30‏/03‏/2017

الحضارة المحنطة في الدموع / قصيدة

الحضارة المحنطة في الدموع / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........

كَالعُصفورِ الأَعْمى الذي يَتَحَسَّسُ تَضَارِيسَ زَوْجَتِهِ عِندَ الجِمَاعِ / كَانت الحضارةُ / تُدَخِّنُ الأشجارُ تاريخَ الذئابِ / وَالقُبورُ هِيَ فَوْضى العَسْكَرِ / تُصَوِّبُ الرِّمالُ نُباحَها بِاتِّجاهِ قَوَافِلِ البَدْوِ الرُّحَّلِ/ الرَّحيلُ يُطَوِّقُ تِلالَ المطرِ/ يَمْشي ضَريحي تَحْتَ أَعْمدةِ الكهرباءِ في الوَطَنِ المنْطَفِئِ / فَلا تَكْرَهْني يا أَبِي / لَم أُحَقِّقْ أَحْلامَكَ المكْسُورةَ / أنا المسافِرُ بَيْنَ سُيوفِ التَّتارِ وَخَناجِرِ الأعرابِ /
أَتَقَلَّبُ عَلى صُراخِ الجليدِ/ سَتَمُرُّ في قَارورةِ الحِبْرِ سِكَّةُ حَدِيدٍ / وَتَسقطُ طائرتي الوَرقيةُ في أَوْراقِ الخريفِ / والبَنادقُ تَعْرِفُ بَصْمَةَ أَجْفاني / خَزَّنْتُ دُموعي في حَقيبةِ السَّفَرِ / خَبَّأْتُ أَكفانَ أُمِّي في أَزْرارِ قَميصي / صَادقتُ الحمَامَ الزَّاجِلَ / الذي يُوصِلُ رَسائِلَ أَراملِ الجنودِ / والبَحرُ لا يَدْخُلُ إِلى قَفَصي الصَّدْريِّ إِلا بِتصريحٍ رَسْميٍّ / لَسْتُ رَصَاصَتي كَي تَخُونوها / وَلَسْتُ أُغْنيتي كَي تُعْدِمُوها/ لُغتي تَصْعدُ مِن الحروفِ المقْتولةِ / أَساقفةُ الرَّمادِ يَحْتفلون في سَفينةٍ تَسْحَقُ مِشنقةَ صَقْرٍ / وَعَرَباتُ الشِّتاءِ الزَّرقاءُ تَغْزِلُ دَمْعاتي رَصَاصَاً / أظافري المشقَّقةُ سَريرٌ للشَّجرِ العاجزِ جِنْسياً / وَتِلْكَ أَوْصالُ قِطَّتي المشْنوقةِ /
يَا دَمْعةً تتأرجحُ في أَحْداقِ اليَتامى / لا فَراشاتٌ تَمْسَحُكِ / ولا تِلالٌ تَحْرِقُكِ / يَا طِفْلاً يَذْهبُ إلى المقْبرةِ بِلا كَفَنٍ / لا أَمْطارٌ تَغْسِلُكَ / ولا حَقيبةٌ مَدْرسيةٌ تَضَعُ فِيها أشلاءَكَ /

تَجْري الصَّحاري في عُروقي نَخيلاً لِلمُشرَّدين / وغاباتُ القلوبِ المكْسورةِ حَطَبٌ / تَنْهَشُهُ مَواقدُ العُشَّاقِ في الشَّتاءِ الدَّمويِّ / يَا رَاعي الغَنمِ الذي يُوَقِّعُ على مَرْسومِ إِعدامِ البَراري / لماذا تَرْمي شَرايينَ البُحيرةِ في أَقْبيةِ الفِئران ؟ / الرَّصاصُ الْحَيُّ / وَالوَطَنُ الميْتُ / أَصْعَدُ أنا والأضْرحةُ مِن وَهَجِ نَزيفِنا / نُعَانِقُ دِيكَ الصَّباحِ / نَلُفُّ على نَزيفنا حَشائشَ الزُّقاقِ وَضَوْءَ الشُّموعِ / لَم يَأْتِ الجنودُ المهزومون كَي يُنقِذوا قِطَطَ الشَّوارعِ / كَانوا يُجَرِّبون الأوسمةَ المعدنيةَ / كَي يَعْرِفُوا الوِسامَ الذي يُناسِبُ لَوْنَ القَميصِ / البابُ مَفْتوحٌ عَلى ثُلوجِ اللهبِ / والهواءُ يَتجدَّدُ في زِنزانة الموْجِ / وَقُيُودي تَتجدَّدُ مِثْلَ جِلْدِ المطرِ/ الحضارةُ ثَعْلَبُ الخديعةِ/ تَصْنعُ السُّيولُ مِن فِرَائه حَقائبَ للسَّيداتِ الرَّاكضاتِ في أسواقِ النِّخاسةِ / هَل مَوْتُ الفَراشةِ انتحارُ الذُّبابِ الرُّومانسيُّ ؟ / لَم يَأْتِ أطفالُ الشَّوارعِ / كَي نَدْرُسَ تَعاليمَ الزِّنزانةِ في الوَطَنِ الضَّائعِ / عَبَّدُوا حُقُولَ الجنونِ / لَم يَلْمَعْ رُفاتُ النَّخيلِ في الصَّهيلِ / وَلَم يَظْهَرْ وَرَثَةٌ لِلبَحْرِ / فَلْتَكُن التَّرِكَةُ في جَيْبِ السُّلْطانِ ! / سَتَلْمَعُ أَجنحةُ النُّسورِ في شَهيقي / وَتُلَمِّعُ دُموعُ أَبي خَنْجَرَهُ .