30‏/06‏/2019

طبيعة الحلم الإنساني في المجتمع المادي

طبيعة الحُلم الإنساني في المجتمع المادي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

صحيفة المثقف ، 30/6/2019

............

     يبدأ الحُلم الإنساني مِن حيث انتهى المعنى اللغوي للوجود . وهذه المُعادلة تكشف الترابط المصيري بين الحُلم وماهية الوجود ، وتُبيِّن العلاقة الحتمية بين مسار الإنسان ومصيره . والإنسانُ في رحلة بحثه عن ذاته ، سيكتشف أن الحُلم هو الوجه الحقيقي للحياة ، وما عداه عبارة عن أقنعة زائلة وكوابيس وهمية . وفي هذه الرحلة المُدهشة ، سوفَ تتساقط الأقنعةُ ، وتزول الأعراض المُؤقَّتة ، ليظل الجوهر الحقيقي ، والمعدن النفيس ، الذي لا يَطرأ عليه الصدأ ولا الصدى . ويجب على الإنسان أن يكون صوتًا لا صدى ، ويبتعد عن المعارك الجانبية في الحياة ، لأن الهامش لا يصنع مجدًا ، ولا يَقُود إلى نصر . والتعويلُ إنما يكون على المركز وإصابة الهدف .
2
     إن الحقيقة كالدواء المُر ، لا بُد من شُربه ، مهما كان مَذاقه ، لأن فيه النفع والفائدة . ومهما كانت الحقيقة صعبة وجارحة وصادمة ، لا بُد من تقبُّلها واعتناقها ، لأنها هي الواقع الملموس ، المُؤثِّر على حياة الإنسان . والخيارُ الآخر هو الوهم القاتل ، ومهما كان لذيذًا وناعمًا ، فعاقبته وخيمة ، ونتيجته مُدمِّرة . والإنسانُ قد يَخدع الآخرين ، وهذه مُصيبة . لكن المصيبة الأكبر أن يَخدع نَفْسَه .
3
     عندما يُهاجر الإنسانُ من مادية اللغة إلى رُوح اللغة ، سيُدرِك أن الألفاظ والمعاني لَيست وسيلة لتوصيل الأفكار فَحَسْب ، بل هي أيضًا منظومة رمزية ، وطاقة معرفية ، وبُنية مشاعرية ، وهذه هي الأضلاع الثلاثة في مثلت الوجود الإنساني . وهذا الوجودُ ليس محصورًا في الزمان والمكان ، وإنما هو عابر للتاريخ والجُغرافيا . وإذا بنى الإنسانُ حياته في قلب اللغة ، امتلكَ معنى الخلود ، لأن الكلام باقٍ ، بسبب مصدره الروحي ، أمَّا الجسد فمصيره إلى التراب والتَّحَلُّل والذوبان في عناصر الأرض . وكُل شيء يَعود إلى أصْله ومصدره ، كما يعود الطفلُ إلى حِضن أُمِّه .

4
     إذا لم يمتلك الإنسانُ صوته الخاص ، سيصبح صدى للآخرين ، وعندئذ سيكتب تاريخَ الآخرين لا تاريخه الشخصي . وهذا يعني أنه قضى حياته خادمًا لا سَيِّدًا ، ونَسِيَ أن يعيش حياته في ضجيج مصالح الآخرين ، ولم يَقْدِر على اكتشاف وجهه في زحمة الأقنعة ، ولم يستطع إيجاد بصمته الخاصة في ظِل الصراعات على احتكار المجتمع والسيطرة عليه . والمجتمعُ الإنساني تحوَّلَ إلى غابة، مِمَّا كرَّس مبدأ الصدام ، وعزَّز مفهوم الصراع . وبالتالي ، ظهر نَوعان من الصراع: الصراع في الإنسان ، والصراع على الإنسان . وهذا يعني أن الإنسان يخوض حربًا معنوية على جبهتين : الجبهة الداخلية ، حيث يتصارع مع أهوائه ورغباته وأحلامه وأفكاره وهواجسه، ويُحاول التغلُّب عليها ، وتطويعها ، وتحويلها من خيالات هُلامية إلى أحداث واقعية . والجبهة الخارجية ، حيث يتصارع مع العقل الجمعي المُسيَّس الذي يُحاول السيطرة على الإنسان ، والهيمنة على حياته جُملةً وتفصيلًا ، والتحكُّم بمساره ومصيره ، من أجل تحويل الإنسان إلى شيء استهلاكي وعنصر ضِمن القطيع ، الذي يُساق إلى الذبح _ وقت الحاجة _ بلا اعتراض ولا شكوى .

29‏/06‏/2019

نشيد الرفض / قصيدة

نشيد الرفض / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     حِينَ تُهْتُ في صُراخِ النَّخيلِ / أَرْشدني الضَّياعُ إلى صَدَأ سَرِيري على سِكَّةِ حَديدٍ مَهْجورةٍ / تَصِلُ مِشْنقتي بِمِقْصلتي / مَوْتي خُبْزُ الفراشاتِ الثائرةِ / يُحَمَّصُ في المجرَّاتِ / ويُقدَّم على مَائدةِ إِعْدامي / عِطْرُ حِبَالِ المشانقِ طَرِيقُ الذُّبابِ / ومَوْتي طَريقي / بَايَعَنِي قَلْبي على ألا نُبايِعَ الملوكَ المرْتَزِقَةَ / أُصيبت الأنهارُ بالإحراجِ حِينَ رَأَتْ جَسدي المقطَّعَ في الفَجْرِ عَارِياً / يُفجِّرني صِياحُ البَساتين / ذَبَحوكَ أَمْ لَمْ يَذْبحوكَ / ارْفُضْ سُجونَ الملوكِ /
     لا تُعْطِ البَيْعةَ لِضَوْءِ المسْلَخِ/ نَزَعت العَاصفةُ مِن رَقَبتها بَيْعةَ الوالي/ وأنا عَاصِفةٌ أَهْدُرُ غاباتٍ / صَاعقةٌ تَنْفُضُ عَن رُموشي قِلاعَ الرُّومِ / وأنا أدغالُ الصَّدى/ وُلِدْتُ مَعَ أحزانِ الصَّواعِقِ / وَقُتِلْتُ قَبْلَ مَقْتلِ شَهيقي / أبراجُ المرَاقَبَةِ في بُطُونِ السُّجناءِ / تَرْكضُ أَوْردتي إلى أَوْردتي حتى أَموتَ / فَاسْمَعْ تَحِيَّاتِ الشَّفقِ المحرومِ / أَسَرُوكَ أَمْ لَمْ يَأْسِروكَ / ارْفُضْ جُنونَ الملوكِ /
     لأوَّلِ مَرَّةٍ أرى وَجْهي بِلا أَسمنت وَبَرْقياتِ وَلاءٍ / أرى مَوْتي مَوْلدي في احتفالاتِ وُقوعِ السَّلاطين في أَرْحامِ الجواري / لا دَمْعتي سَبِيَّةٌ / وَلا خَدِّي صَوْلَجان / القَيَاصِرةُ آبارُ السَّرابِ / جَيْشُ المنافي غُبارُ الموائدِ / شَوارعُ الغَثيانِ مَشانقُ / وَرِمالُ الهلوسةِ مَراكِزُ اعتقالٍ / العُشْبُ المذْعورُ أصنامٌ تُسْحَقُ / فَتَرَنَّمْ مَعَ ألغامِ الحقولِ / قَتَلُوكَ أَمْ لَم يَقْتُلوكَ / ارْفُضْ ضَحِكاتِ الملوكِ /
     حَلِيبُ أميراتِ الرُّكامِ قُربانٌ فِي فَمِ تِمْثالِ الحرية / يُقدِّمه كَهَنةُ البَلاطِ / وَلُصوصُ الكَهَنوتِ / الأعلامُ مُنَكَّسَةٌ في بُكاءِ الحِجَارةِ / بُندقيةٌ مَحْشُوَّةٌ بمناديلِ الصَّبايا / لِنَكُنْ في الضَّبابِ نِقَاطاً على حُروفِ أغاني الأرضِ / خَزِّنْ في إِعْداماتي مُغَامَرَةَ الإِماءِ / حَرَقوكَ أَمْ لَمْ يَحْرِقُوكَ / ارْفُضْ ذِكْرياتِ الملوكِ .

28‏/06‏/2019

غزالة فارسية في علبة الكبريت / قصيدة

غزالة فارسية في علبة الكبريت / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     تَحِيَّةً لأبي الذي دَمَّرَ حياتي ! / لِوَطني الذي نَسَفني بَيْدراً بَيْدراً / لِزَوْجي الذي قَتَلني في حَريرِ المشانقِ / إِنْ صَبَّتْ مَلامحُ النارِ عَرَقَكِ في عَرَقي تَسَمَّمْتُ / أَصيرُ تُراباً في فِضَّةِ المكانِ النَّازفِ/ يَا صَهِيلَها/ أنتَ ترى بِعَيْنَيْكَ / لَكِنَّكَ لا ترى عَيْنَيْكَ / أنتَ تَسْمعُ غِناءَ البَارودِ / لَكِنَّكَ لا تَسْمعُ دَقَّاتِ قَلْبِها /
     قَلْبي يَنْتحرُ بَيْنَ شَعيرِ النِّسْيان وَصَوَامعِ الحريقِ/ لم يَتزوَّج الميناءُ / لا أَحَدٌ يَستحقُّ حَمْلَ اسْمِه / ولا امرأةٌ تستحقُّ أن تَحتفظَ بأبنائه في رَحِمِها / يَطْرحُ غِيابُ الأُقحوان في الشُّروقِ أسئلةً على الدَّمارِ / لماذا تهاجمُ بَناتُ الفرنجةِ أغشيةَ بكارتهنَّ بالْمَنجنيق؟/ لماذا عُقولُ السَّائحاتِ في أفخاذهنَّ البيضاءِ المكشوفةِ للجماهيرِ الجائعة؟/ لماذا تتمنى الرَّاهبةُ وُجودَ زَوْجٍ عَلى سَرِيرها ؟ /
     أُنشودةٌ حَزينةٌ / والأَسْرى بَعيدون عَن جدائلِ الزَّوْبعةِ / الرِّياحُ خَالتي / ونحنُ نَبْحثُ عَن ضَريحِ أُمِّي / لم أَجْرَحْ قَلْبَ العُشبِ / لأنَّ بِدايةَ الخريفِ نهايةُ شَراييني / استقالةُ الصُّخورِ على مِمْحاةِ الفَيَضانِ / وأولادُ الشَّوارعِ يَتَبَخَّرون في مَوْسمِ هِجْرةِ الطُّيورِ / وَكُلَّ صَيْفٍ / تَحْرِقُ لَندنُ نِساءَها المغْتَصَباتِ في المزْهريات /
     أيْنَ يَختفي اليَتامى في البَنَفْسَجِ المشْتَعِلِ ؟ / تَرْكضُ الشُّموعُ القديمةُ إلى القبورِ المزَخْرَفَةِ / نَجْمعُ أجزاءَ الحُزْنِ في عُلَبِ المِكْياجِ الفارغةِ / ونملأُ صَمْتَنا بأبجدياتِ الغروب / تَنتظرُ الذاكرةُ خَطِيبَها عِندَ حافَّةِ قَبْرِه / لكنَّهُ لم يَأْتِ / وَأَتَت الممرِّضاتُ بَعْدَ انتهاءِ المجزرةِ / تتَّسخُ ثِيابُ الفَراشةِ في أرشيفِ الإِبادةِ الجماعيةِ / والتاريخُ يُوقِفُ سَيَّارته في مَتْحَفِ التَّطْهيرِ العِرْقيِّ /
     صُراخُ بَناتِ الليلِ يَبْلعُ المقابرَ الزُّجاجيةَ / وَحَبْلُ أفكارِي تَرْميه نِساءُ الرَّاعي في البِئْرِ العَمْياءِ / الذِّكرياتُ بُرتقالةُ الإِعدامِ / فَيَا صَفِيرَ القِطاراتِ التي لا تَعُود / لماذا تُزيِّن جُثمانَكَ بِالوُرودِ الصناعيةِ ؟ / كُنْ كَالمِلْحِ سَاكِناً في الخبزِ والدُّموعِ /
     كَأَنَّ خَدِّي لَيْمونةٌ مَنقوعةٌ في بَراميلِ البارودِ/ كَانت أَحْصِنَةُ السَّحَابِ جَديلةً للفَراشةِ الحزينةِ / يَا صِحَابُ / أَيْنَ قُتِلْتُمْ يَا صِحَابُ ؟!/ انكسَرَت الإبرةُ في بُوصلةِ الرُّبَّانِ الْعَائِدِ مَعَ كُلِّ تَوَابِيتِ الفَجْرِ / عُرُوقي خَنْدَقٌ لِلْحِبْرِ السَّجين / تَحِيَّاتُ الدَّلافِينِ فِي كَهْرَمَانِ الْبَوَاخِرِ الْغَارِقَةِ / وأنا الغريقُ في مَعِدَتِي الطَّرِيدَةِ / وَمَا زَالَ الدِّينَامِيتُ يَسْمَعُ وَقْعَ نِعَالِ الْغَابَاتِ فِي الجِنَازَةِ .

