07‏/08‏/2019

موت أستاذ الرياضيات / قصيدة

موت أستاذ الرياضيات / قصيدة

للشاعر / إبراهيم أبو عواد

.............

     رَكَضَت النَّجْمَاتُ إِلَى طَاوِلَةِ الصَّدَى / وَأَتَى الْمَغُولُ/ هَاجَرَ الرَّمادُ مِن صَحْراءِ اليَاقوتِ / مُقَامِرُونَ يَجْلِسُونَ حَوْلَ أَتْرِبَةِ الشُّهُبِ / لا تُتَوِّجْنِي مَلِكَاً عَلَى هَذَا الْغُبَارِ الْبُرْتُقَالِيِّ / وَالْفَرَاغِ الْمَدْهُونِ بِالْفِضَّةِ الْعَابِرَةِ / إِنَّكَ وَشَقٌ مُخَصَّصٌ لِلذَّبْحِ لِلْوَرْدَةِ الضَّامِرَةِ / وَالْمِقْصَلَةُ تُنَظِّمُ دَقَّاتِ قَلْبِ الشَّعِيرِ / خَرَجَ وَجْهِي مِنْ أَنَابِيبِ الدِّمَاءِ كَوْكَبَ قَشٍّ / إِنَّ مِعْطَفَ الْبُحَيْرَةِ يَبَابٌ مَصْبُوغٌ بِالْبَيَادِرِ الْعَطْشَى / كَازْدِحَامِ جَدْوَلِ أَعْمَالِ الْمُومِسَاتِ / كَالْفُقَرَاءِ الَّذِينَ يَتَقَاتَلُونَ عَلَى مَقْعَدٍ فِي الْبَاصِ / كَرِجَالِ الأَمْنِ الَّذِينَ لا يَقْبِضُونَ إِلا عَلَى الْمُشَرَّدِينَ / لِصٌّ يَغْرِسُ فِي قَمِيصِهِ صُوَرَ الملوكِ المخلوعين/ وَلَمْ تَعِشْ يَا أَبِي لِتَرَى اسْمِي / فِي قَوَائِمِ الْمُشْتَبَهِ بِهِمْ /
     قُولِي أَعْشَقُ الْغَيْمَ الذَّهَبِيَّ / لأَعْرِفَ شَكْلَ مَذْبَحَتِي / أَتَوْا مِنْ حَيْثُ يَمُوتُ الْمَسَاءُ الْقَمْحِيُّ فِي أَحْضَانِ الْغَسَقِ / تَصْعَدُ الْقَصَائِدُ مِنْ حِبَالِ الْمِشْنَقَةِ الْمُنْكَمِشَةِ كَعَضَلاتِ الشَّحَّاذِينَ / الْجَسَدُ عُنْفُوَانُ الْفِضَّةِ/ وَفِي بَنْكِرْيَاسِ الْبَحْرِ سُوقُ نِخَاسَةٍ/ أَيْنَ النَّخَّاسُونَ الْعَابِرُونَ فِي ذَيْلِ فَرَسِ النَّهْرِ ؟ / يَفْتَرِسُ رِئَتِي طَائِرُ اللقْلَقِ / تَضُمُّنِي ثِيَابُ الأَكْوَاخِ الْعَارِيَةِ / كُلَّمَا مَرَرْتُ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي افْتَرَقْنَا فِيهِ / طَوَّقَتْنِي إِشَارَاتُ الْمُرُورِ فِي الْمَنَافِي / لا تُصَدِّق الْبُحَيْرَةَ إِذَا قَالَتْ إِنَّهَا تَكْرَهُنِي / دَمُنَا الأَرْصِفَةُ الدَّاكِنَةُ عَلَى الْغُصُونِ / ومَا زَالَ وَجَعِي وَاقِفَاً عَلَى بَابِ الْعِمَارَةِ / يَحْرُسُ خِيَامَ اللاجِئِينَ / وَالْكُرْسِيَّ الْمُتَحَرِّكَ لِجَارِنَا / وَالْجُنُونُ يَنْشُرُ الْغَسِيلَ عَلَى حِبَالِي الصَّوْتِيَّةِ / وَمَقُولاتِ الأسْفَلْتِ الشَّاهِدِ عَلَى اغْتِيَالِ الْمَاءِ / يَا وَطَنَاً تَتَكَسَّرُ فِي أُذُنَيْهِ الأَنْهَارُ كَأَعْوَادِ الثِّقَابِ / خُذْنِي إِلَى بَرِيقِ السُّيوفِ الْمُعَلَّقَةِ فِي سَقْفِ حَلْقِي / أَعْلَنَت الشَّمْسُ وَصِيَّةَ الْفَرَاشَةِ / فانتَظِرُوا الْفَجْرَ الْقَادِمَ مِنْ جُرْحِي / بَعْثَرَنِي الْمَسَاءُ عَلَى حِبَالٍ مِنَ الْكِتَّانِ / مَجْدُولَةٍ مِنْ ضَوْءِ الْيَنَابِيعِ / أَجُرُّ حُرُوفَ الْجَرِّ بِأَصَابِعِ دُمْيَةٍ قُطْنِيَّةٍ / تَغْسِلُ حِجَارَةَ النَّيَازِكِ بِعَرَقِ الْوُرُودِ/ بَيْنَنَا حُدُودٌ لِلْفُلِّ وَالْمَقَاصِلِ / تَدْخُلُ أَفْكَارُ الصَّحَارِي فِي ثُقْبِ إِبْرَةٍ / نَسِيَهَا الطُّوفَانُ فِي قَمِيصِي / فأركضُ نَحْوَ غَابَاتٍ تَحْتَرِفُ النِّسْيَانَ / وَتَحْتَرِقُ فِي دِمَاءِ الشَّفَقِ / جَرَسٌ غَامِضٌ مَزْرُوعٌ فِي بَابِ جُرْحِي / كُلَّمَا تَنَاثَرَتْ أَعْضَائِي عَلَى جُدْرَانِ الْمَجَرَّةِ/ احْتَوَتْ حُرُوفِي أَبْجَدِيَّةُ الْبَحْرِ / خُذُوا مَا سَقَطَ مِنْ إِنْسَانِيَّةِ الرَّمْلِ تِذْكَارَاً / لأَيَّامٍ تَنْسِجُ الصَّخْرَ الزَّيْتِيَّ قِناعاً لِلْوَجْهِ الْمُلْتَصِقِ / عَلَى زُجَاجِ الْحَافِلاتِ / وَالشَّحَّاذُونَ يُقَبِّلُونَ مَنَادِيلَ الْبَيْلَسَانِ السَّاقِطَةَ فِي حُفَرِ الْمَجَارِي / يَرِنُّ الْمَسَاءُ كَالْجَوَّافَةِ الثَّائِرَةِ فِي مَيَادِينِ الْعُمرِ/ هَلْ يَذْكُرُ خَشَبُ الْمَرَاكِبِ أَشْكَالَ جُثَثِ الْبَحَّارَةِ الْمُبْحِرَةِ فِي الصُّوفِ الصَّخْرِيِّ ؟ / لا رَمَدٌ حَوْلَ عُيُونِ الْبُحَيْرَةِ وَلا تِلالٌ /
     فِي قَرْيَةٍ مَحْمُولَةٍ عَلَى أَكْتَافِ السُّنُونُو / يَغْفُو النَّهْرُ كَالْعَذْرَاءِ الْعَائِشَةِ مَعَ مُسَدَّسَاتِ خَطِيبِهَا / أَسْتَيْقِظُ عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ / صَارِخَاً فِي التِّلالِ الْمُجَاوِرَةِ / اذْكُرِينِي مِثْلَمَا يَذْكُرُ الْمَنْبُوذُ ابْنَةَ عَمِّهِ الْجَرِيحةَ / إِنَّهُ الصُّرَاخُ وَجْهَانِ مُنْحَرِفَانِ عَنْ خَطِّ الاسْتِوَاءِ / سَأَتْرُكُ جُفوني عَلَى حُدُودِ الْمُذَنَّبَاتِ / وَأَذْهَبُ إِلَى صَلاةِ الْعَصْرِ فِي غَابَةِ الشُّمُوسِ / أَحْبَبْتُ دَمَاً يَتَقَلَّصُ تَدْرِيجِيَّاً فِي طُبُولِ الْقَبَائِلِ الْمَهْزُومَةِ / ولم تَعْشَق المراعي مِزْمَارَ الرَّاعِي/ وَهَذَا حَقُّهَا الْمَكْفُولُ فِي دُسْتُورِ مَذْبَحَتِي/ كِتَابٌ أَلَّفَهُ الرَّعْدُ/ فَقَرَأَهُ الْيَنْبُوعُ بَعْدَمَا تَقَاعَدَ مِنَ الْوَظِيفَةِ الْحُكُومِيَّةِ / هَذِي بِلادِي تَصْلُبُنِي كُلَّ يَوْمٍ / لأَنِّي أُحِبُّهَا أَكْثَرَ مِنْ تَارِيخِ إِعْدَامِي / الملِكَاتُ يُتَرْجِمْنَ مِشْنَقَتِي إِلَى لُغَةٍ يَفْهَمُهَا الْعَصْفُ / وَلا يَفْهَمُهَا بُرْجُ الْمُرَاقَبَةِ فِي الْمُعْتَقَلاتِ السِّرِّيةِ / اجْمَعْنِي تَرَ قِلاعَ الذِّكْرَى تُرَفْرِفُ حَوْلَكَ / كَمِقْصَلَةٍ تَائِهَةٍ تُفَتِّشُ عَنْ رَأْسٍ مَقْطُوعٍ / لِلزَّهْرِ لَمَعَانُ الْخَنَاجِرِ عَلَى رِقَابِ الْعَبِيدِ / إِنَّ رُومَا أَقْبِيَةُ الْجَوَارِي خَارِجَ مَمْلكةِ الحشَراتِ/ ثَارَ النَّزِيفُ فِي غَيْمٍ يَتَكَدَّسُ عَلَى حَبْلِ غَسِيلٍ / لِي وَرْدَةُ الْقَتْلَى وَوَصِيَّةُ الْقَتِيلِ / إِلَى قَلَمِ الرَّصَاصِ تَمْشِي الرُّؤُوسُ الآيِلَةُ لِلسُّقُوطِ / وَالْعُشْبُ يَبْصُقُ عَلَى الْبَلاطِ / وَيَمْشِي كَأَنَّهُ أُهْزُوجَةُ الْغُبَارِ الْبُرُونزِيِّ / لا شَيْءَ فِي غُبَارِ مَكْتَبَةِ الصَّحْرَاءِ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْمَقَاصِلَ /
     تَرَيَّثْ قَلِيلاً أَيُّهَا الْمَوْجُ/ أَمْهِلْنِي حَتَّى أُجَهِّزَ أَشْلائِي/ لِحُضُورِ احْتِفَالاتِ الْعِيدِ الْوَطَنِيِّ لِلْخَوْخِ/ مَا جَدْوَى الْحُبِّ إِذَا لَمْ يَجِدْ شَجَرَاً يُظَلِّلُهُ ؟ / سَلامٌ لِبِنْتٍ قَدَّمَهَا أَهْلُهَا عَلَى الْمَذْبَحِ / لِغُصْنٍ يَطْلُعُ مِنْ أَرَقِ الْمَجَرَّاتِ / لا أَبْنَاءَ لِي يَرِثُونَ مَجْزَرَةَ أَبِيهِم/ يَا أَيُّهَا الْوَطَنُ الْمُعَبَّأُ فِي زُجَاجَاتِ الْعَصِيرِ الذَّاهِبَةِ إِلَى التَّصْدِيرِ / أَنَا الْوَدَاعُ الرَّصَاصِيُّ فِي الْمَرْفَأ الْمَهْجُورِ / فَلا تُوَدِّعْنِي إِذَا رَأَيْتَ مَشْرَحَتِي عَلَى أَطْرَافِ الْمَجْمُوعَةِ الشَّمْسِيَّةِ / لِي ذُهُولُ الأَطْفَالِ الشَّاهِدِينَ عَلَى شَنْقِ أُمَّهَاتِهِم / وَدَهْشَةُ بَنَاتِ حَيِّنَا / وَهُنَّ يَنْتَظِرْنَ الْخَاطِبِينَ وَرَاءَ سَتَائِرِ الْجُرْحِ الْمَعْدَنِيِّ / أَعْطَيْتُ أَنِينِي لِلأَشْجَارِ النَّازِفَةِ / وَالْتَحَفْتُ صَوْتِي وَجَعَ الْعَاصِفَةِ / أيُّها الوَطَنُ التَّائهُ بَيْنَ أعْوادِ الثِّقابِ وَأعْوادِ المشانِقِ / أيَّتها القُرى المنسيَّةُ بَيْنَ حِبَالِ الغسيلِ وَحِبَالِ المشانِقِ/ يَا جُثتي الْمُتَعَفِّنةَ في البَراري الذَّهبيةِ / ازْرَعي السَّنابلَ في إِطاراتِ السَّياراتِ العَسْكريةِ / أيَّتها المرأةُ الوَاثقةُ مِن نَفْسِها/ سَيَأكلُ دُودُ المقابرِ ثَدْيَيْكِ / فَمَا مَعْنى سَرطانِ الثَّدْي ؟/ جَسَدي هُوَ القَفَصُ / وَالعُصْفورُ مَاتَ /سَجَّاني خَجُولٌ / وَالسَّيافُ نباتِيٌّ / خَانتني الرِّمالُ المتحرِّكةُ/ وَالحضارةُ على كُرْسِيٍّ مُتَحَرِّكٍ/ وَيَصْنَعُ الضَّبابُ قُمَاشَ الأعلامِ الْمُنَكَّسةِ مِن رُموشِ الأطفالِ/ يَا بِلادي المكْسُورةَ مِثْلَ مَشَاعِرِ المومساتِ/ أنا الغُموضُ الأبديُّ/ مِرْآتي كُسِرَتْ / وَالتَّفاحةُ أُكِلَتْ / وَنيوتُنُ ماتَ / وَبِلادي التي شَبِعَتْ مِن الموْتِ / لا تزالُ على قَيْدِ الحياة ! .