07‏/06‏/2019

محاولة لفهم لغة البحر / قصيدة

محاولة لفهم لغة البحر / قصيدة 

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     الآنَ ينتهي حُكْمُ الجرادِ / في عواصمِ الزَّبدِ الْمُثْخَنةِ بالملِكاتِ السَّبايا / تنكمشُ ممالكُ القُمامةِ وجُمهورياتُ الدَّيناصور/ في عُلَبِ السَّردينِ الفارغةِ / وعُلَبِ المِكياجِ الْمُمتلئةِ بِضَفائرِ اليَتيماتِ / بَريدُ الأعاصيرِ هو تحدِّي جنون الأكاسرة/ أُسَرِّحُ باريسَ مِن حَقيبةِ ماري أنطوانيت / المصنوعةِ مِن جُلودِ العَبيدِ / أَعْقِدُ اتفاقيةً مَعَ جُفوني / لأَدفنَ مملكةَ الحطبِ/ في الشاطئِ الذي يكونُ فيه الراعي عدوَّ الغنمِ !/ ترعى المغاراتُ الصقورَ وأعوادَ الثِّقابِ / المخصَّصةَ لِشُموعِ الضَّحكِ / تتسلقُ طُفولةُ المساءِ أناشيدَ الرُّعاةِ / لِتَبْلغَ طُفولتي التي رَمَتْها الْمَلِكَةُ / في غُرفة الألعاب الخاصة بأبنائها ! /
     أَزرعُ مُذكَّراتِ التوقيفِ الصادرةَ عَن بَناتِ آوَى/ على سِياج حديقتي / لأتعلَّمَ تعبَ الشموسِ الفضيةِ في المحاكمِ العَسكريةِ / لَم يَعُد الرَّملُ يُفرِّق بين بَناتِ آوَى وبناتِ أفكاره / في مُخَيِّلتي تنمو أغصانُ النسيان/ ويختلط ظمأُ شِفاهِ الوَداعِ بأوجاع السُّيول/ في رَاحَتَيْكِ يا نافذتي أوراقٌ للخريفِ الموْلودِ في دمائنا / هَل يَقْدِرُ المحكومُ بالإعدامِ أن يَكُونَ رُومانسياً ؟ / الطريقُ إلى المدينة التي استعارها الملوكُ مِن ظِلِّي بالقُوَّةِ / يَمُرُّ عَبْرَ دَمِي / فَيَا عَاشِقةَ البُكاءِ في ليالي الشِّتاء/ لا تنتظريني خَلْفَ جَذْر الشموس الجريحة وأصفادِ نحيبي / لأن السجونَ التي بَلعت الشَّجرَ الأحمرَ تجري ورائي /
     أيُّها السَّجانُ / لا تَبِعْ قَلْبَكَ للقُرْصان / الذي يتجسَّس على الملح الأسْود في دموع البنفسج / الغُزاةُ يَأتونَ مِنَ الجِهاتِ المحروسةِ بالصَّدى والقُبورِ الكِلْسِيَّةِ/ يَحْمِلُونَ أسماءَنا ويَسْرِقُونَ رُموشَنا / فما فائدةُ أن أكونَ زَهْرةً بَيْنَ الأضرحة ؟! / أنا والموتُ شقيقان في الطريق / والأيتامُ حَوْلنا يَلعبون بجثث أُمَّهاتهم/ وهذا البحرُ يَفنى كخَوْخةٍ هَشَّة / أَجمعُ مُفْرداتِ ثَوْرة اليانسون على ممالك أحزاني / أَحْفِرُ دمي في خَشب المراكب المكسَّرة/ كي تَسحبَ قَشَّةُ الطريقِ اللوْزَ/ مِن عِظام البحَّارة الغَرْقى/ أُفَتِّشُ عن ذكريات النَّار/في القُيودِ الحديديةِ الصَّدِئةِ/ وحَبَّاتُ الرَّمل تسألُ مَعِدةَ الرَّصيف/ مِن أَين يَأخذُ السَّجانُ الرَّماديُّ راتبَه ؟! / أُجيبُ عَن أسئلةِ المحقِّق في زاوية الغرفة / والمسدَّساتُ التي تستحِمُّ على مكتبي بدماء الشهداء / أَعْرفها كأزهار الطفولة التي نَسَفها المخبِرون والسلاطين/ الذين رَمَوا شعوبَهم في السُّكوت المحاصَر/ كُلُّ شيءٍ في غُرفتي يُقاوِمهم: (( الجدرانُ والبلاطُ وصُورةُ جَدِّي ))/ صَوْتي أعشابُ الكَمان / يَحْرُسُ الصوتَ والصدى / أناشيدُ الفجر تَفورُ في أهدابي / أُقاوِمُ الرِّمالَ المتحرِّكة/ التي تتناوبُ على حِراثة الأنهارِ الرُّومانسيةِ / أَنا النُّطْفةُ المتشكِّلة
في ذاكرة الإعصار / أنا الراعي الذي قُتلت أغنامُه / أنا قطيعُ الغنم الذي رأى مَقتلَ الراعي /