27‏/06‏/2019

زنزانة في الزنزانة / قصيدة

زنزانة في الزنزانة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........

     هُناكَ / خَلْفَ تابوتِ البحر زِنزانةٌ في الزِّنْزَانةِ / حَبيبتي الزِّنْزانة / اكْرهيني أَنتقمْ مِنْكِ / أَكتبُ إِليكِ هذا اللحمَ مِن الزنزانة / أعرفُ أن الزِّنزانةَ تتَّحدُ في الزَّنازين المجاورةِ لِزِنزانتي / لَكنَّ زِنزانةَ الفَرَحِ مَرْفوعةٌ في سَقْفِ الزِّنزانة / للزنزانةِ عَظْماتٌ كَشَطَتْها الزَّنازينُ عِندما خَرجتُ مِن الزنزانةِ إلى الزنزانةِ / كُرَةُ قَدَمٍ في الزِّنزانةِ لِتَلْعَبَ الزنازينُ بِي على رُقعةِ الزنزانة / أَحَبَّت الزِّنزانةُ أن تكتبَ ضَجَرَها على زِنزانةِ كَفِّي / مُغَامَرةٌ في الزِّنزانةِ لأننا في الزَّنازين نَشْربُ بَوْلَنا / ونُقامِرُ بِعِظامنا السَّجينةِ / الزِّنزانةُ خَاليةٌ مِن الماءِ والزنازين / وَجدتْ زِنْزانةٌ وَحيدةٌ حُرِّيتها في حَبْسِ الزَّنازين في فَخْذِي / إلى اللقاءِ يا زِنزانةَ الخوْخِ / في مَوْسمِ حَصادِ الزنازين في الخريف / أطرافي زِنزانةٌ / لحمي زِنزانةٌ / نزيفي زِنزانةٌ / صُورتي زِنزانةٌ / تاريخُ الزِّنزانةِ مُقَامَرَةٌ / والزِّنزانةُ مَهْزلةٌ / القَمْحُ حَوْلَ قَصيدتي زِنزانةٌ / أَخْشى أنِّي تَعوَّدتُ على الزَّنازين / وَأنتَ أيها الشِّبلُ الذي يُقابِلُ الزَّنازين في حَديقةِ الأسيراتِ/ أُهديكَ زِنزانةً في صَدْري المنحوتِ / على بَلاطِ الزِّنزانة .

26‏/06‏/2019

السفر والأرض القادمة / قصيدة

السفر والأرض القادمة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............

     بالأمْسِ / رَأى الصَّباحُ زُهورَ المِقْصلةِ / تَشْتري تَذْكرةً للسَّفَرِ / في الزَّوابعِ المخْمليةِ / رَحَلَتْ بِهُدوء/ بِلا تِذْكاراتِ الدَّمْعِ الممزوجِ بانهيارِ الشُّموعِ / إِنَّهُ السَّفَرُ المتكرِّرُ قُرْبَ رِمَاحِ الذِّكْرى / يا مَطَرَ التَّوابيتِ الموسميَّ / لا تَبْكِ عَلَيَّ عِندما تَرْحلُ أعضائي إلى جَسَدي / وَيَدْخلُ جَسدي في أرشيفِ الجليدِ / يَا دُموعَنا اللزجةَ / لا تَلْتفتي إلى أعلامِ الغُزاةِ المُرَفْرِفَةِ في طُحالِ الأمواجِ /
     لماذا يُغْمِدُ المرجانُ الباكي سُعَالَه في أَوْردتي ؟ / ضَجيجُ القَتْلى يَمْلأُ مُدُني وأظافري / كُلَّما نَبَتَتْ على جِلْد الرَّبيعِ فَأْسٌ / تَمَزَّقَ حَبْلُ مِشْنقتي كقلبِ عاشقٍ / ولكنَّ رِئتي واقفةٌ تَحْتَ ظِلالِ البنادقِ / وَحَوْلَ جُثمانِ أبي رُكامٌ مُضيء/ حَزانى تائهون في أصوات عُمَّالِ الإنقاذ/ وَحَبَّاتُ الرُّمانِ تتناثرُ على أعوادِ المشانق / فَافْرَحِي يا أُمِّي / إنَّ الجيوشَ البَدوِيَّةَ سَتُحَرِّرُ فِلِسْطِين /
     تَخْرجُ اليمامةُ مِن جِلْدِها / تُزيِّنُ أسماءَ القَراصنةِ بالأوسمةِ / لم تَعْشَقْني الأحزانُ المعْصورةُ في صَوْتِ الرَّمْلِ / أُهاجرُ مِن عُيوني لأرى عُيوني / أُوَدِّعُ أشيائي المحاصَرَةَ التي أَنْكَرتْ مَعْرفتي / دَخَلْتُ في لمعانِ الخناجرِ / ولم يَعْرِفْ وَجْهي عِندَ الفَجْرِ سِوَى دِيكِ جَارتنا / صَهيلٌ مَطْعونٌ صَلَبَهُ دُخانُ الحافلاتِ على المزهريةِ / تُغنِّي في البَلداتِ المدمَّرةِ نِسْوةٌ / يَحْتسينَ حَليبهنَّ ثم يُسْحَقْنَ / يَضَعْنَ مِكْياجَ الإِبادةِ على الأقنعةِ / ولا يَغْتَسِلْنَ بماءِ عُيونِ الفَراشاتِ /
     مُمْتطياً دِمائي / أتعاطى حُبوبَ الذِّكرياتِ / تَرْحلُ الغَيْماتُ إلى الشَّفقِ القريبِ مِن أكفاني / قَد يَرْجعُ الموْتى مِن أحزانِ السِّككِ الحديديةِ / في مَساءٍ لا يَعْرفُ وَجْهي / لكنَّهُ يَقْتفي آثارَ دَمْعي على آبارِ أجفاني / أَمْشي في عَرَقِ البُحَيْراتِ / وأَموتُ عَلى حِجارةِ بِلادي / حُكومةُ المشَعْوِذِين / والغرباءُ في الظَّهيرةِ الغامضةِ / فيا قَمْحَ السُّجونِ / حَاصِرْ جَلادكَ / أَسْقِطْ قِناعَ الوطنِ / اكْسِرْ حَواجبَ الجنونِ /
     مَا تبقَّى مِن عَرَقِ الأرمنياتِ عَلى البيانو / مَا تبقَّى مِن ضَفائرِ الرَّاهباتِ عَلى الصَّليبِ / تنامُ البُحيرةُ والمسدَّسُ تَحْتَ وِسادتها / أَعيشُ في غُربةِ الليمونِ بُرتقالةً / لا تاريخٌ لأصابعي / ولا فَراشاتٌ عَلى جَبيني / سَيُصبحُ الخرابُ الجميلُ عَاطفياً / عِندما يَصيرُ صَوْتُ الرَّصاصِ خَلاخيلَ نِساءٍ غامضاتٍ / يَستثمرُ الضَّبابُ في العوانسِ/ والمخبِرُون يَشْربون الشَّاي الأخضرَ في الشِّتاءِ الأزرقِ/ الصُّلبانُ المنكَّسَةُ / والبابونَجُ يَغلي كَالدَّمْعِ السَّاخنِ / نَسِيَت الأسماكُ تاريخَ اغتصابِها في قَارورةِ الحِبْرِ / والرِّمالُ تَمتصُّ عِظَامَ اليَاسَمين .

25‏/06‏/2019

ذاكرة بين الشفق والقبور / قصيدة

ذاكرة بين الشفق والقبور / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     لا أَجِدُ مَا أُفْطِرُ عَلَيْه / أَعْطاني الشَّفقُ سَبْعَ تَمراتٍ / طِرْتُ فَرَحاً كأجفانِ الكَهْرمان / ذَهبتُ إلى المقبرةِ كَالوَرْدةِ التي شَنَقتْ عِطْرَها / وَجَلَسْتُ بَيْنَ القُبور / انتظرتُ المطرَ كَي يُفْطِرَ مَعي لكنه لَم يَأْتِ/ وانتظرتُ أَبي لكني تذكرتُ أنه ماتَ/

     كُلُّ الفَتَياتِ اللواتي أحببتهنَّ تَزَوَّجْنَ غَيْري/ وَذَهَبْنَ إلى شُققِ الأحياءِ الرَّاقيةِ / وأنا أمسحُ القُبورَ مِن ياقوتِ المذابحِ/ وأُنظِّفُ الغبارَ مِن عَرَقِ الأعشابِ السَّامةِ / أُحِبُّ الموْتى وَهُم يُحِبُّونني / أَعْرفُ أبجديةَ الأمواتِ / ولا أَعْرفُ أبجديةَ الأحياءِ /

     وفي عِيدِ الأحزانِ / يَأْتي الأغنياءُ على أجنحةِ الفراشاتِ / أراهم مِن بَعيدٍ / ولا أقتربُ مِنهم لِكَيْلا يظنوني شحَّاذاً / لا أَمْلِكُ إلا ثَوْباً واحداً / وعِندما يتَّسخُ أَغْسِلُه بماءٍ مَلِيء بِدَمْعي/ وَخَالٍ مِن الصَّابونِ / أَضَعُه على حَائطِ المنفى / وأختبئُ في القَشِّ/ لَسْتُ نَعَامةً / كان الأطفالُ يَأْتون مَعَ أَهْلهم/ وَيَلْعبون بِكُرياتِ دَمي الخضراءِ/ يَرْكبون على ظَهْري/ ويقولون: (( امْشِ أيها الحصانُ )) / ويَرْحلون / لَهُم أَهْلٌ / وَلَيْسَ لِي أهلٌ إلا الأموات / حَتَّى الأحصنةُ لها إِسطبلاتٌ تَعيشُ فيها /

