَتراكمُ عِندَ رَسائلِ الْحُبِّ جِبالٌ من المآتمِ / والبَرْقُ يُحَطِّمُ أساورَ الغَيْمةِ / بُقَعُ نِفْطٍ على جِلْدِ غَزالٍ / والشَّوْكُ يَبكي قُرْبَ مَلابسِ أَرْملته / يُقطِّعني المساءُ ويُقَبِّلني / يَا مَشْنوقةً أَحَبَّتْ ظِلالَها أكثرَ مِن مِرْآتها / وَماتتْ في رَنينِ السَّنابلِ/ أَيْنَ تَسْكُنين حَتَّى أُعَزِّيَ أَهْلَكِ الرَّاجِعين مِن الكولسترولِ والمذابحِ ؟/

     أُحِبُّ الشُّموسَ المنْهَمِرَةَ مِن وُجوه الأنبياءِ / وَغُرْبتي تَتَشَبَّثُ بأكتافِ المحارِبِين في المساءِ / أَكياسُ جُباةِ الضرائبِ / والصَّراصيرُ المقْتولةُ تَحْتَ أحذيةِ الأسرى / وَنَقَّارُ الخشبِ المتفحِّمِ / أنا غَريبٌ كالشَّمْعِ الراكضِ في خِياناتِ رَمْلِ البَحْرِ / يُولَدُ الأغرابُ مِن دَوَرانِ البُوصلةِ في مَرَضِ الرُّبانِ / صُراخي نَزْوةٌ في حَياةِ الأمطار / ونعوشُ الأطفالِ على أراجيحِ الشَّفق / وَحَشائشُ المقبرةِ تَعْرِفُ رَائحةَ عِظامي / تنمو الرُّكبُ الصِّناعيةُ للجنود العاطلين عن العمل / كما تنمو الأشجارُ في ظِلال الموْتى / وكلُّ الرِّماحِ رَقَصَت في ذِهني أبراجاً مِن الدَّمْعِ الأُرْجواني / لكنَّ الزوابعَ تُقبِّلني ظَنَّاً مِنها أنِّي ابْنُها / الذي شُنِقَ مَرَّتَيْنِ على التَّوالي /  