     نكتبُ أسماءَنا على نِصال السِّهام / ونَهْربُ مِن المعركة / أَسألُ رمالَ الشَّفق / كَم جُثةً لهنديٍّ أحمر رماها الرجالُ المدجَّجون بالأرصفة ؟ / كَم بِنْتاً وَأَدَهَا أعضاءُ نادي الجاهلية ؟ / كَم أميراً سَرق براءةَ البرتقال في جثث الأطفال ؟/ وطَبَّاخُ الأمير يَبحث في صُحون المطبخ عن أكفان أبنائه / كَيف أَمشي ومقاصلُ الورد تعيش في جَوْربي ؟!/ كيف أفتخرُ بِأهدابي أمام البحر الأعمى ؟!/ كيف أَفْرُشُ جِلدي أمامَ البغايا زجاجاً لموْكِبِ النبيلات ؟!/ نزيفُ الثلوجِ ياقوتُ المساءِ على مداخن أكواخ المنافي / الطَّحينُ شِعْرُ العواصف / وكان طفلُ المرعى يُحْتَضَرُ / على كَتفِ جَدَّته القتيلة/ خَنجري جمهوريةُ الليمونِ الرَّافضِ / وقصورُ الذئبِ في جسد التُّوتِ هِيَ لَوْنُهم الزَّائلُ / والطوفانُ لا يستأذن من البشر / أين سَيَهرب القتلةُ الذين يَقْضون إِجازةَ الصيف/ خَلْفَ رَبطاتِ العُنُق ؟!/ قطاراتٌ تَحمل الدِّيناميتَ/ تَسْبح في معدتي الصحراوية / هل سَيَفْتحون الزنازين أمامَ السَّائحات العاريات ؟! / اتركوا الوطنَ ضائعاً / ولنعشقْ صُوَرَ الخيل في كلام السَّحاب / تتسابقُ اللبؤاتُ في شراييني/ لفرض الضرائب على بكاء الأيتام / أنشأَ اللصوصُ نِقَابةً لِقُطَّاع الطُّرق/ لِتَكُونَ أعمالُهم موافقةً لدستور جمهورية أسماك القِرْش/ الذي اسْتَوْردوه مع باقي البضائع !/
     ملاحظةٌ كَتَبَتْهَا رِئتي قبل اعتقالها : [ مِن مَظاهرِ الديمقراطية عند حكومات الأدغال الدموية : مظاهراتٌ للشواذ جنسياً في طرقات الحيْض / فتاةٌ تضع على وجهها نِصْفَ طَنٍّ من المساحيق تَقود سيارةَ مَرْسيدس / مسابقةٌ لطلبة الهندسة في الجامعات الذَّابلة لتصميم أَفضلِ مِقْصلةٍ رُومانسية !/. ملابسُ البارونةِ تتوهج على جثامين الثائرين / تصاميمُ هندسيةٌ ممتازة لسجون عَصْرية ! / الانتخاباتُ التي حَقَّق فيها القَيْصر 99% والبقيةُ تأتي !/ والعدالةُ على طريقتهم : إذا سَرَقَ الشريفُ تركوه وإذا سرق الفقيرُ أقاموا عليه الْحَدَّ ]/
     مِزاجُ الإمبراطورةِ المتقلِّبُ / وزَوْجُها الذي لا يَتَفَقَّدُ حُفرَ المجاري / إلا عند قدوم المصوِّرين/ لِتَكونَ الذِّكرى مَحْفورةً على جِلد الماعز ! / نَخجلُ مِن أقنعتنا / نَهربُ مِن وُجوهنا/ نَرْمي مَلامحَ المراهِقاتِ في أجسادِ النَّوارس/ نَذبحُ نساءَنا في المساء/ مُنتظِرين قُدومَ الشِّتاءِ مِن أَجفان النَّخاسِين / أَشُمُّ رَوائحَ المنفى مِن شُرفتي المطلَّةِ / على بُكاءِ الغابات / والحقولُ يَنهبون لونَها / لِيُقيموا حَضارةَ البارود / لم تَعُدْ دَوْلةُ الْمُرْتَزِقَةِ إِلا إِسْطبلاً لِخَيْلِ الإمبراطورةِ /
     هَذا أنا / كُلَّما نَظرتُ إلى المِرآةِ أطلقتُ النارَ على المِرآةِ / يَحْقِنُ النَّمرُ ظِلالَ البحرِ بالعطش / إِنَّ الفِطرَ السَّامَّ خَادِمُ الهذيان/ في مُعسكرات المجاعة / وكانت الفئرانُ تَنهش ذاكرةَ المعركة بَيْنَ الصَّوتِ والصَّدى / متى يَقتلعُ الصَّدى الورقيُّ عُمْرَ الأسفلتِ مِن قَش الجنون ؟!/ هذه صُكوكُ الغُفرانِ سَاعةُ يَدٍ لقُرصانٍ مُتقاعِدٍ / والأرضُ تَلْفِظُ جِراحي لِكَيْلا تَتسمَّمَ / أُصيبت جيوشُ الهذيانِ بالتُّخمة / رمى النَّخاسون إِخْلاصَ الجنود عَبْرَ الأبواب/ فتحوا في أمعائنا أرشيفاً للمواكب الملكية / وذلك الجنونُ الرَّصاصيُّ / يَسكب عُيونَ الإوزِّ في ضِحكة السِّنديان/ فانتظِرْني أيها السَّيافُ / ولا تَحْزَني عَلَيَّ يا أُمِّي / سَيَصْعَدُ النَّعناعُ مِن جُثماني / وتَنْمو الجوَّافةُ في الهياكلِ العَظْميةِ /  
     الديمقراطيةُ دُميةٌ يَتَسلى بها بَوَّابُ محكمةِ التفتيش في وقت فراغه / قبل أن يُمارس هِوايته في تلميع الأوسمة / يا فَلاحي بِلادي / احْرُسوا القمحَ بالذِّكريات / نحنُ الذين نَنْزعُ الأوسمةَ عن صدور الأوثان / والقَراصنةُ يُلْقون المِرْسَاةَ في مَدْخل الملهى الليلي / وَحْدي مَعَ المسافِرين مِن اغتيال الخوخ/ إلى مُدنٍ باعها حُكَّامها للصدى / لَسْتُ مِن سُلالة قياصرة / ولا أنتمي لقطيعِ الجلادين / ولستُ الحقدَ / عَلَّمَني عَظْمِي المسحوقُ أن أَمحوَ كلماتِ الشَّعير/ من طُرقاتِ عَمُودي الفِقري/ وألا أَفتحَ جُرحي مَرْعَى / لإِبِلِ الخلفاءِ غَيْرِ الشَّرعيين /
