02‏/08‏/2019

الجنود الألمان يغنون أغنية الفولغا / قصيدة

الجنود الألمان يُغَنُّون أغنية الفولغا / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............

     النَّهْرُ الْخَائِفُ يَقْرَأُ فِي كِتَابِ هَزِيمتِنَا / فَتَقْلِبُ الصَّفَحَاتِ جُثَّةٌ مَجْهُولَةُ الْهُوِيَّةِ / كَيْفَ يَمْشِي الْجَيْشُ وَالدُّودُ وَالأَدْغَالُ وَشَوْقُ الزَّوْجَاتِ الْخَائِنَاتِ وَالْمَدَافِنُ الْبَازِلْتِيَّةُ نَحْوَ ستالينغراد / وَكُلُّ رَاهِبَاتِ بَرْلِينَ مَرْمِيَّاتٌ فِي حَلِيبِ الأُمَّهَاتِ الْمُلَوَّثِ بِالصُّلْبَانِ / قُرْبَ نِقَاطِ التَّفْتِيشِ وَبَصَمَاتِ الأَرَامِلِ الأُمِّيَّاتِ ؟ / الْوَطْوَاطُ يُعَلِّقُ الْمَشَانِقَ لأَطْفَالِهِ الْمُتَكَلِّسِينَ / فِي قَاعِ أَوَامِرِ الْقِرْمِيدِ الْعَسْكَرِيَّةِ/ وَصَلْتُ إِلَى ضَوْءِ نِهَايَتِي / لَكِنَّ رِجَالَ الأَمْنِ لَمْ يُحَدِّدُوا مَسَارَ جِنَازَتِي / رَكَضْنَا فَسَقَطَتْ أَيَادِينَا عَلَى رُقْعَةِ الشِّطْرَنْجِ / إِغْفَاءَةُ رُعُودٍ فِي الْجُلُودِ الْخَشِنَةِ / مَا جِنْسِيَّةُ مَصَابِيحِ الْمُشَيِّعِينَ الْخَارِجِينَ مِنْ أَوْحَالِ النَّهْرِ الْمُطْفَأ ؟ / أَرَى عُيُونِي وَنَظَرَاتِ الْمَهَا خُطَّةً وَاقِعِيَّةً لِتَحْرِيرِ الأَنْدَلُسِ / كَوَاكِبُ شِعْرِي تَتَقَيَّأُ عَلَى سَطْحِ الْمَخْفَر/ رَغْوَةُ الدَّمِ الَّذِي يُعَادُ تَكْرِيرُهُ / بَرِيقُهُ الأجْرَاسُ / انْتَحَرَ الْحُرَّاسُ/ فَأَحِبِّينِي يَا كَشْمِيرُ / كَيْ نَحْيَا مَعَاً وَأَمُوتُ وَحْدِي /

     أَيَّتُهَا الْبَغَايَا الآتِيَاتُ مِنْ جُنُونِ الْبِلاستيكِ / وَاللافَرَاشَةِ فِي اللاوَطَنِ / ارْحَمْنَ الزَّبَائِنَ قَلِيلاً / لِتَهْدَأَ مُحَرِّكَاتُ سَيَّارَاتِ نَقْلِ السُّجَنَاءِ الدَّائِرَةُ / فِي حَارَاتِ دِمَاغِي / لَسْتُ لِطُوبِ الْمَحَاكِمِ أَقْوَاسَ نَصْرٍ / ارْحَمِينِي أَيَّتُهَا النَّظَّارَاتُ الطِّبِّيةُ عَلَى عُيُونِ القُشَعرِيرَةِ / أَكْوَامُ النِّفَايَاتِ فِي مَوْعِدِ وِلادَةِ أَثِينَا عَلَى سَرِيرِ الْعَارِ / الْمَوْلُودِ مِنْ أَحْجَارِ الْمَدْفَنِ / وَرَقُ غَارٍ مُشَقَّقٌ فِي دُخَانِ السَّجَائِرِ الْمُلْقَاةِ عَلَى الْبَلاطِ / بَعْدَ انْتِحَارِ الفَتَيَاتِ في الخريفِ الغامِضِ /