     اخْتَرْ مَنفاكَ بِيَدَيْكَ / قُلتُ : (( أُريدُ المجرَّةَ )) / والمجرَّاتُ تُمشِّطني / تَتَقمَّصُ ذَهَبَ المجازرِ فِضَّةُ الهياكلِ العَظْميةِ / والصهيلُ يَخيطُ إِسطبلاتِ دُموعي تَحْتَ الرِّمالِ / لَمْ أتخيَّلْ أنَّ رُفاتي سَيَصِيرُ طَاوِلةَ مُفاوضاتٍ / يَتصافحُ عَلَيْها الأُمويون والعَبَّاسيون / أمامَ مَحَطَّاتِ التَّلْفزةِ الأجنبيةِ /
     وَهَبَطَتْ خُلْجانُ المذبوحين على حَواجبِ الرَّمْلِ/ أَحْشائي إِنها أَسِنَّةٌ لا سَجائرُ / والدِّيدانُ تَبْني في قَزَحِيَّتي مَقْهىً لعائلتها / العَدُّ التَّنازلِيُّ لِلخَجَلِ عِنْدَ إِناثِ الرَّماد / أَفْرُشُ أَجْسادي على المقاصلِ لأرى وَجْهي / أتحدَّثُ إِلى أخشابِ المرافئ عَن مَشاعرِ رِمال البَحْرِ/ لا تَحْزَنْ أيُّها المتسوِّلُ تَحْتَ شَجرِ الدِّماءِ / دُوَلٌ تَتَسَوَّلُ / وَالإِماءُ جَالِساتٌ عَلى العُروشِ /
     انتحارٌ بِالتَّقْسيطِ يَلُفُّ أعناقَ الأمواجِ / مِكْياجٌ عَلى الأفخاذِ الجرباءِ وَالنِّعالِ الأجنبيةِ / نُزِعَت جِنْسِيَّةُ الضَّوْءِ مِن الصَّنوبرِ لأنهُ سَلَّمَ عَلَيَّ / والصَّراصيرُ أَقامتْ نِظاماً بَرْلمانياً في حَاويةِ النِّفاياتِ / وَالنَّهارُ يَنْقُلُ عَلى ظَهْره أَحجارَ ضَريحِ الذُّبابِ / وَيُرَتِّبها صَرْخةً صَرْخةً / عُمري عِشْرون / وَأَمْلِكُ خَمْسين سَنَةً خِبْرةً / في الوُقوفِ على خَشَباتِ الإعدامِ /
     في دَمِي الأخضرِ انقلابٌ عَسْكريٌّ دَمويٌّ / كُرياتُ دَمِي البيضاءُ تَرْفعُ الرَّايةَ البَيْضاءَ / وأشلائي فيضاناتٌ / والزَّنازينُ تَصْبُغُ بَوْلَ السُّجناءِ بالفَحْمِ الحجريِّ / صَارَت السَّكاكينُ مُوسِيقى لها مَلْمَسُ البَارودِ/ وَالنَّحْلُ الميْتُ على البَلاطِ السَّاخن / تَتفتَّحُ الجماجمُ على الأغصانِ / أَدْخُلُ في البُرتقالِ المنْفِيِّ / وَعَرَباتُ نَقْلِ الجنودِ تَنْقُشُ الحِنَّاءَ عَلى أَوْردةِ الإِعْصارِ /
     أَغْشِيةُ بَكارةٍ مُلْقاةٌ في الشَّوارعِ المتَّحدةِ بالجنونِ / نِسْوَةٌ يَغْسِلْنَ المزابلَ بِحَليبِ الرَّضاعةِ / والهِضابُ جَالِسةٌ عَلى كُرْسِيِّ الاحتضارِ / السُّيولُ تُقَبِّلُ جُثْماني / والأَعْلامُ المنكَّسةُ مَزْروعةٌ في فَناجينِ القَهْوةِ / سَيَهْرَمُ المساءُ الذي أَكَلَ الضَّحايا وجَلادَهم والوطنَ المنْفَى /
     يَلْتَصِقُ الإِوَزُّ بِخُدودِ الليلِ الأزرقِ/ وَالقِطاراتُ البُخاريةُ عَلى حَوَافِّ اللوزتَيْن/ سِكِّينٌ تَلِدُ بَريقَ نَصْلِهَا / ضُمِّيني يَا أضرحةَ السَّوْسَنِ / حَيْثُ تُصْبِحُ جُمْجمتي كُرَةَ قَدَمٍ / يَلْعبُ بها الصِّبْيَةُ في حَاراتِ اغتيالي / يتبخترُ البُرتقالُ في مَناديلِ دُودةٍ / تَقْضِمُ أكفانَ الرِّيح /
     الزَّبائنُ الجدُدُ / وَالبَغِيُّ الجديدةُ / والزِّنزانةُ الجديدةُ / والقَراصنةُ في الطابورِ الصَّباحيِّ / يُصْغُون لِنَشيدِ الأنهارِ اليَتيمةِ / والضَّحِكاتُ المنْسِيَّةُ تَبْتَكِرُ مِحْراثاً مِن عُروقِ الأسْرى / الذين نَسُوا مَوْعِدَ العَشاءِ على ضَوْءِ الشُّموعِ /
     وَطَني الغارقَ في عَرَقي / هَل تَعْرِفُ رُفاتي ؟ / كَرِّرْ مَوْتي في مَساءِ الصُّراخِ / أَلْمَحْكَ حَيَّاً عِندَ شُروقِ جِراحاتي/ أَحْداقُ العواصفِ / ودَرَجاتُ قَصْرِ الحمراءِ / والقُرى الكئيبةُ تتمدَّدُ في بَنكرياسِ الرُّعْبِ /
     هَذا الدَّمُ أَشِعَّةُ غَيْماتٍ بَاكياتٍ في انتظارِ السَّرابِ / كَشْميريةٌ تَنْظُرُ إِلى قُيودي عَلى خَشَبةِ الإِعدامِ / والزَّوْبعةُ أَخَذَتْ ذِراعَ البَحْرِ عَصا بِلْياردو / ظَهْري المتصدِّعُ الذي كَانَ يَحْمِلُ أكياسَ الطَّحينِ للفراشاتِ / أَخَذُوه بَلاطاً لِصَالةِ الرَّقْصِ /
