30‏/07‏/2019

كلام الفراشة المنفية / قصيدة

كلام الفراشة المنفية / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............

     في ظَهِيرةِ عَرَقِ النَّيازكِ سُجُونُ الدَّجاجِ المشْنوقِ / أنا المصلوبُ عَلى دُموعِ الفراشات / العُرُوقُ المنسيَّةُ للأشلاءِ السريعةِ / للأشياءِ المنفيَّةِ في خَريفِ الربيعِ / عِندما ترى جُثثاً مَشْطُوبةً / تمشي على أسوارِ الخديعةِ في مساءاتِ الصُّراخِ / مَن المرأةُ التي تنتظرُ تَابوتَ زَوْجِها على حِجارةِ المرفأ اللازَوَرْدِيِّ ؟/ مَن البارودُ الصَّاعِدُ مِن آبارِ الصُّداعِ التي تنامُ فِينا ؟ /
     البراري الْمُسَيَّجةُ بالسُّعالِ تَذوبُ على نافذتي / سُكَّراً للشاي المخصَّصِ للأسرى / بُحيرةٌ تَزوَّجها الحريقُ الجسديُّ / والأشجارُ تَبيعُ الرؤوسَ المقطوعةَ / وفي حناجِرِ التلاميذِ تُولَدُ طَباشيرُ المدارسِ المهدومةِ / القُرى المنسيَّةُ / والضَّحِكاتُ المقهورةُ / والكَهْرباءُ المقطوعةُ عَن دِماءِ الغاباتِ / أُقَلِّمُ أظافِرَ التِّلالِ قَبْلَ زَواجِها مِنَ الموْتِ / ومَذاقُ الانتحارِ في حَلْقِ الشَّفَقِ /
     أيتها الرِّمالُ المتحرِّكةُ / حَرِّكي مَشاعِرَ الصحراءِ / ولا تَجْرحي مشاعري / يا شُطآنَ الهزيمةِ / اصْعَدي مِن شراييني لَبُؤةً / واركُضي بَيْنَ قانونِ القَبيلةِ وقانونِ الطوارِئِ / ارحميني أيتها الأمواجُ الجارحةُ / أنا المنبوذُ السَّماوِيُّ / أَمْسَحُ حِذاءَ البحرِ / وأُقَبِّلُ يَدَ الشاطئِ / وعِندما أموتُ سَتُغَطِّيني الرِّمالُ الشقيقةُ/ إِنَّ الرِّمالَ انتصرتْ عَلَيَّ حَيَّاً ومَيْتاً/ جِلْدي مُوسيقى تصويريةٌ للجِنازةِ العسكريةِ / وما زِلْتُ أسألُ زِنزانةَ القلبِ الوحيدِ / ماذا سأفعلُ بالزُّهورِ في ساعةِ احتضاري ؟ /
     عَطَسَ هذا الغُروبُ رَمَاداً / وارتدى الحِدادُ ثِيابَ الحِدادِ/ وحِينَ يَموتُ الحِدَادُ/ لَن يَجِدَ مَن يَحُدُّ عَلَيْهِ / هذا الغِيابُ حُضُورُ الأندلسِ في أناشيدِ البحرِ / تاريخُ الينابيعِ عَطَشُ المجرَّاتِ / والنيازكُ تَحِنُّ إلى ألمي المتشظِّي باتِّجاهِ الرِّماحِ / تَضُمُّني المِئذنةُ عِندَ الفَجْرِ / فَنَكْسِرُ البراويزَ على حائطِ السِّجْنِ / وعِندما تَضيعُ البِلادُ أَصِيرُ البِلادَ / فاصْعَدْ مِن جُثماني زهرةً للوَداعِ / وهذا الصَّدى مشانِقُ / نباتِيٌّ السَّجَّانُ / فَكَيْفَ نَسَجَتْ أسنانُهُ مِن لحمي شاطئاً ؟ / تَرمي غَرْناطةُ شِبَاكَ الصَّيد في الفجر / فَتَهْرُبُ الأدغالُ مِن قَفَصي الصَّدْرِيِّ / وتلتصقُ الأنهارُ بِجِنسيةِ عِظامي / أحزانُ الضبابِ حَفَرَتْ مَلامِحَ أبي / وأنا أصرخُ في الشوارعِ الخلفيةِ / ماتَ قَمَري على سَريرِ الشِّفاءِ/ ذِكرياتي خطأٌ مَطْبعيٌّ / والبُحيراتُ تَنتحرُ في الظلالِ الأسيرةِ / في حَضاراتِ الكُوليرا الْمُبْتَسِمَةِ للصَّحفيين/ خُذْ خَارِطَةَ قَبْري / وَسَافِرْ إِلى ضَوْءِ أشلائي في الغروبِ / وَكُن دَليلاً سِياحِيَّاً للأمواتِ/ تتزوجُ المِياهُ الجوفيةُ ضَوْءَ قُيودي / وَيَذوبُ المسافِرُونَ في مَساميرِ السِّككِ الحديديةِ / مَحطةُ القِطاراتِ في المدينةِ القاتلةِ / مُنْتَصَفُ الليلِ / وَمُنْتَصَفُ الحزنِ / كَيْفَ وَصَلَتْ أشلاؤُنا مِن قَوْسِ قُزَحَ بِدُونِ قِطاراتٍ ؟/ غَريبٌ أنا كَالبِطْريقِ المسافِرِ في الصَّحْراءِ / وَمَنبوذٌ كَقَلْعةٍ يَحْمِيها جَيْشٌ مَهزومٌ / مَقْبرةٌ جَماعيةٌ جَديدةٌ عِندَ جَدائلِ الأراملِ / وَالشُّموسُ تَشربُ خَجَلَ الحِجارةِ في قَرْيتي المنسيَّةِ / وَمَطَرُ الملاريا يَحْرِقُ لِثَّةَ الفِضَّةِ / والأطفالُ في العُطْلةِ الصَّيفيةِ يَغْسِلُونَ أكفانَ القَتلى /
