09‏/08‏/2019

خطة الإرهابي محمد بن سلمان لمواجهة تركيا

خطة الإرهابي محمد بن سلمان لمواجهة تركيا

للكاتب / إبراهيم أبو عواد

..............

     إن المشكلة الأساسية التي يُعاني مِنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، هي اعتباره السياسة شكلًا للثأر والانتقام وكسر العظام . وهذه المعاني أبعد ما تكون عن السياسة ، لأن السياسة لَيست لُغة العنف، وإنما هي لغة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة . وفي السياسة ، لا توجد مشاعر رومانسية ، ولا أحاسيس دافئة، بَل يُوجد حوار ونقاش وابتسامات ( حقيقية أو مُصْطَنَعَة ) للوصول إلى نُقطة مشتركة في مُنتصف الطريق، تُحقِّق مصالح الطرفين .
     والمُرَاهَقَة السياسية ذات تكلفة عالية ، ولها ضريبة باهظة يجب دفعها. والعربُ تقول : آخِر الدَّواء الكَي . أي إن كَي الجُرح بالنار هو الخيار الأخير لا الأوَّل . وفي السياسة ، تكون الحربُ هي الخيار الأخير لا الأوَّل. ومعرفةُ الأولويات ضرورة أساسية في عِلْم السياسة، لكيلا تَختلط الأمور، وتَخرج عن السيطرة ، ويفوت الأوان، وعندئذ ، لا يَنفع الندم . والعِنادُ والمُكَابَرَة ورفض مَشورة أهل الخِبرة والاختصاص مِن عوامل انهيار الدُّوَل وسُقوط الأنظمة . والدولةُ إذا ذَهَبَتْ لا تَعُود ، وإنما يَحُل مكانها دَولة أُخرى . وهذا التعاقب يمكن مُلاحظته بسهولة أثناء دراسة تاريخ الأمم والشعوب والدُّوَل والحضارات .
     وفي هذا السياق ، تبرز عبارة لمعاوية بن أبي سُفيان في غاية الأهمية، تُعبِّر عن فهم الأولويات ، وتُعْتَبَر مِن أركان عِلْم السياسة ، حيث يقول : (( لا أضع سَيفي حيث يكفيني صَوْتي، ولا أضع سَوْطي حيث يَكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين الناس شَعْرة ما انقطعت ، كُنتُ إذا مَدُّوها خَلَّيْتُها ، وإذا خَلَّوْها مَددتها )) .
     وفي الآونة الأخيرة ، تداولت وسائل الإعلام خبرًا يتعلَّق بوجود خُطة سعودية إستراتيجية ترمي إلى إسقاط الرئيس التركي أردوغان ، وإنهاء النفوذ التركي في المنطقة . ومِن الواضح أن محمد بن سلمان يُريد الانتقام مِن أردوغان شخصيًّا، والثأر لكرامته ، ورد الصاع صاعَيْن ، بسبب هُجوم أردوغان عليه بعد عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول .
     وقد امتصَّ النظامُ السعودي الصدمةَ ، ولم يَستطع أردوغان تدويل قضية خاشقجي ، ولم يَستطع الكونغرس الأمريكي مُحاسبة محمد بن سلمان المسؤول الأول عن قتله ، وذلك بسبب فيتو الرئيس الأمريكي ترامب ، وحمايته للنظام السعودي ، وتبنِّيه لمحمد بن سلمان ، مُقابل مليارات الدولارات وصفقات الأسلحة . وقد استنتجت المخابرات الأمريكية أن مِن المُؤكَّد أن محمد بن سلمان اطَّلَعَ على عملية اغتيال خاشقجي ، وأجازها ، ولا يُمكن أن تقع هذه العملية دُون عِلْمه أو مُشاركته .
     كما أن أغنيس كالامارد مُقرِّرة الأمم المتحدة المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء ، خلصت بشكل مستقل إلى أن ولي العهد السعودي هو الذي أمر بقتل خاشقجي . 
     والنظامُ السعودي المُخْتَزَل في شَخْص محمد بن سلمان ، يَلعب بالنار ، ويَدخل في مُغامرة مجهولة العواقب أقرب إلى المُقامَرة ، حيث إنه يتحدَّى دولة مهمة في المنطقة ، ذات وزن كبير . وتركيا ليست دولةً عربية يُمكن تَجويعها ، أو قطع المساعدات المالية السعودية عنها ، أو منع تزويدها بالنفط السعودي .