     سَقَطَتْ حِكاياتُ العِشْقِ في عَصيرِ التُّوتِ / في مَقْهى الجنودِ المكسورين / فَيَا زَمَنَ العُشَّاقِ الوهميَّ / جَسَدي مَرْمِيٌّ في الشَّارعِ عِندَ حُفَرِ المجاري / والشَّاي المقدَّمُ على بَلاطِ مَجْزرتي يَبْرُدُ ويَبْرُدُ / لأنهُ لَم يَأْتِ مِنِّي إلا طَيْفي /  
     لماذا تَقْضُون شَهْرَ العَسَلِ في أكفاني ؟ / مَن المرأةُ الباكيةُ في البَراويزِ تَحْتَ ضَوْءِ القناديلِ الخافتِ ؟ / قالوا إِنَّ الموْجَ يُنْزِلُ ابْنَةَ عَمِّه عَن ظَهْرِ الفَرَسِ / ولا ابنةُ عَمٍّ وَلا فَرَسٌ / والجرادُ يُحَوِّلُ طُحالي إِلى مَسْبَحٍ مُخْتَلَطٍ في الجامعات / والمتفرِّجون عَلى حَفْلةِ تمزيقي يُلوِّحون بِالتذاكرِ طَرَباً / الرُّوحُ الرِّياضيةُ سَائدةٌ بَيْنَ الجمهور أثناءَ قَتْلي / وَنَعْشي مُعَلَّقٌ عَلى بَوَّابةِ المدينةِ رَقْماً /
     صَباحُ الخيْرِ يَا مَسائي !/ حَاكِماتٌ كَالنِّعالِ يَثْقُبْنَ ثِيابهنَّ لِيَضَعْنَ فِيها أَقْراطَ المشْنوقاتِ / وَفَوْقَ ثَوْرتي ثَوْرةٌ مِن سَرِيرِ الحطبِ / أَمْساً كَانَ مُسْتَقْبَلُ الزُّمردِ / والنَّظاراتُ الطِّبيةُ على عُيونِ الذُّبابِ / الضَّبابُ العَجوزُ / والنُّعاسُ الخشِنُ / حُزْني عَرينُ الأُسُودِ المتقاعِدَةِ / أَجْلِسُ في مِيناءِ الأيتام / أُراقبُ النَّمْلَ وَهُوَ يَأْكلُ جُثماني / وأَسْمعُ بُكاءَ اليَمامِ في عَرَقِ اليَاقوتِ / أَغْلَقَ المطرُ أبوابَ ظِلِّه / وعِظَامُ أُمَّهاتنا الممزوجةُ بِدُموعنا / تَعْقِدُ هُدْنةً مَعَ لَمعانِ أظافرنا /
     إِضْرابُ عُمَّالِ المنَاجِمِ في أَبْجديةِ الملوكِ المخْلوعين / والجنودُ في ثِيابِ الدَّمْعِ / يتجوَّلون في الماريجوانا / تَجْلِسُ العَقاربُ عَلى عَقَارِبِ السَّاعةِ / وأَكْفاني حَديقةٌ للدُّودِ اللاجئِ / وَمِيعادُ سَفَري يُحدِّده أُمراءُ الحروبِ / أَسْئلتي تتكاثرُ كالمغاراتِ في رِئتي المرْتعشةِ /
     عَشِيقةَ أَرَقِي الزَّهْرِيِّ / إِنَّ العَناكبَ تُهَرْوِلُ على المرايا / الفُرْسانُ رُكامٌ يَتساقطُ في زُجاجةِ العِطْرِ اليَتيمةِ / وكُهوفُ قُلوبنا مَطَاعِمُ للغُزاةِ / فَيَا نَحِيبَ السُّنونو في يَوْمِيَّاتِ وَرِيدي / ارْكُضْ في هَوَسِ النُّبلاءِ / كَي نَتجاذبَ أَطْرافَ البُكاءِ / نَسِينا جَدائلَ أُمَّهاتنا عِنْدَ مَرايا المدُنِ المحاصَرَةِ/ وبَحَثْنا عن احتضاراتنا في كَلِماتِ الأغاني /   
     الإِغريقُ وتماسيحُ الأمازونِ وَرَاقِصاتُ البَاليه / أنا المقاتِلُ المتروكُ للصَّدى عَلى الرُّخامِ / تَخَلَّتْ عَنِّي القَبائلُ الكِلْسيةُ / الهياكلُ العَظميةُ جُسورٌ مِن الأزهارِ الصناعيةِ / فَكُنْ يَا مَوْتي الشَّرارةَ التي تُشْعِلُ تفاحاتِ دَمْعي / حَياتي مَحْصورةٌ / مِن المِشْنقةِ إِلى البَيْتِ / ومِن البَيْتِ إلى المِشْنقةِ / الطبيبُ النَّفسيُّ للإِمبراطورةِ / وشَرْكسيةٌ تُطْعِمُ حِصَانَها تاريخَ الأمواجِ / يَتكفَّلُ الخريفُ بِرَسْمِ سِيناريو جِنازتي / أنا الحافي / ولستُ بِشْر الحافي / أنا الثائرُ الذي خانني أهلُ الكُوفةِ / وَبَكَوا عَلَيَّ أمامَ وسائلِ الإِعلام / صِرْتُ سَبُّورةً تَكتبُ عَلَيْها المراهِقاتُ قَواعِدَ اللغةِ الأُمويةِ / أنا والقِطَطُ المنبوذةُ نُفَتِّشُ في أرشيفِ المزابِلِ/ عَن اللحْمِ الذي رُمِيَ بَعْدَ حَفلاتِ الإِعدامِ / فلتأكلْ جِيفتي العُقبانُ لا الغِربانُ / كُن أيها الحزنُ سِرِّياً / كَالموْجِ الذي يَحْقِنُ رَصيفَ الميناءِ بِمناديلِ الوَدَاعِ /