     لا تَقْتليني / إِنَّكِ قَتَلْتِنِي ولم تَدْفعي دِيَتِي/رُموشي قَوافلُ مِن البَدْوِ الرُّحَّلِ/ التُّرابُ المشرَّدُ وَدُموعي / وَعُمَّالٌ يَموتون وَهُم يَحْفِرون قَناةَ السُّويسِ / بَوَارِجُ تمرُّ مِنها لِتَحْرِقَ الجوامعَ / وَتَخْطُفَ خُبزي وَكُوفِيَّةَ أبي/ لا تقتليني / عَيْناكِ تَرْسمان في لَيْمونةِ نزيفي ظِلالاً للرُّمْحِ اليتيمِ / الأنينُ القادمُ مِن أهدابكِ يُكَهْرِبُني / اقْرَئي الفاتحةَ على جُثماني / وَالسَّلامُ عَلَيْنا / انظري إلى دُبِّ الباندا/ يُحاوِلُ مُواساتي وَهُوَ في القَفَصِ / وكِلانا في القَفَصِ / تَذْهبين مَعَ الصُّخورِ المذهَّبةِ إلى نَشيدِ اللوْزِ / كُوني مُخْلِصَةً لَهُ / 

     كِتاباتُ الصَّبايا على أعقابِ البَنادِقِ / يَا صَاحِبِي / أَنْتَ أَجْمَلُ مِنْ رُسُومَاتِ الضَّبَابِ عَلَى أَجْفَانِ الْخَنْجَرِ / النِّصَالُ تَأْكُلُ السُّطُورَ فِي دَفْتَرِ الرِّيَاضِيَّاتِ / لِلضَّوْءِ عَشِيرَتُهُ / أَخْرِجْنِي مِنْ حِسَابَاتِ الدُّمُوعِ الْبَرِّيةِ / وَخُيُولِ الدَّوْلَةِ الْبُولِيسِيَّةِ / لأُمْسِكَ شَكْلَ اسْمِي فِي مَرَايَا الْوُجُوهِ السَّرِيعَةِ / حِينَ تَعْبُرُ ازْدِحَامَ الْقَتْلَى الْمَارِّينَ فِي الأَسْوَاقِ /

     لا أَطْلُبُ مِنْكِ سِوَى خُبْزِ الذِّكرياتِ وقَهْوةِ الإعدامِ / لا تَضْرِبي القِطَّةَ العَمْياءَ / لأنها تُحِبُّني / وأُحِبُّ وَجَعَ النيازكِ / وَقُولِي للبكاءِ ألا يُلوِّثَ حَناجرَ الزَّيتونِ بالصَّليلِ المالحِ .

24‏/06‏/2019

رسالة من النمر إلى اللبؤة / قصيدة

رسالة من النمر إلى اللبؤة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................


     أتمنَّى لَكِ حَياةً خَارِجَ الحياةِ/ أَنْتِ مَغْرورةٌ / لا أَعتبرُ رَفْضَكِ هَزيمةً لي/ فالذهبُ لا يبكي عَادةً إلا عِندَ وَفاةِ النارِ/ أَرْحَلُ بِصَمْتٍ عَالي الصَّوْتِ قليلاً/ أَعُودُ لأُكْمِلَ الانقلاباتِ على قَلْبي الوَحيدِ / لَكِ قِلادةٌ مِن العَاجِ / كَم فِيلاً قَتَلَتْهُ أُسْرَتُكِ لِئلا تتضايقي / وَأنتِ تنامين في بُكاءِ الغاباتِ ؟ / لَكِ خَدَمٌ مِن الثعالبِ الخائنةِ / هَل فَكَّرْتِ بالليلِ يَغْسلُ دَمْعَ البَلَحِ ؟ /
     احتضاراتُ الصَّقيعِ أقامت مَصْنعاً لتكرير الملحِ على ضِفَّةِ دُموعي / إِنْ أَخُنْ قلبي أَخسرْ وَجْهي/ إِنْ أَعْشَق الرَّصاصاتِ أفقدْ مَمالكَ المجاعةِ / فَعُودِي إِلى أسنانكِ / ونظِّفيها بِسَعَفِ النَّخْلِ / فالأرضُ شَمْعةُ الغُرباءِ / إذا انطفأتْ أشعلتُها بذكرياتي في المدنِ المنسيةِ / لَحْنٌ خَافِتٌ يَطْلُعُ مِن الشَّوْكِ / وَالشَّوْكُ لم تَلْمَسْه أُنثى مُنذ مَصْرعِ أُمِّهِ / ولا أَذْكرُ أن أُنثى لَمَسَتْني إلا البحيرة / كُنْ يا غُبَارِي عِندَ حُسْنِ ظَنِّ الميناءِ المحطَّمِ بِكَ / بَحَّارٌ صُداعُ التَلِّ الحافي / والطاعونُ يحتلُّ ذَاكرةَ القَشِّ / يَسِيلُ دَمُ الوِلادةِ / وأنا سَأموتُ / وَقَدْ يَأْتي عُمَّالُ مَناجمِ الفَحْمِ إلى مَغارتي / ويتناولونَ خُبْزِي / وَيَسْخرون مِن تَاريخِ عائلتي في الأدغالِ / وَرُبَّما يَنْظرون إلى قَبري باستهزاء / فهل سَتَبْكين عَليَّ ؟/ هَل سَتَقُولين إِنَّ نَمِراً أَحَبَّني يَوْماً ما/ إِنَّ نَمِراً مَرَّ مِن هُنا ذَاتَ مَساء/ وَكَانت عَيْناه تَدْمعان حَنيناً ؟/
     أَيَّتها اللبؤةُ / عُيونُكِ تَنْقُشُ فِيَّ رِحْلةَ اللاعَوْدةِ / أُريدُ مِنكِ حِينَ تَصْطادين السَّوسنَ المجروحَ / أن تتذكَّري أحاسيسَ جُذوره / لكي تتذكَّري مَلامحي / أنا المنسِيُّ في قائمةِ عُشَّاقكِ الكثيرين/ صِرْتِ مَرَضاً في عِظامي/ ونَزيفاً في أعصابي / أَنتِ هَوَسِي / صَارت الفِئرانُ تَضْحكُ عَليَّ / أنا الأبُ الرُّوحِيُّ لأوراقِ الخريفِ / صَارَ الجميعُ يَسْخرون مِنِّي / صِرْتُ نَبَاتِيَّاً / ماذا سَأَقول لأبي وأنا أرجعُ كُلَّ لَيْلةٍ بِدُون فَريسةٍ ؟/ وَمَا زَادَ لحمي ظِلالاً أنِّي استقلتُ مِن السِّيركِ / واعتزلتُ الحياةَ السياسيةَ / مَا كُنتُ أظنُّ أن أُنثى سَتَفْعلُ بِي هذا/ ولكني سأقفُ ضِدَّ حُبِّكِ ما دَامَ حُبُّكِ رُمْحاً يُشرِّحني/ مَا زَالَ في تفاصيلي ضَوْءُ تمردٍ / وَرَفْضٌ لسَيَّافي الأرضِ / رِياحاً تأتي أعضائي المسعورةُ / أتذكرين لقاءنا الأولَ في المقبرةِ / والعناكبُ تَقْفزُ سَعيدةً بوجودنا ؟ / شَعَرْتُ أنهُ حُبٌّ مِن الرَّصاصةِ الأُولى / فَكَّرْتُ يَوْمَها أن أُقَبِّلَ تاريخاً حافلاً بالمرايا المشروخةِ في الرماد / كِدْتُ أقولُ لَكِ خَبِّئيني في يَدَيْكِ / مِن الصَّيادين وَعُلماءِ الأحياء / لكني أدركتُ أنني حيوانٌ / وأن الحيواناتِ أُلعوبةٌ تستمتع بها بَناتُ الأغنياء / أغارُ مِن شَوْكةٍ تَلْمَسُكِ  / أصبحت الحيواناتُ تفاحةً بائسةً تُؤَجِّرُ رَحِمَها للرِّيحِ / مَا عَساكِ أن تفعلي في هذا العَالَمِ المتوحِّشِ ؟ / تعالَيْ أتزوَّجْكِ فتنجبي أنصافَ نمورٍ وأنصافَ أُسودٍ / ثم نُشعلُ الانقلاباتِ على أناشيد الغابة / نحن خَاسِرون إِنْ لم نُرسِلْ قاتلينا/ إلى أرشيفِ الهياكلِ العظميةِ / فَلْنَبْدَأْ مِن دَمِكِ وَدَمِي / مِن مَوْتي وَمَوْتِكِ /
     يَغْمرني المكانُ فأصحو ذَبيحاً / يَنتحرُ الطُّغاةُ على بَوَّاباتِ اكتئابي / أَلْفُ مُسْتنقعٍ يَغْفو في أعمدةِ انهياري / ناسفةَ حُطامي / عَشيقةَ ذُبولي/ مَن الخاسرُ فِينا ؟!/ لا أُصَدِّقُ أنَّا جَرَحْنا أحزانَ الغُصونِ / وَتَبَادَلْنا الدُّموعَ بَدَلَ الهدايا / ولم ننتبه إلى أننا قَتَلْنا الفَرَحَ في معاطفنا/ وَبَذَرْنا الكَرَاهِيَةَ في طُرودٍٍ مَلْغومةٍ تتأرجحُ فِينا/ وفَجْأةً / أصبحت قِصَّتُنا فُكاهةً على ألسنةِ القُرودِ وَدِبَبةِ الباندا /
     إنها الأمطارُ فيذهبُ الجميعُ إلى مَخْبئه/ وأظلُّ هائماً مُبَلَّلاً بلا مأوى/ أنالُ عَطْفاً مُؤَقَّتاً مِن مُخرجِ أفلامٍ وثائقيةٍ / يَجْني الملايين والتصفيقَ / ثُمَّ يَرْميني في الشَّارعِ / رُجولةُ الزَّوْرقِ / وامرأةٌ تُذبَحُ في الستائرِ الرماديةِ كُلَّ لَيْلةٍ / تُذبَحُ في أحضانِ زَوْجٍ تَكْرهه / أنا حيوانٌ / لكنْ لَدَيَّ شُعورٌ يَصْهرُ أعصابي في وَهَجِ الزنابق / أحتاجُ إلى أُنثى تُشارِكني مَسيرةَ التَّوَحُّشِ / وشَهْوَةَ الاكتشافِ / وَجُنونَ الانطلاقِ الشَّرسِ/ لِيَكُن الحبُّ بَيْنَنَا حَرْبَاً تتعانقُ فيها بَقايانا / لن أَخْرجَ مِن جِلْدي / لكني سَأُجَهِّزُ على شُطآنه مَقعداً يَتَّسعُ لجثةٍ نتقاسمها وتتقاسمنا/ ونضمُّ أجسادَ مَوْتانا ونموتُ / أَعْطَيْتِني دَمَ الفَريسةِ تِذكاراً / تَذَوَّقْتُه فَوَجَدْتُه مُرَّ المذاقِ / كمساميرِ نَعْشي المهترئةِ / أنا وأنتِ قاتلان / كِلانا سَرَقَ بَراءةَ الغِزْلان / فلا تَلْبَسي الأُنوثةَ .
مَلِكُ الغابةِ غير المنتخَب
                                                                                                                 النمر