     أيها السَّاكنون على سُطوحِ القِطاراتِ التائهةِ / بَيْنَ المواكبِ الملَكِيَّةِ والمراحيضِ المذهَّبةِ / بِيعُوا سَيْفِيَ الخشبيَّ بَعْدَ قَتْلي / وَحَوِّلوا أسوارَ مَقْبرتي إلى مَتْحَفٍ / لِعَرْضِ فَرْوِ الثعالبِ/ مِن أجْلِ سَيِّداتِ المجتمعِ المخملِيِّ / أكتشفُ جماجِمَ البناتِ على تُحَفِ الكاتدرائياتِ / يَقْفِزُ الكَبْتُ الجِنسيُّ على أصابعِ الكَرَزِ / وَرَمْلُ البَحرِ يَزْرَعُ الْخَشْخاشَ في حناجرِ الرُّهبانِ / لكنَّ الرَّعْدَ مُنْتَصِرٌ حيَّاً وَمَيْتاً /
     كانَ فِرَاشُ الموتِ تِلميذاً مُجْتَهِدَاً/ لَكِنَّهُ أضاعَ دَفترَ الفِيزياءِ في غُرْفةِ التشريحِ / وَنَسِيَ أسئلةَ الرِّياضياتِ في ثلاجةِ الموْتى / الزِّيُّ المدْرَسِيُّ المغسولُ بالعارِ مُعَلَّقٌ على حَبْلِ المِشنقةِ / في حُجُراتِ المتاحِفِ التي تقمَّصَتْ طَعْمَ الكاكاو / وَهَذهِ خُدُودُ الأسرى مَقَاصِلُ بِطَعْمِ الفَانيلا / تَوَحَّشَ المساءُ على سَطْحِ مَنْزِلي / وَذِئْبُ الدُّخانِ يَنْشُرُ على مَلاقِطِ الغَسيلِ حِبالَ المشانقِ / مُدُنٌ يَقتحمُ بَطْنَها نُطْفةُ السُّكوتِ / فَتَحْبَلُ بالسُّكوتِ / وَتَلِدُ جَنينَ السُّكوتِ / إِنَّنا حَنجرةُ المدينةِ التي تَموت /
     سَوْفَ يتشمَّسُ العُشَّاقُ تَحْتَ سُورِ المقبرةِ / ويَخرجُ صُراخُ النِّساءِ مِن الآبارِ البعيدةِ / كأنني الأندلسُ تنبعثُ فِينا / والصحراءُ تَأكلُ صَهيلَ البَحْرِ في مَواعيدِ النَّزيفِ / فَعَلِّمِيني يا جُثةَ أُمِّي كيف تصيرُ الأحلامُ تِلالاً / أَبي قادمٌ مِن رِحْلةِ الدِّيناميتِ / وإجازاتِ النَّرْجِسِ المسكونِ بالدَّمِ / سأرتدي أجملَ سُجوني / وأُهَنِّئُ البحرَ بِطَلاقِ البُحيرةِ / فيا أيها الليلكُ المريضُ / إِنْ تأخرتُ عَن مَوْعِدِ احتضارِ الغيومِ / فلا تنتظرني على الغَداءِ / رُبَّما أكونُ قد تعثَّرْتُ بِجِراحاتي / أو انشغلتُ بِجَمْعِ تفاصيلِ جُمْجمتي المنثورةِ زَعْتراً للأراملِ / ستمشي أظافري الفُسْفوريةُ في الطريقِ / الذي مَشَى فِيهِ أُستاذي القَتيلُ / وَكُلُّ طَريقٍ قَوْسُ نَصْرٍ / لكنَّ الراياتِ البَيْضاءَ تغتصبُ المدينةَ / نَسِيَت العصافيرُ دُموعَها على أعمدةِ الكَهْرباءِ قَبْلَ انتحارِها / أفقِدُ آثارَ شَراييني على ارتباكِ الكَهْرمان / ولَمَّا أعودُ مِن جُنون الرمالِ يَسألني الشَّتاتُ / _ أَينَ كُنتَ ؟ / _ كُنتُ أُصْلَبُ !/ _ إجابةٌ مَنطقيةٌ في هَلْوسةِ الرَّمادِ / قَد عِشْنا معَ الموتِ في نَفْسِ البَيْتِ / والسلامُ على سُكَّانِ السماءِ والأرضِ / إِنَّ الأرضَ التي أنْجَبَتْنَا أكَلَتْنا / والعنكبوتُ تأكلُ نِصْفَها الثاني / أسرابٌ مِنَ الدَّمْعِ المتبخِّرِ / القِطاراتُ البُخاريةُ تَعْبُرُ جُثمانَ العاصفةِ / والصَّحاري تُمْطِرُني بِخَناجرِ العِشْقِ / سَتَبْحَثُ قُيودُ الوردِ في الأطلالِ / عَن خواطرِ البُحيرةِ وبَريقِ الزَّبَدِ / يا طَرْداً بَريدياً لَن يَصِلَني في شَارعِ الوُجوهِ المعجونةِ بالرُّعْبِ / قَلبي إسطبلٌ للغاباتِ الجامِحةِ / ولَن أكونَ مَوْجوداً لأَحْضُرَ عِيدَ مِيلادي / سَيَرْقُصُ الأيتامُ في عُرْسِ الأيتامِ / وَلَن يَلْمِسَ نَبضي اليتيماتُ / يَغْزِلُ النهرُ المتقاعِدُ قَهْوَتَهُ ثَوْباً في مملكةِ الأشباحِ / أطْفَأَني حَطَبٌ / فَوَقَعَتْ شُموعُ الْجُرْحِ في مَعِدةِ الغسقِ/ والأحزانُ شَرارةُ القُرى الفقيرةِ التي لا تَصِلُها الكهرباءُ / خُطَّتي لاستعادةِ دَمي لَيْسَتْ كَرْبلاء / كُلَّما خبَّأتُ دَقَّاتِ قَلْبِ الشجرةِ في صُندوقِ الاقتراعِ / غطَّى عَرَقي نُعاسُ الصَّنَوْبَرِ / وشراييني آبارٌ تتصَّدعُ مِنَ الأمطارِ / التي تُغَطِّيها الدِّماءُ / فيا أيها القلبُ البازِلْتِيُّ / ثِقْ بِصُراخي في الليلِ الطويلِ / حَاصِر التفاحَ قَبْلَ أن يَقْتُلَكَ / فَرُبَّ أسيرٍ عَفَوْتَ عَنْهُ / وما عَرَفْتَ أنَّهُ قاتِلُكَ /
     تنكسرُ ظِلالُ المطرِ على خُدودِ اليَتيماتِ/ المسدَّسُ على الوِسادةِ /  وأنا المهاجِرُ بَيْنَ شَهواتِ الزَّوْبعةِ وأسرارِ البُرتقالِ / أعودُ إلى مآذِنِ طُرْوادة / كَي يَستريحَ جَبيني في ضَوْءِ الأذانِ / هَذهِ حَافلاتُ الشَّنْقِ تَفْرُشُ على زِندي أسفلتَ السُّعالِ / وَجُنونُ الطرقاتِ يَزْرَعُ الذِّكرياتِ في الشَّفَقِ الجارحِ / سَوْفَ يُزيلُ الرُّمانُ عَرَقَ البنادقِ عَن قُيودي / الوَقْتُ صَرْختي الأخيرةُ / وأنا المسافرُ بَيْنَ بَراميلِ البارودِ وبَراميلِ النِّفطِ / الفجرُ المالِحُ نَشيدٌ للأغرابِ / وأنا الغريبُ في أُكسجينِ رِئتي / الأدغالُ مَطَرٌ أكثرُ نُعومةً مِن قَرارِ حَرْقِ كُتبي / يَزرعُ البَرْقُ في عَمودي الفِقريِّ قوانينَ الطوارِئِ / والثلجُ يَذوبُ على مَكتبِ النهرِ / الأشغالُ الشَّاقةُ المؤبَّدةُ / وابتسامةُ الأنقاضِ / والأشجارُ المصابةُ بالوَسْواسِ القَهْريِّ / شُعَيْراتي الدَّمويةُ مِنَ الرُّخامِ / وطَواحينُ الهواءِ تتوقَّفُ في كَبدي/ إِناثٌ لِلْبَيْعِ في المِيناءِ البعيدِ / وأوردتي هِيَ رَصيفُ الحاوياتِ الغريقُ / وحَيْثُ صَفيرُ البواخرِ المجنونةِ / يتعلَّمُ العُشَّاقُ الغَطْسَ في دِماءِ السناجبِ / والأساقفةُ يَبيعونَ الراهباتِ العَقيماتِ في السُّوقِ السَّوْداءِ/ لِيُوَفِّروا نَفقاتِ إطعامِهِنَّ/ تنامُ ذِكرياتُ الفُقراءِ في أرغفةِ الخبزِ / خَوْفاً مِنَ البَيْعِ في المزادِ العَلَنِيِّ / ولا أبناءَ لِي يُقْتَلُونَ مَعي / كما قُتِلَ أبناءُ الْحُسَيْنِ معَ أبيهم /
     أرجوكَ أيها النحيبُ / اهدأْ قليلاً / خُذْ إجازةً مِن السَّفَرِ الأبديِّ / وأنا الرَّاحلُ بَيْنَ بُرتقالِ المجزرةِ وتُفاحِ الإبادةِ / سأتركُ مَكاني للصَّليلِ عِندما يَقْبِضُونَ عَلَيَّ / السنابلُ تحترقُ بالصدى / وتَجْلِسُ في سَراديبِ مَحَاكِمِ التَّفْتيش / وكُلُّ نَزيفٍ في سَواحِلِ الاحتضارِ / يَنْبُعُ مِن ذاكرةِ البَرْقوقِ الذبيحِ / ذاكرةُ الإبادةِ / وَمَوْتي عَائشٌ في المدنِ المهجورةِ / فَهَل أزْعَجَكُم دَمي المسْفوحُ في شَهْرِ العَسَلِ ؟ / وَقَّعَ الشاطِئُ على شِيكٍ بِدُونِ رَصيدٍ / يا نخلةً تنامُ في سريرِ القمرِ / في تِلْكَ المجزرةِ غُرْفةُ نَوْمٍ لِعَرُوسَيْن / وَكُلُّ فنادقِ الدُّخانِ تَسكنُ بَيْنَ فِقراتِ ظَهْري / أَرْكَبُ أمعائي / وأَطُوفُ في مدينةِ الأشباحِ / أُحَقِّقُ معَ جثامينِ الغروبِ / حَيْثُ الطباشيرُ مُلْقاةٌ على بَلاطِ السُّجونِ/ وَجُثثُ التلاميذِ في بِئرِ الصُّداعِ / سَتَزُورُ شُموعُ المذبحةِ وُجوهَ الغريباتِ / حَليبُ النِّساءِ مَخْلوطٌ بالسِّيانيدِ / والفُقراءُ يُمارِسُونَ الجِنْسَ معَ حُفَرِ المجاري / اعْشَقْني يا أزيرَ الرصاصِ / كي أَصْعَدَ مِن جُثتي بُرْجاً للحَمَامِ / أحتفظُ بأسنانِ الرِّياحِ في أجفانِ المرايا الجريحةِ/ كَي يتذكَّرَني حفَّارُ القُبورِ في أعراسِ الموْتى/ وَيَعْرِفَني الليلُ في إِضْرابِ عُمَّالِ المناجِمِ / فَجْرٌ كاذِبٌ بَكى / والرؤوسُ المقْطوعةُ مَفْروشةٌ على وَرَقِ الهدايا / كَيْفَ أُقْنِعُ جُنونَ الأسْفلتِ أنَّنا لَسْنا سَبايا ؟ / رَأْسُ البُرتقالِ مَطْلوبةٌ / والشاطئُ مَطْلوبٌ حَيَّاً أو مَيْتاً / المذنَّباتُ تَلْعَبُ بأعصابي / والجرادُ يَكْتُبُ خواطِرَهُ على شاهِدِ قَبْري/ حَمَلْتُ مِقْصلةَ أبي تِذكاراً للعَصْفِ الوَرْدِيِّ / ولا تاريخَ لِي / تاريخي دَخَلَ في الرِّياحِ ولم يَخْرُجْ / اسْمي خَرَجَ مِن أدغالِ البارودِ / ولم يَعُدْ /
     أيتها العواصِمُ التي طَرَحَتْ بُلعومي أسْهُماً في البُورصةِ / أنا نَعْشُ الأزهارِ البلاستيكيةِ / أنا ضَوْءُ المجزرةِ المتمرِّدُ على سِياطِ الصقيعِ / ونَعْشي مَوْطِني / حِينَ تُغْلِقُ المنافي مَعِدةَ الشَّفَقِ بالأقفالِ الحديديةِ / الشَّوارعُ مُطْفأةٌ / وعُمَّالُ الإنقاذِ يَبْحَثُونَ عَن الجثثِ في رُوحِ الظلامِ / تاريخُنا الرُّكامُ / فَكُنْ فأساً للحطَّابِ المشلولِ / الحضارةُ على كُرْسِيٍّ مُتحرِّكٍ / وَسَوْفَ تنتهي الإجازةُ المرَضِيَّةُ للسُّيولِ القُرْمزيةِ / النُّسورُ تَبْسُطُ أجنحَتَها في مملكةِ الجِيَفِ / حُزني أكثرُ إشعاعاً مِنَ اليُورانيومِ / وأقلُّ أرصفةً / والفِئرانُ تتكاثرُ في حوافِرِ جَوادٍ أعْمى / والرَّمادُ يتعلَّمُ مِشْيةَ العَقْربِ في رائحةِ الاحتضارِ / أنا المنبوذُ تِلْقائياً / الْمُتَّهَمُ الدائمُ / المطرودُ الموْسِمِيُّ في غَيْرِ المواسِمِ / تَمْنَحُني الشَّمْسُ وِشاحَها/ فأفيقُ مُنْتَظِراً حُكْمَ إِعدامي/ أنا دَوْلةُ الشِّعْرِ/ وجُمهوريةُ الكَلِمةِ / لكني مَلِكٌ مَخْلوعٌ / وتاجي بِئْرٌ لِلْموؤداتِ / الوُرودُ مُلْقاةٌ على شَظايا الزَّنازين / ومَناديلُ الوَداعِ مَنْسِيَّةٌ على طَوابعِ البَريدِ النادرةِ/ والعُشَّاقُ يَتبادَلُونَ تُحَفَ الكاتِدرائياتِ ذاكرةً للانتحارِ/ سَيَخْرُجُ السَّجينُ مِن قَلْبِهِ / ويتزوَّجُ حُقولَ اللهبِ / سَتَهْرُبُ الصَّبايا مِن قُلوبِهِنَّ إلى المزهرياتِ الأثريةِ / وينكسرُ الحزنُ الفاصلُ بَيْنَ مُؤلفاتِ البَرْقُوقِ وقَصائدِ النارِ/ لَيْتَ أحزاني تَصِلُ إلى مَثْواها الأخيرِ/لتنامَ الفُهودُ في ذَبْحتي الصَّدْريةِ / أنا المنبوذُ / كُلَّما نَظَرْتُ إلى المِرْآةِ رَأيتُ تاريخَ الْجُثَثِ وسُقُوطَ الحضاراتِ /
     في أناشيدِ الصاعقةِ / يُولَدُ الكَرَزُ ويَموتُ / وفي أحضاني تنامُ إِشبيليةُ مَذْعورةً / فَتُوقِظُها السنابلُ النازلةُ مِن أجفاني / أنا العَريسُ المذبوحُ في عُرْسِ الأشجارِ / ولا امرأةٌ تَخيطُ للضُّيوفِ ثِيابَ الحِدَادِ / ولا شَجرةٌ تُجَهِّزُ لِيَ الأكفانَ الْمُسْتَوْرَدَةَ / فاكْسِريني يا مِرْآتي/ جاءَ وَقْتُ الشظايا/ وانتهت الحفلةُ التَّنكريةُ في خِيامِ الضَّحايا / والأجهزةُ الأمنيةُ لم تَسْمَحْ لِي بالزَّواجِ إلا في جِنازتي الأُسبوعيةِ / لماذا رَمى النَّعناعُ جَوَازَ سَفَرِهِ الدُّبْلوماسِيَّ في غُربةِ القَمْحِ ؟ / لم أكتشِفْ في قِطارِ أحزاني سِوَايَ / والمراهِقاتُ في ملابِسِ السِّباحةِ / يَلْتَقِطْنَ الصُّوَرَ التِّذكاريةَ عِندَ جُثةِ أُمِّي / أنا المذبوحُ العَفويُّ / والدُّودُ في حواجبي يَسْمَعُ هَديلَ أظافري / وَعِشْقُ الشُّطآنِ القاتلُ يَسْتَدْرِجُني/ أُصيبَ القمرُ بِضَرْبةِ شَمْسٍ / وأشجارُ الغروبِ تأكُلُني / المستحيلُ الرَّصاصِيُّ يَصُبُّ في سُعالِ الفَحْمِ / وعُزْلتي تنتشرُ في غريزةِ الياسمين / القمحُ الصاعدُ مِن حَوافِّ قَلْبي / يتسلقُ انتحاراتِ المساءِ / وأنا المتاهةُ البنفسجيةُ بَيْنَ مَوْتِ الزُّمردِ وسَبايا الحروبِ/ فاصْعَدْ يا دَمي مِن هاويةِ الْحُلْمِ / ولا تَحْلُمْ بِجَدائلِ الشمسِ على الرُّخامِ الأجنبيِّ/ إِنَّ الانتحارَ يأكلُ المانجا في حقائبِ بائعاتِ الهوى/ وَسَوْفَ تبتكرُ صَوامعُ الدُّخانِ في ضَجَرِ الأفيالِ أبواباً للعارِ/قَد عِشْنا معَ الأمواتِ في نَفْسِ الكُوخِ/
     سَتَنْدَمُ أيها البحرُ لأنَّكَ قَتَلْتَ الفَراشةَ / أحزانُ النِّساءِ الوحيداتِ في ليالي الصَّيْفِ/ وأنا اللازَوَرْدُ المغشوشُ بَيْنَ الاحتضارِ اليَوْمِيِّ والبُكاءِ الموسِمِيِّ / فَخُذْ نَصيبَكَ مِنَ السَّجادِ الأحمرِ/واترُكْ لِي عِظامَ الضَّحايا على أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحيِّ / أَحْمِلُ قَبْرَ الحضارةِ المتوحِّشةِ على ظَهْرِ حِمارٍ وَحْشِيٍّ / وَالصَّواعقُ تنازلتْ عَن مِيراثِها في جَسدي / والهدوءُ يَبيعُ حِصَّتَهُ مِن ثِيابِ السُّجناءِ / والأغلالُ تتجرَّعُ المشروباتِ الغازيةَ في أعيادِ احتضاري / الصَّنَوْبَرُ يَضطهِدُني / وَالبَارودُ يَبْتَزُّني / أُشْنَقُ في رِياحِ الخماسين / لكنَّ جُثماني على أُرجوحةٍ غامضةٍ بَيْنَ الأزهارِ الذابلةِ / مَطارٌ عَسْكريٌّ في المسالِكِ البَوْلِيَّةِ للنهرِ / والسَّيداتُ يَلْعَبْنَ البِيسبولَ في قِلاعِ الذُّعْرِ / حَيْثُ تُصبحُ الراياتُ البَيْضاءُ قُمْصانَ نَوْمٍ للإِمَاءِ / جَسدي حَديقةٌ للساحِراتِ القَتيلاتِ / واللحْمُ لَم يَدْخُلْ بَيْتَنا / إِلا عِندما اسْتَلَمْنا جُثتي الملطَّخةَ بِرَوابي الصليلِ الأخضرِ / قَد أُقْتَلُ في لَيْلةٍ بَاردةٍ / تتقاتلُ فِيها العَوانسُ على جُثمانِ العَريسِ/ وكانَ صُداعُ الحقولِ فارِساً يَقْتُلُ حِصانَهُ بِيَدِهِ / نَحْنُ فُرْسانُ غُرَفِ النَّوْمِ / العُطورُ النِّسائيةُ في خِيامِ اللاجئين / والنِّساءُ سَبايا / بُكاؤُنا مُوضَةٌ قَديمةٌ / والمجازِرُ سِيركٌ للمهرِّجينَ المتقاعِدِين / أيها الرَّعْدُ الشَّقيقُ / لا تَتْرُكْ جُثتي تَحْتَ الأمطارِ / سَوْفَ تَفُكُّ المراهِقَاتُ شِيفرةَ دُموعي/ وَيَدْرُسْنَ كِيمياءَ دِمائي في ليالي الشتاءِ / تنمو أعمدةُ الكهرباءِ في وُجوهِ الفُقراءِ / فاصْعَدْ إلى انتحاراتِ أُمِّكَ في المساءِ البعيدِ / واثقاً مِنَ الخطِّ الكُوفِيِّ على شَواهِدِ القُبورِ / أيها الموْجُ الرصاصيُّ / في عَيْنَيْكَ خِياناتُ القبائلِ / وعلى أجنحةِ البَعُوضِ ظِلالُ الأسرى / فاخْرُجْ مِن صُورتِكَ في مرايا المذْبَحِ / إِنَّ أُغنياتِنا المشرَّدةَ مِثْلُ صُراخِ القمحِ /   
     كُلَّ مَساء/ أذهبُ إلى انتحاري وأعودُ / أبني عالَمي على حافَّةِ الطوفان / وأظلُّ عَطْشان / سَفينتي تَغْرَقُ/ لكني ألعبُ الشِّطْرنجَ معَ فِئرانِ السفينةِ/ قصيدتي تنتقمُ مِنِّي/ وأنا أنتقمُ مِن دُموعي/ وأشعاري فُرْصةٌ للانتقامِ مِن أحزاني/ مَعَاً سَنَصْنَعُ كَعْكةَ الإبادةِ/ وَدَمُ الحيْضِ يَجْرِفُ تِلالَ المِكْياج / يا وَطَناً يَنامُ في الطابقِ الأرضِيِّ مِن المعركةِ/ أُمراءُ الحروبِ يُحْصُونَ عَدَدَ أصابِعِهم / قَبْلَ تعبئةِ الهديلِ في بَراميلِ النِّفطِ / خُدودي تَستقبلُ الأنهارَ الرَّاجِعةَ مِن أسلاكِ الْمُعْتَقَلاتِ / وَعُصْفورةُ المنافي تَنْقُرُ رَأْسَ الطاغيةِ / تنامُ رِمالُ البَحْرِ في قصيدةِ الأرقِ / والذِّئابُ تَكْتُبُ قصائدَ الوَدَاعِ على مَكَاتِبِ الموْجِ / وقصيدتي تُراوِدُني عَن نَفْسي / ولا تَسْمَحُ لي أن أكْتُبَها /