     جِسْمِي / وَأَيْنَ جِسْمُ الأَرْضِ ؟ / فَلْيَحْيَا الْوَطَنُ الْمَعْزُولُ عَنْ أَشْجَارِ الْبُوظَةِ الْبِتْرُولِيَّةِ / أَنْتَفِضُ رَصَاصَةً / تَنْتَفِضِينَ مُسَدَّسَاً / خَاصِرَتِي لِلضَّوْءِ مَلاحِمُ / أُقَارِنُ بَلُّوطَ الزِّنكِ بِالثُّكَنَاتِ الْعَسْكَرِيَّةِ فِي سُرَّتِي / بَشَرٌ يَسْتَحِمُّونَ بِالْهَزِيمَةِ / فِي هِضَابِ الْحِبْرِ / كَأَنَّ رَصِيفَاً يَبِيعُ أَعْضَاءَ امْرَأَتِهِ قَارِبَاً قَارِبَاً / لِيُسَدِّدَ دُيُونَهُ الْمُسَجَّلَةَ عَلَى جُذُورِ الصَّنَوْبَرِ/ قِرَاءَةٌ سَرِيعَةٌ فِي مَلامِحِ الْمَوْتَى/ مُلُوكٌ لُصُوصٌ/ وَشُعَرَاءُ فَاشِلُونَ / وَنِسَاءٌ تَافِهَاتٌ/ عِنْدَمَا تَصِيرُ الْبُحَيْرَةُ مُهَنْدِسَةً مِعْمَارِيَّةً/ فَلْتُسَاعِدْنِي فِي حَفْرِ عَوَاطِفِ الصُّبْحِ بِالإِزْمِيلِ / دَمِّرُونِي يَا إِخْوَتِي بِكُلِّ إِخْلاصٍ / ثُمَّ اذْهَبُوا مَعَ عَائِلاتِكُمْ إِلَى مَرَاكِزِ التَّسَوُّقِ /
     مَضَى الْجُنْدُ نَحْوَ ثَلْجِ الظِّلالِ/ وَالْغَرْقَى يَتَصَايَحُونَ مِثْلَ أَطْفَالِهِمْ حَوْلَ الْمَوَاقِدِ/ فِي عَتَمَةِ السُّعَالِ عِنْدَ مَنْبَعِ زُرْقَةِ الْوُجُوهِ / لَمْ يَأْتِ الْبَرِيدُ يَا حَجَرَ النَّرْدِ الْوَاقِفَ فِي أَبْرَاجِ الْمُرَاقَبَةِ / الْمُطِلَّةِ عَلَى شَوَاهِدِ قُبُورِ الإِفْرَنْجِ/ طَالَ انْتِظَارُ زَوْجَاتِ الطَّيَّارِينَ الرَّاكِضِينَ إِلَى رِمال البحر / أَتَى الدَّمَارُ / مَالَ وَجْهُ الْمَغِيبِ عَلَى زَوَاجِ الْمَدَافِعِ / بَيْنَهُمْ تِذْكَارَاتٌ لِلْمَسَاءِ الطَّرِيِّ دَمْعَاً / مَاتَ النَّهَارُ فِي بُطُونِ الْحَوَامِلِ / وَضَابِطُ اللاسِلْكِي يُرْسِلُ إِشَارَاتِ دَمِهِ / لَكِنَّ أَحَدَاً لا يُجِيبُ / أَمْوَاسُ الْحِلاقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةُ تُدَرِّسُ الأَلْمَانِيَّةَ لِلْمُوسِيقِيِّينَ الْعَائِدِينَ / مِنْ مَحْبَرَةِ شَنْقِ طَوَاحِينِ الْهَوَاءِ / وَمُوسِيقَى الْجَازِ تُرَتِّبُ سَرِيرَاً لِعَشِيقَةِ هِتْلَرَ / عَلَى أَعْمِدَةِ الْكَهْرَبَاءِ فِي الْمُحِيطَاتِ / تَلَوَّثَ شَعيرُ أَبْرَاجِ الْمُرَاقَبَةِ فِي الْمُعْتَقَلاتِ/ وَالصُّبْحُ يُغَطِّي أَرْضِيَّةَ مَلاعِبِ الْبِيسبُولِ بِشَعْرِ الأَسِيرَاتِ وَالتِّبْنِ الْمَسْمُومِ/ وَتَمَدَّدَتِ الْوِدْيَانُ عَلَى مَقْعَدِي / فِي مَحَطَّةِ الْقِطَارَاتِ الْخَرْسَاءِ / أَنَّا كَارنِينَا تَخُونُ رَائِحَةَ ظِلِّهَا / وَتَذُوبُ فِي سِكَكِ الحديدِ البَلْهاءِ / كَأَنَّ الْحَطَبَ سَحَالِي تَنْقُلُ عَلَى رُمُوشِهَا كُلَّ سِلالِ الْقَمْحِ الْمَعْدَنِيِّ / وَالْقَمَرُ يَشْرَحُ لِبَنَاتِهِ قَوَانِينَ نيوتُن / " أَنَا " لا يُشْبِهُنِي / وَمُسْتَقْبَلِي وَرَائِي / فَعُدْ إِلَيَّ يَا أَنا / وَلا تَفْرُش الْعَقِيقَ السَّامَّ / عَلَى حُرُوفِ الْمِدْخَنَةِ / فِي أَرْيَافِ النَّزِيفِ /