23‏/06‏/2019

الساعة الرملية تعلن موعد بكائي / قصيدة

الساعة الرملية تعلن موعد بكائي / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     أَزِقَّةُ الفِئرانِ هِيَ أطيافُ الغُرباء في صَوْتِ الرَّصاصِ / والخلفاءُ المهزومون كهوفٌ تَلتقطُ خَطيئةَ اللازَوَرْدِ / وَدَاعاً يَا حفَّاري القُبورِ / الذين لَيْسَ لَهُم زَوْجاتٌ يَنْتظرنَ الأناشيدَ الدافئةَ / على عَرَباتِ القِطاراتِ المختبئةِ في حَبَّاتِ المطر/ خَبَّأَ الثلجُ مِفتاحَ سَيَّارته في تَجاعِيدي / والعِظامُ الحزينةُ عَلى الزُّجاجِ المغْسولِ بالجثثِ / والدُّموعُ مُعطَّرةٌ بِنُعوشِ الأنهارِ / يَتَوَكَّأُ الرَّمْلُ العَجوزُ على جُثَّةِ الأمواجِ / ضَاعَ الوطنُ / ضَاعَ المنْفَى / فَتَعَالَ يَا عُشبَ القُبورِ لِنَسْكُنَ في قَصيدتي / قَصيدتي كُوخٌ بِلا سَقْفٍ/ وَقَارُورةُ الحِبرِ تُطِلُّ على قَبْري في قَاعِ البُحَيْرةِ/ مَزْهريةٌ مَخْدوشةٌ عِنْدَ نافذةِ العَواصفِ / وَصُكوكُ الغُفرانِ على مَكْتبِ الكَاهنِ الأعمى / فَتَعَالَ أيها الوَرْدُ الذابلُ / لِنَزُورَ قَوْسَ قُزَحَ وَهُوَ عَلى فِراشِ الموْتِ /
     البِطاقاتُ المصْرفيةُ لِلبغايا آخِرَ الليلِ / وانحناءاتُ السَّنابلِ على أكْوامِ الجثثِ / والقَمَرُ يَرْمي الجماجمَ على الجُسُورِ الحزينةِ/ كِيسُ خُبْزٍ بَاردٍ في يَدِ أَرْملةٍ / كأنَّ الخريفَ خَبَّازٌ عَاطِلٌ عن العَمَلِ / أَخْبِزُ الذِّكرياتِ في مَناجمِ الفَحْمِ/ لأُطْعِمَ الصُّخورَ المقْتولةَ في المرفأ / تُقاتِلني أزرارُ قَمِيصي / ومَلابسي تُطْلِقُ عَلَيَّ الرَّصاصَ/ أَمْسَيْتُ حَديقةً بِلا نَزِيفٍ يَقْطِفُني / وَضَعْنا السُّمَّ في قَارورةِ العِطْرِ / وَالفُرْسانُ العاطِلون عَن العَمَلِ / يُؤَدُّون التَّحِيَّةَ العَسْكريةَ لِجُثَّةِ الملكةِ / تَكتحلُ الأسيراتُ بِعَرَقِ السَّجانين / وَكُلَّما أَجَّلت الذُّبابةُ مَوْعِدَ شَنْقي / حَضَنْتُ صُورةَ أُمِّي /
     عُمَّالٌ يَتَسَلَّقون الحافلةَ التي تَذْهَبُ وَلا تَعُود / والبحرُ الباكي يَطْبَعُ لَحْمَه الضَّوْئيَّ / على وَجْهِ بائعِ الذُّرةِ المشْوِيَّةِ / وفي شَرايينِ المطرِ حُزْنٌ / لا يَنْمو إلا في بُرْتقالِ المجرَّاتِ / خُذْ تُرابَ ضَريحي كُحْلاً لأشجارِ المذْبحةِ / أَمْشي في جِنازةِ أَبي كَقارورةِ الحِبْرِ المكسورةِ/ وأُطَالِعُ مُؤلفاتِ أُمِّي التي لا تَقْرأُ ولا تَكْتبُ / غَرِيبٌ أنا / وَمَا عَرَفَني الرَّصيفُ / إلا بَعْدَ أن أَخَذَ بَصْمةَ دُموعي /
     اعْشَقْني أيُّها الشَّاطئُ الذبيحُ / ارْحَمْ ثُقوبَ رِئتي / ثِقْ بِحُفَرِ قَلبي / قَلبي لا يُشَكِّلُ خَطَراً على القُصورِ الرَّمْليةِ / أَهْرُبُ مِن زَنازينِ الوَرْدِ / وعُيونِ زَوْجةِ القُرْصانِ / أولادُ الإمبراطورِ يَدْرُسون في مَدَارس أجنبيةٍ / وَيُلاحِقون يَتيماتٍ لا يَمْلِكْنَ رُسومَ المدرسةِ الحكوميةِ / وَالوَحْلُ يَصُبُّ سَائِلَه المنَوِيَّ في حُفَرِ المجاري /
     وَطَني / تَصَدَّقْ عَليَّ بِثَمَنِ كَفَنٍ / خَانني مَرْفأُ الرِّيحِ / خَدَعَتْني أَعْوادُ المشانقِ المنثورةُ في المرْمَرِ/ كُلُّ نِساءِ القَبيلةِ رَفَضْنَ وَجْهي/ لأني لا أَمْلِكُ ثَمَنَ زُجاجةِ دَواء / للصَّحاري النَّائمةِ على سَريرِ المرضِ / عِشْقٌ غامضٌ يَشْتعلُ في أعْوادِ الثِّقابِ / وَيَنْطفئُ على أعْوادِ المشانقِ / وفي صُداعي شَجَرٌ أَخْرسُ يَسْتمعُ إلى بَوْحِ الأزمنةِ / ذَلِكَ القَتيلُ هُوَ أنا/ لا يُشْبِهُ الحطبُ إِلا سُعالي/ كُلَّما وَضَعْتُ رَأْسي على الوِسادةِ / رَأيتُ وُجوهَ الموْتى على زُجاجِ النافذةِ / أنا الطَّيْفُ الأُرْجُوَانِيُّ / سَأكْسِرُ الصَّليبَ يَوْماً ما / فلا تَكْرَهْنَ ذِكْرياتي أيَّتُها الرَّاهباتُ الغارقاتُ في دَمِ الْحَيْضِ /  
     مُشْتاقاً إلى القُرى المنْبوذةِ / التي لا يَصِلُ إِلَيْها عُمَّالُ النَّظافةِ / أُحارِبُ ظِلالي بأحزانِ سَاعي البَريدِ الذي لا يَأْتي / وَتَاريخي محاولةٌ فاشلةٌ لخِطبةِ ابْنةِ عَمِّ النِّسيان / والْجَزْرُ أَنشأَ لَهُ مَوْقعاً على الإِنترنتِ / فَأَغْلَقَهُ الْمَدُّ / يَرْتاحُ المحارِبون في حَناجرِ الفَراغِ / وَالمِقْصلةُ تُرَتِّبُ أثاثَ رِئتي/ النَّزيفُ الصَّحراويُّ / والرِّمالُ تُوَرِّثُ جُمْجمتي للرِّمالِ / جُنديٌّ نَسِيَ أَن يُوَدِّعَ زَوْجته قَبْلَ الذهابِ إلى المعركةِ / والمنفيُّون لم يَأْتوا إلى عُروقي / لِيَشْربوا الشَّاي المثلَّجَ / تُهاجِرُ الرُّؤوسُ المقْطوعةُ مَعَ الأمواجِ / والغُصْنُ المكسورُ رَسُولٌ بَيْنَ العُشَّاقِ / سَيَصْعَدُ اليَمامُ مِن آبارِ الدِّماءِ / عِنْدما تَصُبُّ الأراملُ دُمُوعَهُنَّ في بِئْرِ القَرْيةِ / خِرافٌ مَقْتولةٌ تَسْكنُ في جُثةِ الرَّاعي / بَشَرٌ يَدُورون حَوْلَ جماجم أُمَّهاتهم / يُسْحَبون إِلى القَتْلِ / لِيُثبِّتوا نِظاماً مَلَكياً على سَطْحِ القَمر/ بَعوضةٌ تَرْقصُ في مَأْتمِ الشُّموسِ ثُمَّ تُقتَلُ/ شُرْطياتٌ لِتَسْليةِ القادةِ المهزومين / فَيَا سَيِّدتي الوَحيدةَ / أَبْعِدي ضَفَائِرَكِ عَن شَاهِدِ قَبْري/ أَرى لمعانَ الموْتِ في عَيْنَيْكِ /
     مَن يُبايعني على الموْتِ في سَبيلِ خَالقِ الموْتِ / هَذا وَقْتُ انتشارِ الْحُسَيْنِ فِينا / حَليبٌ مُلوَّثٌ باليُورانيومِ / فَيَموتُ الأطفالُ كالنباتاتِ المتأخِّرةِ عَن بَاصِ المدرسةِ / والحزنُ يَزْحفُ عَلى بَطْنِه / أمامَ بَريقِ الرِّماحِ المسْتَوْرَدَةِ/ أَتعرَّفُ عَلى شَرايينِ أَبي الممزَّقةِ / وفي أَرشيفِ اليَاقوتِ/ دُودةٌ تُخبِّئُ في رِدائها كِلابَ حِراسةٍ/ تَجري أنهارُ اللهبِ وَراءَ طَائرةٍ وَرقيةٍ/ وَكُلُّ آبارِ النِّفْطِ في حَلْقي مَاتَتْ/
     لا أنا الحسينُ / ولا أنتِ شَهربانو / لا أنا ابنُ زَيْدون / ولا أنتِ ولادة بنت المستكفي/ لا أنا ابنُ عَربي / ولا أنتِ عَيْنُ الشَّمْسِ / لا أنا دُودي / ولا أنتِ دَيَانا / أنا القَتيلُ الْحَيُّ الشُّعلةُ المنْدَفِعةُ في الأعاصيرِ/ فَاكْتُبْ يَا قَمَرَ الضَّحايا مَأْساةَ قُرطبة / على شَجرِ الجروحِ / بِعْنا حَيْفا وبَكَيْنا عَلَيْها/ رُمُوشُنا تَسْهرُ في الحاناتِ كالضفادعِ/ قُلوبُنا الصَّخْريةُ نَامت على الصَّخْرِ الزَّيْتي / وَالظَّهيرةُ تَسْحبُ جَوازاتِ السَّفر مِن الجنودِ/ والكَهْرمانُ الدامعُ هُوَ الوَرِيثُ الشَّرْعِيُّ لانكسارنا / قَمَرٌ مُخْتَبِئٌ في قَارِبٍ يَعْشَقُ انتحارَه /
     جَمَاجِمُ النِّساءِ في صُحونِ المطبخِ / والحضارةُ انكَسَرَتْ بَيْنَ الصُّحونِ والثلاجةِ / والمرأةُ مَاتتْ بَيْنَ السَّائِلِ الْمَنَوِيِّ وسَائِلِ الْجَلْي .

22‏/06‏/2019

أمام قبر النبيِّ شُعَيب

أمام قبر النبي شعيب / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     ضَمَّت خُطايَ يَنابيعُ الأرصفةِ وَجِئْتُكَ/ سَيِّدي / الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَيْكَ / غَسِّلْنِي فأنا مَيْتٌ وأنتَ حَيٌّ / تَرْتجفُ دُموعي شَوْقاً / امْنَحْنِي شَرَفَ مُجَاوَرَتِكَ / وَجَسدُكَ ضَوْءٌ مُنتشرٌ في الفضاءِ / مَدَدْتَ يَدَكَ إلى قَوْمِكَ / لكنَّ العُميانَ لم يَرَوْا غَيْرَ جُثَثِهم /
     أنا ضَوْءٌ مكسورٌ في حَضْرَتِكَ الماحيةِ / أَدْخِلْني في مَجْدِكَ / حَرِّرْني مِن أحزاني / كُلُّ نبيٍّ رَعَى الغَنمَ وَاثِقاً مِن بَريقِ عَيْنَيْه / ونِساؤُنا يَبْحَثْنَ عن الأُمراءِ ورِجالِ الأعمالِ / وَجُيوشُنا تَسهرُ على رَاحةِ أعدائنا / كُلَّما أَتيتُ إلى حَضْرتكَ العُليا / خَرَجَ السُّمُّ مِن أعصابي / أُقَبِّلُ يَدَيْكَ أيها السَّيِّدُ المتواضِعُ / امْسَحْ على رَأْسي /
     في نَبَضاتِ قَلْبِكَ عِطْرُ الإيمانِ وأزهارٌ لا تَذْبَل / لَوْ أَنِّي أَموتُ عِنْدَ قَدَمَيْكَ / وَاقِفٌ على أعتابكَ / لَعَلِّي أَحْظى بِنَظْرةٍ مِنْكَ / فأَطِيرُ في الحقولِ وَرْداً / أَصْنعُ مِن خُيوطِ جِلْدي نِعالاً للأنبياء/ وأتبرَّكُ بِعَرَقِهِم في طريق هِجْرتي الأبديةِ إلى شمسِ المعنى/
     هَاجَرَ الأنبياءُ إلى خَالِقهم / وَبَقِيتُ وَحِيداً / أُسافِرُ مِن الحُزنِ إلى الحزنِ / الأنبياءُ شُموسٌ لا تُكْسَفُ / حَوَّلوا عَظْمَنا إلى ثَوْرةٍ على الطُّغاة / إسلامُنا ثَوْرَتُنا انقلابُنا الكَوْنِيُّ / أَخَذونا مِن آبارِ قُلوبِنا إلى الضَّوْءِ الباهرِ / لَوْ أنِّي أَغْسِلُ نِعالَ الأنبياءِ بِماءِ عُيوني / خُذوا بِيَدِي إلى حَضْرةِ الْمَلِكِ القُدُّوسِ / لَفْظُ الجلالةِ مَحْفورٌ في قَلبي بِمَاءِ المطرِ /
     يا إلهي العظيمَ / نُورَ السَّماواتِ والأرضِ / تُهاجِرُ رُوحي إِلَيْكَ / وأنا في مَلَكُوتِكَ البديعِ / آتِي إِلى بَيْتِكَ ذَلِكَ الفَضاءِ / وفي عُنُقي أغلالُ خَطِيئتي / أَتعرَّفُ على شَهِيقي وَزَفِيري شَاهِدَيْن على خَطايايَ / أَحِبَّني أَجِد اسمي وقلبي .

21‏/06‏/2019

خشبة المسرح وخشبة الإعدام / قصيدة

خشبة المسرح وخشبة الإعدام / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     غَزا البرتقالُ صَوْتَ النُّجُومِ في عُقْرِ دَارِه / أَعرفكَ أيها النَّزيفُ المنتصِبُ ذاكرةً للثلجِ / لا شَكلُ الياقوتِ عَشيقُ المومساتِ / ولا عَظْمي حارسُ الملكاتِ / عُصفورةٌ تَعزفُ على حَبلِ مِشنقتي/ والشواطئُ أحْمرُ شِفاهٍ للسَّجيناتِ/ فلا تَسأل السَّجانةَ / لماذا تَغسلين نَعْشَكِ بالمبيداتِ الحشريةِ ؟ /
     أيُّها الأعمى في المحاكمِ العَسْكريةِ/ أَعْطِني عَصاكَ كَي أَصطادَ ذِكْرياتِ البَعوضِ/ خَاتَمُ الخطوبةِ في إصبعِ خَيْمتي/ يَحتلُّ مَطاراتِ كَبِدي/ يَتفرَّقُ دَمي بين قَبائلِ الموْجِ / كما يَتفرَّقُ رِجالُ البوليسِ السِّري بين أزرارِ قَميصي / فاكْرَهِيني يَا مِدْخنةَ كُوخي أو أَحِبِّيني / إِنَّ الآلةَ الحاسبةَ لم تَحْسِبْ دَقَّاتِ قَلبي /
     يَا ضَباباً يَبيتُ جائعاً في زَوْرقِ البُكاءِ / لماذا تَستخدمُ دَمِي لِتَقْطيرِ الويسكي ؟ / يُعلِّمني ضَحايا المجزرةِ جَدْولَ الضَّرْبِ/ أسلاكُ المعْتَقَلِ الصَّحراويِّ في آخِرِ الصَّيْفِ / وَلَحْمُ البُحيرةِ مُقطَّعٌ على مائدتي / والأريافُ الدَّمويةُ تُنادي على أهدابي / أُتَرْجِمُ ظِلالي إلى لُغةٍ يَفْهمها سَجَّاني ولا تَفْهمها أرملتي / أُضَيِّعُ وَقْتي في احتضانِ مِرْآتي / وأَدْفعُ مَهْرَ ابْنةِ حَفَّارِ قَبْري / وأَجْمعُ ضَفادعَ النَّحيبِ كالطوابعِ البريدية في أكواخِ الصَّفيحِ / سَتَبْذرُ العاصفةُ اللازورديةُ رائحةَ الجثثِ في الرِّياحِ الشَّمْسيةِ / وأَمْشي إلى قَبْرِ أبي رِيفاً بلا سُكَّان / أَو سُكَّاناً بِلا رِيفٍ / وَسَوْفَ يَدْفِنُ زُجاجُ الكنائسِ الراهباتِ في مَقبرةٍ رِيفيةٍ / تَحْتَ أضواءِ المساءِ الجريحِ /
     الليلُ النازفُ فَراشاتٍ عِندَ شُطآنِ مَعِدتي / جِئْتَ يا حُزْنَ القطاراتِ في مَوْعدِ احتضاري / قصائدي تَتْلوها الأشجارُ أمامَ ضريحي / وثُلوجُ بِلادي قُبَلُ المجازرِ على خَدِّ المساءِ / لَم تَجِد الغَيمةُ ألواناً زَيْتيةً لِرَسْمِ انتحاراتي/الأنهارُ الحُبْلى بالبارودِ/ هَل تأخَّرتْ عِظَامي عَن حَفْلةِ الهياكلِ العَظْميةِ؟/ أُطْلِقُ كُرياتِ دَمي على تِلالِ الشَّمْسِ / وأبكي مَعَ القَمَرِ الميِّتِ / خانتني دُموعُ الميناءِ ولم أَخُنْها / والهِضابُ تُهرِّبُ أسماءَ فراشاتي إلى سكرتيرِ الجنرالِ / في مَكْتبه القِرميديِّ على خَيْلِ التَّتارِ /
     البراري تتحرَّشُ جِنْسياً بضريحِ الشَّلالِ / استغربَ الحِبرُ أن تُعْلِنَ الزَّوْبعةُ العِصيانَ المدنيَّ في جِلْدي / دَفنتُ تِينةً في عَمودي الفِقريِّ / صَنعتُ أراجيحَ للسُّنونو في نظاراتِ القمرِ الشَّمْسيةِ / دَرَّسْتُ الكِيمياءَ للقِططِ الضَّالةِ في القَبْو / والعواصفُ تَبني مَحاكمِ الذُّبابِ/ خَلعتُ حُقولَ الكاكاو مِن نَعْشي/ كَمَا يَخْلعُ الموْتى مُلوكَهم/ وكَمَا تَخْلعُ الفتياتُ المغْتَصَبَاتُ أجفانَ السَّجانِ /
     افْتَخِرْ بِي أيها الرَّصاصُ المطاطيُّ / تَقَيَّأْتُ جُمهورياتِ الظِّلِّ المتآكلِ/ وخَسرتُ مَقْعدي على طاولةِ البَحر / قُولِي لِي : (( اذهبْ إلى جَمالِ الذي خَلَقَ جَمالي )) / نَسيتُ حياتي لَمَّا رَأيتُ حَياةَ المقاصلِ / واخترتُ أثاثَ المنفى / لأنَّ العناكبَ تَبني قَلْعتي/ والحشراتُ تَخرجُ مِن رؤوسِ القَتْلى / والغزاةُ يَغسلون سَيَّاراتِهم بأكبادِ الثائرين / أيُّها النهرُ الذي يتوهَّجُ كالبنادقِ الجديدةِ / كُن أَجْملَ مِن غُيومِ دمائي عِنْدَ المغيبِ المرتعشِ /
     أَمْسَكْنا ضَوْءاً قَادِماً مِن خَواتمِ الجواري / لَمَحْنا نُعوشاً تَسيلُ مِن جَدائلِ البُحيراتِ / أَحْضِر الخِيامَ أيها الذبابُ اللاجِئُ / لِنَعْقِدَ اتفاقيةَ سَلامٍ بين كُرياتِ دَمي الحمراءِ والبيضاءِ / تَعَلَّمْنا الكِيمياءَ مِن حِبال المشانقِ/ والبُرتقالُ أرشيفُ القَتْلى / والموْجُ صَديقي القتيلُ/طَارَدَ اليتيماتِ في مَذبحةِ الكهرمانِ/ ثُمَّ حَمَلَ السلاحَ في وَجْهِ الذكرياتِ/ الذُّبابةُ حَارِسةُ قَبْري/ أَشُمُّ رائحةَ نزيفي على عَتباتِ المسْلَخِ / وأَسْمعُ بُكاءَ جُدرانِ شراييني/ أفعى تتعلمُ الرَّشاقةَ مِن فِيلٍ / أَحالَهُ مِعْصمُ الفيضانِ على التقاعدِ/ودُفِنَ في خَاتَمي سَيَّافٌ /مَشى في رَحيقِ العاصفةِ الْمُرِّ/ حَوْلي المطرُ الحِمْضِيُّ غَارِقاً في براويزِ الأيتامِ / حُطامٌ أَزْرقُ كَشِبْلٍ يَصْبغُ ذاكرةَ البراكين بألوانِ السنابل /
     كُنْ أَيُّها الغَيْمُ المزروعُ بالجماجمِ مِصْباحاً للأراملِ/ الجنودُ عَاطِلون عَن العَملِ/ ويَجْلسون على بابِ مَعِدتي/ تُسافِرُ قواربُ الصَّيْدِ إلى أصابعِ الغروب / ولا تَعود / تتبوَّلُ الأشجارُ في أعصابِ الأسرى/وأسنانُ البُحيرةِ تَتساقطُ كالحضاراتِ/ أخافُ أن تَخونني رُموشي / فارجعْ يا بُركانَ العِشق إلى الشواطئِ الموْبوءةِ وحيداً /
     اسْتَوْلَى على ضَريحي حِيتانٌ زَرْقاء / مُحنَّطةٌ في الكَهْرمانِ الغريبِ / اكتئابي مَختومٌ بالشَّمْعِ الأحمر / أخافُ مِن دَمي الممْزوجِ بالرِّمالِ / وأَحْلمُ بأنني لا أَحْلُمُ / تتساقطُ الذكرياتُ كأغصانِ القلبِ / فَكُنْ وَاثِقاً بمرايا الطوفان / حِينَ تتساقطُ الدُّوَلُ حَوْلَكَ كمشاعرِ العَوانسِ / حَبْلُ مِشْنقتي كَامِلُ الدَّسم / سأتحرَّرُ مِن قَناديلِ شَنْقي / عِندما تتحرَّرُ الرَّاقِصةُ مِن رَقْصتها /
     بَعْدَ مَوْتي سَتأخذُ رَاتبي التقاعديَّ النُّسورُ / التي أَكلتْ جُثتي / يَلتصقُ عِطْرُ سَجَّاني بهواءِ العواصمِ المحروقةِ / زِلزالٌ يَنامُ بين أجنحةِ عُقابٍ أعْزب/ وتنمو الألغامُ البحريةُ في حَديقةِ مَنْزِلنا / أُخَزِّنُ بَراميلَ البارودِ في حَلْقي/ وأَرْفعُ الرايةَ البيضاءَ أمامَ كُرياتِ دَمي البيضاءِ /
     مَاتَ قَلبي مَسْموماً / وَمَاتَ المساءُ بَعْدَ أن تَناولَ ذِكْرياتٍ مُنْتَهِيَةَ الصَّلاحِيَّةِ / وَطُردتْ مِن عَمَلِها نخلةٌ / لأنها ترتدي الحِجابَ / قُلتُ للبيادرِ المنهوبة : (( إِمَّا أن أكُون شهيداً أو شهيداً )) / ذُباباتُ تُعالِجُ النَّدى المريضَ على أسوارِ المنافي / أنا متفائلٌ لأنَّ المشانقَ البيضاءَ سَتُزْهِرُ عمَّا قليل / ثائرٌ أنا في حُزْنٍ يَحْكمه اللصوصُ المقدَّسون / مَرافئُ تُغيِّر جِلْدَها أناقةَ أعاصير / وعِندما أَوْقَدَت الأمطارُ سِراجي/ كُنتُ أنام مَعَ الزِّنزانةِ في فِراشٍ وَاحِدٍ / نَدفنُ أحلامَنا على ظُهورِ الخيْلِ / التي تَسحبُ توابيتَ آبائنا / أيتها الغمامةُ التي تشنقني / كُوني الشَّاهِدةَ على ابتساماتي / كُوني شَعْرِي يَوْمَ تَسكنُ النيازك في جِبالِ حَنجرتي / وتتهاوى اللبؤاتُ في عُلبِ الكِبْريتِ الفارغةِ / ضِفدعةٌ اهترأَ مِشْطُها الفِضِّيُّ /
     رَاجِعاً مِن أمعاءِ الحافلات/ اصطدمتُ بِقَوْسِ قُزَحَ/ الزَّنبقاتُ الوحيداتُ / وقطاراتُ الغروبِ / والخبزُ المحمَّصُ في شِتاءِ الأرامل / أُعلنُ قِيامَ دَوْلةِ شقائقِ النُّعْمانِ في سُعالي / مُتَأَخِّراً وَصلتُ إلى ذِكرى مِيلادي / وكانتْ أحزاني تتقاسمُ الرُّتبَ العسكريةَ / كما تتقاسمُ الجيوشُ أوسمةَ الهزيمةِ / عِشْتُ ومِتُّ / وقِناعي يُحاولُ اكتشافَ وَجْهي / والقَمحُ يَنمو على نَعشي /
     يَا فَتاةُ / عَلى سَاعةِ يَدِكِ انقلاباتٌ عسكريةٌ وَرِياحٌ جائعةٌ / حتى أنتِ تُلاحقينني بالقُيودِ / كَيْفَ أَعُودُ بِلا مِنْجَلِ أَبي ؟ / كَيْفَ أَعُودُ ؟ / ضَاعَ ساعي البريدِ في شَوارعِ بُلْعومي / أُعانِقُ بَقايايَ وأزهارَ المقابرِ / ضَاعَ الضَّياعُ في ضَياعِ سَرطانِ الثدي في بَراميلِ النِّفْطِ / أتناولُ كَأْسَ عَصيرٍ مِن يَدِ الزِّنزانةِ / سَلاماً أيُّها الوَطنُ الضائعُ / سَلاماً أيُّها الحزنُ الطالعُ / رَمَاني المساءُ في قَوافي الشِّعْرِ / وَكُلُّ المحاكِمِ التي تَعْشَقُ تَشْريحي بُرتقالةٌ مَنْفِيَّةٌ / أَلُمُّ فُتاتَ الخبزِ لِئلا يَدُوسَه مَوْكِبُ الحاكِمةِ / جُعْتُ وَمَشَيْتُ حَافِي الرَّصَاصَتَيْن في المراعي / نِمْتُ مَعَ الأغنامِ في الشَّفق الذبيحِ / اشْتَغَلْتُ عَامِلَ نَظافةٍ في مَعِدتي التي تَصْلبني / والرَّمْلُ حَفِظَ جَدْولَ الضَّرْبِ / لِيَحْسِبَ الرُّقَعَ في ثَوْبي /
     خُلْجانُ الدُّموعِ / والمِدْخَنةُ المكْسورةُ التي قَصَفَتْها الطائراتُ / والمطابِخُ الخاليةُ مِن الأُمَّهاتِ / والرُّؤوسُ المقْطوعةُ تَحْتَ جُسورِ سَراييفو / كُنَّا نَائِمين في أكوابِ الشَّاي الأخضرِ / في مَرْسمٍ لِتَلْوينِ الآلهةِ الفاشلةِ / حِينَ سُحِقَت الشُّموسُ في ليالي العُشْبِ الأحْمرِ / والليلُ عُرْسُ الضَّبابِ الحامِضِ/ الفَتياتُ تَرَكْنَ مَناديلَ الوَداعِ لِنَوارسِ البَحرِ/ والعَصافيرُ تَنْقُرُ جَدائلَ الرَّاهباتِ المجروحاتِ عاطفياً / وعُمَّالُ النَّظافةِ يُكَنِّسُونَ الْجُثَثَ في الشَّوارعِ / وأنا الْمُهَاجِرُ في أشلائي الضَّوئيةِ / طَلَّقْتُ الْمَلِكَاتِ / وتَزَوَّجْتُ البَدَوِيَّاتِ / وعُدْتُ إلى رَعْيِ الغَنَمِ في الوَطَنِ الضَّائعِ /
     انْتَظِرْني يا جُرْحي في أعالي زَفيرِ الذبابِ / تكتبُ الشَّجراتُ وَصِيَّتها بِحِبْرِ حَنْجرتي / يَا غَيْمةً تُظَلِّلُ التَّوابيتَ الْمُزَخْرَفَةَ/ كُونِي أُخْتي في الدُّروبِ/ يَنْسِفُ المطرُ شَهيقَ صُكُوكِ الغُفرانِ في مَمَرَّاتِ مَحاكمِ التَّفتيشِ / وعِندَما تَضيعُ الْجُغرافيا / ابْحَثْ عَن جَسَدِ امرأةٍ لِتَعيشَ فِيه / وعِندَما تَضيعُ الدَّولةُ / ابْحَثْ عَن صَوْتِ الْحَمَامِ لِتَمُوتَ فِيه .