     راهبةٌ إِسْبانيةٌ تَسْتَعْمِلُ أكوابَ الشَّاي / التي تَرَكْناها في بَيْتنا في قُرْطبة / سَلامٌ عَلَيَّ في دُروبِ الحِصَارِ / سَلامٌ على المِلْحِ في خُبْزِنا اليَابسِ / يَبْصُقُ الرَّمْلُ أَهْدابي في قُضْبانِ قَفَصِي الصَّدْرِيِّ / والأغْرابُ شَيَّدوا في زَفيري مَطْعماً للعائلاتِ / أُعْدِمْتُ بِعَدَدِ مَرَّاتِ بَيْعِ إِناثِ القَبيلةِ / وَطَالباتُ كُلِّيةِ الطِّبِّ يُجَرِّبْنَ الأدويةَ على خُدودِ الفُقراءِ / وَيَسْرِقْنَ أَحْمَرَ الشِّفاهِ مِن حُمْرةِ إِشارةِ المرورِ / والنَّوارسُ تَأْكُلُ جَبِينَ الطُّوفانِ / وفِي أنقاضِ ضَحِكاتنا/ يَضَعُ قُطَّاعُ الطُّرقِ بَيْضَ الأمواجِ في أحداقِ بَناتِ آوَى/ أنا المصْلوبُ اليَوْمِيُّ / لَكِنِّي الفَاتِحُ المنْتَصِرُ.

