28‏/07‏/2019

نخلة وحيدة في مقبرة مكتظة / قصيدة

نخلة وحيدة في مقبرة مكتظة / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........

     أبني أُسطورةَ الحطبِ / أنا وَحْشةُ الشاطئِ التائهةُ / بَيْنَ مَزْهرياتِ الزَّوْجاتِ الخائناتِ وَصَفَّاراتِ الإنذارِ / دِماءٌ خضراءُ على الثلجِ الأزرقِ / الأمواجُ تُحْرَقُ بالذِّكرياتِ / تواريخُ الدَّمْعِ البَرَّاقِ / وأظافرُ الأراملِ قُماشٌ لجروحِ المرفأ / مِن أيِّ احتضارٍ جاءتْ هذه الشُّطآنُ ؟ / جُثَثُ الأطفالِ تختبئُ في جُثثِ السَّرْوِ / يَدْخُلُ الرِّجالُ في السَّهَرِ الجارحِ / وتَدْخُلُ عَشيقاتُهم في النَّوْمِ / امرأةٌ يَبيعُها أهْلُها لِمَن يَدْفَعُ أكثرَ / حُبٌّ جديدٌ والأندلسُ تَضيعُ /
     أنا دَليلٌ سِياحِيٌّ في مَقابِرِ الفُقراءِ / وَالموْتُ يُقيمُ مَمْلَكَتَهُ على جُثمانِ القصيدة / الدِّماءُ تَسيلُ مِن عَصيرِ الخوْخِ / والقاتلُ لا يَذْكُرُ أُمَّهُ حِينَ يُشَرِّحُ ضَحِيَّتَهُ / لأنَّ أصابِعَهُ زِئبقٌ حَجَرِيٌّ / لم أَعْرِفْ مَواعيدَ تجريدِ المِقْصلةِ مِن ظِلِّها / لكني عَرَفْتُ مَواعيدَ انتحارِ الفَتَياتِ على رصيفِ المِيناءِ / الأرضُ مِكْواةُ العَاشِقين / عُشْبَةُ المنفَى البدائيةُ / سُخونةُ اليورانيومِ المخصَّبِ على جدائلِ البناتِ / والحزنُ يَتمتَّعُ بِحُكْمٍ ذَاتِيٍّ في نَشيدي/ فَيَا أنبياءَ اللهِ/ ذَوِّبُوني في خُيوطِ ثِيابِكُم/كَي يَلْمَسَ جِلْدي جِلْدَكم/
     هَذا المكانُ قَاتِلي / هذا الضَّبابُ مِزْمارُ الراعي / شِتائي مُزْدَحِمٌ بالتوابيتِ / حَبَّاتُ التفاحِ هَياكِلُ عَظْمِيَّةٌ / وآبارُ قَرْيتي تَبْحثُ عن بُكائي في السَّحَرِ / كُلما مَرَّ المكانُ على الهشيمِ / تفجَّرَ النَّهارُ على رُموشي / هَرَبَ الجنودُ مِنَ المعركةِ / وَشَرِبُوا القَهْوةَ في أحضانِ عَشيقاتِهم/ كَانتْ أحلامُ الأسرى هِيَ الرَّغْوَةَ / والباعةُ المتجوِّلونَ يَمْشُونَ بَيْنَ قُبورِهم / مَا شَكْلُ العاصفةِ التي تتقمَّصُ أعصابَ الزَّبد ؟ / لَسْتُ أسئلةَ الدَّمِ/ أو أجوبةَ الزوابع/ سَأُكْمِلُ مِشْوارَ الصَّنوبرِ/ هَل جُرْحي الرَّاوي أَم الروايةُ ؟ / أيْنَ وَجْهي ؟/ أقنعةُ قلبي بِلا أقنعةٍ / ونوافذُ نزيفي بِلا سَتائرَ معدنيةٍ / بِلادٌ تَرْفَعُ أنهارَها مَحْرقةً/ والأناشيدُ الوطنيةُ في حقائبِ بائعاتِ الهوى / تاجُ الصقيعِ مصلوبٌ على خواتِمِ الأرستقراطياتِ / وَعَصيرُ البُرتقالِ زَيْتٌ في قَناديلِ الأرامل /