20‏/06‏/2019

المنارة والرمال / قصيدة

المنارة والرمال / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     إِنَّهُ يَوْمُ الأَحد / طارق بن زياد يُحوِّل المتوسِّطَ إلى بغداد / كي تُحرِّر الشمسُ الأندلسَ/ حَرْبٌ بَيْنَ الهلالِ والصَّليبِ / تاجُ الأخطبوطِ أُحفورةُ زَبد / يجيءُ القَوَّادون كالفِطْر السَّامِ المحنَّطِ في الشَّفق / ويموتون / فَلْتَعْرِف الحملاتُ الصليبيةُ أن رِتشارد قَلْبَ الفأرِ هُزِمَ/ سَيَّاراتٌ كلاسيكيةٌ تَستبدلُ إطاراتِها سَاخرةً بألفِ جَسَد / والعائدون إلى انتحارهم / لم يَجدوا على صفائح مَوْتهم إلا أرواحهم والطينَ / وبِلالٌ شَقَّ الفضاءَ صَوْتُهُ : (( أَحَدٌ أَحَدٌ )) / حَديدُ الأقفاصِ أعمى / وابتسامةُ الرِّيح لا تقتني العُميانَ / يا محاكمَ التفتيشِ / إِنَّ رُوحي تَحيا حِينَ تقرأُ سُورةَ الصَّمَدِ / مَدَدٌ مَددٌ / يا رَسولَ اللهِ مَددٌ /

     إنهُ يَوْمُ الأحد / جاك نيكلسون يُزيح عن جوائزِ الأوسكارِ عُرْيَ وَجْهه / يُحيلُ خَشبةَ المسرحِ الجارحةَ إلى قُبورٍ كثيرةِ العَدَد / يَضَعُ أرشيفَ العارِ في السرير / لكي يستيقظَ في الصباحِ قتيلاً / ويَذهبَ إلى التصوير كَامِلَ الغبارِ/ مُفعماً بخرائط الرَّمد / وأطفالُنا يَسْتخرجون البارودَ مِن حناجر السَّمك / مَدَدٌ مَددٌ / يا رَسولَ الله مَددٌ /
     إنهُ يَوْمُ الأحد / أشباهُ رِجالٍ يَضعون زَوْجاتهم على عقارب السَّاعة / ويُقَبِّلون يَدَ الصنم / لَن يَحْمِيَهم القَبْو من الصاعقةِ / لَن يَضْحكوا إلى الأبد / يَذُوبون كالمكانسِ الكهربائيةِ / كالأشباحِ المعدَّلةِ وِراثياً / ماتَ التاريخُ / واحترقُ الأرشيفُ/ وتَبخَّرت غاباتُ البارود / مَدَدٌ مَددٌ / يا رَسولَ الله مَددٌ /
     إنهُ يَوْمُ الأحد/ للانهيارِ أفئدتُهم للبكاءِ عندما لا يَنفعُ البكاءُ / يَحْملون تِيجانهم وجِيَفَهم / وَيَتزوجون الرصاصَ المطاطيَّ / سَأُقاتِلُهم في المقابرِ / في المذابحِ / في المسالخِ / في المسارحِ / على شَاشاتِ التلفازِ / وَفَوْقَ القَمر/ طَيْفُهُم حُطَامُ الصحراء/ جُرُوحِي سَنَابِلُ اللهبِ/ وَبِلالٌ مَلأَ الكَوْنَ صَوْتُه حتى سَمِعه زُحَل: (( أَحَدٌ أَحَدٌ )) / مَدَدٌ مَدَدٌ / يا رَسولَ اللهِ مَددٌ .