20‏/03‏/2017

نشيد الرفض / قصيدة

نشيد الرفض / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

 حِينَ تُهْتُ في صُراخِ النَّخيلِ / أَرْشدني الضَّياعُ إلى صَدَأ سَرِيري على سِكَّةِ حَديدٍ مَهْجورةٍ / تَصِلُ مِشْنقتي بِمِقْصلتي / مَوْتي خُبْزُ الفراشاتِ الثائرةِ/ يُحَمَّصُ في المجرَّاتِ / ويُقدَّم على مَائدةِ إِعْدامي / عِطْرُ حِبَالِ المشانقِ طَرِيقُ الذُّبابِ / ومَوْتي طَريقي / بَايَعَنِي قَلْبي على ألا نُبايِعَ الملوكَ المرْتَزِقَةَ / أُصيبت الأنهارُ بالإحراجِ حِينَ رَأَتْ جَسدي المقطَّعَ في الفَجْرِ عَارِياً / يُفجِّرني صِياحُ البَساتين / ذَبَحوكَ أَمْ لَمْ يَذْبحوكَ / ارْفُضْ سُجونَ الملوكِ /
     لا تُعْطِ البَيْعةَ لِضَوْءِ المسْلَخِ/ نَزَعت العَاصفةُ مِن رَقَبتها بَيْعةَ الوالي/ وأنا عَاصِفةٌ أَهْدُرُ غاباتٍ / صَاعقةٌ تَنْفُضُ عَن رُموشي قِلاعَ الرُّومِ / وأنا أدغالُ الصَّدى/ وُلِدْتُ مَعَ أحزانِ الصَّواعِقِ / وَقُتِلْتُ قَبْلَ مَقْتلِ شَهيقي / أبراجُ المرَاقَبَةِ في بُطُونِ السُّجناءِ / تَرْكضُ أَوْردتي إلى أَوْردتي حتى أَموتَ / فَاسْمَعْ تَحِيَّاتِ الشَّفقِ المحرومِ / أَسَرُوكَ أَمْ لَمْ يَأْسِروكَ / ارْفُضْ جُنونَ الملوكِ /
     لأوَّلِ مَرَّةٍ أرى وَجْهي بِلا أَسمنت وَبَرْقياتِ وَلاءٍ / أرى مَوْتي مَوْلدي في احتفالاتِ وُقوعِ السَّلاطين في أَرْحامِ الجواري / لا دَمْعتي سَبِيَّةٌ / وَلا خَدِّي صَوْلَجان / القَيَاصِرةُ آبارُ السَّرابِ / جَيْشُ المنافي غُبارُ الموائدِ / شَوارعُ الغَثيانِ مَشانقُ/ وَرِمالُ الهلوسةِ مَراكِزُ اعتقالٍ/ العُشْبُ المذْعورُ أصنامٌ تُسْحَقُ / فَتَرَنَّمْ مَعَ ألغامِ الحقولِ / قَتَلُوكَ أَمْ لَم يَقْتُلوكَ / ارْفُضْ ضَحِكاتِ الملوكِ /

     حَلِيبُ أميراتِ الرُّكامِ قُربانٌ فِي فَمِ تِمْثالِ الحرية / يُقدِّمه كَهَنةُ البَلاطِ / وَلُصوصُ الكَهَنوتِ / الأعلامُ مُنَكَّسَةٌ في بُكاءِ الحِجَارةِ / بُندقيةٌ مَحْشُوَّةٌ بمناديلِ الصَّبايا / لِنَكُنْ في الضَّبابِ نِقَاطاً على حُروفِ أغاني الأرضِ / خَزِّنْ في إِعْداماتي مُغَامَرَةَ الإِماءِ / حَرَقوكَ أَمْ لَمْ يَحْرِقُوكَ / ارْفُضْ ذِكْرياتِ الملوكِ .

18‏/03‏/2017

غزالة فارسية في علبة الكبريت / قصيدة

غزالة فارسية في علبة الكبريت / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...............