     صُدورُ أُمَّهاتِنا مُسَيَّجَةٌ بِدُموعِ الخريفِ الذي يَذْبَحُنا / وأرقامُ السُّجناءِ أكثرُ أهميةً مِن أسمائهم / وأرقامُ الزَّنازين تَصيرُ مَلامِحَ للأسرى / تَطهيرٌ عِرْقِيٌّ في الأغاني الوطنيةِ / التي كَتَبَها عُمَّالُ النَّظافة في وَرْشةِ الخليفةِ / سَامِحْني أيها الجنونُ / لا وَطَنٌ ضَمَّ النوارسَ ولا مَنفَى /
     تَرْحَلُ الموانئُ مِن عُروقِنا/ وأطيافُنا تتكسَّرُ / سَوْفَ يتألَّمُ الرصيفُ أمامَ بَيْتِنا المهجورِ / نَحْنُ المنفيين في الوطنِ / المواطنين في المنفَى/ نَعيشُ بينهما كالحشَراتِ/ وأظافِرُنا تتوهَّجُ في ليالي الإعدامِ / مَشَيْتُ في أوردتي / عَبَرْتُ فِيَّ / والنهارُ يَخْلَعُ كَتِفَ الرصيفِ / بَيْني وَبَيْنَ ذَاكِرتي حَرْبُ شَوارع / مَثانتي حَقْلُ ألغامٍ بَحْرِيَّةٍ / والخيولُ تأكلُ الخيولَ/ والأشجارُ تأكلُ لَوْنَها / كانت الغيومُ خُوذةً لرأسِ العاصفةِ / والمشنوقون بِلا رُؤوسٍ / عَقَدْنا اتفاقيةَ سَلامٍ مَعَ دِمائنا / وَخَطَبْنا الزَّوْبعةَ /
     يا وَحْشةَ الإِماءِ بَعْدَ انتحارِ السَّلاطين / الرصاصاتُ مَلأتْ فَراغَنا العاطفِيَّ / والقُرى المنسيةُ صَارت اسْماً للحَمَامِ / سيأكلُ أزيزُ الرصاصِ نوافِذَ البُيوتِ / والنِّفطُ يَنْبُعُ مِن سَرَطانِ الثَّدْي / الضبابُ دَفَنَ خَوْفَهُ في عُيونِ أبيه / والبُحيرةُ تَركضُ إلى أُمِّها / حَريقٌ في رَئةِ الثلجِ المعجونِ بِعَرَقِ الزنابقِ / والمساءُ يتفجَّرُ وَراءَ زُجاجِ غُرفةِ التحقيقِ غاباتٍ وَعِطْراً /
     الشَّاهِدُ هُوَ الشَّهيدُ / والشَّهيدُ هُوَ أدغالُ الضَّوْءِ في أُمسياتِ المجازِرِ / سَيَخْجَلُ الجليدُ في أجفانِ الخريفِ مِن نَفْسِهِ / نَحتفلُ بالهزائمِ لأنها انتصارُنا الوحيدُ / تتقطعُ أجسادُ الفَتياتِ على حِبَالِ الغسيلِ / والعواصفُّ ترشُّ دِماءَنا في صناديقِ البَريدِ / مُحاصَرٌ أنا بالوجوهِ القديمةِ والأمواتِ الْجُدُدِ / السُّفنُ الغارقةُ في مَعِدتي / والمساميرُ المنسيَّةُ في أخشابِ قَوارِبِ الصَّيْدِ / والمهاجِرُونَ غَيْرُ الشَّرعيين يَصيرونَ طعاماً للأسماكِ / لَن تنسَى النساءُ بَريقَ عُيونِ القراصنةِ / ولن أنسَى بَلْدتي المدفونةَ تَحْتَ الأغاني الوطنيةِ / شُموسٌ تَعْلَمُ أنها سَتَمُوتُ / والسبايا جالساتٌ على أعصابهنَّ / بِلا قَهْوةٍ ولا جاراتٍ / 