19‏/06‏/2019

اغتيال العصفور تحت نجمات الدمع / قصيدة

اغتيال العصفور تحت نجمات الدمع / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

    الذي وَضَعَ أغاني أدغالِ الدَّم عَلى سَرْجِ حِصانٍ / هو النِّسْيانُ الأخضرُ / أيُّها القلبُ الذي يَتحوَّلُ وَطناً للغُرباءِ وعَابِري السَّبيلِ/ يَصيرُ خَيْمةً للغَجرياتِ/ وكَهْفاً للقصائدِ الممنوعةِ / يَنامُ المطرُ على رُموشي / مَسْكونٌ أنا بالطُّوفان/ خَبِّئْني يا أَبي في أكفانكَ / وأَنْجِبني في لُغةِ احتضاركَ / تَحتلُّ دَفاترُ الريحِ وَجَناتِ الأسيراتِ / والمساءُ هَجَمَ عَلى جُثتي الْمُوَزَّعَةِ عَلى مَقَاعِدِ مَحطةِ القِطاراتِ/
     يا وَطناً يَتساقطُ على طَاولاتِ القِمار/ وَدِّع العُشَّاقَ الذين يَصْنعون توابيتَ عَشيقاتهم / مِن خَشبِ طَاولاتِ المطاعم / وَاحْرُسْ جُمجمتي الملقاةَ على أصابعِ العاصفة / وخُذ المشرَّدين مِن حُقولِ البَارودِ إلى سَريرِ التَّعبِ ليرتاحوا !/ لا تُسَلِّمْنِي لثرثرةِ قُضبانِ السِّجنِ / في جِهاتِ جَوْز الهِند / أَعِدْ لِي جُثثَ الأَرانبِ المتعفِّنةَ / كي أَدْفِنَها في الهِضابِ الخارجةِ على قانونِ النَّخاسين /
     أضاعَ الضَّبابُ فُرشاةَ أسنانه / في بَراميلِ البَارودِ / وفي مدائنِ الصَّمتِ بُكاءٌ لَم يَرِثْ عَن أبيه إلا المِنجلَ / لكنَّ الصَّفْصافَ المذبوحَ في أبجديةِ قَوْسِ قُزَحَ / يُشاهدُ رَجلاً يُردِّدُ أناشيدَه في البَرِّيةِ / تَابَعُوا خُطاهُ على القَش المطعون / وَجَّهوا رِماحَهم ذات الرؤوسِ الفِضِّيةِ في عَيْنَيْه/ وأَطْلَقُوها / كانتْ زُجاجاتُ الدَّمْعِ شَاهِدةً على اغتياله / فَكَسَرُوها ! /
     وَلَمَّا اصْطَادَت الفِضَّةُ حَبْلَ مِشْنقتي / قَالت له: (( عَلَيْكَ أن تنتميَ للوطنِ ))/ فقالَ وَالسنابلُ تَجْرحه : (( أين هو الوطنُ حتى أنتميَ إليه ؟! )) / وَطَنَ النوارسِ الذي يَضيعُ في وَرِيدي مَشانقَ ضاحكةً / ومجلاتٍ بلا عناوين / أنتَ زِنزانتي وَحُرِّيتي وطفولتي المقتربةُ مِن جَمرِ العَطَشِ / وَالشَّجرُ يَعْملُ بَعْدَ الظُّهْرِ طَبيبَ أسنان /
     كَيْفَ أَغْرسُ صَنوبرَ الجِراح في مقابر الجرادِ/ وَيَدَاي مُلطَّختان بأشلاءِ الفجر؟!/ اكْتَشِفْني في مَقبرةِ عائلتي/ وأنا أَدُورُ كالطَّيْرِ المذْبوحِ دَمْعاتٍ/ واكْتَشِفْ في الأناشيدِ الميْتةِ زَوْبعةً / عِندما تنامُ البُروقُ على بُرتقالةٍ جَاهِزةٍ للرَّحيلِ / خُذْ أشعاري لِسَقْي حَنجرةِ الصحراء/ ذِئبةٌ مُحَنَّطةٌ في عُلبةِ المِكياجِ / وَدَمِي الباردُ على الثلجِ الساخنِ / سَأَظَلُّ غَامِضاً حَتَّى يُسْقِطَ الموتُ قِناعي / والذِّكرياتُ مَمْلكةُ المنبوذِين /
     يا كُلَّ المخبِرِين العائدين إلى أرضهم الميْتةِ / في صَباحاتِ الخريفِ الدَّمويةِ / أُطردوني مِن جُرحي / تَجِدوني في جِراحِ الآخرين / عَلَّقْنا طُفولتَنا على رُموشِ العواصف / فادْفِنوا ضَحاياكم بَعْدَ أن تُصَلُّوا عليهم / أُمَّهاتهم رَجَعْنَ إلى الصُّوَرِ الذابلةِ في بَراويزِ البُرتقال / وَسَجدتْ حَنجرتي على سَجاجيدِ الجامعِ / تِلْكَ دموعٌ خَضْراءُ في الغُرفِ السِّرية في الدَّيْرِ / والباستيلُ صُورةُ السُّعالِ على الفُؤوس / ألواحُ المسْلَخِ الشَّمعيِّ / والزَّيْزفونُ القتيلُ / والتلالُ الذهبيةُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَّالِ المناجم / والأعاصيرُ لا تَرحمُ بُكاءَ قَهوةِ الأسرى / ما لَوْنُكِ يَا قَلعةَ الأحزان / عندما يُوقظُ شُعاعُ الشمسِ مِدْخنةَ البَيتِ الخالي ؟ /
     كَقَصَبِ السُّكَّر في الضُّحى/ كان شَاهِدُ قَبْري / دَخلتْ نعومةُ الأمطار/ في ثيابِ حفَّارِ القُبور / رَفَضَتْني نِساءُ المزهرياتِ / لأني لا أنامُ إلا مَعَ سَيْفي / هَزمتُ الأكاسرةَ في خَريفِ الظلالِ / وخَسرتُ أمامَ صُورتي في المِرآة / أصابعي بَابُونَجُ الثورة/ وَلْتَنْهَضْ شوارعُنا تُكَنِّس أحطابَنا / المتقمِّصةَ إناثَ الكلابِ /
     زَوْجتي لم تُولَدْ لكني أُحِبُّها / ولا أَعْرفُ مَن سَيَموتُ أوَّلاً أنا أَم اكتئابي/ فيا قَمَري الجريحَ / إن الياقوتَ يَحتسي مِشنقةَ العاشقِ الوَحيدِ / قَتَلوه / نَسَجوا من سُنبلاتِ كَبِده مِعطفاً سميكاً / ولم يَرَوْا وِشاحَ ابنته مُمدَّداً على القناديلِ / قالبُ شوكولاتة في يَدِها / ذَوَّبه وَهَجُ الرَّصاصِ في دَمِها / زُمردةٌ غامضةٌ في مرايا الرَّحيلِ/ تموتُ وتسألُ عَن نجمةِ الشَّتاتِ / والغاباتُ الضَّوْئيةُ التي وُلِدَتْ في دِمَشْق / مَاتتْ في قُرْطُبَة / شَمْسٌ تَطعنُ جَدائلَ الرِّيح / أعلامٌ مُنكَّسةٌ في إعصارٍ / يَبْحثُ عَن عُروش دَمي/ أنا آسِفٌ لأني تألمتُ حِينَ قَتلتموني / أنا آسِفٌ لأنَّ لُعابي لَوَّثَ مَعاطفَ الملكاتِ / وَهُنَّ يَبْلَعْنَ الشَّمبانيا على جُثتي / أنا آسِفٌ لأنَّ رؤيةَ أكفاني عَكَّرَ مِزاجَ الذُّبابِ / أنا آسِفٌ لأنَّ صُداعي أَزعجَ ضُيوفَ القَيْصرِ في رُفاتِ المجازرِ /
     المخْبِرون جَالِسون في جَوْف بِنطالي / بِئرٌ تراودني عَن نَفْسي/ أَهْربُ من المرايا/ واحتضاري مِرْآتي / ضريحي أحجارٌ غَيْرُ كَريمةٍ/ تَكْسِرُ تاجَ الرُّكامِ/ يا تاريخَ الأسماكِ المتكسِّرَ / على بَلاطِ مَعابدِ رُوما/ المعقَّمِ بالرُّؤوسِ المقْطوعةِ / ارْفُض قِناعَ السَّيافِ /
     جُمْجمتي رَايةٌ للغرباءِ / مَنْصوبةٌ في المجموعة الشَّمْسيةِ/ أَكْمِل المِشوارَ يا وَجهي إِن انتقلتْ أعصابي / مِن الصَّحاري إلى الثُّكناتِ العَسكريةِ / الزنابقُ المحترقةُ تَقفزُ على أكتافِ الغيومِ / حَضاراتٌ مُتَّشحةٌ بالمبيدات الحَشريةِ / واليمامُ نَحَتَ خَرائطَ الفحيح على أظافري / والفراشاتُ تُحاوِرُ ظِلالَها بالبُندقية /
     أَعْزِفُ على أشلائي / وخَشبُ البيانو يَحترقُ في شَهيقي / نُخبِّئُ دُموعَ أُمَّهاتنا في الأواني الفخَّارية/ قُتل المغنِّي / عَقَدْنا اتفاقيةَ سَلامٍ بَيْنَ الصَّوْتِ والصَّدى / السِّهامُ تَعرفُ تضاريسَ قلوبنا / لكنَّ الضَّبابَ أضاعَ مِفتاحَ قَفَصي الصَّدْريِّ / والجسورُ الخرساءُ تَعرفُ أحذيةَ الجنودِ/ جُيوشٌ لا تَعْرِفُ غَيْرَ قَصْفِ أغشيةِ البَكارة/ أينَ القُبطانُ الذي أهدى دَفَّةَ السَّفينةِ للسَّائحات ؟ / أين العاشقُ الذي بَصَقَ في بُلعوم النَّار ؟ /
     كانت قوافلُ الغزاةِ المصلوبةُ/ تمشي عَلى رُموش الصخور/ نَحْوَ ضوءِ الإعدام / شَمْعُ الجنونِ تَحْمِلُه بَغايا بَني إِسرائيل / لإِرشادِ زَبائنِ آخِرِ الليلِ / أتى هُولاكو مِن أبراجِ المراقَبةِ في الكنائسِ / مَقاصلُ حَجريةٌ حَفَرَتْها على الأجساد الذابلة أصنامٌ بأسماء مُسْتعارة / دمُ الحيضِ للفتياتِ المغْتَصَباتِ يَختلطُ بالشوارع الوحشيةِ / شُعراءُ يَموتون على أقدامِ الإسكندرِ / والزَّوْبعةُ تُوقِّعُ على وَثيقةِ اغتيالِ الزَّيْتون /

     جِراحُنا عانقتْ صَوتَ الرُّعودِ عِندَ كُهوفِ الرُّعاة / هياكلُ عَظْميةٌ لكلابِ الخليفةِ/ حَطبُ الغروب في سِيناريو المذبحة / والوحلُ النحاسيُّ / والدُّودُ الخارجُ مِن أمعائنا / باحَ المرفأُ بأسراره للسرابِ المتوحش / وجوائزُ الأدب تُمنَح لمهرِّبي البضائع في السوقِ السوداء / يا وَطناً يَفْرُشُ حَدَقاتِ العُمْيانِ على السَّجادِ الأحمرِ/ لاستقبال القاتِلين / اخْرُجْ مِنكَ كي تلمحَني رَسَّامَ أنهارٍ في عُنفوانكَ / يا وطناً يُخفي مجاعةَ خيوله في فناجين عذاباتي / عِشْ خارجَ مِصفاة النفط / كي نلتقيَ في عِشقِ خِيامكَ / قلبي يَنْصِبُ فَخَّاً لناقةِ جَدِّي / عِندَ أطلالِ قلوبِ بَناتِ آوَى / الدلافينُ تنامُ في قميصي الدَّامي / واليانسونُ الغريبُ مَشْرحتي / قَرِفْتُ مِن الرُّومانسيةِ / فاكرهيني أيتها العانِسُ /