     أَيُّهَا الْمَوْتَى الْمُكَدَّسُونَ قَطِيعَ جَلِيدٍ / فِي عَرَبَاتِ الْقِطَارِ الْخَلْفِيَّةِ / إِنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ يُخَزِّنونَ مُذَكَّرَاتِ الْخَرِيفِ الأُرْجُوَانِيِّ / فِي عَصيرِ الليمونِ / الذي تَرَكَهُ العُشَّاقُ وماتوا/ وَكَّلَتْنِي النَّبَاتَاتُ كَيْ أَبْكِيَ نِيابةً عَنها/ فَاخْتَبَأْتُ فِي ذَرَّةِ مِلْحٍ / تَتَزَوَّجُ رَغِيفَ خُبْزٍ / فِي بَراميلِ البارودِ المغشوشِ / وَالأَطْفَالُ يَلْعَبُونَ بالبنادِقِ عِندَ أضْرِحةِ آبَائِهِم الْمُوحِشَةِ / وَيَتَدَرَّبُونَ عَلَى دَفْنِ الْجُنُودِ فِي الْعُطْلَةِ الصَّيْفِيَّةِ /
     الآنَ / أُسَلِّطُ عَلَى أَثَاثِ الْجُرْحِ أَشِعَّةَ الْحُبِّ / كَيْ أَحْرِقَ الليزَرَ فِي الصَّهِيلِ / لِلضَّوْءِ ضَوْءٌ لا يَعْرِفُ أَبَاهُ / تَسْأَلُنِي الْقَاعَاتُ الْخَالِيَةُ/ وَتَسْأَلُ حَاوِيةُ القُمامةِ بَرْقُوقَ الْمَغَارَاتِ / عَنْ أَرْقَامِ الْقُبُّرَاتِ السَّجِينَةِ / هَلْ سَيَرْقُصُ الْحِصَانُ فِي صُنْدُوقِ بَرِيدٍ فَارِغٍ / أَمْ سَيَصْطَادُ الْغُزَاةُ حَرَكَاتِ رَاقِصَاتِ الْبَالِيه عَلَى دَرَجٍ نَظَّفَهُ رَمَادُ الْجُثَثِ الْمُحْتَرِقَةِ ؟ / الْعِطْرُ يَتَرَنَّحُ عَلَى بَيْضَةِ البُحَيْرةِ / لَكِنَّ الْوَرْدَةَ تُرَوِّضُ نَعَامَةً / لا تُرَوِّضُهَا بَسَاطِيرُ الشُّرْطِيَّاتِ فِي أَدْغَالِ الشَّهْوَةِ /
     أيتها الغزالةُ التي تَحْفِرُ قَبْرَها تحتَ شجرةِ التُّوتِ / أعْطي رَقْمَ قَبْرِكِ لِجُباةِ الضرائبِ / تلعبُ الأرستقراطياتُ الغولفَ في حُفَرِ قُلوبِهِنَّ / والصراصيرُ تأكلُ خُدُودَهُنَّ الناعمةَ / والرِّيحُ تَشربُ دِماءَ القَمَرِ / ماتَ الليلُ / ولم يَجِئ النهارُ /
     أيتها الراهبةُ الباكيةُ في ليالي الشِّتاءِ / التي تَنْزِفُ مُسدَّساتٍ وذِكرياتٍ / لم يَقْرَع الأجراسَ قَوْسُ قُزَحَ / ولم يَجِئْ فُرْسانُ مالطة / ماتَ الفارسُ والفَرَسُ / فاحْفَظْ جَدْولَ الضَّرْبِ لِتَحْسِبَ عَدَدَ القتلى / في أزقَّةِ الطاعون / واعْشَقْ حِصَّةَ الكِيمياءِ في مَدْرسةِ الزَّوابعِ / لِتَعْرِفَ عَناصِرَ حَبْلِ مِشْنقتي .