     قلبي مَأْتَمٌ / والأمواتُ يَعُودُونَ إلى رِئتي / يا خَوْخَ المذابِحِ / لماذا تُفَتِّشُ عَن اسْمِكَ في قاموسِ الزَّوْجاتِ الخائناتِ ؟/ ابتساماتُ الجواري/ والرَّعْدُ يُرَتِّبُ النُّعوشَ على عَقاربِ الساعةِ/ والثواني أضرحةٌ/ يَلْهَثُ الشجرُ في صَفيرِ القِطاراتِ البُخاريةِ / ولم يَبْقَ مِن أشلائي إلا لمعانُ الرُّخامِ / تتبخَّرُ وُجوهُ البناتِ في حرائقِ المطرِ / والطيورُ تُهاجِرُ مِن رُموشي إلى ضَريحي / نَخيطُ قُمصانَنا في شِتاءِ الجروحِ / ذَهَبْنا إلى المعركةِ بِمَلابِسِ النَّوْمِ/ لكننا هُزِمْنا لأن قُلوبَنا سَاذَجةٌ كَخُيوطِ القُماشِ/ النباتاتُ النُّحاسيةُ / والظلامُ يتفجَّرُ في يَنابيعِ البنادقِ / المصْلُوبونَ يَتَنَزَّهُونَ في ذاكرةِ الرَّعْدِ / والجِياعُ يَأكلونَ أثداءَ نِسائهم / وَطَنٌ خالٍ مِنَ الوَطَنِ / وَحُزْنٌ خالٍ مِنَ الكولسترول / بِعْنا ضَوْءَ القَمرِ في السُّوقِ السَّوْداءِ/ ولم نُمَيِّزْ بَيْنَ الرقيقِ الأبيضِ وَكُرياتِ دَمِنا البَيْضاءِ/ نَرْهَنُ أهدابَنا عِندَ الرِّياحِ / لِنَشْتَرِيَ تَنانيرَ قصيرةً للفراشاتِ المشْلولةِ / الليلُ يَقْفِزُ على حَطَبٍ / لا تاريخِ لَهُ سِوى مَواقِدِ الشِّتاءِ / حَيْثُ العُشَّاقُ يَقْتُلونَ نارَ صُدورِهم بأوراقِ الخريفِ /
     على شُطآنِ الوَخْزِ / يَنامُ جُنديٌّ خَجولٌ معَ عاهِرةٍ مُحْتَرِفَةٍ / يَتَوَسَّطُهما كَلْبٌ غَيْرُ وَفِيٍّ / رائحةُ الصابونِ تَقْضي على سُعالِ البَحْرِ / والشَّامبو وَشْمُ المنبوذين / سيأتي النهارُ الحامِضُ / وتختفي مَلامِحُ الرِّجالِ / الصُّحُفُ الموالِيَةُ لِلحكومة في ممالكِ الصفيح / والشَّعْبُ الغارقُ في إجازةٍ مَفتوحةٍ / فَتاةٌ في مُقْتَبَلِ عُمْرِها لا تَعْرِفُ أنَّ دَوْلَتَها تنهارُ / ولاعباتُ التِّنسِ الأرضِيِّ يَعْتَنِينَ بالعَرَقِ في مَلابِسِهِنَّ الداخليةِ / امرأةٌ تَفتحُ فَخْذَيْها للجماهيرِ / وتأتي جَمْعياتُ حُقوقِ المرأةِ / وَتُسَمِّي ذَلِكَ انفتاحاً /
     ذِئابٌ تتقاتلُ على عُروشِ الصَّحْراءِ / أيها النَّزِيفُ الغاطِسُ في الكُوليرا / أنا قادِمٌ لأقولَ ما لم يَقُلْهُ البَرْقُ/ تُجَمِّعُ المومِسُ الزَّبائنَ/ كما يُجَمِّعُ الحطبُ الطوابِعَ التِّذكاريةَ/ الحضارةُ المعدَّلةُ وِراثياً / والحكوماتُ عَدَّلَت الشَّرَفَ وِراثياً / ولم يَعُدْ في نَزيفي سِوى قناديلِ بَيْتِنا المهجورِ/ أحترقُ وَحيداً كالمزهرياتِ الأثريةِ / وأسيلُ معَ ينابيعِ قَرْيةِ الموتى/ أتَّحِدُ معَ أعمدةِ المسجدِ / وأموتُ تَحْتَ المراوِحِ / وَمَوْتي حياةٌ / قد كُنتُ مَيْتاً / وَصَوْتُ المؤذِّنِ أحياني / قِناعي ذَلِكَ النهرُ القادمُ مِن وَراءِ الغَيْمِ / والتوابيتُ تَصْعَدُ على دَرَجاتِ السُّلمِ الموسيقيِّ / صَوْتُ البيانو في حَفلاتِ القتلِ / والبُحيرةُ مُحَاصَرَةٌ في بَيْتِها بَيْنَ أشلاءِ اللهبِ /