     أيتها النساءُ اللواتي يَضَعْنَ لحومَهنَّ أثاثاً للمسرح المكسور / أيتها النساءُ اللواتي يَغْرِسْنَ أعضاءهنَّ في أغلفة المجلات السياسية / أيتها النساءُ اللواتي يَكْتُبْنَ ذُلَّهُنَّ على ثياب عارضات الأزياء في عواصم الرِّعشة / أيتها النساءُ اللواتي يَفْرُشْنَ أجسادَهنَّ على إعلانات زيادة الضرائب / أيتها النساءُ اللواتي يُعلِّقْنَ على حَمَّالاتِ صُدُورهِنَّ لافتةَ الثقافة / أُنظُرْنَ إلى المرايا في مَسْرحِ العرائس مِكياجاً ثقيلاً على قُماش الدُّمى /
     قَفَصي الصَّدريُّ لَيْسَ فارغاً / قَد سَكَنَ فيه أطفالُ العشبِ الذين تَلهث خَلْفَهم آلاتُ القتل / أيها القياصرةُ الذين يُعطون بائعاتِ الهوى دكتوراة فخرية في البِغاء / أيها الذابلون الذين يَبيعون الجنسيةَ الوحشيةَ للبرقوق المحاصَر / كُنْتم محارِبِين  فاتحين في غُرفِ نَوْمكم أو مَوْتكم / لا تَعْتَقِلوا التفاحَ وتحقِّقوا مَعَهُ في قاعاتِ الرَّقصِ / المخصَّصةِ للضَّفادعِ الممتلئةِ بالويسكي /
     المنافي التي تَنْبعُ مِن المساءِ العَسْكريِّ رَصاصٌ في جَيْبِ الرَّعد/ لوس أنجلوس تُهَرِّبُ أبناءها في لحم الخنازير المعلَّبِ / وتُرسِلهم لِيَنْكسروا كالدِّيدان المخدوعة في فِراش الزَّوْجية !/ نِقابةُ المومساتِ الديمقراطيةُ / الأقسامُ المخصَّصةُ للحوامل سِفَاحاً في المدارس الثانوية للبنات/ جَرادةٌ عمياءُ تأسرُ عنبَ الجزائر / في النبيذ المفروش على طاولات الجنرالات قُرب جبال الألب/ أنا رَصيفُ ميناءٍ يَسيرُ عليَّ ضَوءُ الفيضان / ولا يَمْشي عليَّ الجنودُ / لُغتي سُطوعُ فَراشاتٍ لا تَسْتسلمُ للشَّبَكة / وأجفاني أَصُفُّهَا خنادقَ تَبْلعُ الجيوشَ / التي تَرفع خُشونةَ تاريخِ الأوثانِ رَايةً / فافْرَحْ أيها الرَّمادُ الأُرجوانيُّ / إِنَّ الجنودَ يَزْرعونَ أقواسَ النَّصرِ في أغشيةِ البَكارةِ /  
     قَالَ الزَّبدُ المدفونُ في مَعدةِ المطر : (( أَضمنُ أن يَكونَ جَسدي مَعَ زَوْجتي ولا أَضمنُ أن يَكونَ قَلْبي مَعها )) / يا حُرَّاسَ الغُبار / اغْسِلوا وُجوهَكم حِين تَكْسرون المرايا / لكي تَرَوْا أقنعتكم خَارِجَ يَانسونِ الأمطار / أَعوادُ المشانقِ في السَّاحاتِ العامةِ الممتدةِ في صُدورِ الثائرين / أيها المنفيُّون في سَاحِل الجِراح/ السَّاكنون في الحنين إلى بنادق الثوار في الميادين الأسيرة / خُذوا قَلْبي سَدَّاً أَمَامَ زَحْفِ الجرادِ المتحضِّرِ !/ إِنَّ الورودَ البلاستيكيةَ على النُّعوشِ الخشَبيةِ / أُسْقِطُ النظامَ الجمهوري في شَراييني / أرضٌ جَرْداء كأعلامِ القَراصنة / تاجٌ مُرصَّع بِنَزيفِ بِلاد البُروق / امرأةٌ تَفتحُ كُهوفَ مِكْياجها أمامَ عَدساتِ المهرِّجين /
     صَديقي النِّسْيان / حَاوِلْ أن تتذكرني !/ أنا فتىً مِن الشَّرق/ أخذوا الصنوبرَ مِن ثِياب جَدِّي/ سَرَقوا جُثْماني / وأبي مَا زِلْنا نَبحثُ عَنْه / أَدْخلُ زِنزانتي مُسَلَّحاً بالذِّكرياتِ / أَخذوا أوراقي والأقلامَ / حَتَّى العنكبوتُ في الزَّاويةِ أَخَذوها ! /
     وكان ثلجٌ نائماً على مِنجلٍ يُحْتَضَرُ / ويَستجوبُ القُضبانَ / هَل الحزنُ وَردةُ المقامَرة التي يَقودها إِمبراطورُ الغبارِ في البار ؟!/ هَل الشَّعبُ ضِمْنَ أوراقِ اللعب على طاولة الأميرةِ الشَّابة ؟! / أنتعلُ أطيافَ الأنقاض/ وتنامُ الفتياتُ المغتصَباتُ على أجنحةِ الفَراشات / والصَّوْلجانُ يَقْتفي أَثَري على أزهار الهاوية/ أنا أنتحرُ/ وَحَفَّارُ القبورِ يَستلمُ راتبَه التقاعديَّ/ فَمَن يَدْفِنُني في أجفانِ الغَسَق؟/ 
     عَرَّابَ الدَّولةِ الصاعدَ إِلى الأرشيفِ الرَّمادي / لماذا تأخذُ شَعْري الفِضي إلى قَاعةِ الإعدام ؟! / لا تكنْ بائعاً مُتجوِّلاً في مَقْهى أظافري المنثورةِ / على صَنوبرِ العُشَّاق / لا تكنْ حَطَّاباً لأشجارنا الدَّمويةِ في الخريف الشَّاعري / مِثْلَ الموظفين الجدد في ممالك رِياح الخماسين/ لا تُطْلِقْ على نُعوشِ الأيتامِ لَقَبَ " مستقبلك السياسي" / اذهبْ إلى المقبرة لترى مُستقبلكَ السِّياسي ! /
     حَطبٌ قُرمزيٌّ يَمشي على السَّجاد الأحمرِ / في مُعْتَقَلاتِ إِبادة الهنود الْحُمر / فيا سَائِقي مَرْكباتِ نَقلِ الجنود/ أَمْهِلوا قِطَّتي العَرْجاءَ بَعْضَ الوقتِ/ لِلعُبور إلى الرئة الثانية للزُّقاق/ مَزرعةُ خَنازير بَرِّيةٍ في ثِياب ممثِّلاتِ هُوليود/ غَرْناطةُ زُمردةٌ في أكفِّ أصحابِ الحانات / وَتِلْكَ القَرابينُ عَلى حِيطان المعَابِدِ رَجْفَةٌ / وَأُمراءُ الحروبِ يَفْتتحون مَهْرجانَ صُكُوكِ الغُفران / قارةٌ تَقفزُ مِن غَابةِ النِّفطِ إلى غَابة النِّفطِ / كَقِرَدةٍ مُبْتدئين ضَلُّوا طَرِيقَهم / واحتاجوا إِلى دَليلٍ سِياحيٍّ !/
     الضَّحايا يَتَزَلجون على المسدَّساتِ الخشبية / نِساءُ الشِّتاءِ لِتَسْليةِ العُميان في الصَّيف / حَفلةُ الإبادةِ تَغرق في تبادُلِ الهدايا / والمشرَّدون في الخارج يَبحثون عن القَشِّ لِيَناموا عليه !/ يَنامُ الميناءُ على ذِراعي اليُمنى / وأوسمةُ القَش يُلمِّعها خَنجرُ الذِّكريات / أُطهِّر عَواصمَ رِئتي مِن الدِّيدان/ التي تَسْرقُ ظِلالَ البَابُونَجِ على رُخامِ المجازر / يُلاحِقني الرَّعدُ في مَراعي الكُوليرا مِن كُوخٍ إلى كُوخ / ويُلقي الألغامَ في نُعاسِ الياسمين / أَسألُ جُثمانَ أبي / عندما تغفو على وِسادتي الحيتانُ الزَّرقاءُ / هَل سَتَشْهدُ رِمالُ البَحْرِ ضِدَّ الضَّحية ؟ / إنَّ دَمَ الضَّحِيَّةِ لَيْسَ أزرقَ / 
     قَد يَرْمي الجلادُ أصابعي عَلى أخشابِ المرفأ / قَد تُوزِّعُ السُّلطاتُ صُوَرَ الزَّنابقِ عَلى الحمَامِ الزَّاجلِ/ لِيَبْحثَ السُّلُّ عَن خُطواتِ الرِّيح على المرمرِ الملوَّثِ باكتئابِ الشُّطآن / تَمْشي السَّنابلُ حَافيةً على رُخام القبورِ الخاليةِ / لَكنَّ ألوانَ الحزنِ تُقاتِل/ جُرحي إشارةُ مُرورٍ/ لِتَعْبرَ الدَّلافينُ إلى عُروقي النُّحاسيةِ / والأغرابُ مَشْغولون بترتيبِ غُرفِ نَوْمهم/ كَجِرْذان في مُقتبل العُمر تتعاطى مُضَادَّاتِ الاكتئابِ / يَلْمعُ البارودُ عَلى الأسفلتِ الرَّصاصيِّ المنتشرِ على لُحومِ الفُرْسان / أنهارٌ بِلا أظافر على سَاعة يَدِي / ورِمالٌ تَرْكضُ في زَفيري/ تُدَرِّبُ البَعوضَ على السِّباحة في جَماجمنا / المدنُ الذبيحةُ مِرآةٌ مخدوشةٌ على قُماشِ أكفانِ البَجع / وأنا الغريبُ / عِشْتُ كَي أُؤرِّخَ للسَّرابِ /
     قَبْلَ أن يَصُبُّوا نُعوشَ أهلي في البِئر المجاوِرةِ للوَداع / بَحَثوا عَن عُكَّازةِ أبي تحتَ الرُّكام الهابطِ في رِئة ذِئبِ الهزيمة / قَبْلَ أن يَنْصِبوا الفِخاخَ لعصافير الحيِّ في حَناجر المصلِّين / قَبْلَ أن يَبيعوا سَرِيري وأظافري لِيَشْتروا مِكياجاً للأميراتِ / وبعضَ فساتينِ السَّهرةِ المضاءةِ بأضواءِ السَّياراتِ المارَّةِ على جُلودِ الفَراشات / قَبْلَ أن تَلتقيَ صَديقاتُ السُّلطانةِ عَلى أجزاءِ كَفَنِ الوَرْدةِ / قَبْلَ أن يَرْموا المذابحَ على شاشاتِ التِلفاز / قَبْلَ أن يَبنوا شَركةَ حَفَّاري القُبورِ على خُدودِنا / قَبْلَ أن يَحْبِسوا دُخانَ المصانعِ في شَرايينِ الفتياتِ المغتصَباتِ في سَراييفو / أَطْلَقوا سَراحَ الحدائقِ الأسيرةِ في خِيامنا المرقَّعةِ / لِتَكُونَ مَرْكباتُ نَقلِ الجنودِ أَقلَّ تَلْويثاً للبيئة ! /