     أنا الكابوسُ / فَكَيْفَ أَهْرُبُ مِنِّي ؟ / أنا العاشِقُ الأعْزَلُ / لكنَّ وُجوهَ النِّساءِ مِنَ الأسمنتِ المسلَّحِ / سَأنتخبُ قَلبي زَعيماً لِحُقولِ الحِبْرِ / لأنَّ بَجَعَةَ الاحتضارِ تُصَفِّقُ لِي أثناءَ صَلْبي على الغَيْمةِ / انتحرَ الرَّاعي / تفرَّقَ القَطيعُ / والذِّئبُ يتجوَّلُ في شَرايينِ الموْجِ/ أضَعْتِ وَقْتَكِ أيتها البِئرُ المثقَّفةُ/ وأنتِ تَدْرُسِينَ إحصائياتِ شَنْقي/ والجوعُ يُخْرِجُ فِيلماً وثائقياً عَن مَذْبحتي/ أنا أُباعُ يَوْمِيَّاً في بِلادي / إِذَن أنا مَوْجودٌ / عُشُّ نَسْرٍ في قَلْبِ تفاحةٍ / والرَّعْدُ يُعَلِّمُني مُعادَلاتِ الرياضياتِ / اعتقالُ ثَرْثَرَةِ الماعِزِ / وَقَانونُ الطوارِئِ / والمواطِنُ الموْلُودُ مَنْبوذاً / وَخَوْفُ الشَّواطِئِ / أُطَالِبُ بِنَصيبِ أجدادي مِن أعشابِ الثورةِ / اكتشفت الأشجارُ دَوْرَتَها الدَّمويةَ في رُوحِ المِقْصلةِ / ضاعَ مَعْجونُ الأسنانِ للمرأةِ الْمُغْتَصَبَةِ / وَفِضَّةُ الذِّكرياتِ تُعَلِّمُني لُغةَ الزنازين / والصَّقيعُ في المدافنِ الزُّجاجيةِ نَسِيَ اسْمَ البَرْقِ / والكِبْريتُ خانَ أعوادَ الثِّقابِ / ولم تُمَيِّز البُروقُ بَيْن أعوادِ المشانِقِ وأعوادِ الثِّقابِ / ومرايا قَبْري تسألُ الرِّياحَ عَنِّي / لا أُشْبِهُ الحلاجَ / لكني أُصْلَبُ في عَيْدِ النَّيْروزِ / تَغْتَصِبُني مَشَاعِرُ الزُّجاجِ  / وأَلُمُّ مِن رُكَبِ النِّيلِ الفَيْرُوزَ  / يا وَطَناً مَنثوراً على مَوائدِ الْمُرابين  / يا أنهاراً تائهةً على أوراقِ اللعبِ في قُبَّعاتِ المقامِرِين / بَنى الزَّبَدُ صالاتِ القِمارِ في بَوْلِ ذُبابةٍ / وَعَمُودي الفِقريُّ مَرْمِيٌّ في زُقاقِ الرُّعودِ / تشتري السَّبايا الحليبَ الصِّناعِيَّ / لِيَحْفَظْنَ حَجْمَ أثدائِهِنَّ أمامَ الزَّبائن / ونَزيفي يُزْهِرُ على الأغصانِ صَقْراً جَريحاً / عَلَّمَتْهُ الصَّحاري الجليديةُ الطَّيَران / ولا يَزالُ يَطيرُ / يمشي الغُرباءُ في لَيْلةِ الدَّفْنِ الْمُقْمِرَةِ / والبحرُ يبدأُ مِن الحمَامِ السَّجينِ في الأغنياتِ/ تَنمو أدغالُ الذِّكرياتِ في حَناجرِ البُروقِ/ وأنا الغريبُ في مَتاهةِ رُموشي/ كَسَرْتُ المرايا لِئلا أتذكَّرَ غُرْبتي / أركضُ إلى وِشَاحِ العَاصفةِ / أعيشُ وَحيداً كالهيدروجين/ وأموتُ وَاقِفاً كالغبارِ على البَراويز/تَدْمَعُ نباتاتُ الرحيلِ في طُرْوادة/ وَتَحْزِمُ حقائبَها ولادةُ بِنْتُ الْمُسْتكفي / أيْنَ تَذهبين ؟ / أيْنَ تموتين ؟ / وَقَشَّرَت ابتسامةَ الصُّخورِ السَّنواتُ / غُرْبَتُنا أبْهى مَا في اليَنابيعِ / وأجْمَلُ فَجْرٍ في كُلِّ الأسابيع / وفي هذا الصَّباحِ المخنوقِ / لَن تُجَهِّزَ الخادماتُ العَجِينَ / لأنكِ تموتين / أنا الْمُخَلِّصُ / لكنِّي لم أجِدْ أحَداً يُخَلِّصُني / ظِلالي الْمَنْفِيَّةُ والأنهارُ الشَّريدةُ / أنا والبحرُ الميْتُ نَزُورُ حَفَّارَ القُبورِ / لا نَمْلِكُ أُجرةَ غُرفةِ العَمَليَّاتِ / لا نَمْلِكُ مِفتاحَ ثلاجةِ الموْتى / اختفتْ وُجُوهُنا العابرةُ للقارَّاتِ / والنَّهرُ يَموتُ على خَطِّ الْمُشاةِ في الشارعِ الرَّئيسيِّ / نَزيفي يَضْرِبُ نُخاعَ الشَّفَقِ/ والمطرُ الحزينُ يُخَبِّئُ قَشَّ الإسطبلاتِ في الجِيَفِ المضيئةِ/ الأحصنةُ القَتيلةُ/ وعُواءُ الصُّخورِ / سَتَجْلِسُ البُحيرةُ على التَّلةِ البعيدةِ/ وتبكي وَحيدةً / أظافري خِيَامُ الغَجرِ / ومَعِدتي شاطئُ اللاجئين / وأنا المحكومُ بالإعدامِ أو الحنينِ / أهدابي كَوْمةُ فَراشاتٍ / وعالَمي ينهارُ مِثْلَ الكُحْلِ في عُيونِ العوانسِ / أُقَاتِلُ نَفْسي كَي أَجْمَعَ نَفْسي/ أُفَاوِضُ بُلْعومي / فَخُذْ أكفاني رايةً بَيْضاءَ/ سَيَعودُ الجيشُ المكسورُ/ وَسَوْفَ نَحتفلُ بالهزيمةِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمرِ/ الخوفُ يَغتصبُ المدينةَ / والهِضابُ تَبكي بَيْنَ الصَّوْتِ والصدى/ مَوْكِبٌ مِنَ المقاصِلِ على شَارِبي / سَتَنْبُتُ الفاصولياءُ في نُعوشِ الجنودِ / وتَسْرِقُ حُقولُ الذاكرةِ عَصيرَ البُرتقالِ مِنَ العاشِقِين/ تَلْمَعُ مَناجِلُ الفلاحين القَتْلى/ وأختفي في توهُّجاتِ الصاعقةِ/ لِكَيْلا يَجْرَحَني التَّبْغُ الرخيصُ في أفواهِ الجنودِ/ وأختبئُ في رُموشي / لِئلا تَصْطادَني الفَتَياتُ في كنائسِ الرِّيفِ /
     السَّلامُ على مَلَكِ الموْتِ/ قَد مِتُّ آلافَ المرَّاتِ يَا سَيِّدي/ الليلُ يَختبِئُ وَراءَ نظارَتِهِ السَّوْداءِ / وَتنمو الخناجرُ بَيْنَ شَهيقي وزَفيري/ وَعُمَّالُ المِيناءِ يُحَمِّلُونَ البضائعَ في عُروقِ الصبايا الْمُغْتَصَباتِ / وأصابعي تُبْحِرُ في جَسَدِ الفَجْرِ الكاذِبِ/ وَضَعْنا مَصابيحَ الحزنِ في رِعشةِ الأعشابِ / والشاعرةُ الوَحيدةُ وَضَعَتْ قَبْلَ انتحارِها مَعْجُونَ الأسنانِ في المزهريةِ / خَاتَمُ الْخُطوبةِ مأتَمٌ / والتَّوابيتُ وَليمةٌ في عُرْسِ الدِّماءِ/ أَطْرُدُ الباعةَ المتجوِّلينَ في أوْردتي / كما طَرَدَ النبيُّ شَعْبَ الشَّيطانِ مِن خَيْبَر/ وكما طَرَدَ المسيحُ باعةَ الحمَامِ مِنَ الهيْكَلِ / سَأَحْقِنُ جَبهةَ الوَرْدِ بِشَظايا الدَّمِ العَشْوائِيِّ / لُصُوصٌ في مَغارةِ عِظَامي / يَقْتَسِمُونَ ثِيابي كالحلوى الفاخرةِ في عِيدِ مِيلادِ الخوْخِ / رُوحِي الْمُعْتَقَلَةُ في الطِّينِ / تَهْرُبُ مِن جسدي بِلا إِذْنٍ مِنِّي / وَجَسدي هُوَ السِّجْنُ والسَّجانُ / وعِندما يَسْقُطُ جَسدي تتفجَّرُ لُغتي / وَتَصْعَدُ أبجديتي مِن أقمارِ النَّزيفِ / أصنعُ أبراجاً مِنَ الدَّمْعِ البَنَفْسَجِيِّ / وأخترعُ أحزاناً لا تاريخَ لَها سِوى القُطْنِ الشَّمْسِيِّ / يَصِيرُ جَوازُ سَفَرِ الدِّيناميتِ جِسْراً فخَّارياً فَوْقَ أكوامِ الجثثِ / خَرَجَ الشاطئُ مِن جِلْدِهِ / والحطبُ الأعمى يُنَظِّفُ دَوْراتِ المِياهِ في المطارِ / تهاجِرُ ذِكرياتي بَيْنَ حقائبِ السَّفَرِ / تَخْرُجُ السنابلُ مِن فَتْرةِ الْخُطوبةِ بِمَعْنوياتٍ مُرْتفعةٍ / وتَستعدُّ للحصادِ / حَنجرتي زِنزانةٌ لِلسُّنونو / وَلَحْمي سِجْنُ القصيدةِ /