     سَيُصبحُ سَجَّاني مُديرَ أعمالي/ جَوارحي طُيورٌ جارحةٌ / وَعِطْرُ أبي يَدُلُّ النوارسَ على قَبْرِهِ / دَفَنْتُ قلبي في قَبْرِ الغزالةِ / التي اصطادها الرَّعْدُ / ولم أَعُدْ قادراً على الحبِّ / الرُّموشُ المكسورةُ بَراميلُ بارود / تَنْزِفُ القريةُ المغْتَصَبَةُ / ويَضْحَكُ الموجُ الذي اغتصبَها / وتَحْتَ جُسورِ سراييفو / اغتصبَ كَلامُ الأغاني الفراشاتِ / وما زالَ الجنودُ يَشْرَبُونَ البِيرةَ عِندَ الأضرحةِ/ الغَيماتُ تستعيرُ صَوْتي المبحوحَ/ والغسقُ استعارَ لَوْنَ الينابيعِ / صُداعي مَطْعَمٌ يَتحاورُ فِيهِ الْمُخْبِرُونَ المتقاعِدُونَ والجنودُ العاطلون عَن العملِ / والصحراءُ تَشْرَبُ القهوةَ في كافتيريا على الطريقِ الصَّحراويِّ / تَخَلَّصْتُ مِن كُلِّ وُجوهِ القَتْلى / لكني لم أجِدْ وَجْهي / وغَسَلْتُ اكتئابي بالماءِ والصابون/ أنا القاتلُ الذي سَيَقْتُلُ نَفْسَهُ في حُلْمِ اليمامةِ / ولَن يَكْتَرِثَ بِي أحدٌ / سيأخذُ الحمَامُ الزَّاجلُ رَاتبي التقاعديَّ بَعْدَ انتحاراتي / وَسَوْفَ أتركُ أوسمةَ البُكاءِ للصدأ / التوابيتُ مَزْروعةٌ في صُراخِ الأمطارِ / ودُموعي نوافذُ لِغُرفةِ العِنايةِ المركَّزةِ / الأغنياتُ الخرساءُ على مصابيحِ الفقراءِ / ومملكةُ العُيونِ المحترقةِ بالضَّبابِ المرِّ / تتهاوى كالدِّببةِ القُطبيةِ في البَياتِ الشَّتويِّ/ مِيلادُنا ثَوْرةُ الأزهارِ الصِّناعِيَّةِ / وتاريخُ آبائنا يَضيعُ في أُمسياتِ قَوْسِ قُزَحَ/ فَوْقَ الأسلاكِ الشائكةِ على سُورِ السِّجْنِ الصَّحراويِّ/ مَاتت اللبؤاتُ في عِيدِ السُّعالِ / والخيَّاطةُ العجوزُ جَهَّزَتْ ثِيابَ الحِدَادِ / وجاءت مواعيدُ قَتْلِ الْحُلْمِ/ بَيْنَ أصابِعِنا يَنمو الفِطْرُ السَّامُّ / وأباريقُ الماءِ تتكسرُ عِندَ خِيَامِ الغجرِ / والجنودُ الهارِبُونَ رَمَوا بساطيرَهم في ذاكرةِ الينابيع / بَراري السُّلِّ تفترسُ أعصابَ الرِّياحِ / وجَبينُ القمرِ يتجعَّدُ كَجُثةٍ مَجهولةِ الْهُوِيَّةِ / وَقُطعانُ الأظافرِ تائهةٌ في مراعي الإبادةِ / تتسلقُ الطحالبُ حِكاياتِ الأُمَّهاتِ / وَعُيونُ المساءِ مَخالبُ في جَسَدِ الدُّموعِ المالِحَةِ / أصدقاءُ البحرِ خَانوه / والسنابلُ سكاكينُ في ثَدْي الأرضِ / ننتظرُ القتلى كي يُجيبوا عَن أسئلةِ المِلْحِ / في أعضائنا الممدَّدةِ على المذْبَحِ / تتكسَّرُ الرِّماحُ في خُدودِ الفجرِ التي ضَرَبَها العَطَشُ / الهياكلُ العظميةُ هَوادِجُ / وِعِظامُ الضحايا رايةٌ بَيْضاءُ للرقيقِ الأبيضِ / تسقطُ الأجفانُ على المطرِ الحِمْضِيِّ / والرِّجالُ يُجامِعُونَ نساءَهم على السِّيراميكِ الباردِ / وبُكاءُ الأطفالِ ينهمرُ على رُقْعةِ الشِّطْرنجِ / تتفجَّرُ نَظَراتُ الصبايا سُيوفاً / تمتصُّ لمعانَ المقاصلِ في ذِهْنِ الأشجارِ / وَذَرَّاتُ التُّرابِ مَقاصِلُ خارجةٌ مِن كِتاباتِ الصاعقةِ / دَمي يأتيني مِن كُلِّ الجِهاتِ / وأنا أَزُورُ أنقاضي على فِراشِ الموْتِ / ماذا سَنَفْعَلُ في هذا النَّزيفِ الْمُتَذَبْذِبِ كَتَرَدُّدِ الإذاعةِ / وهي تُلقي نبأَ استسلامِ الجنود الواضِحينَ للغُزاةِ الغامِضِينَ ؟ /
     يَلْعَبُ أطفالُنا مَعَ قاتلينا في الحديقةِ/ والدَّمُ يَقْضِمُ البَراري حُلْماً حُلْماً / تتأرجحُ الإِمَاءُ على حَبْلٍ رَفيعٍ في سِيركٍ للأسرى/ نَعيشُ بَيْنَ الرَّقْصِ والحِبَالِ ذاكرةً عَمْياءَ / لا تُفَرِّقُ بَيْنَ حِبَالِ المشانِقِ وحِبَالِ الغسيلِ/ وقُلوبُ النساءِ تَعْرِفُنا وتُنْكِرُنا وَتَصْلُبُنا / تَصعدُ السنابلُ مِن ثُقوبِ أصابعي / وأغشيةُ البَكارةِ مُعَلَّقةٌ على الصُّلبان /
     تُرابُنا كانَ لأحلامِنا / وصارَ لِنُعوشِنا / انتهتْ أحلامُ الفراشةِ تَحْتَ ظَهيرةِ يَوْمٍ دَمَوِيٍّ / خَلَعْنا أسنانَ الموتى بَحْثاً عَن الذهبِ وجَدائلِ النِّساءِ / أجسادٌ تغرقُ في حُلْمِ المنبوذين / وحَبْلُ مِشْنقتي واقفٌ بَيْنَ مِلْحِ الدُّموعِ وَمِلْحِ البحرِ / وأنا القَلْعةُ التي لم تتحرَّرْ مِنَ الحبِّ القديمِ /
     أيها الثوارُ النائمونَ معَ زَوْجاتهم / نَسِيَ أطفالُ الوَحْلِ النشيدَ الوطنيَّ / والراياتُ مُنَكَّسَةٌ في بِلادِ الرِّعشةِ / والبُكاءُ يَقتلعُ زَنابقَ الليلِ / نُلْدَغُ مِن نَفْسِ الْجُحْرِ كُلَّ يَوْمٍ/ فَلْنَصْرُخْ في الصَّدى البَحْرِيِّ/ لَن نَخُونَ الضَّحيةَ مَرَّتَيْن/ يا قاتلتي / لَن أَخُونَ شَكْلَ دَمِكِ الزُّجاجيِّ / ولا أَعْرِفُ هَل أنا القاتلُ أَم المقتولُ / العُيونُ المذعورةُ أقنعةٌ للحَمَامِ الزَّاجِلِ / والنَّظاراتُ السَّوْداءُ لم يُنَظِّفْها سِوى عَرَقِ السِّنديان / والليلُ يَحْسِبُ عَدَدَ الجروحِ في جِسْم البُحيرةِ /  
     كُلُّ شَيْءٍ يَخونُ وَيَغيبُ/ مَاتت أشكالُ الجنودِ اليابسةُ/ ويتساقطُ الجرادُ مِن أظافرِ الأسيراتِ / جَهَّزْنا قصائدَ الرِّثاءِ / ونَحْنُ نشتهي مَوْتَ الضَّحيةِ / الضَّحيةُ ماتتْ / فلتفرحْ أسرابُ الطيورِ / لم نَجْرُؤْ على النظرِ في عُيونِ قاتلينا / ولم نَعْرِفْ بُحورَ الشِّعْرِ إلا في حَفْلِ تأبينِ مَوْتانا / ولم أتوقَّعْ انهيارَ أبجديةِ العُشْبِ في المجرَّةِ .