     إن تركيا التي تَحَدَّت أمريكا ، واشترت منظومة إس _ 400 الروسية ، ولم تستطع أمريكا تركيعها ولا فرض عقوبات عليها ، ليست مِثل السعودية التي يتلقَّى ملكها الإهانات والشتائم مِن ترامب أمام وسائل الإعلام التي يُشاهدها الملايين ، وعلى الهواء مُباشرة، ولا يَستطيع المَلِك ولا ولي العهد أن يُدافعا عن هَيبة النظام السعودي أو مكانة العائلة الحاكمة . 
     وخُطة النظام السعودي بسيطة وبدائية وساذجة إلى حد بعيد ، ويُمكن تخليصها كالتالي : أ _ إشغال أردوغان بالأزمات الداخلية . ب _ دعم المعارضة التركية لإسقاط أردوغان . ج _ إنهاء الاستثمارات السعودية في تركيا ، والتي لا تزيد عن مليارَي دولار . د _ عدم استيراد الخضار والفواكه والمنسوجات من تركيا . ه _ منع السُّياح السعوديين من الذهاب إلى تركيا .
     إن السعودية الغارقة في مشكلاتها الداخلية والخارجية ، تحاول الهروب إلى الأمام ، باختراع صراع وهمي معَ تركيا ، فلماذا لا تُحاول السعودية التعاون مع تركيا ( الدولة الكبيرة ذات الوزن الإقليمي ) ، وجذبها إلى صفِّها ، وتشكيل محور سياسي معها ، لتحقيق فوائد مشتركة، في ظِل الأزمات السعودية المُتكاثرة ؟ .
     إن الاقتصاد السعودي يُعاني من الانكماش وهروب رُؤوس الأموال ، والعائلة الحاكمة مُنقسمة ، والمؤسسة الدينية منبوذة ومُهمَّشة، والشعب السعودي مُنقسم بين المُحافظين والليبراليين المُؤيِّدين لسياسة الانفتاح ( الرقص والغناء والحفلات الموسيقية والمُصارعة ... إلخ ) . وإيران تتحكَّم بمضيق هُرمُز ، وتُسيطر على مياه الخليج ، والحوثيون يقصفون السعودية بالصواريخ . وبعد خمس سنوات من الحرب السعودية على اليمن واليمنيين ، كانت النتيجة انتصار الحوثيين ، وعَجْز السعودية عن حماية نفْسها ، وطلبها الحماية مِن الرئيس الأمريكي ترامب الذي أرسلَ 500 جندي أمريكي ، إلى قاعدة الأمير سلطان بن عبد العزيز جنوب شرق الرياض . وهل 500 جندي أمريكي سَيَحْمُون السعودية التي يَبلغ عدد قواتها المُسلَّحة رُبع مليون جندي ؟ .
     إن النظام السعودي يُدمِّر نفْسه بنفْسه بانتهاج سياسات طائشة تُشكِّل خطرًا عليه في المقام الأول ، وقد خَسرت السعودية مكانتها بين العرب والمسلمين ، وصار يُنظَر إليها كعَدُوَّة للعرب وصديقة لإسرائيل ، التي صار يُنظَر إليها كدولة سُنِّية مُعتدلة ضمن المحور السعودي الإماراتي لمُواجهة إيران ، معَ أن الإمارات تركت السعودية وَحْدَها في اليمن ، وذَهبت كي تتقارب مع إيران ! .
     وبعد كُل هذه المشكلات السعودية التي ليس لها حَل ، يُخطِّط محمد بن سلمان لمواجهة تُركيا ( ثاني أكبر قُوة عسكرية في حِلْف الناتو بعد أمريكا ) ، وهو عاجز عن حماية الأراضي السعودية من صواريخ الحوثيين بدائية الصُّنع ! . فهل هذه هي الإستراتيجية السياسية والخُطَّة الإقليمية المناسبة كَي تُصبح السعودية قُوَّة عُظمى والمُتحدِّثة الوحيدة باسم الإسلام والمسلمين ؟ .
     لو كانت السعودية دولة عُظمى لَمَا طَلبت إرسال 500 جندي أمريكي إلى قاعدة عسكرية في الصحراء . إن السعودية دولة تتآكل، وقد اتَّسع الفَتْق على الراتق. وهي دولة تفقد مكانتها العالمية والإقليمية شيئًا فشيئًا . وليس أدل على ذلك مِن تصريح رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد ، الذي قال إنه يمكن النهوض بالحضارة الإسلامية مُجَدَّدًا بالتعاون بين ماليزيا وتركيا وباكستان ، في ظل التحديات التي تُواجه الدول الإسلامية . ولم يَأتِ على ذِكر السعودية إطلاقًا . وهذا يعني أنه يراها دولة ضعيفة وبسيطة، غير مُؤهَّلة لقيادة العالَم الإسلاميِّ ، وليس لديها مشروع فكري ، ولا وزن في المنطقة ، يُمكِّنها مِن المُساهمة في إعادة أمجاد الحضارة الإسلامية .