     جُيوشُ الصَّدى مُسْتَنْقعاتٌ مَسْعورةٌ / عَلى الطُّرقِ الصَّحراويةِ / مُلْتَصِقةٌ على جُدرانِ النَّوم / تَتمرَّدُ العَصافيرُ في قَسماتِ وَجْهِ المرعى/ أَيُّها الصَّيادُ الذي يتقيأُ القَياصرةَ/ في دَفْترِ جَمعِ الطَّوابع / لا تَأْسِر الكَروانَ بأغلالِ المطرِ الحِمضيِّ / لا تُرشِد العَوانسَ إلى أشلائي/ في طُرقاتِ النِّسيان / لا تَعْرِضوا أظافري في المتاحفِ/ أمامَ الذُّبابِ المعدني / لا تُعطوا رِئةَ جارتنا الأرملةِ هَدِيَّةً / لِبناتِ الإقطاعيين المدْمِناتِ على الكُحول / أَحْضِروا جُثثَ الملوكِ المهرِّجين / لِنَدْفِنَها في صَالةِ القِمار /
     حَفَروا الأحكامَ العُرْفيةَ عَلى أمعاءِ الشُّهداء/ قِطَّةُ البُكاءِ التي تُضْرِبُ عَن تقبيلِ الفِئران/ حَقَنُوها بِرمالِ المنفى / واللصوصُ الشُّرفاءُ يَفْتتحون في كَبِدِ حَمامةٍ / مَعْرضاً للمساميرِ الجديدة/ والمراهِقاتُ العَاشِقاتُ يُعَلِّقْنَ شَبابَهنَّ / على بوَّابات العَمى/ هَيكلٌ مِن عِظام الشَّفق / قِلادةٌ مُعلَّقةٌ في رَقبةِ صَنمٍ اسْمُه المنفى / ثَعلبٌ ذُو فِراء وَسِخ / العَواصمُ الخاليةُ إلا مِن القَوَّادِين / إِنَّ الدَّمعَ شَاهِدُ قَبْرٍ للبُرتقالِ الغَريب/ والرَّصيفُ مُهرِّجٌ طُحلبٌ / يَتزلج عَلى أوردةِ المساءِ / قُرْبَ حِيطانِ بئرٍ مُسيَّجةٍ بِبُكاءِ البَغايا / والبَاعةُ الْمُتَجَوِّلُونَ يَبِيعُونَ عُرُوشَ الملوكِ المخلوعينَ في طُرُقَاتِ الكُوليرا /
     حَاضِناً الكَرزَ المهجورَ/ في دِماءِ الشُّعوبِ اللاهثةِ/ والأرستقراطياتُ يُحضِّرْنَ رَسائلَ الدُّكتوراة عَن دِيمقراطية المجزرة/ ودموعِ أُمِّي في خَريفِ الرُّعود/ رُبَّما يُصبِح اغْتيالي خَبَراً رُومانسياً / في نَشْرةِ أخبارٍ صَادرةٍ مِن مِذياعٍ قَديمٍ / عَلى طاولةٍ نظيفةٍ في مَطْعمٍ للوَجباتِ السَّريعة / نَبصقَ قاتلينا في سَلَّةِ المهملاتِ/ تحتَ شبابيكِ غُرف التعذيبِ المفتوحةِ على لُعابنا / نبصقُ قَاتلينا في أرشيفِ البُوليسِ السِّري/ قُرْبَ أزهارِ النَّار/ أزُفُّ إِلى الترابِ أعضائي/ هذه الشَّجراتُ المختبئةُ في سَريري/ تنتظرُ الوَهَجَ القاتلَ / صَالاتُ الرَّقصِ مَفتوحةٌ أمامَ العُشَّاقِ / الذين صَمَّموا المذابحَ في قُلوبنا / والقَراصنةُ المهذَّبون يُوَسِّعون المعْتَقَلاتِ المارَّةَ / أنهاراً مِن تَوابيتَ / صَنَعَها عُمَّالُ نظافةٍ مُحْتَرِفون في وَرْشةِ الخليفة / دَمِي يَسيلُ على خُدودِ الأندلس / يَغْرِسُ رَصيفُ الليلِ أنيابَه في كَفِّي/ يَذْهبُ النَّخيلُ إِلى المدرسةِ مُسْرِعاً/ مَطرٌ يُبَلِّلُ أعشابَ المذبحةِ / والمجرمُ صَارَ رُومانسياً / في حُكومةِ انقراضِ المرجانِ البَحْريِّ / يَضعُ الموجُ حِزامَ الأمانِ / بَعْدَ أن يَدهسَ القُصورَ الرَّمليةَ /
     تَقَدَّمْ أيها الشاطئُ القُرمزيُّ / أنا وأنتَ فَراشتان تَحومان حَوْلَ ضِفافِ الجرح / الممتدِّ مِن غروزني إلى سَراييفو جُثثاً وَبساتين / تندلعُ المجازرُ في لَوْنِ السَّنابل / وسَاعِدي كُوخٌ لأسرابِ الدَّجاجِ المهاجِرِ/ مِن النَّدى المذبوحِ في زِنزانتي الانفراديةِ/ قَدْ يَحتاجُ الغُزاةُ إلى تلالٍ مِن الصَّابونِ / بَعْدَ حُروبِ الإِبادةِ المصنوعةِ لملءِ وَقْتِ الفَراغ!/ يَبْقرُ النَّرجسُ بَطْنَ الرَّصاصةِ البِكْرِ / وكُلُّ مَمالكِ الإِبادةِ أدغالُ هَوَسٍ / وَجْهي نهارٌ قَادِمٌ سَاجِدٌ لِلْمَلِكِ /
     سِجْنٌ عَجوزٌ يَمتصُّ طَيرانَ العُقبانِ في الخريفِ / وكانَ ضِفدعُ المذبحةِ يُخَزِّنُ أسناني في عُلبِ السَّجائرِ الأجنبيةِ / نَعْشي صَارَ مَقهىً لِرَاقصاتِ النِّفطِ / يُداهِمني القَمحُ أُقبِّله لأنه سَيْفي / وَدُموعُ الرَّاهباتِ تُعبِّدُ الطريقَ إلى ستالينغراد / وصَوْتُ المطَرِ كَسَرَ صَوْتَ الرَّصاصِ كالمزهرِيَّةِ /
     بَيْنَ كَرْبلاءَ وَجُروحِ الفَارسِ دَمْعي الشَّفافُ / خُيولُ الخليفةِ تَسقط كَبَيْضِ النَّعام / وَرأسُ الحسينِ لا تَسقطُ / عَبَرَ إلى غَدِهِ الواضحِ سَيِّداً / في جَنَّةٍ بلا شمسٍ ولا زَمْهرير / أنيناً كانَ قَصْرُكَ أيها الوَلدُ الأُمويُّ المتجوِّلُ عَلى إِشارات المرورِ / لبيعِ غَثيانِ الصَّحراءِ / سَراباً كانَ اختباؤُكَ يا سَارِقَ النَّدى / مِن أجفانِ طُيورِ البَحرِ الحبيسةِ / بَيْنَ الحيطانِ المدهونةِ بالقتلِ وَمِرْآتكَ /
     كُرياتُ دَمِي نُسورٌ فِي فُوَّهةِ القِتال / طَلَّقْتُ خَوْفي مِن مَحْكمةٍ / قُضاتها يَتقاضون رِماحَهم مِن حُكومةٍ عَلى أُهبةِ الهذيانِ/ أُحبُّ الصَّهيلَ يَجْتاحني في رَبيعِ التوابيت / والشَّوارعُ تركضُ في عِظامِنا الموزَّعةِ بالتَّساوي على رِجال الأمن / ومُفاجِئاً كندمِ الزَّوجاتِ الخائناتِ / جاءَ اعترافُ الفِرنجة : (( بِعْنا نساءَنا للذي دَفَعَ أكثر !))/ جِراحاتي زَيتونةُ الأيتامِ/ وَرُموشي مُنْتَجَعٌ سِياحيٌّ في إِجازة آخِرِ الأسبوع/ إبليس وتاتشر يَتناولان غَداءَ عملٍ مُعَطَّراً / بنعوش الجيش الجمهوري الإيرلندي/ وكانَ الصِّربُ يَشْربون الوَهمَ في سراييفو/عِنْدَ شَواهدِ قُبور الشُّموس/ ويُلْقون الزُّجاجاتِ الفارغةَ في بَرْلمان الصَّحراءِ/ التي كانتْ رَوْضةً لليتيماتِ الرَّافعاتِ الهلال شِعاراً / أحزانُ الأعشابِ طائرةٌ ورقيةٌ / لَن أَتركَ رَقَبتي مَائدةَ غَداء لِكِسْرى / الطيورُ المرتعشةُ مِرْوحةُ التلالِ الغاضبةِ / والغُزاةُ يَأخذون الصُّوَرَ التِّذكاريةَ / في بَنكرياس الموج / وَالقواعدُ العسكريةُ في أمعائنا/ هِيَ جَوازُ سَفَرٍ للفِطر السَّام/ كَي يَنموَ على لُحومِنا/ التُّهمُ الجاهزةُ تنتظرُ السِّنجابَ المندهشَ في بَلدته/ التي هَدَمها اللازوردُ الرماديُّ / ليبنيَ إِمبراطوريةً أكثرَ انفتاحاً على الجرادِ / سَرَطانُ الثَّدْيِ ودُودُ المقابرِ يَتَصَارَعَانِ عَلى احتكارِ صَدْرِكِ أيَّتُها الغريبةُ / وَعِنْدما يُذبَح الموتُ أكونَ في الجنَّةِ أو النَّارِ /
     بَلْدتي المفتوحةَ للأشباحِ المغْلَقةَ أمامي/ قَبِّليني لأني ذَاهِبٌ لِكَي أتزوَّجَ التُّرابَ / أَصعدُ مِن قِبري بِأَمْرِ سَيِّدي/ تعلَّمتُ كيفَ أُضَمِّدُ جِراحي / قَبْلَ أن تتعلمَ الإسبانياتُ قِيادةَ السيارات في أندلسنا / التُّوتُ البَرِّيُّ يَنشرُ صُوَرَ لُصوصِ البلاد / والنَّحلُ يُهاجم عُواءَ الحِجارة في مُعْتَقَلاتِ سَيْبيريا / لا الرَّصاصةُ أُمِّي / ولا الثورةُ البُلشفية ثَوْرتي/ دَمْعي الثأرُ زاحفاً / وأصواتُ بَلدتي تَجْرفُ نباحَ حَطبِ الموقدة / ويُجَمِّعُ مُجْرِمو الحربِ أرصدتهم مِن الجماجم / في بِرميل البَارود /
     أنا حَارِسُ حُدودِ الأسماك/ في الشَّفقِ البعيدِ عَن خَيْمتي/ حُدودُ دَوْلتي مِن نزيفي الأخضرِ حتى صُداعي الأزرقِ / وَحُدودُ كُرياتِ دَمي مِن مِشْنقتي اللازَوَرْدِيةِ حتى مِقْصلتي القُرْمزيةِ / وَحُدودُ ذِكرياتي مِن تابوتي البلاستيكيِّ حتى نَعْشي النُّحاسيِّ / رأسي أُرجوحةٌ لأطفالِ البَرقوق / يَحْملون تاريخَ عَمُودي الفِقري في الصَّحاري الجليديةِ / الغَسَقُ ابنُ عَمِّي لكنِّي يتيمٌ / 
     في ذلك الصَّمتِ البنفسجيِّ / تُولَد مَدينتي المعدنيةُ على ضِحكة الصَّنوبر/ أَفتحُ قلبي للذِّكرياتِ الغَريبةِ / كَي تَدخلَ مِياهُ البحرِ في نُخاعي الشَّوْكي / عُيوني هِيَ غُربتي / فلا تَبكِ عَليَّ يَا أنا / سأحتفلُ بأشكالِ ذَبْحتي الصَّدريةِ / لأنَّ الرَّعدَ طَهَّرَ خُيوطَ بُكائي مِن حَضارةِ دَمِ الحيْضِ / وتحتَ إِبطِ الذَّاكرةِ مِشنقةُ الأعشابِ / قَدْ بِعْنا فلسطين / وصِرْنا رومانسيِّين /