   تَحِيَّةً لأبي الذي دَمَّرَ حياتي ! / لِوَطني الذي نَسَفني بَيْدراً بَيْدراً / لِزَوْجي الذي قَتَلني في حَريرِ المشانقِ / إِنْ صَبَّتْ مَلامحُ النارِ عَرَقَكِ في عَرَقي تَسَمَّمْتُ/ أَصيرُ تُراباً في فِضَّةِ المكانِ النَّازفِ/ يَا صَهِيلَها/ أنتَ ترى بِعَيْنَيْكَ / لَكِنَّكَ لا ترى عَيْنَيْكَ / أنتَ تَسْمعُ غِناءَ البَارودِ / لَكِنَّكَ لا تَسْمعُ دَقَّاتِ قَلْبِها /
     قَلْبي يَنْتحرُ بَيْنَ شَعيرِ النِّسْيان وَصَوَامعِ الحريقِ/ لم يَتزوَّج الميناءُ / لا أَحَدٌ يَستحقُّ حَمْلَ اسْمِه / ولا امرأةٌ تستحقُّ أن تَحتفظَ بأبنائه في رَحِمِها / يَطْرحُ غِيابُ الأُقحوان في الشُّروقِ أسئلةً على الدَّمارِ / لماذا تهاجمُ بَناتُ الفرنجةِ أغشيةَ بكارتهنَّ بالْمَنجنيق؟/ لماذا عُقولُ السَّائحاتِ في أفخاذهنَّ البيضاءِ المكشوفةِ للجماهيرِ الجائعة؟/ لماذا تتمنى الرَّاهبةُ وُجودَ زَوْجٍ عَلى سَرِيرها ؟ /
     أُنشودةٌ حَزينةٌ / والأَسْرى بَعيدون عَن جدائلِ الزَّوْبعةِ / الرِّياحُ خَالتي / ونحنُ نَبْحثُ عَن ضَريحِ أُمِّي / لم أَجْرَحْ قَلْبَ العُشبِ / لأنَّ بِدايةَ الخريفِ نهايةُ شَراييني / استقالةُ الصُّخورِ على مِمْحاةِ الفَيَضانِ / وأولادُ الشَّوارعِ يَتَبَخَّرون في مَوْسمِ هِجْرةِ الطُّيورِ / وَكُلَّ صَيْفٍ / تَحْرِقُ لَندنُ نِساءَها المغْتَصَباتِ في المزْهريات /
     أيْنَ يَختفي اليَتامى في البَنَفْسَجِ المشْتَعِلِ ؟ / تَرْكضُ الشُّموعُ القديمةُ إلى القبورِ المزَخْرَفَةِ / نَجْمعُ أجزاءَ الحُزْنِ في عُلَبِ المِكْياجِ الفارغةِ / ونملأُ صَمْتَنا بأبجدياتِ الغروب / تَنتظرُ الذاكرةُ خَطِيبَها عِندَ حافَّةِ قَبْرِه / لكنَّهُ لم يَأْتِ / وَأَتَت الممرِّضاتُ بَعْدَ انتهاءِ المجزرةِ / تتَّسخُ ثِيابُ الفَراشةِ في أرشيفِ الإِبادةِ الجماعيةِ / والتاريخُ يُوقِفُ سَيَّارته في مَتْحَفِ التَّطْهيرِ العِرْقيِّ /
     صُراخُ بَناتِ الليلِ يَبْلعُ المقابرَ الزُّجاجيةَ / وَحَبْلُ أفكارِي تَرْميه نِساءُ الرَّاعي في البِئْرِ العَمْياءِ / الذِّكرياتُ بُرتقالةُ الإِعدامِ / فَيَا صَفِيرَ القِطاراتِ التي لا تَعُود / لماذا تُزيِّن جُثمانَكَ بِالوُرودِ الصناعيةِ ؟ / كُنْ كَالمِلْحِ سَاكِناً في الخبزِ والدُّموعِ /

     كَأَنَّ خَدِّي لَيْمونةٌ مَنقوعةٌ في بَراميلِ البارودِ/ كَانت أَحْصِنَةُ السَّحَابِ جَديلةً للفَراشةِ الحزينةِ / يَا صِحَابُ / أَيْنَ قُتِلْتُمْ يَا صِحَابُ ؟!/ انكسَرَت الإبرةُ في بُوصلةِ الرُّبَّانِ الْعَائِدِ مَعَ كُلِّ تَوَابِيتِ الفَجْرِ / عُرُوقي خَنْدَقٌ لِلْحِبْرِ السَّجين / تَحِيَّاتُ الدَّلافِينِ فِي كَهْرَمَانِ الْبَوَاخِرِ الْغَارِقَةِ / وأنا الغريقُ في مَعِدَتِي الطَّرِيدَةِ / وَمَا زَالَ الدِّينَامِيتُ يَسْمَعُ وَقْعَ نِعَالِ الْغَابَاتِ فِي الجِنَازَةِ .