     زِلْزالٌ فَقَدَ أقارِبَهُ في أحَدِ الزَّلازل / والقِطَطُ تَبْحَثُ في مَوْتِها عَن براكينَ خامدةٍ / الأنقاضُ هِيَ تاريخُ البَجَعِ / والبُحيراتُ تتبخَّرُ في عُروقي / مُديرُ السِّجْنِ المتقاعِدُ / وَرِياحُ الخماسين / ونهايةُ ثَمود / وهِجْرَةُ الغاباتِ مِن قَلْبي إلى قَلْبِكِ / تَبتسمُ أسوارُ قَرْيتي في شرايينِ قصيدتي / وأنا المصلوبُ في أدغالِ اللوْزِ / تُوضَعُ نِقاطُ عُمري على حُروفِ الثورةِ / وَخَادِمةُ قَائدِ المغولِ تَحْشو أضْرَاسَها بأكفاني / أيتها الأندلسُ الواقعيةُ التي تأتي مِن رُعودِ الأبجديةِ / هَل تَعْرِفِينَ أعصابي المجدولةَ مِن حَقائبِ السَّيداتِ الواثقاتِ مِن إِعْدَامِهِنَّ ؟ / عَبَرُوا الْمَضِيقَ / تِلالاً مِن النُّعوشِ والعاجِ / تِلْكَ الرِّئةُ تَضيقُ/ حَدَائِقُنا أَكَلَتْ رِمالَ صحارِينا في مَطْعَمِ الإِمَاءِ/ فَخَسِرْنا الصحراءَ والحديقةَ / قَنادِيلُنا سَقَطَتْ على بَلاطِ انتحارِنا /
     أجدادُنا يَعْبُرونَ الْمَضيقَ / حَامِلينَ جُثةَ الأطلسيِّ على ظُهورِ البِغالِ / لا شَيْءَ يَدْعو للقلقِ ! / الوِدْيانُ تَجْرِفُني/ وَالرَّعْدُ يُواسِيني/ مَن المجرَّةُ التي تمحو وَشْمَها في أحزانِ النَّهرِ ؟ / الصَّباحُ الْمُلْتَهِبُ يُهاجِرُ مِن مَداراتِ البُرتقالِ / والبَعوضُ يأكلُ آبارَ قَرْيتي / مَن الغريقُ ؟ / لا شَيْءَ يَدْعو للقلقِ ! / يَرمي الزَّمانُ أسئلةَ الثلوجِ وَيَندثرُ / دِماؤُنا الطريقُ / نَلْعَبُ الشِّطْرنجَ مَعَ الرَّاهباتِ في حِصَارِ ستالينغراد / والجيوشُ تَصطادُ السَّمَكَ مِن أكفانِ القَتْلى / لا خِزانةٌ لِثِيابِ الحِدَادِ سِوى عُلَبِ البِيرةِ / ولا طِلاءُ أظافرَ للزَّوْجاتِ الخائناتِ سِوى الرِّمالِ المتحرِّكةِ /
     القلوبُ على الحصباءِ الوَرْديةِ / والنِّساءُ يُقَبِّلْنَ الجنودَ قَبْلَ الذهابِ إلى الموتِ / الدُّخانُ يَعودُ مِن المجزرةِ مُرْهَقَاً / وَيَغْزِلُ جَدائلَ قَرْيتي هِضاباً / جَوارحي واقعةٌ تَحْتَ الانتدابِ / وأطفالُ الجنودِ يَجْمَعُونَ الصَّدَفَ في مِيناءِ البُروقِ / وتَمُرُّ عَلَيْهِم حاوياتُ البضائعِ / نَسِيَ الجنديُّ القَتيلُ رَقْمَ كَتيبته/ والنبيلاتُ يَشْرَبْنَ تاريخَ الوَداعِ في الحاناتِ / نَبيذٌ مِن أحْمَرِ الشِّفاهِ البَاروديِّ / وَفُرْسانُ الملِكةِ السِّكيرون في مَخازِنِ الْحُبوبِ / يُضاجِعُونَ عَشيقاتِهم تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / لكنَّ دِماءَنا لِلشَّمْسِ طَريقٌ / نُدَرِّبُ أغصانَ البُكاءِ على الخِيانةِ / كَما نُدَرِّبُ الكِلابَ البُوليسيةَ /
     أيها القَنَّاصُ الْمُحَاطُ بِالجثثِ البلاستيكيةِ / سَوْفَ يَبْحَثُ السرابُ عَن امرأةٍ يبكي في حِضْنِها / نَقْضي وَقْتَ فَراغِنا في ترقيمِ السِّياطِ / والأمهاتُ يَنتظرنَ أمامَ الحواجزِ الأمنيةِ / أحلامٌ خَشبيةٌ / والأضرحةُ عُكَّازاتٌ للعاصفةِ العَجوزِ / امرأةٌ لا أَعْرِفُها في لَمعانِ الشَّفَقِ / تُحْضِرُ لِي طَعاماً في السِّجْنِ / وتتسلَّقُ الشُّموعُ وِشاحَها الذي يُغَطِّي قِطَعَ الشُّوكولاتةِ/ أنا ضَحِيَّةُ الذِّكرياتِ/ وقاتِلُ الأُمْنِيَّاتِ/ مَاتَ النَّسْرُ / كَم سِرَّاً دُفِنَ مَعَهُ ؟ / مَصْرعي يُشْرِقُ مِن ضِحكةِ الظهيرةِ / يَنهارُ سَقْفُ سُوقِ العبيدِ / والأحجارُ الكَريمةُ تَصيرُ قناديلَ على سُورِ المقبرةِ / نُرَتِّبُ الصُّحونَ على مَوائدِ الْمُخْبِرِينَ / وضَحِكاتُ الجواري حَقْلُ غازٍ / اكتشفَهُ الصدى واحترقَ / هَؤلاءِ القَتْلى رَاجِعُونَ مِنَ الملاجِئِ / فاكْتَشِفْ يا حفَّارَ جُرْحي صُراخَ النوارسِ اليتيمةِ / كَي نَغْرِسَ تاريخَ أجسادِنا في زَيْتُونِ العواصفِ / الموْتُ اليَوْمِيُّ / وانتحارُ دُموعِ الفَتَياتِ في ليالي الشِّتاءِ / خُدودي تَذُوبُ في خُدودِ غَرْناطةَ خَارِجَ الخرائطِ / فلا تَقْلَقْ عَلَيْنا أيها القَلَقُ / فإِنَّا عَائِدون .