     لَمْ أَزرعْ في رِئتي حُقولَ الصَّوْتِ / لأُقدِّمَ الزُّهورَ للعُشَّاقِ في حَاناتِ لَندن / لم أُنظِّفْ بَلاطَ زِنزانتي / لِيَمشيَ عَلَيْه فُقهاءُ البَلاط / لم أكتب القصائدَ / لأتغزَّلَ بانكماشِ الرَّاهباتِ في الحكايات/ لم أُعَانِقْ لُغتي / لأخطَّ المراثي على الحزنِ المتدفِّقِ/ مِن شُقوقِ الدَّولةِ البُوليسِيَّةِ /
     حِينَ يَأخذُ الأباطرةُ أشجارَنا إِلى التَّجنيدِ الإجباري / في الجيش الذي يُحارِب نَفْسَه/ أجلسُ مَعَ الأمواجِ / نَدرسُ بَصماتِ البلابلِ على الحجارة الدَّامعةِ / أعشقُ أبجديةَ مَوْتي في أُمسياتِ صَوْتي/ أعمارُنا شموعٌ سَوْداء/ لأنَّ النُّسورَ أَكلتْ جُثَّةَ النَّهار/
     قِطَطَ الوادي / لا تَبْحثي عَن وَطنٍ / أحزاني وَطَنُكِ/ قَد يَرْحلُ الموجُ عَن الغُرفةِ التي وُلد فيها/ ويأخذُ مَعَهُ أشجارَ الحِبر/ ويَتركُ الحصيرَ باكياً على كَتفِ البلاط / ثم يُقتَل في الغُرفة التي وُلد فيها / ذَهَبت الصَّبايا إِلى الانتحارِ / وَبَقِيَت قُمصانُ النَّوْمِ على حَبْلِ الغَسيلِ / والطحالبُ سَقَطتْ في عُلبِ المِكياج / الصُّراخُ يَغتصبُ عُروقي / ولم أُفَرِّقْ بَيْنَ الرصاصِ المطاطيِّ وأقلامِ الرصاصِ /
     وَحيداً كأرملةٍ خَلَعُوا حِجَابَها / وبَنَوْا عَلى ضَفائرها ممالكَ السُّكوت / كان اليَانسونُ الذي يُغطِّي رُفاتي / أنا المطارَدُ في بِلاد الزَّرْنيخ / في زُجاجِ غُرفِ التحقيق/ في الشَّوارعِ الموحلة/ التي تُفضي إلى مُغامرات أُمراءِ الحروبِ/ المدوَّنةِ على جِنازةِ الدَّيناصورات/كُلَّما فَحَصَ النَّرْجِسُ حِيطانَ الْمُعْتَقَلِ / تكسَّرتْ ظِلالُ الْخَنجرِ الأثريِّ / وكُلَّما نَظَرْتُ إلى المِرْآةِ رَأيتُ قِناعي يَتَوَهَّجُ كالمطَرِ /
     مَاحِياً آثار مايكل أنجلو على أجسادِ الشَّحاذين / في ممالك الانتحار شَمالَ المتوسِّط/ قُرى الجِرذانِ البشريةِ التي حَوَّلوها إلى مَدافن / هِيَ أضلاعُ النبيذ / يَجرحون الفُلَّ الذي يُزَيِّن نَافذةَ بَحَّارٍ في عَكَّا / صَديقاتي نُجومَ السَّماءِ البعيدةِ عَن جُلودِ العُقبان / قَد اختلطَ هَدِيرُ محرِّكاتِ الطائراتِ/ بِدَمِ اليَنابيعِ السَّاخنِ / أكواخٌ لِطُيورِ البَحرِ/تَجمع سُعالَ الزَّبد على الشَّاطئِ / نُخَزِّنُ في رِيش دَجاجةٍ أحزانَ شِبَاكِ الصَّيدِ الفارغةِ / البَحرُ أقربُ إلى رُموشي مِنِّي / وَيَغارُ عليَّ مِنِّي / جُلودُنا تَحرسُ أعداءَنا / والضَّبابُ يَمْضي إلى ثُكنته العَسْكريةِ / في سَراديبِ القُصورِ الرَّمْليةِ /
     فِي إِحْدى الليالي نامت الليالي فِيَّ / وعِندما تتفجَّرُ المرافئُ في عيون النوارس / ويلتقطُ أطفالُنا الصُّوَرَ التِّذكاريةَ/ لحركة البَرقِ عَلى جُلودِ الإماء / يُصبِح جِلدي كُوخاً / تَقضي فِيه الرِّمالُ الكُحليةُ شَهْرَ العَسلِ / وَحِينَ تَموتُ النوارسُ تكونُ أجنحتُها هِيَ أكفانَها / أَعيشُ في قَلْبِ الرُّعْبِ/ وَأَخافُ أَن أَعودَ إِلى البَيْتِ / فَأَسْمَعَ بُكاءَ أُمِّي / لَمْ أُشارِكْ فِي حَفْلةِ زِفاف حَبَّةِ رَمْلٍ إلى الصَّدى/ جَرَفَ السَّيْلُ ذِكرياتِ النَّسر/ فَوْقَ رُؤوسِ العبيدِ المتَدَحْرِجَةِ عَلى زُنودِ السَّيَّافين/ بِطْريقٌ يَجْمعُ أَشلاءَ أُسْرته في كَفَّيه الصَّغيرتين / ويَدْفِنُها في قِيعانِ الفَجْر/ ذُبابةٌ تَنْقلُ على جَناحها ثَوْراً مُكْتَئِباً / إِلى عِيادة الطَّبيبِ البَيْطري / أَعْطاني مِفتاحَ كَهْفِه عُصْفورٌ/ والليمونةُ التي تَكْبُرُ في شِريان الأرضِ / تَكتبُ يَوْمِيَّاتِها على ذُبولِ القَراصنةِ / وأُمراءُ الأنقاضِ يُنَظِّفون السُّفنَ في أَحْشاءِ شُعوبهم / التي قَذَفوها في الدُّروبِ الْمُرْتَعِشَةِ / فيا أيَّتُها الوَردةُ البلاستيكِيَّةُ / لا تَنتظِري الْمَحْكُومَ بالإعدامِ /