     المرفأُ القُرمزيُّ مَسقطُ رأسِ البُكاء / كُلَّما قُتلتُ في أرضِ المعركةِ / وُلِدْتُ في قلبِ امرأةٍ غامضةٍ / فيا أجفاني الموزَّعةَ بين زَيْتونِ المذابح وأبجديةِ المجرَّات / لَسْتُ المتنبي أَرْصف جِلْدي على أعتابِ الخُلفاءِ / لستُ قُبَّعةَ المهرِّجِ في الجهاز التناسليِّ للخوْخِ / البرقُ يَحْصِدُ كلامَ الضفادع في صَمتِ الفلاحين / عِندَ الساعةِ التي تبكي فيها الخُلجانُ اليتيمةُ / يَخْتفون في حُروفنا / لكنهم يَتَحَدَّثون لغةَ النارِ / وُلدوا في أظافرنا / لكنهم يُدافعون عن رُوما / يَنامون على أوسمةِ القائدِ المهزومِ / في انحناءاتِ السِّنديان / عَرَضوا سَوائلهم المنويةَ وأعينَ أُمهاتهم في المتاحفِ / لا تَلعبوا بِكُرياتِ الدَّمِ على سُطوحِ المرايا / عُودوا إلى رُموشكم / خُذوا أسماءكم مِن الشمس /
     يا ذُباباً يَثْقبُ رِئةَ الفَيضانِ في شَمالِ الجِيَفِ / لا تَنكسرْ أمامَ دُموعِ ماري أنطوانيت / لا تنخدعْ إذا تَنَزَّهَ الأباطرةُ في اكتئابِ الحقول / تَغفو إسطبلاتُ الكَهرمانِ في لُغةِ المساميرِ / فاذْكُرْ صُورتي على حائطِ المنفى / وعانِقْ صَوْتي على أثاثِ المجزرةِ / خِيامُ اللاجئين على مِقَصِّ الأظافرِ / والزَّعفرانُ يَمتصُّ رائحةَ الجثثِ في ضَبَابِ المقابرِ / وَكُلَّما رَأيتُ دُموعَ أُمِّي / مَشَيْتُ في طُرقاتِ قُرْطبة /

     يَزرعون في أعصابِ المرجانِ مَاءَ الثَّورةِ / عِندما يَتَّحدُ الاكتئابُ مَعَ الوَسْواسِ القَهْري / جَاؤوا مِن بَنكرياسِ الرِّيح / يَحملون دَمَهم في ضفائرِ أُمَّهاتهم / كَسَروا صَمْتَ أثاثِ المنافي / صَعَدوا إلى لحمهم كَي يَقْذفوه على الطُّغاةِ / رِئتي سَرْوةٌ لا يَقْطِفُها الشَّيطانُ ولا سَبايا الرُّومانِ/ فيا أنهارَ بلادي/ أَطْلقي النارَ على سَقْفِ المعْبَدِ/

     سَارَ الشَّجرُ مَطَراً يَهُزُّنا / يُخرِجُ النيرانَ مِن بَطْنِ أُمِّها / لَم يَعُدْ في حقائبي غَيْرُ الدِّيناميتِ وجُمْجمتي/ نَهْرٌ يُضْرِبُ عَن الطعامِ/وَيَعْملُ سائقَ تاكسي في أزقةِ المجزرة / وعِندما عَرَفْتُ المرايا عَرَفْتُ البُكاءَ/ فلتكنْ أحلامُكَ لُغماً يَخْمِشُ حَوَاسَّ الوثنِ / أنشأَ الصُّبْحُ مَصْنعاً للسياراتِ المفخَّخةِ في بُؤْبُؤ القُرصانِ / قَزَحِيَّتِي كُرةُ ثلجٍ تتدحرجُ على جِباهِ أُمراءِ الحروب / اغْتَصَبَتْني سَمكةٌ غَازَلَتْني حَشرةٌ / فَتَّشُوا أجندةَ الثَّلْجِ لكي يُنقذوني مِن دِمائي الملوَّثةِ بالتِّيجانِ / طُوفانٌ أعزبُ يَموتُ على المسرحِ وحيداً / فَاقْطِف الرَّصيفَ قَبْلَ مَوْعدِ حَصادِ الجماجمِ / إنَّ النَّخاسين يُطفئون سَجائرَهم / في حَلَماتِ زوجاتهم الضائعاتِ في حَنينِ المسافِرين / يُخفون بَراميلَ البارود في أجنحةِ دِيكٍ رُوميٍّ / حُلْمٌ يابسٌ مِثْلُ بُكاءِ التُّوتِ وحيداً / في فُنْدُقٍ مملوءٍ بالنَّملِ ورجالِ الأعمالِ / كيف نأكلُ تَمْرَنا وَهُم يُحاكِمون النخلَ في المحاكمِ العسكرية ؟! / مُلوكُ الحطبِ أجسادُهم خارجَ أجسادهم / أينَ نحاكِمُهم ؟ / فيا ثائرُ / مُدَّ أهدابَكَ أمامَ العواصفِ / خُذْني إِلَيْكَ / خُذ استراحةً في قلب حَمامةٍ / واقْتُل الصدى في أرشيفِ المذابحِ / ولا تَعْشَق أحصنةَ المستحيلِ الدائرةَ مَعَ طَواحينِ البُكاء /

     ضَاعَ الوطنُ وَهُوَ يَبْحَثُ عَنَّا/ هَل نَشكرُ المخبِرِين في مطاعم الوجبات السريعة/ أَم المراهِقاتِ العاشقاتِ في مملكةِ الجماجمِ كافتيريا العُنوسةِ ؟! / الوطنُ ضَاع / أيُّ الموتى أحقُّ بالرِّثاء مَلِكٌ لِصٌّ أَم لِصٌّ مَلِك ؟!/ لَم يَضِع الوطنُ / وَمَا زِلْتَ تُكابِرُ يا نَبْضي ! / تَزرعُ الفَتياتُ أحمرَ الشِّفاهِ / عَلى إِشارةِ المرورِ الحمراءِ في طريقِ المذبحة / ورائحةُ الموْجِ تُعطِّرُ صَنوبرَ المقابر / الأشجارُ البَرمائيةُ تَطفو على عَرَقي / ورِجالُ الأمنِ يُخبِّئون الرواتبَ الشَّهريةَ في دُموعهم القُرمزيةِ /
     تتفجَّرُ أجنحةُ الفراشاتِ في ليالي الخريفِ/والغرباءُ يُعانِقون الغرباءَ في الكُهوفِ/ وأسمنتُ عَمودي الفِقريِّ / يُعِدُّ رِسالةَ دُكتوراة في تاريخ المجاعاتِ / وكُلما لَمستُ إمضاءَ اليمامِ على طُفولةِ التِّلالِ/ نَبعت مِن خُدودي غَيْمةٌ / رُموشي انقلابُ الأُنوثةِ على الأُنوثة / والقَمحُ يَخون رِئتي اليُمنى مَعَ رِئتي اليُسرى /
     أَكتبُ دَمي بالألوانِ الزَّيتية / كَي أَكسرَ زُجاجَ قِطاراتِ أَوْردتي / في صَيْف الإبادةِ الجماعيةِ/ كي تتحوَّلَ أكبادُ شَعْبي إلى جِسْرٍ / تَعْبرُ عَلَيْه شَمسُ اللهِ / أصابعي مكتبةٌ للأحكامِ العُرفيةِ / وأهدابي مَحْكمةُ أمْنِ الدَّوْلةِ بَعْدَ انقراضِ الدَّوْلةِ / غَزَلَ الطِّينُ دَوْلةً مِن الصَّرخاتِ والأجسادِ المحروقةِ / أسواقُ الجماجمِ في أوطانٍ تتَّسعُ للمُرابين/ وفأرةُ الصَّدى الخشبيِّ تُجَهِّزُ للأسرى وَليمةً /
     قَبيلةُ الخاسرين / وضَوْءُ الصنوبر في أقاصي التَّطهيرِ العِرْقيِّ / فَمُدَّ يَدَيْكَ يا نهرَ التوابيتِ / خُذْني إِلَيْكَ طِفلاً يتهجَّى أبجديةَ القَتلِ / الذِّكرياتُ المحروقةُ تَسقطُ في عَصيرِ الليمون / والنوارسُ الجريحةُ تَجرحُ تاريخَ الهديلِ / فَشُكْراً للرَّصاصِ الحَيِّ الذي يُولَدُ في قِرميدِ الأكواخِ المهجورةِ / وَيَموتُ على أجنحةِ الجرادِ /
     اعْشَقْ أجفاني لكي نَقتلَ العِشقَ في بِلادنا / التي لا تَعترفُ إلا بالمومياوات / كُلما بَحثتُ عَنِّي في زِنزانتي وَجدتُ سَجَّاني/ خُدودُ البُحيرةِ حُجْرةٌ للبعوض/ تصبُّ الحيواناتُ بياتها الشَّتويَّ في أوعيتي الدَّمويةِ / وترسمُ الطيورُ هِجرتها على براويز شراييني / خَائفٌ أنا مِن أزهار الدُّموعِ / لكنَّ السنابلَ تركضُ إلى غابات الحِبر / نَقلي البطاطا بِدَمْعِ الصَّبايا السَّاخنِ / والفراشاتُ الملوَّنةُ تَصعدُ مِن بَراميل النفط / اليَمامُ المنقوعُ في الوَحلِ الأزرقِ/ ماتَ وَجْهُكِ يا زَوْجةَ الصقيع / فاكسري عُلبةَ المِكياج/ هذه التلالُ تَخيطُ سُيوفَ القبائلِ فَساتينَ للعرائس / فاكسرْ سَيْفَكَ يا ضَوْءَ الأمواجِ/ خَسِرَ البرتقالُ معركته في رمال القلب/واليَتيماتُ يَمْسَحْنَ بَساطيرَ الجنود/ فَكُنْ يَا شَبَحي شَاعِراً / لِتُنَقِّبَ عَن السنابلِ في قُلوبِ الزَّوْجاتِ الخائناتِ / وَاعْشَقْ نَباتاتِ مَقْبرتي / ولا تَنْظُرْ إِلى كُحْلِ النِّساءِ السَّائراتِ في جِنازتي /
     حَاضِناً طَيْفَ الأمواتِ في مَملكةِ الطحالبِ / جُنودي هَرَبوا / وَبَقِيتُ وَحْدي / لكنَّ البَعُوضَ يَحْرُسُني مِن أصدقائي / أَسْقُطُ في قَهوةِ المساءِ غَريقاً / وصورةُ البحرِ تَخرجُ مِن البِرْوازِ / كُلما تَذَكَّرْتُ انتحرتُ / الذاكرةُ مَذْبَحتي الأبَديةُ / والسَّجَّانةُ تَغسِلُ بَلاطَ الزَّنازينِ بِدَمِ الْحَيْضِ / والنَّوارسُ مَصلوبةٌ على نافذةِ السِّجْنِ / التي تُطِلُّ على البَحْرِ المشلولِ /
     لَو مَعِي عَرَقي لَمَا أبصرتُ شظايايَ تشعُّ في أكواخِ الأراملِ / لَو مَعي سِحْنتي لَمَا ارتقيتُ على دَرجاتِ السلالم في الشَّفق البنفسجيِّ / لَو مَعي قصيدتي الأُولى لَمَا بَكَتْني الشموسُ / وَحَضَنَتْني أقفالُ المحالِّ التجاريةِ / لَو مَعي مَسقطُ رأسي لَمَا نَهبتْ مزهريةُ الجيرانِ لَوْني / لَو مَعي تَرنيمةُ النخلاتِ لَمَا انتظرني الباصُ في صباحِ مَقتلي / لَو مَعي سَطْحُ دَارِي لَمَا استهزأتْ بِي عَذْراواتُ الغِيابِ/ لَو مَعي عِقْدُ أُمِّي الشَّهيدةِ لَمَا أنكرني جَرسُ مَنْزلنا في الصَّهيلِ .