     سَأَلني الليلُ عَن اسْمي فَلَمْ أُجِبْه / لأني ألتقطُ عَبَراتِ التِّلال/ وأُخَبِّئها في صُندوقِ البريدِ / أنا رَاعي غَنم في مَنافي الرَّعدِ / وَقَدْ لا أَجِدُ مَن يَدفنني إذا مِتُّ في صَرخةِ البَرْقوق/ مَا فائدةُ العَشاءِ على ضَوْءِ الشُّموعِ والعناكبُ تَسْبحُ في عَصيرِ البرتقال ؟/ سَتَرْتدي النِّساءُ قُمصانَ النَّوْمِ / ويَمْشِينَ في الجِنازةِ العَسكرِيَّةِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ /
     شَوْكُ الضَّياعِ يَثْقبُ تَجاعيدَ الصَّليل / ممالكُ الغُروبِ تَعودُ مع قاربي مِن جَنْي الرُّؤوسِ المقطوعةِ / أمواجُ الشَّفقِ لَيْست نَبتةً يُمزِّقها الكَهَنةُ / أَمْسَكَتْني يَمامةٌ ثُمَّ أَطْلَقَتْني في حُلْمِ خَناجرِ الفَيَضانِ / وَالعُشبُ يُبدِّلُ شَفَراتِ السُّيوفِ / كما تُبدِّلُ الرَّاقِصةُ خَلاخِيلَها / تَمُوجُ فَوْقَ الحقولِ أُغنيةٌ تَسخرُ مِن لُصوصِ النِّفطِ / غَزَالٌ يَخْلعُ جَواربَه/ ويَعُدُّ أَرْجُلَه عَلى سَجاجيدِ المذبحةِ / يُوَدِّعُ قَلبُ اللبؤةِ زَوايا المغَارةِ / يَقودُ الليمونُ فِي الشَّارِعِ مُظَاهَرةً ضِدَّ الأحكامِ العُرفيةِ / لَسْنا أثاثاً يُبدِّله أُمراءُ الحربِ مَتى شَاؤوا / أنامُ عَلى مَقَاعِدِ مَحطةِ القِطَاراتِ / وكُلَّما جاءَ المساءُ / رَأيتُ وُجوهَ الأمواتِ على زُجاجِ القِطَاراتِ/ البَحْرُ وَصِيَّةُ الْمَحْكُومِ بالإعدامِ/فَكُنْ وِصَايةَ القاتلِ عَلى الضَّحِيَّةِ/
     مَطرٌ غارقٌ في التَّثاؤبِ / الرَّصاصُ المطاطيُّ هُوَ أَعْراسُ اليَتامى / وَذَلِكَ القَمرُ يَضحكُ لِي وَيَقْتلني / فَتياتُ بَغْداد أنتنَّ شَجرٌ أخضر/ في رَبيعِ دَم الأضرحةِ / إِلى التُّرابِ هَذا اتِّجاهُ حَوَاسِّنا / فَهَل جَماجِمُنا سَتَصيرُ بَعْدَ إِبادَتِنا إِشارةَ مُرورٍ / في شَارِعٍ مُزْدَحِمٍ قُرْبَ مَصَانعِ البِيرة ؟ / جُمْجمةٌ تَقودُ دَرَّاجتها النَّاريةَ/ على إِزارِ بَعوضةٍ / رُعاةُ البقرِ يَتبادلون التَّهاني/ بَعْدَ إِبادةِ الهنود الْحُمْرِ/ أقامَ الحمَامُ عُرْساً للبَقِّ على مَائدةِ الأيتام / رَجعت القِطَطُ إِلى يَنابيعِ الألم / أَدغالُ عُيوني تَسجدُ في المحاريبِ للإِلهِ / عُصفورٌ يَأكلُ أَبَاه عَلى غُصْنٍ/ لا يَرْصده المخبِرُون المتكاثِرون كَبَيْضِ الحشراتِ / انتشرتْ ذَاكرةُ الفاصولياءِ عَلى حَدائقِ النُّعوش / لم يَكْبُرْ جَسَدي عَلى اقتلاعِ شَرايينِ النَّهر / أَعيشُ مُرَاهَقتي المتأخرةَ قَبْلَ احتضاري بَعْدَ انتحاري / وَسَوْفَ تُحصَد وَردةُ الضَّريحِ / وَهِيَ تَحْضُنُ قَوْسَ قُزَحَ / نَزْرعُ الأكفانَ الشَّمْسِيَّةَ بَيْنَ دِماءِ الزَّيتون وعَرَقِه/ لا أُنوثةَ فِي أدغالِ الوقتِ / انقرضتْ عَقاربُ السَّاعةِ / وعَاشَت الأفاعي في شَمْسِ الهزيمةِ / وَسَقطت البراويزُ عَن جُدْرانِ الطَّحالبِ / لَنْ يَلتقيَ العُشَّاقُ خَارِجَ مُعَسْكراتِ الإِبادةِ / لأنَّ القَمرَ وَقَعَ في بُحيرةِ الدَّمع / افْتَخِرْ بِي يَا أَبي أَمامَ رِجالِ القَبيلةِ / وافْرَحي يا أُمِّي / يَنْتظرُني مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ بَيْنَ الأضرحةِ /
     أُمِّي تُنَظِّفُ مَساميرَ نَعْشي بِمِلْحِ دُمُوعِهَا / الزَّنازينُ مَسْقطُ رَأْسِ السُّنونو / والوَرْدُ يَصْعدُ مِن جُثْمانِه / تُفتِّش دُموعي عَن زِنزانةٍ/ لِكتابةِ الصَّدى عَلى جَسدِ الصَّوْتِ/ لتحريضِ صَدأ الحديدِ على الحديدِ/ لخلع قلبي مِن قلبي / وَسَوْفَ يَرقصُ العَبيدُ مَعَ الجواري ذَاتَ مساءٍ .